كيف اهتمت الشريعة الإسلامية بالوقت
تاريخ النشر: 22nd, February 2024 GMT
الوقت هو ذلك الشعاع الزمني الذي يأخذ خطا مستقيما منذ بدايته حتى نهايته، أما أعمار الناس فهي تلك الخطوط التي تمشي بموازات هذا الخط الزمني أو داخله، تبدأ منذ ولادة الإنسان إلى وفاته، فعمر الإنسان مرتبط بالعامل الزمني، ولكن يختلف إدراك الناس لأهمية هذا الوقت ومدى شعورهم بقيمته.
وقد أولى القرآن الكريم عناية خاصة بالوقت وبالحسابات الزمنية، فقد بين المولى عز وجل أن اليوم الواحد في حساب الله هو عبارة عن ألف سنة في حساب البشر، فقال تعالى في سورة الحج: "وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ" وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن المقصود بهذه الأيام التي مقدارها خمسين ألف سنة هي الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض، في حين ان ربنا عز وجل ذكر مقدار يوم القيامة وذلك في سورة المعارج فقال تعالى: "تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ".
اهتمام القرآن بالأوقات
كما أن الكتاب العزيز ذكر السنين البشرية في معرض ذكره للقصص القرأن ففي قصة سيدنا نوح ذكر أنه لبث في قومه 950 سنة فقال تعالى في سورة العنكبوت: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ". كما ذكر الله قصة الرجل الذي كان من بني إسرائيل وقد مر على قرية هجرها أهلها وأصبحت خاوية على عروشها فقال كيف يحيي الله هذه القرية بعد موتها فأماته الله مآئة عام ثم بعثه وبين له القدرة الإلهية في طريقة الإحياء فقال تعالى في سورة البقرة: " أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". كما أن الله ذكر الشهور والأيام، كما انه للدلالة على أهمية هذه الأوقات نجد الله عز وجل أقسم بها فأقسم باليل والعصر والضحى وغيرها من الأوقات.
ولو تأملنا حياة الإنسان بأكملها لوجدنا أنها عبارة عن أعمال يقوم بها أو يوزعها في إطار الوقت، فله وقت للنوم والاستيقاظ، وله وقت لطلب العيش، وجلب الرزق، وله وقت للعبادات، وله وقت للراحة وله وقت للترفيه، وله وقت لكل عمل يقوم به.
وبحكم أن الإنسان مستخلف في هذه الأرض، وأوجده الله فيها لعبادته عز وجل، فإنه سيسأله عن كل لحظة وعن كل دقيقة مرت من حياته في ماذا قضاها وكيف أنفقها، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف: لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عمرِهِ فيما أفناهُ.. وقد كان الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام والصحابة رضوان الله عليهم والتابعين والعلماء يغتنمون كل ثانية من حياتهم، في ما ينفعهم في دينهم ودنيانهم، من الكسب الحلال وطلب العلم والعبادة الدائمة، حتى في أوقات فراغهم فهذا التابعي الجليل الحسن البصري يقول: "ما يضر أحدكم إذا جلس فارغاً أن يقول للملَك اكتب يرحمك الله ثم يُملي خيراً". فكانوا يملؤون أوقاتهم بالاستغفار وقراءة القرآن وطلب العلم والبحث عن المعرفة، أو لكسب الرزق.
العلماء العمانيون والوقت
فكانت أوقاتهم مباركة وأعمالهم جليلة وإنتاجهم الفكري والمعرفي غزير، على الرقم من قلة الوسائل وندرتها، إلا أننا نجد أن مؤلفاتهم ضخمة وعميقة وحاوية لصنوف المعرفة، ولو ضربنا الأمثلة لطال المقام، ولكن لو تأملنا في علمائنا العمانيين وما أنتجوه من مؤلفات فقهية وفكرية غزيرة لوجدنا العجب العجاب، فهذا الشيخ العلامة جُمَيّل بن خميس السعدي قام بتأليف الموسوعة الفقهية الموسومة بـ "قاموس الشريعة الحاوي طرقها الوسيعة" هو أكبر وأطول كتاب كتبه العمانيون في الفقة، فلك أن تتخيل كيف لعالم في ذلك العصر أن يفرغ جهده ووقته لكتابة هذه الموسوعة الضخمة المتكونة من 90 جزءا، بخط يده، كيف تشبع من هذه المادة العلمية ليستطيع أن يجري فيها قلمه في هذا التوسع المذهل، هذا يدل على الاهتمام البالغ بالأوقات واستثمارها في ما ينفع النفس والمجتمع والأمة في الأمور الهامة.
وكذا الحال إذا جئنا إلى كتاب "بيان الشرع" للعلامة محمد بن إبراهيم الكندي الذي يقع في 71 جزءان فهؤلاء العلماء لا يكتفون بهم التأليف، فقط، وإنما يتجاوزون ذلك إلى نسخ هذه المؤلفات بخط يدهم، حتى ان بعضهم ينعكف اصبعهم السبابة بسبب طول ملازمة القلم لأصابعهم في هذه المهمة الشاقة والطويلة.
نزع البركة
ولكن يبقى السؤال لماذا نزعت البركة من أوقاتنا حتى أن سنواتنا تمر وكأنها أسابيع أو أيام، وهذا الذي نعيشه ونحسه هو مصداق لحديث الرسول صلى الله عليه وسلـم في قوله: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة" فلا بركة في الوقت، وتمر عليك السنة وكأنها البارحة، ويجري الزمن جريانا سريعا.
ولو تأملنا حالنا اليوم لوجدنا أن هواتفنا الذكية نزعت البركة من أوقاتنا، وجعلت من الأمر السهل أن تضيع وقتك وأنت مستمتع بإضاعته، وتيتمر هذه الإضاعة للوقت إلى 5 ساعات يوميا، ولو سلم المرأ من شؤم المعاصي في تلك الساعات الخمس لكان الأمر أهون، ولكن تجد في وسائل التواصل الاجتماعي بشتى أشكالها أصنافا من المعاصي والآثام التي تقسي القلب وتبعد عن الرب، وتكسب الذنوب، وتهون من الالتزام بالعبادات كالتسويف بالصلاة وأدائها بعد فوات أوقاتها، إلا من رحم الله.
فلو حسبنا تلك الساعات الخمس لوجدنا أنها تقترب من ربع اليوم، ولو حسبنا هذا الأمر على مدار السنة أي 365 يوما فلك أن تتصور أن ربع سنة في تصفح هذه الهواتف، والأدهى من ذلك أن هذا الأمر يجعل الإنسان كسولا في مزاولة الأعمال الحياتية الأخرى بالإضافة إلى الأضرار الصحية المباشرة وغير المباشرة.
فيجب على الإنسان أن يلتفت لذاته، ويضبط أوقاته بما ينفعه في دينه ودنياه، وان يجعل أوقاته عبارة عن أعمال يتخللها ترفيه وليس العكس بأن يجعلها لهو ولعب وترفيه يتخللها عمل، وقد أقبل علينا موسم عظيم وهو شهر رمضان المبارك فيجب أن نلتفت فيه إلى مسألة ضبط الأوقات والتزود فيه من العبادات والطاعات، فنحن لم نخلق عبثا، ولم نترك سدى.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فقال تعالى فی سورة عز وجل
إقرأ أيضاً:
العافية والمرض؛ وجهان لمسار واحد
الدكتور نبيل الكوفحي
…
في حالات المرض تتوفر للإنسان ساعات خلوة وتفكير يستغفر فيها ويلح في الدعاء، كما يفكر فيها ايضا ويغوص في بعض المعاني العميقة لحالة الابتلاء.
الإنسان بفطرته يحب العافية والراحة والغنى، ويكره المرض والتعب والفقر، لذلك جاء في الحديث الشريف الأدعية: ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين، وقهر الرجال) وجاء ايضا ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ)، وغيرها من الادعية الشريفة.
نؤمن نحن المسلمون وربما اخرون غيرنا ان حكمة الله اقتضت الابتلاء كما في قوله (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )، وقد ربط مفهوم الابتلاء بحقيقة الموت للدلالة على اهمية الايمان بها كما الايمان بحقيقة الموت التي لا ينكرها إنسان قط حتى الملاحدة الذين لا يقرون بوجود الخالق سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا. والعبرة واحدة ان البشر اليه يرجعون وسيحاسبون على أعمالهم شرها وخيرها، كما في الآية: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ).
لذلك جاء الحديث الشريف الذي يوجّه لطبيعة الاستجابة المطلوبة لكلا الحالتين؛ قال ﷺ: ( عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ). فأمام تلك الحقيقة في حتمية الابتلاء بوجهيه، لا بد ان يكون الشكر في حالة السراء والصبر في حالة الضراء. الأمر ينسحب على حالات المرض والفقر والعذاب والجهاد وغيرها من الحالات التي يكرهها الإنسان. لذلك كان الايمان العميق بالله التسليم بوقوعها على انها خير والسعي لزوالها او علاجها كما في قوله تعالى ( واذا مرضت فهو يشفين) وقوله صلى الله عليه وسلم قال:( تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم).
هذا الايمان العميق يعين الإنسان على الصبر والقبول النفسي به كما وجهنا الله سبحانه بقوله ( قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَىٰنَا ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ). فقد ذكر القدر بقوله ( كتب الله لنا) ولم يقل ( كتب الله علينا) للدلالة ان الله كتب الخير لنا كمؤمنين ، وعلينا الرضا بذلك والسعي كما أمر بالعلاج حالة المرض، والجهاد في حالة العدوان والاحتلال.
ما ينبغي الاشارة له اخيرا ان الاصل كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه (قُلتُ يا رسولَ اللهِ: عَلِّمْني شيئًا أسأَلُهُ اللهَ تعالى، قال: سَلوا اللهَ العافيةَ) . وان حالة المرض او الابتلاء بشكل عام انما تطهر الإنسان من المرض كما الذنوب في حال صبره وسعيه للعلاج، لذلك جاء في الحديث (طهور إن شاء الله،).
نسأل لكم العفو والعافية ودوام الصحة وراحة البال.