لجريدة عمان:
2025-04-30@20:00:59 GMT

كيف اهتمت الشريعة الإسلامية بالوقت

تاريخ النشر: 22nd, February 2024 GMT

كيف اهتمت الشريعة الإسلامية بالوقت

الوقت هو ذلك الشعاع الزمني الذي يأخذ خطا مستقيما منذ بدايته حتى نهايته، أما أعمار الناس فهي تلك الخطوط التي تمشي بموازات هذا الخط الزمني أو داخله، تبدأ منذ ولادة الإنسان إلى وفاته، فعمر الإنسان مرتبط بالعامل الزمني، ولكن يختلف إدراك الناس لأهمية هذا الوقت ومدى شعورهم بقيمته.

وقد أولى القرآن الكريم عناية خاصة بالوقت وبالحسابات الزمنية، فقد بين المولى عز وجل أن اليوم الواحد في حساب الله هو عبارة عن ألف سنة في حساب البشر، فقال تعالى في سورة الحج: "وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ" وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن المقصود بهذه الأيام التي مقدارها خمسين ألف سنة هي الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض، في حين ان ربنا عز وجل ذكر مقدار يوم القيامة وذلك في سورة المعارج فقال تعالى: "تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ".

اهتمام القرآن بالأوقات

كما أن الكتاب العزيز ذكر السنين البشرية في معرض ذكره للقصص القرأن ففي قصة سيدنا نوح ذكر أنه لبث في قومه 950 سنة فقال تعالى في سورة العنكبوت: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ". كما ذكر الله قصة الرجل الذي كان من بني إسرائيل وقد مر على قرية هجرها أهلها وأصبحت خاوية على عروشها فقال كيف يحيي الله هذه القرية بعد موتها فأماته الله مآئة عام ثم بعثه وبين له القدرة الإلهية في طريقة الإحياء فقال تعالى في سورة البقرة: " أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". كما أن الله ذكر الشهور والأيام، كما انه للدلالة على أهمية هذه الأوقات نجد الله عز وجل أقسم بها فأقسم باليل والعصر والضحى وغيرها من الأوقات.

ولو تأملنا حياة الإنسان بأكملها لوجدنا أنها عبارة عن أعمال يقوم بها أو يوزعها في إطار الوقت، فله وقت للنوم والاستيقاظ، وله وقت لطلب العيش، وجلب الرزق، وله وقت للعبادات، وله وقت للراحة وله وقت للترفيه، وله وقت لكل عمل يقوم به.

وبحكم أن الإنسان مستخلف في هذه الأرض، وأوجده الله فيها لعبادته عز وجل، فإنه سيسأله عن كل لحظة وعن كل دقيقة مرت من حياته في ماذا قضاها وكيف أنفقها، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف: لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عمرِهِ فيما أفناهُ.. وقد كان الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام والصحابة رضوان الله عليهم والتابعين والعلماء يغتنمون كل ثانية من حياتهم، في ما ينفعهم في دينهم ودنيانهم، من الكسب الحلال وطلب العلم والعبادة الدائمة، حتى في أوقات فراغهم فهذا التابعي الجليل الحسن البصري يقول: "ما يضر أحدكم إذا جلس فارغاً أن يقول للملَك اكتب يرحمك الله ثم يُملي خيراً". فكانوا يملؤون أوقاتهم بالاستغفار وقراءة القرآن وطلب العلم والبحث عن المعرفة، أو لكسب الرزق.

العلماء العمانيون والوقت

فكانت أوقاتهم مباركة وأعمالهم جليلة وإنتاجهم الفكري والمعرفي غزير، على الرقم من قلة الوسائل وندرتها، إلا أننا نجد أن مؤلفاتهم ضخمة وعميقة وحاوية لصنوف المعرفة، ولو ضربنا الأمثلة لطال المقام، ولكن لو تأملنا في علمائنا العمانيين وما أنتجوه من مؤلفات فقهية وفكرية غزيرة لوجدنا العجب العجاب، فهذا الشيخ العلامة جُمَيّل بن خميس السعدي قام بتأليف الموسوعة الفقهية الموسومة بـ "قاموس الشريعة الحاوي طرقها الوسيعة" هو أكبر وأطول كتاب كتبه العمانيون في الفقة، فلك أن تتخيل كيف لعالم في ذلك العصر أن يفرغ جهده ووقته لكتابة هذه الموسوعة الضخمة المتكونة من 90 جزءا، بخط يده، كيف تشبع من هذه المادة العلمية ليستطيع أن يجري فيها قلمه في هذا التوسع المذهل، هذا يدل على الاهتمام البالغ بالأوقات واستثمارها في ما ينفع النفس والمجتمع والأمة في الأمور الهامة.

وكذا الحال إذا جئنا إلى كتاب "بيان الشرع" للعلامة محمد بن إبراهيم الكندي الذي يقع في 71 جزءان فهؤلاء العلماء لا يكتفون بهم التأليف، فقط، وإنما يتجاوزون ذلك إلى نسخ هذه المؤلفات بخط يدهم، حتى ان بعضهم ينعكف اصبعهم السبابة بسبب طول ملازمة القلم لأصابعهم في هذه المهمة الشاقة والطويلة.

نزع البركة

ولكن يبقى السؤال لماذا نزعت البركة من أوقاتنا حتى أن سنواتنا تمر وكأنها أسابيع أو أيام، وهذا الذي نعيشه ونحسه هو مصداق لحديث الرسول صلى الله عليه وسلـم في قوله: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة" فلا بركة في الوقت، وتمر عليك السنة وكأنها البارحة، ويجري الزمن جريانا سريعا.

ولو تأملنا حالنا اليوم لوجدنا أن هواتفنا الذكية نزعت البركة من أوقاتنا، وجعلت من الأمر السهل أن تضيع وقتك وأنت مستمتع بإضاعته، وتيتمر هذه الإضاعة للوقت إلى 5 ساعات يوميا، ولو سلم المرأ من شؤم المعاصي في تلك الساعات الخمس لكان الأمر أهون، ولكن تجد في وسائل التواصل الاجتماعي بشتى أشكالها أصنافا من المعاصي والآثام التي تقسي القلب وتبعد عن الرب، وتكسب الذنوب، وتهون من الالتزام بالعبادات كالتسويف بالصلاة وأدائها بعد فوات أوقاتها، إلا من رحم الله.

فلو حسبنا تلك الساعات الخمس لوجدنا أنها تقترب من ربع اليوم، ولو حسبنا هذا الأمر على مدار السنة أي 365 يوما فلك أن تتصور أن ربع سنة في تصفح هذه الهواتف، والأدهى من ذلك أن هذا الأمر يجعل الإنسان كسولا في مزاولة الأعمال الحياتية الأخرى بالإضافة إلى الأضرار الصحية المباشرة وغير المباشرة.

فيجب على الإنسان أن يلتفت لذاته، ويضبط أوقاته بما ينفعه في دينه ودنياه، وان يجعل أوقاته عبارة عن أعمال يتخللها ترفيه وليس العكس بأن يجعلها لهو ولعب وترفيه يتخللها عمل، وقد أقبل علينا موسم عظيم وهو شهر رمضان المبارك فيجب أن نلتفت فيه إلى مسألة ضبط الأوقات والتزود فيه من العبادات والطاعات، فنحن لم نخلق عبثا، ولم نترك سدى.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فقال تعالى فی سورة عز وجل

إقرأ أيضاً:

نيفين مختار: أحكام الميراث في الشريعة لتنظيم العلاقات المالية.. والتلاعب بالأحكام الإلهية خطير

أكدت الدكتورة نيفين مختار، الداعية بوزارة الأوقاف، أن أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية جاءت لتنظيم العلاقات المالية بين البشر وضمان العدالة، محذرة من التلاعب بتلك الأحكام الإلهية لما له من تبعات أخروية خطيرة.

دينا أبو الخير: غياب الزوج الطويل يهدد استقرار الأسرة ويوقعه في الإثم

وقالت الدكتورة نيفين مختار، خلال لقائها مع الإعلامية آية شعيب، والإعلامي شريف نور الدين، في برنامج "أنا وهو وهي"، المذاع على قناة «صدى البلد»، إن أحكام الميراث ليست محل اجتهاد بشري أو رأي شخصي، مؤكدة أن الله تعال لا يُسأل عن حكمًا وضعه.

وأضافت أن الهدف من تشريع الميراث هو حماية الحقوق ومنع التعدي على الغير، خاصة فيما يتعلق بالبنات، لافتة إلى أن بعض العادات لا تزال قائمة في بعض المناطق الريفية بحرمان الإناث من حقوقهن الشرعية.

وأشارت إلى أن كتابة الآباء أملاكهم لبناتهم في حياتهم جائز شرعًا طالما النية تأمين مستقبل البنات الضعيفات.

وأوضحت أن المال ما دام في حياة الشخص يحق له وهبه لمن يشاء، بشرط أن تكون النية خالصة، لا بغرض حرمان أحد ظلماً، مشيرة إلى أن الوزر يقع فقط إذا كانت النية الإضرار أو الإنتقام ممن قد يرثون، مؤكدة أن النية هي الفيصل في هذا الأمر.

طباعة شارك نيفين مختار أحكام الميراث الدكتورة نيفين مختار آية شعيب صدى البلد تشريع الميراث

مقالات مشابهة

  • أمين الإفتاء إلى الآباء: هذه الأعمال سبب في حفظ الله للأبناء وأموالهم
  • أمين الإفتاء: الشريعة جعلت لـ المرأة نفقة الأقارب لحمايتها
  • هل تكرار الذنب يحرم الإنسان من استجابة الدعاء؟.. اعرف رأي الشرع
  • الحصار الاقتصادي.. أحكامه وآثاره الفقهية.. بين فقه الواقع ومقاصد الشريعة الإسلامية
  • هل دورات المياه مسكن للشياطين؟.. خالد الجندى يوضح
  • نيفين مختار: أحكام الميراث في الشريعة لتنظيم العلاقات المالية.. والتلاعب بالأحكام الإلهية خطير
  • صاحب تريند إطعام الكلاب يروي قصة الفيديو: بدأت بسبب قطة عمياء.. فيديو
  • بقيمة 5.8 مليار جنيه.. الرقابة المالية توافق على إصدارين لصكوك متوافقة مع الشريعة الإسلامية
  • توصيات المؤتمر الدولي الخامس لكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر
  • هاني تمام: مرونة الشريعة الإسلامية تؤكد صلاحيتها لكل زمان ومكان