هل وصَلَت غزّة والمنطقة إلى مرحلة اللّا عَوْدة؟
تاريخ النشر: 22nd, February 2024 GMT
شهدت القاهرة نشاطاً لافتاً بزيارة وفد من حركة حماس برئاسة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، في وقت سيصل فيه مستشار الرئيس الأمريكي المعني بالملف الإسرائيلي بريت ماكغورك، في ظل الحديث عن زيارة وفد إسرائيلي إلى القاهرة للبحث في اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى المتعثّر بسبب تعنّت الحكومة الإسرائيلية ورئيسها نتنياهو الذي يُطالب بتسليم الأسرى الإسرائيليين لدى القسّام والمقاومة مقابل تسهيلات إغاثية فقط، مع إصراره على استمرار العدوان ورفضه انسحاب جيش الاحتلال ورفع الحصار وعودة النازحين وإعادة الإعمار، حتى تحقيق أهداف الحرب بالقضاء على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية في سياق يُفضي واقعياً لإبادة وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه وفقاً لسلوكيات ومواقف حكومة الاحتلال ووزرائها وجيشها.
لقد شهد مسار المفاوضات تعقيدات وتحدّيات متعدّدة، لا سيّما بعد أن تابعنا مواقف الوسطاء المتباينة تجاه أطراف الصراع من الفلسطينيين والإسرائيليين؛ فماجد الأنصاري الناطق باسم الخارجية القطرية ردّ على مطالبة نتنياهو لقطر بالضغط على حركة حماس للإفراج عن الأسرى، في إشارة إلى أن الدوحة منحازة لحماس؛ بأن نتنياهو يهرب من أزماته السياسية ليطيل أمد الحرب، مقابل موقف آخر لوزير الخارجية المصري سامح شكري، هاجم فيه حركة حماس بعد مداخلة لوزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني في مؤتمر ميونيخ عندما وصفت حماس بالمشكلة وبأنها لا يمكن أن تكون جزءاً من الحل، فتساوق معها بالقول أن حماس لا تمثل الأغلبية التي تنشد السلام وبأنها خارج الإجماع الفلسطيني، وطالب بمحاسبة من يدعمها، وكأنه يبرر للاحتلال ما يفعل بالفلسطينيين في غزة، وكأنه يؤيّد عقاب الفلسطينيين على موقفهم المناهض للاحتلال بالقوّة المشروعة، ما يرسم علامة استفهام على دور القيادة المصرية كوسيط نزيه ومحايد، بانحياز وزير خارجيتها سامح شكري للاحتلال وسياساته ضد غزة، وهذا ما يجعل البعض يفسّر سبب استمرار إغلاق معبر رفح في وجه المساعدات الإنسانية والإغاثية، فوزير خارجية مصر جعل من بلده وفقاً لتصريحاته، ليس عاجزاً عن إدخال المساعدات، وإنما متفهّماً لرغبة إسرائيل ومتساوقاً معها في فرض الجوع والعطش على الفلسطينيين الذين يرفضون الإذعان للاحتلال ويتمسّكون بحقهم في المقاومة المشروعة حتى التحرير والعودة وفقاً للقانون الدولي.
بالتوازي مع ذلك لا زالت واشنطن راعية وشريكة للاحتلال في خططه الرامية لتركيع الشعب الفلسطيني، عبر القضاء على معالم الحياة في قطاع غزة، حتى تهجيرهم من أرضهم، وهي الأفكار التي عمل عليها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن منذ الأسابيع الأولى للعدوان على غزة، ولا زالت واشنطن تعمل على دعم الاحتلال بالسلاح والمال، وحمايته في المحافل الدولية والتي كان آخرها استخدام واشنطن لحق النقض الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع القرار الجزائري الداعي لوقف إطلاق النار لدواعٍ إنسانية ومنعاً للتهجير، ما يؤكّد أن الإدارة الأمريكية لا زالت تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل للاستمرار في عملياتها العسكرية في قطاع غزة، حتى القضاء على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية تميداً لإعادة رسم مستقبل القطاع والضفة الغربية يما يتناسب مع متطلبات إسرائيل الأمنية والسياسية وحتى لو اقتضى ذلك مزيداً من القتل والتجويع، وما إبداء واشنطن حرصها إعلامياً على حماية المدنيين أو تجنيبهم ويلات الحرب إلا ذراً للرماد في العيون ومحاولة لتبرئة نفسها من تهمة الإبادة الجماعية أمام شرائح واسعة من المجتمع الأمريكي والأوروبي الغاضب من تلك الممارسات المشينة.
في مقابل الموقف الأمريكي المنحاز، يبرز ضعف الموقف العربي عموماً أو تواطؤ بعض أنظمته مع الاحتلال للقضاء على المقاومة ولِكَيْ وعي الشعب الفلسطيني وإحباطه، لألا يفكّر في الثورة أو في الخروج عمّا ترسمه بعض الأنظمة العربية المطبّعة مع الاحتلال، والتي ترى فيما يجري في غزة تهديداً لاستقرارها عبر تأثيره على الرأي العام العربي وتحريضه للوقوف ضد إسرائيل والسياسات الأمريكية المنحازة للاحتلال، ما يضع الأنظمة العربية الصديقة لإسرائيل والسائرة في فلك الولايات المتحدة أمام مأزق لا تريده ولا ترغبه داخلياً وخارجياً.
إذا فشل الوسطاء في وقف العدوان، وانسحاب جيش الاحتلال، ورفع الحصار عن قطاع غزة وإطلاق سراح الأسرى المتبادل خلال الأيام القادمة، فإن التصعيد سيأخذ منحى خطيراً، منحى وجودياً في تاريخ الصراع مع الاحتلال، ما يضع الجميع أمام معادلة نكون أو لا نكون، وهذا لن يقف أثره على قطاع غزة بل سينسحب على الضفة الغربية والقدس ومستقبل القضية الفلسطينيةصحيح أن مواقف الدول العربية في عمومها تبدو مع الشعب الفلسطيني، ولكن من الصحيح أيضاً أن تلك المواقف على أهميتها ليس لها رصيد واقعي ولا مصداقية على الأرض، ناهيك عن أن مواقف بعض الدول في الملف الإنساني والإغاثي لا يوجد له تفسير سوى التساوق مع الإرادة الأمريكية الإسرائيلية إمّا طواعية وإما خوفاً من ردّات فعلهما، بما لا يتناسب مع موجبات العلاقة واستدامة الحكم والسلطة لبعض الأنظمة التي ترى أن سلطتها لا تدوم ولا تستقر إلا برضى واشنطن عبر البوابة الإسرائيلية.
مع عظم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، تبدو المواقف الإقليمية والدولية الإيجابية خطابياً، عاجزة وغير قادرة على تجاوز الإرادة الأمريكية التي لا زالت تمنح الاحتلال غطاءاً مفتوحاً ضد قطاع غزة، مع تحفظها طبعاً على الحرب الإقليمية التي لها سياقات مختلفة، تتعلق بالسياسة الخارجية لواشنطن بالدرجة الأولى، وهذا يعني أن لدى إسرائيل الفرصة للاستمرار في خيارها العسكري لتحقيق أهدافها الاستراتيجية التي تتجاوز فكرة إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، للانتقال إلى فكرة القضاء على حركة حماس والمقاومة وجودياً، لتتمكن من إعادة رسم علاقتها بالضفة والقطاع على قاعدة ضم الأراضي سيادياً لإسرائيل مع إعادة ترتيب الأوضاع المدنية للفلسطينيين عبر سلطة مدنية مُصنّعة أو من خلال تطوير السلطة الفلسطينية في رام الله كما ترغب واشنطن لتكون سلطة مدنية تحت السيادة الإسرائيلية.
هذا السياق الرسمي المنحاز للاحتلال أو الصامت على فعله وجرائمه، يجعل فكرة المفاوضات عبر الوسطاء للوصول إلى وقف للعدوان وانسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة، وعودة النازحين وإعادة الإعمار ورفع الحصار، كبيئة ومدخل للافراج عن الأسرى الجنود والضباط لدى المقاومة، مجرد أفكار ومطالب غير واقعية في نظر الاحتلال، مع أنها حقوق طبيعية وليست اشتراطات سياسية، وهذا ما أفصح عنه وزير المالية سموتريتش بقوله إن القضاء على حماس أهم من الافراج عن الأسرى الجنود والضباط لديها، بمعنى أن اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو لديه أفكاراً سياسية إديولوجية أبعد من فكرة معالجة ملف الأسرى وصولاً إلى فكرة القضاء على الفلسطينيين ومشروعهم الوطني وليس القضاء على حماس فقط، وهذا ما صرّح به نتنياهو برفضه فكرة الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، واعتبارها على لسانه و على لسان عدد كبير من وزراء حكومته، تهديداً لأمن ووجود دولة إسرائيل.
تلك السياقات تعقّد إمكانية التوصّل إلى وقف نهائي لإطلاق النار، وتجعل من التصعيد خياراً راجحاً على ما سواه، ولو أنه أي التصعيد قد يأخذ مسارات شكلية تراعي بعض مطالب واشنطن المتعلقة بالإغاثة أو تقليل أعداد القتلى في المدنيين، لتخفيف حدة الضغوط الدولية والرأي العام، وهذا المشهد قد ينسحب إلى شهر رمضان وما بعده، طالما أن الشعوب العربية والإسلامية يقتصر تحركها موسمياً على التظاهر السلمي كل اسبوع أو أسبوعين، وبناءاً عليه فقد تبنّي رئيس وزراء الاحتلال دعوة بن غفير لمنع الفلسطينيين في الضفة من الوصول إلى المسجد الأقصى وتقليص وصول الفلسطينيين من القدس والـ 48 إليه أيضاً، كاستعداد مسبق لمنع التصعيد الفلسطيني في شهر رمضان انطلاقاً من المسجد الأقصى المحرّك الوطني والديني في وجدان الفلسطينيين.
وإذا فشل الوسطاء في وقف العدوان، وانسحاب جيش الاحتلال، ورفع الحصار عن قطاع غزة وإطلاق سراح الأسرى المتبادل خلال الأيام القادمة، فإن التصعيد سيأخذ منحى خطيراً، منحى وجودياً في تاريخ الصراع مع الاحتلال، ما يضع الجميع أمام معادلة نكون أو لا نكون، وهذا لن يقف أثره على قطاع غزة بل سينسحب على الضفة الغربية والقدس ومستقبل القضية الفلسطينية، وصولاً إلى استهداف مواقع قوى المقاومة ووجودها في أراضيها وبلدانها من لبنان إلى اليمن، ما يضع الجميع أمام مرحلة فاصلة، المنتصر فيها سيكون له اليد العليا في رسم مستقبل المنطقة وغَدِها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الحرب الفلسطينية غزة الرأي فلسطين غزة اتجاهات رأي حرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب الفلسطینی على حرکة حماس جیش الاحتلال مع الاحتلال ورفع الحصار القضاء على قطاع غزة لا زالت ما یضع
إقرأ أيضاً:
منظمات فلسطينية: قطاع غزة يدخل مرحلة متقدمة من المجاعة
قالت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، اليوم الخميس، إن قطاع غزة دخل مرحلة متقدمة من المجاعة، محذرة من تداعيات نقص المواد الغذائية على صحة الأطفال والنساء وكبار السن.
جاء ذلك في بيان في مؤتمر صحفي بمقر جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في رام الله، تابعته الجزيرة نت، وتحدث فيه أيضا، ممثلو عدد من المنظمات الأهلية.
وأكدت الشبكة "دخول قطاع غزة مرحلة متقدمة من المجاعة" وحذرت "من تداعيات ذلك على حياة وصحة المواطنين، وبخاصة الأطفال والنساء وكبار السن".
وأشارت إلى استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة "بما فيه القصف وارتكاب المجازر ومنع دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة منذ الثاني من مارس/آذار 2025، ونفاد الأغلبية الساحقة من مخزونات الغذاء والمساعدات الطبية والوقود ومواد النظافة".
وأكدت شبكة المنظمات الأهلية، توقف عمل المخابز وكثير من المطابخ المجتمعية، وقصف مخازن الغذاء والدواء ومحطة تحلية المياه، ومنع دخول لقاحات شلل الأطفال والأدوية والمكملات الغذائية وغيرها من المواد المنقذة للحياة.
إعلانواستنادا إلى معطيات مؤسسات إغاثية وأممية، قالت الشبكة، إن 91% من سكان القطاع يصنفون بأنهم "في مرحلة الأزمة من انعدام الأمن الغذائي (المرحلة الثالثة فأعلى)، منهم 345 ألفا في أعلى مراحل انعدام الأمن الغذائي (المرحلة الخامسة).
وأضافت، أن 92% من الأطفال ما بين 6 أشهر وعامين، والأمهات المرضعات لا يأخذون حاجتهم التغذوية مما يضعهم في تعقيدات صحية، سترافقهم مدى الحياة، وأن 65% من أهالي القطاع لا يستطيعون أن يحصلوا على الحد الأدنى من المياه النظيفة للطهو والشرب.
وأضافت "لسنا أمام أزمة إنسانية غير مسبوقة فقط، بل إنها جريمة ممنهجة بحاجة إلى تدخل عاجل من دول العالم لوقفها".
شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية: نطالب السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة إعلان قطاع غزة منطقة مجاعة
ونطالب بتوفير الحماية الدولية لشعبنا الفلسطيني وفتح المعابر لإدخال الأدوية والمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة#الجزيرة_مباشر #فلسطين #غزة pic.twitter.com/pjOY7H1D6n
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) April 10, 2025
دعوة لإعلان المجاعةوطالبت الشبكة السلطة الوطنية الفلسطينية والأمم المتحدة بإعلان "قطاع غزة منطقة مجاعة، وتحمل كافة الأطراف مسؤولياتها تجاه هذه الكارثة غير المسبوقة، والتي تهدد حياة أبناء شعبنا في قطاع غزة وبخاصة الأطفال والنساء".
كما طالبت بتدخل الدول، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وفتح كافة المعابر إلى قطاع غزة، وضمان وجود ممرات إنسانية آمنه لإدخال المساعدات الإنسانية والطواقم الطبية والإغاثية.
كما دعت إلى محاكمة قادة الاحتلال في المحكمة الجنائية الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية واستخدام التجويع سلاحَ حرب، ووقف كافة الإمدادات العسكرية للحكومة الإسرائيلية وجيشها، خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ووقف مرور شحنات الأسلحة عبر موانئ ومطارات وأراضي الدول الأخرى، حيث أثبتت الوقائع، أن هذه الأسلحة تستخدم في انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان".
إعلانكما طالبت الشبكة بـ "تحرك عاجل لمجلس الأمن لفرض عقوبات دولية على إسرائيل لوقف العدوان ورفع الحصار بشكل كامل".
ودعت -في حال فشل المجلس نتيجة استخدام حق الفيتو- الجمعية العامة للأمم المتحدة بتجميد عضوية دولة الاحتلال الإسرائيلي في الجمعية العامة.
تهديد الأطفال والنساء
من جهته قال مدير شبكة المنظمات الأهلية، أمجد الشوا، متحدثا من غزة عبر تطبيق زوم، إنه منذ 38 يوما يمنع الاحتلال إدخال المساعدات بكافة أشكالها، ويحاصر منذ 3 أسابيع مدينة رفح ويقطع عنها الغذاء والاتصالات.
وتابع، أن أغلب الغزيين يحصلون على وجبة واحدة في اليوم دون قيمة غذائية أساسية من خضار أو لحوم، في وقت يتراكم فيه 600 ألف طن من النفايات في المناطق السكينة ويمنع الاحتلال إخراجها.
وتابع، إن "الاحتلال يمعن في تعميق الأزمة الإنسانية وجعل قطاع غزة مكانا غير قابل للعيش، وجعله حالة إنسانية مزمنة".
ومن جهته أشار أمين عام المبادرة الوطنية، مصطفى البرغوثي، خلال كلمته في المؤتمر الصحفي إلى تكدس مئات آلاف الأطنان من المساعدات على المعابر، مؤكدا أنه "بدون ضغط دولي على إسرائيل فورا لن يكسر هذا الحصار".
وقال إن "الوضع في غزة لا يمكن احتماله والسكوت عنه" مشيرا إلى أن 60 ألف طفل مهددون بالأمراض من المجاعة، و60 ألف امرأة حامل مهددة حياتها لعدم وجود غذاء وعناية وفيتامينات، في وقت يقتل ويصاب فيه يوميا 100 طفل.
ويواصل الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حرب إبادة ضد قطاع غزة، ما أسفر عن إصابة واستشهاد أكثر من 166 ألف مواطن فلسطيني معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.