مجموعة منتقاة من علماء لبنان وطلاب العلم فيه التقاهم المستشار الشيخ فيصل مولوي رحمه الله تعالى بعد عصر أحد أيام شهر آب 2004، وحدّثهم عن أهمّية اجتماع الكلمة ووحدة الموقف والصف، وعن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي أعلن عن تأسيسه قبل شهر ببريطانيا في اجتماع ضمّ أكثر من ثلاثمائة عالم من علماء الدين الإسلامي على رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله تعالى، الذي أعلن في هذا المؤتمر أنّه يراد لهذا الاتحاد أن يكون المظلّة التي تجمع علماء الأمّة تحت شعارات الإسلامية والعالمية والاستقلال والعلمية والدّعوية، بهدف تمثيل الشعوب بعيداً عن تأثير الحكّام، وتوحيد الجهود في سبيل نشر ثقافة العدل والوسطية والإحسان، وتيسير الحوار بين مكوّنات الأمّة، وتعزيز التقارب بين المذاهب الإسلامية والتوجّهات الفكرية المتعدّدة لعلماء المسلمين، تأكيداً على وحدتها وحفاظاً على الهُويّة الإسلامية النقيّة لأبنائها في مواجهة التيارات الهدّامة ودعوات الغلوّ المشبوهة، وحرصاً على تقوية روح الانتماء لهذا الدين بما يخدم الأمّة والوطن، ويساهم في تثبيت قواعد العمل لتطبيق الشريعة، وتقنين قواعد الاجتهاد وضوابط الفتوى، حفظاً للأصل ومواكبة للعصر.



دعا الشيخ فيصل رحمه الله تعالى العلماء الذين التقاهم إلى الانضمام لهذا الاتحاد والمساهمة في نموّه وفعاليّته وتحقيق أهدافه، وكان اجتماع الجمعية العمومية الثاني في مدينة إسطنبول التركية في شهر حزيران 2006، ذلك الاجتماع الذي أكّدت فيه الجمعية العمومية بحضور أكثر من أربعمائة عالم مسلم على رئاسة الشيخ يوسف القرضاوي للاتحاد، والدكتور محمد سليم العوّا أميناً عامّاً له، وعلى المبادئ الكبرى التي أنشئ الاتحاد لتحقيقها، من تنسيق جهود العلماء، وتشجيع الاجتهاد، ونشر الوسطية، ومواجهة الغلو في الدين والتّسيّب في الفكر والممارسة، إلى تأكيد وحدة الأمّة والتعالي على خلافات المذاهب، ومطامع الحكّام، وصراع الإثنيات، كلّ ذلك من أجل توعية المسلمين بحقيقة دينهم، وتقوية الروح الإسلامية وتهيئة الأمّة للقيام بواجب عمارة الأرض، والاستخلاف الحضاري، والشهادة على الناس وفق تعاليم الوحي.

كان واضحاً أنّ الاتحاد الذي أريد له تحقيق هذه الأهداف الكبار يسير وفق رؤية مؤسسية تجلّت في نظام أساسي أقرّته الهيئة العمومية التأسيسية عام 2004، غير أنّه كان واضحاً في الوقت نفسه أنّ هذه المؤسّسية لم تكن تعلو على أبويّة المؤسّس الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله تعالى، الذي كان يسلّم له الجميع بالقيادة والرّيادة وفضل السّبق والاجتهاد والتأسيس، الأمر الذي جعل الهيئات العمومية المتعاقبة تجدّد الولاء في اجتماعاتها المتكرّرة للشيخ رحمه الله برئاسة الاتحاد، حتى شاءت إرادة الشيخ التسعيني ترك مقعده لخليفته الشيخ الدكتور أحمد  الريسوني، بعد أن سمّاه وقدّم اسمه في استفتاء نال فيه 93% من أصوات الهيئة العمومية الخامسة التي اجتمعت في إسطنبول في تشرين الثاني 2018.

رحل الشيخ المؤسّس رحمه الله تعالى، ورحلت معه تلك الروح الأبوية التي ساهمت بشكل أو بآخر في ضبط إيقاع مسار الاتحاد وتجاوز الكثير من التحدّيات الإدارية ومحاولات الهيمنة التي واجهته من هذه الجهة أو تلك، وكان لا بدّ من الاتجاه إلى المأسسة العملية للاتحاد، ممّا استدعى تعديلات على النظام الأساسي عام 2018 ثمّ عام 2021، واستقال بعدها الشيخ الرئيس أحمد الريسوني، ليتولى الشيخ الدكتور سالم سقاف الجفري الرئاسة في مرحلة انتقالية انتهت بالتئام الجمعية العمومية السادسة بالدوحة في 6 كانون الثاني / يناير 2024، بحضور زهاء سبعمائة عالم جاؤوا من أنحاء الأرض وأقطار الدنيا، وفي هذا الاجتماع انتخبت الهيئة العامّة للاتحاد الشيخ علي قرّه داغي رئيساً، كما انتخبت نوّاب الرئيس ومجلس الأمناء، ليختار بعد ذلك مجلس الأمناء الشيخ علي الصلابي أميناً عاماً، وهو عالم ليبي يحمل الجنسية القطرية، كما رئيس الاتحاد.

ولنا أن نتساءل بعد عشرين سنة عن تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين:

ـ هل حقّق الاتحاد أهدافه التي وضعتها جمعيّته التأسيسية العامّة عام 2004؟

ـ هل استطاع الاتحاد جمع علماء الإسلام، وتعزيز القواسم المشتركة بينهم، ليتجاوزا خلافاتهم القطرية والإثنية والمذهبية، في مواجهة التحدّيات التي تعصف بالأمّة وتهدّد وجودها ومستقبل أبنائها في كثير من أصقاع الأرض؟

ليس الإنجاز في اجتماع العلماء أو جمعهم تحت راية واحدة، بل هو في ابتكار الآليات التي تستطيع الوصول إلى رأي كل واحد منهم، لتستثمر في عقولهم، وتستفيد من كفاءاتهم، وتتمكن من توجيه اجتهادهم بما يخدم الأمّة والإنسانية، وهذا هو الأمل والمرتجى.ـ هل تمكّن الاتحاد من توجيه علمائه المجتهدين، وتوحيد جهودهم الفكرية في قضايا الأمّة الكبرى، وتحفيز اجتهاداتهم العلميّة في القضايا الطارئة، لتأكيد قدرة الإسلام على تلبية حاجات النّاس والمجتمعات؟

ـ هل استطاع الاتحاد التأكيد على وسطيّة الإسلام ونشر ثقافة التسامح وتعزيز المشترك الإنساني بين مختلف الشعوب، والثقافات، والديانات، والحضارات، في مواجهة موجات التطرّف والعنف والدعشنة التي وجدت من ينمّيها في مجتمعاتنا وبين أبنائنا؟

ـ وهل استطاع الاتحاد، بعقول علمائه وحكمة قياداته، ابتكار الوسائل والآليات التي تجعل من هذا العمل الجماعي النوعي الكبير أداة فعل للاستثمار في عقول علماء الأمّة، فيُستفاد من آرائهم، عبر أوعية إدارية تتيح لكلّ فرد التعبير عن أفكاره، أم أنّه انقياد الجميع لإرادة المركز، واتباع الجميع لقرارات الأفراد؟

ـ وهل استطاع الاتحاد القيام بدور فاعل في إخراج الأمّة الإسلامية من دروب التيه، والأخذ بيد أبنائها ليكون لهم دورهم الرائد في عمارة الأرض وواجب الاستخلاف، والوقوف في وجه دعوات التحلّل والمثلية والجندرة وتفكّك الأسرة وضياع الجيل؟

ـ ثمّ بعد ذلك كلّه هل استطاع الاتحاد أن ينأى بقيادته ورجالاته عن تأثير الحكّام وتوجيه الساسة ورغبات العديد من الدول في استقطاب العلماء وفتاوى الدين؟

هذه الأسئلة وغيرها توكّد جليل المهمّة التي يضطلع بها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وتستدعي علماء الاتحاد فضلاً عن مجلس أمنائه لتوجيه اهتمامهم كي تظلّ الأهداف التي وضعها المؤسّس رحمه الله تعالى وأقرّتها الجمعيات العمومية المتعاقبة عندهم هي الهمّ الشّاغل، وخدمة الأمّة وقضاياها المفصليّة هو البوصلة الموجّهة، فيسهل عند ذلك على القيادة وضع الخطط ورسم المسارات واختيار آليات العمل، والتي من أجل تسليط الضوء عليها كانت مقالتي هذه، التي لم أرد فيها مناقشة الاتحاد أو مقاضاته أو الحكم على مساره وتقييم نتاج أداء إدارته على مرّ السنين، بمقدار ما أردت التذكير بالغاية من التأسيس والهدف منذ المبتدأ، وتسليط الضوء على الأهداف الكبرى التي من أجلها كان الاتحاد، ومن أجلها ينبغي أن تبذل الجهود للمأسسة الحقيقية واستثمار الجهود والعقول والكفاءات، فليس الإنجاز في اجتماع العلماء أو جمعهم تحت راية واحدة، بل هو في ابتكار الآليات التي تستطيع الوصول إلى رأي كل واحد منهم، لتستثمر في عقولهم، وتستفيد من كفاءاتهم، وتتمكن من توجيه اجتهادهم بما يخدم الأمّة والإنسانية، وهذا هو الأمل والمرتجى.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قياداته رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رأي قيادات سياسات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاتحاد العالمی لعلماء المسلمین رحمه الله تعالى فی اجتماع ة التی الأم ة

إقرأ أيضاً:

حراك أوروبي لرفع سريع للعقوبات التي تعيق تعافي سوريا

قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الأربعاء، إن العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على سوريا وتعوق حاليا تسليم المساعدات الإنسانية وتعافي البلاد قد تُرفع سريعا.

وأصدرت الولايات المتحدة الاثنين، إعفاء من العقوبات للمعاملات مع المؤسسات الحاكمة في سوريا لمدة ستة أشهر في محاولة لتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى البلاد بعد سقوط بشار الأسد.

وذكر بارو في حديث لإذاعة فرانس أنتير أن الاتحاد الأوروبي قد يتخذ قرارا مماثلا في وقت قريب، دون الإشارة إلى موعد محدد.

وأضاف، أن رفع المزيد من العقوبات السياسية يتوقف على كيفية قيادة الحكام الجدد للفترة الانتقالية وضمانهم أن تكون شاملة لجميع السوريين.

اظهار ألبوم ليست



وتابع، "هناك (عقوبات) أخرى تعوق حاليا وصول المساعدات الإنسانية وتعوق تعافي البلاد. ويمكن رفع هذه العقوبات سريعا".

وأردف، "أخيرا، هناك عقوبات أخرى نناقشها مع شركائنا الأوروبيين ويمكن رفعها، ولكن من الواضح أن ذلك يعتمد على السرعة التي تؤخذ بها توقعاتنا لسوريا فيما يتعلق بالنساء والأمن في الاعتبار".

وقال ثلاثة دبلوماسيين طلبوا عدم ذكر أسمائهم إن الاتحاد الأوروبي سيسعى إلى الموافقة على رفع بعض العقوبات بحلول الوقت الذي يجتمع فيه وزراء خارجية الاتحاد في بروكسل في 27 من الشهر الجاري.

وأوضح اثنان من الدبلوماسيين أن أحد الأهداف هو تسهيل المعاملات المالية للسماح بعودة الأموال إلى البلاد وتسهيل النقل الجوي وتخفيف العقوبات التي تستهدف قطاع الطاقة لتحسين الإمدادات. وقال الثالث إن ألمانيا قدمت ورقة موقف بشأن العقوبات المحتملة التي يتعين رفعها.

وقال المتحدث باسم الخارجية الألمانية كريستيان فاجنر، "بسبب الوضع الجديد، تخضع العقوبات الحالية للتدقيق. طرحت ألمانيا بالفعل أفكارا حول هذه القضية".

وأضاف "التركيز ينصب على المسائل الاقتصادية وإعادة أموال المغتربين السوريين".



ورحبت وزارة الخارجية السورية، بإعفاءات واستثناءات الولايات المتحدة الأمريكية بشأن العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق.

وقالت في بيانها: "نرحب بالإعفاءات والاستثناءات المتعلقة بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا والتي صدرت عن الإدارة الأمريكية".

وأضافت: "حققنا هذا التقدم نتيجة الجلسات المكثفة التي عقدناها مؤخرا، ونشكر كافة الكوادر السورية الرائعة التي بذلت جهدا كبيرا في هذا الصدد".

وأكدت الخارجية أن "العقوبات الاقتصادية باتت تستهدف الشعب السوري بعد زوال السبب الذي وجدت من أجله، ورفعها بشكل كامل بات ضروريا لدفع عجلة التعافي في سوريا، وتحقيق الاستقرار والازدهار".

مقالات مشابهة

  • رئيس اتحاد الجمباز يثير غضب الجمعية العمومية بسبب نجله
  • نماذج عُلمائية ملهمة.. محمد بن إدريس الشافعي فقيه السنة الأكبر
  • المصور الذي فقد عائلته ووثق الإبادة الإسرائيلية
  • فاعملوه .. خطيب المسجد الحرام: الله خلقكم لتعبدوه وكلفكم بما تطيقون
  • خطيب المسجد الحرام: مدمن الخمر سيشرب من ردغة الخبال ويتجرع عصارة أهل النار
  • المتصرفون المغاربة يطالبون بإصلاح عاجل لنظام الوظيفة العمومية لمكافحة التفاوتات الاجتماعية والأجرية
  • نشأت أبو الخير يكتب: المولود الذي شرف الوجود.. وأنار الحياة والخلود
  • رئيس الاتحاد الكويتي لكرة القدم الشيخ ‎أحمد اليوسف: سنتقدم بطلب رسمي لاستضافة نهائيات ‎كأس آسيا 2031
  • حراك أوروبي لرفع سريع للعقوبات التي تعيق تعافي سوريا
  • علماء الأزهر يوضحون الحكمة من سرية الدعوة في مهدها