يشكّل تعلّم أبناء المهاجرين لغات بلدانهم الأصلية "عاملا فاعلا ومسهلاً لعملية اندماجهم" في الدول التي تستضيفهم، وفق ما أكدّه خبراء خلال مناقشتهم في بيروت مسألة تعلّم الجاليات العربية لغة الضاد في المَهاجِر خلال ندوة أقيمت بالتعاون مع اليونسكو في اليوم العالمي للغة الأمّ الموافق 21 فبراير/شباط من كل عام.

وهذا الموضوع محور كتاب بعنوان "كيف يتعلم أبناؤنا العربية في المهاجر؟ تجارب وتطلعات"، أطلقته "مؤسّسة الفكر العربي"، وأقامت هذه الندوة لمناقشته بالتعاون مع مكتب اليونسكو الإقليميّ المتعدّد القطاعات للدول العربية في العاصمة اللبنانية بمناسبة هذا اليوم العالمي الذي أحيته المنظمة الدولية.

الارتقاء بالعربية

ويسلّط الكتاب الضوء على واقع تعليم اللغة العربية لأبناء المهاجرين، "موثّقا مجموعةً من الممارسات والتجارب في أوروبا وأفريقيا وأستراليا" وأميركا الشمالية، وراصدا الصعوبات والتحدّيات في هذا المجال.

ويعرض هذا العمل توصيات واقتراحات تهدف إلى "الارتقاء بمستوى تعليم العربية وتعلّمها في المَهاجر بحيث تكون عاملا فاعلاً ومسهلاً لعملية الاندماج"، وفقما قال المدير العام لمؤسسة الفكر العربي البروفيسور هنري العَويط لوكالة الصحافة الفرنسية.

وأضاف العويط الذي أشرف على إعداد الكتاب، "اخترنا إطلاق الكتاب في المناسبة لنذكّر بأن عملية تعليم اللغة الأم ليست في سبيل الانغلاق، ولكن في سبيل التفاعل والغنى والاندماج"، داعيا الدول المستضيفة إلى أن تعي ذلك.

ولاحظ أن "واقع اللغة العربية في المهاجر متنوع لأسباب مختلفة، أوّلها الطبيعة الديمغرافية للمهاجرين المنتمين إلى أجيال مختلفة، وأحدثهم فئة المهاجرين بسبب الحروب والنزاعات والاعتداءات".

وإذ أشار إلى أن موجات الهجرة تزايدت من دول عدة وخصوصا البلدان العربية، فإنه رأى أن "ثمة اهتماما متزايدا بتعليم الأبناء لغة الأباء والأجداد".

تعليم العربية

وقال "لا يمكن عموما أن يتعلم أبناء المهاجرين العرب اللغة العربية في دول المهاجر إلا إذا توافرت رغبة من الأهل".

وهؤلاء، وفق تصنيفه، "ثلاث فئات، فمنهم الواعون بأهمية تعليم اللغة العربية، ومنهم من لا يولون الموضوع أي اهتمام، أما الفئة الثالثة فتقطع العلاقات كليا مع البلد الأم".

وأضاف "أهم طرف في تعلّم اللغة هو الأهل ولأسباب عدة، أولها إبقاء التواصل بين الأحفاد والجدّين والأقارب، وثانيها البعد الديني، إذ إن معظم الجاليات العربية في المهاجر ينتمي أبناؤها إلى الدين الإسلامي المرتبط باللغة العربية".

أما البعد الثالث، بحسب العويط، فيتعلق بـ"الهوية والانتماء، فالغريب في بيئة جديدة تتنازعه رغبتان، إحداهما الاندماج في البيئة المستضيفة لجهة اللغة والعادات والتقاليد والثقافة، وثانيهما تأكيد ذاته كي لا يكون تفاعله مع المجتمع الجديد من موقع ضعف".

ويتمثل البُعد الرابع في كون "اكتساب اللغة العربية يعطي أبناء الجاليات العربية أفضلية فيما يتعلق بإمكان إيجاد وظيفة"، حسب قول العويط.

وأشار إلى "جهود تبذلها جمعيات وهيئات ومراكز أو ملحقيات ثقافية عربية والمرجعيات الدينية الإسلامية وأحيانا تلك المسيحية كما في أستراليا وأميركا اللاتينية".

لكنه رأى أن "المعلمين الذين ينقلون مهارات اللغة العربية لا يتمتعون عموما بالإعداد والتدريب الكافيين".

وقال إن المطلوب هو مزيد من الجهد على صعيد البرامج والكتب والأدوات المستخدمة والتقنيات، ومزيد من التركيز على استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة.

وتُعرف العربية بكونها لغة ذات خصائص متميزة تتمثل في ثروة مفرداتها وغنى تراكيبها وجمالية تعبيرها وغير ذلك، أو من ناحية دورها التاريخي الحضاري القديم، ومن ثمّ صلاحيتها لكل زمان ومكان، ومع ذلك فإن التحديات أمامها عديدة خاصة في عصر الحاسوب والمعلوماتية والسيبرانية وغزو الفضاء والثورة التقنية الرقمية.

وفي دراسته التي نشرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان "اللغة العربية.. تحديات عاصفة ومواجهة متواضعة"، كتب الناقد واللغوي والمترجم والأكاديمي الراحل حسام الخطيب (1932-2022) قائلا إن ما أُنجز حتى الآن في خدمة العربية لا يوازي شيئا إزاء تعاقب التحديات وسرعة تضخمها مثل كرة الثلج.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: اللغة العربیة العربیة فی

إقرأ أيضاً:

سفارة سلطنة عُمان بالقاهرة تحتفي باليوم العالمي للغة العربية

أكد مفتي الديار المصرية الدكتور نظير عياد أهمية اللغة العربية، وقال إن اللغة العربية مهمة جدًا للعلوم الشرعية بشكل عام ولعلوم القرآن والتفسير بشكل خاص.


جاء ذلك في كلمته خلال ندوة بصالون أحمد بن ماجد، بمقر سفارة سلطنة عُمان في القاهرة، مساء اليوم /الإثنين/، عن "اللغة العربية.. مكانتها وفضل الإسلام عليها"، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية.


وأضاف عياد أن اللغة هي هوية الأمة وسبيل مجدها وتاريخ حضارتها، كما أنها بالنسبة للأمم جميعًا أداة تواصلها وطريقة تفكيرها، ورمز عزتها، ومصدر فخرها، وأسلوب حياتها، لكنها للأمة العربية كل هذا وتزيد عليه أنها لغة دينه وكتابه، جعل الله فهمها ضرورة وتعلمها شرف، لهذا كان ارتباط المسلم بلغته يختلف عن ارتباط أي إنسان بأية لغة أخرى، إذ لا يستطيع المسلم أن يقرأ كتابه بغير لغته التي نزل بها، كما لا يتأتى له القيام بأداء شعائره وإتمام عباداته بدونها.


وتابع أن اللغة العربية هي وسيلة المسلم لفهم مقاصد النص القرآني ومعانيه وغاياته الكبرى المتمثلة في تلقي الأحكام الشرعية منه، لذلك استعان العلماء باللغة العربية وفنونها في فهم مراد الله في كتابه والكشف عن أسراره، وتحديد دلالاته.


وأوضح مفتى الديار المصرية أن اللغة العربية فضلها كبير وشأنها عظيم، ويكفي أنها انتقلت من كونها لغة شعب وإقليم إلى لغة كونية حين غدت لغة سماوية، لغة القرآن الكريم، وبالتالي الحامل لعقيدة كونية أعلنت نفسها عقيدة للبشر عامة، وهذا ما جعل اللغة العربية الحاملة هذه العقيدة، في أقل من قرن، لغة عالمية كبرى تشكّلت في أطرها وسياقاتها أسس الحضارة الكونية العظمى التي سادت العالم قرونًا عديدة، وامتدت على مساحات شاسعة من قارات العالم القديم، وغدت لغة الحضارة الإنسانية التي انحلت في بوتقتها لغات وحضارات متعددة، وشكلت بالتالي حلقة محورية في الحلقات الحضارية الإنسانية الكبرى، وقد قدر لها البقاء دون تحريف قبل الإسلام ثم زادها الله تعالى عزة وشرفًا وكرامة بأن اختارها لغة كتابه فحفظت بحفظه ورفع شأنها بسببه.


من جانبه، قال سفير سلطنة عُمان بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية عبدالله بن ناصر الرحبي إن "اللغة العربية لغة كتاب مقدّس وشارة هوية ولسان ثقافة، والاحتفال بيوم اللغة العربية مناسبة لم أتوقف عن الاهتمام بها منذ سنوات من فترة عملي في المقر الأوربي للأمم المتحدة في جنيف إلى انتقالي إلى بلدي الثاني مصر، لأنني أرى ذلك واجبًا مقدّسًا، ورسالة عميقة من رسائل صالون أحمد بن ماجد".


وأضاف السفير: "هذه هي العربية لغتي ولغتك ولغتنا جميعًا، لم تبق مجالًا من مجالات الحياة لم تبرعُ فيه".


وتابع أن "العُمانيين حملوا اللغة العربية على سفنهم، وبنوا جسرًا بينها وبين إفريقيا، أعني بذلك اللغة السواحلية، التي شربت من اللغة العربية حدّ الارتواء".


وأردف: "أتذكّر هنا في زيارة لها إلى مصر العزيزة في عام 2021، سجلت رئيسة تنزانيا سامية حسن تقديرها لقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي إدخال تعليم اللغة السواحلية في بعض معاهد اللغات المصرية".


ولفت السفير إلى أن "اللغة السواحلية اليوم إحدى اللغات الوطنية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ولغة رسمية في تنزانيا وكينيا وأوغندا، ولغة تواصل في منطقة البحيرات العظمى الإفريقية وأجزاء أخرى من شرق وجنوب شرقي إفريقيا تشمل رواندا وبوروندي، كما أن لها حضورًا في زامبيا وملاوي وموزمبيق والصومال وجزر القُمر، وهي إحدى اللغات الخمس الرسمية للاتحاد الإفريقي".
شارك في الندوة وزير الخارجية الأسبق وأمين عام جامعة الدول العربية الأسبق عمرو موسى، ولفيف من المعنيين والمثقفين.
 

مقالات مشابهة

  • اللغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي" في ندوة بمكتبة الإسكندرية
  • جلسة حوارية تناقش اللغة العربية والذكاء الاصطناعي في النادي الثقافي
  • احتفالية بالقاهرة تبرز إسهام العمانيين في خدمة اللغة العربية
  • "اللغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي".. ندوة بمكتبة الإسكندرية
  • تعليم الشرقية يطلق خطة لدمج الذكاء الاصطناعي مع اللغة العربية
  • سفارة سلطنة عُمان بالقاهرة تحتفي باليوم العالمي للغة العربية
  • اللغة العربية هوية
  • حضرها جمع من الأكاديميين والمثقفين.. أمسية أدبية تناقش ترجمة الأدب الكوري إلى اللغة العربية
  • جامعة الفيوم تحتفل باليوم العالمي للغة العربية.. صور
  • "تعليم الشيوخ" تناقش الأثر التشريعي لقانون حوافز العلوم والتكنولوجيا والابتكار