لقد جعل الفلول مدينة بورتسودان الجميلة بيئة فاسدة بامتياز..!! بورتسودان تغر السودان الباسم الوضيء التي كان يقول عنه سيد عبد العزيز (في الشرق المينا العظيمة.. بيها الثغر بسَم دلال) جعل منها الكيزان الآن مرتعاً وخيماً لاستئناف ما درجوا عليه من فساد وإفساد حيثما حلّوا وأقاموا..!
بورتسودان حالياً حالها حال (المدينة الدستوبية) كما يقولون في مصطلحات الأدب الروائي العالمي عن حالة المكان الخبيث (غير المرغوب فيه) الذي (يعشعش) فيه الفساد وتسوده الفوضى والشر المطلق ويبعث على الخوف وينذر بالمهالك.
(الدستوبيا) بهذا المعنى تناقض الخصائص المقابلة لـ (اليوتوبيا)..وهي المدينة الفاضلة في الخيال الأدبي الإنساني التي تتجلى فيها القيم النبيلة والمشاعر السامية والكرامة المُصانة..! الله لا كسّبكم..!
هكذا أصبحت (دولة الكيزان في مدينة بورتسودان) فساد سياسي..وفساد اقتصادي.. وفساد اجتماعي..وفساد في الإدارة وفساد في البيئة..وانتشار كثيف للسرقات والاختلاس والسطو والسلب والنهب والمحاباة والمحسوبية والابتزاز والاحتكار والتزوير والتزييف والمغالاة والغلول و(بيع الغُرر) واستباحة المال العام بأسماء مختلقة لموظفين وهميين وإيجارات وهمية وبدلات وترقيات من وحي الخيال..وفوضى مريعة في مفاصل وزارات الانقلاب ومكاتبها وفروعها وإداراتها وبنوكها وصرافاتها السرية والعلنية التي تتاجر في العملات وفي (جيوب المواطنين) المقيمين والعابرين..!
هكذا اجتمعت في بورتسودان القيادات العسكرية الهاربة من الخدمة للتفرغ لممارسة (السُباب والردحي) ومواصلة النهب..ومعهم ولاة ذممهم برخص التراب..وإداريون وسكرتارية أعادت سيرة دواوين الإنقاذ في عهد فسادها الأكبر..! ومع هؤلاء تجار أزمات ومحتكرون من الكيزان يشربون دماء المواطنين..(يمنعون الماعون)..ولكنهم يحبون النهب حُباً جمّاً..ويأكلون التراث أكلاً لمّاً..!
وفي معية هؤلاء سماسرة من كل صنف ولون..و(نكرات عطالى) قادمون من القاهرة يحسبون أنفسهم في السلك السياسي وهم من الرعاع الذين لفظتهم عوائلهم.. وأصحاب عقارات نقل إليهم الكيزان أسوأ ما ينطوي عليه الأبالسة وأغنياء الحرب من فنون الجشع والمغالاة واستغلال حاجة الناس و(تصفير) جيوب العباد...!
ومع كل هؤلاء وأولئك (جبريل إبراهيم)..ثم مالك عقار (الذي أجاز قصف المدنيين)..! وإذا أضفت إليهم البرهان وياسر العطا وكباشي والوزراء المكلفين والوكلاء ومديري الإدارات و(أصحاب المواتر) وبقايا المؤتمر الوطني (وزيارات اركو مناوي) ستعرف من باب علم اليقين ما أصبحت عليه بورتسودان...وتعرف عندها معنى الجحيم.. ثم سوف تراه (عين اليقين)..!!
قرأنا مقالاً يقطر بالوجع والأسى لكاتب أريب لم يذكر أسمه وهو يحكي عن (بورتسودان تحت الحصار) وعن دمار القيم والفضائل واغتيال الأخلاق والمروءة..وعن الإجراءات التي تمارسها حكومة جبريل إبراهيم من جباية وضرائب وعشور وقبانة وأتاوات..ورسوم شهادات المواليد والوفيات وشهادات الدراسة..ثم تصعيب الحصول عليها لإنعاش (سوق الكيزان الموازي) وفساد بعض صغار الموظفين وكبارهم تحت أعين جبريل وحكومته..!
ولكن هناك واقعة واحدة مضحكة ومبكية إلى حد الفجيعة تلخص لك كل هذه (اللمة والهيلمة)..وهي واقعة لقاء وزير الداخلية مع مجموعة شركات استشارية ألمانية (كما قال) لتعمير السودان بعد الحرب..!
السودان يحترق والناس يُقتلون كل يوم داخل بيوتهم وفي الشوارع والميادين والقرى والمدن والفرقان وحكومة البرهان تعلن كل يوم عن مواصلة الحرب..ووزير الداخلية الموجود في بورتسودان يتحدث عن إعمار السودان مع مجموعة ألمانية للخدمات والاستشارات يسميها الوزير (الوفد الألماني)..!
وللاختصار نقول إن ادعاء وزير الداخلية إدعاء كاذب..هذه ليست مجموعة ألمانية..! ورئيس هذه المجموعة الوهمية اسمه (حسين سليمان) - حتى وكالة سونا أقرّت بذلك- وهو سوداني (وليس من الجنس الآري) تحدثت المصادر بأنه يملك تسجيل شركة عائلية..!!
هل هذا الرجل هو الذي يريد إعمار السودان..؟!
وما علاقة وزير الداخلية بشركات البناء والاستثمار..؟!
يا ساتر...! هناك (ريحة سمك قوية) قادمة في الطريق...الله لا كسّبكم..!!
murtadamore@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
خطاب الكراهية وتأثيره السلبي علي مجريات الأحداث في دارفور
خطاب الكراهية وتأثيره المباشر علي إقليم دارفور غربي السودان في فترة الحرب الدائرة الان، تم فرض واقع جديد بعد 15 أبريل 2023، الأسباب التي ساهمت في تفاقمها، وعن تغذية الحرب، والصراعات حول الأرض والموارد في دارفور، وتأثير ذلك علي استقرار الإقليم، بما في ذلك إثر التوترات الامنية والعرقية علي المجتمعات المحلية، وتعايشها.
تقرير: حسن اسحق
خطاب الكراهية وتأثيره المباشر علي إقليم دارفور غربي السودان في فترة الحرب الدائرة الان، تم فرض واقع جديد بعد 15 أبريل 2023، الأسباب التي ساهمت في تفاقمها، وعن تغذية الحرب، والصراعات حول الأرض والموارد في دارفور، وتأثير ذلك علي استقرار الإقليم، بما في ذلك إثر التوترات الامنية والعرقية علي المجتمعات المحلية، وتعايشها.
يقول دكتور عباس التجاني الباحث في مجال السلام والإعلام والمدير التنفيذي لمركز سلاميديا ان الموضوع المرتبط بخطاب الكراهية معقد، وارتباطه لأسباب ثقافية موروثة، الأنماط الاقتصادية، زراعية ورعوية، اضافة الى غياب مشروعات تنموية في المنطقة، وعدم نضوج الخطاب السياسي في فترة من الفترات، لبعض التكوينات والتنظيمات السياسية، وأن هذه الأنماط الاقتصادية حدث لها تصادم، نتيجة لشح المراعي والموارد المحدودة، اضافة الى الصراعات الاجتماعية ما بين مجموعات سكانية متنافسة.
وأوضح عباس أن تصاعد خطاب الكراهية ما بعد فترة 15 أبريل 2023، ليس بجديد، هذا ما يطلق عليه اطار النزاع، وكيفية تأطير النزاع، أشار مقاربة النزاع بين السودان وجنوب السودان، وتحول نزاع شمال مسلم وجنوب مسيحي، وتحول إلى خطاب أكثر حدة، اما الصراع في دارفور في تشخيصه الأولى في عام 2003، الممثل في حركات الكفاح المسلح، وأطلق عليه صراعا بين الرعاة والمزارعين، والصراعات الاجتماعية توجد وكالات اجتماعية تنتج خطاب مجتمعى، علي سبيل المثال ’’ الحكامة ‘‘ والهداي والبوشان، والمغنيين المحليين للمجموعات الاجتماعية، الذي يظهر التمجيد للبطولة الفردية، والجماعية وعزة القبيلة.
اضاف ان الصراعات السياسية المستمرة، خلقت خطابات شحنت الناس، وفي فترات الحروب التي ارتبطت بجنوب السودان، والنيل الازرق وجبال النوبة، تم عسكره لسكان دارفور ، وحرب دارفور حصلت عسكرة لمجموعات اجتماعية، وتسليح، اما الصراعات في دول الجوار لدارفور، ساهمت في تدفق المقاتلين، والسلاح، وتفشي التجارة والجريمة العابرة للحدود، ويقول إن السياسة الخارجية للسودان لفترات طويلة غير متزنة في طبيعة علاقاتها مع دول الجوار، وكانت لها تدخلات في بعض الدول، في تشاد وليبيا وجنوب السودان، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وهذا كان له تأثيراته، علي واقع السكان علي الشريط الحدودي.
قال التجاني ان هذه الاسباب والمفردات كلها تولد خطاب مختلف، والازمة الحالية زادت من حدة الخطاب، أن حرب 2003 حتى ثورة ديسمبر، هذه الثورة أنتجت شعارا قويا، ’’ يا عنصري يا مغرور كل البلد دارفور‘‘ بسبب الانتهاكات التي كانت موجهة لطلاب من دارفور في الجامعات السودانية، منهم من تم تصفيتهم بطريقة بشعة، واعتقال مجموعات تابعة لإحدى الحركات المسلحة، منتج هذا الخطاب له القدره في زيادة الشرخ الاجتماعي، وزيادة خطاب الكراهية، وهي ليست خطاب عفوية ولا فطرية، بل هي خطابات مهندسة ومدروسة، ومنتج الخطاب يعرف مدى تأثيراته النفسية.
اضاف التجاني ان الصراع الحالي زاد علي التراكم التاريخي المرتبط بالكراهية في مناطق مختلفة بشكل أكبر، وآخرون قالوا إن الخطاب يعود إلى فترة المهدية فترة الخليفة عبدالله التعايشي، الممثل في مقولة اولاد البحر واولاد الغرب، وتصريحات الفاعلين في الحرب الدائرة الآن، حتما تولد مواقف مضادة، يمكن أن تكون ارتجالية، وأطراف الحرب لهم خطاب عنصرية تجاه بعضهم البعض، يقللون من شأن الآخر المختلف، وتصورات تجاه الآخر، هذا جزء من آلة الحرب النفسية، البروباغاندا، والحرب الحالية عمقت بشكل كبير الانقسام الاجتماعي والثقافي ما بين المجموعات السكانية السودانية، وخطاب الكراهية وجد مساحة للتمدد، اضافة الى ممارسة أطراف الحرب في مناطق سيطرتها، المرتبطة بالامتحانات ومناطق الارتكازات والتفتيش، وضربات الطيران الحربي، كل هذا يفسر في إطار خطاب الكراهية.
أشار التجاني إلى غياب دور الدولة الوظيفي في دارفور، ويمتد ذلك إلى تشاد ومنطقة الساحل الافريقي التي تعرضت لمجاعة، وتسببت هذه المجاعات في النزوح، وخلقت كثافة سكانية، ان مصادر المياه المتوفرة في إقليم دارفور لم تستغل بشكل سليم، وتم تصفية المشروعات التنموية مثل مشروع تنمية السافنا، وتصفية مشروع جبل مرة، وساق النعام، واوضح ان التنمية تخلق نوع من الاستقرار.
قال التجاني ان الاستقطاب الاثني ليس جديدا في إقليم دارفور، منذ الثمانينات والتسعينيات في عهد عمر البشير، تم استقطاب القبائل بشكل بشع، خاصة الصراع المرتبط بجنوب السودان، ومنطقة جنوب دارفور، والدولة استغلت الرعاة بشكل كبير جدا، والثروة الحيوانية لتفجير الألغام، اضافة الى خلق بدعة مبايعة المجموعات الاجتماعية، كما يحدث الآن في مدينة بورتسودان، وكانت هذه المجموعات يضغط عليها كي تبايع نظام الرئيس السابق عمر البشير، ويطلب من كل مجموعة توفير 1000 رجل للذهاب للقتال، وهذه الحرب الدائرة الآن، أعادت نفس السياسة السابقة، هذه المجموعات تذهب الي بورتسودان كي تبايع البرهان، وهذه السياسة هي طحن للمجموعات وتجييش لها وتمليش، وهي دمار ممنهج للبنية الاجتماعية لهذه المجتمعات في المدى البعيد.
أن تأثيرات ممارسة أطراف النزاع سوف تستمر لمدة 10 سنوات أخرى، وليس من السهولة معالجة هذه المسألة في المدى القريب، ويمكن ان يحدث تغير في سلوكيات المجموعات الاجتماعية، واضافة الى الانتشار الواسع للسلاح بشكل كبير للغاية، وخلق أشكال جديدة من المليشيات داخل هذه المجموعات نفسها، ان الاطراف التي كانت تقاتل مع طرفي الصراع، سوف تزداد قوة مع مرور الوقت، هذا التمليش جديدا علي الواقع السوداني، بل مستخدم بشكل ممنهج ومنظم، علي المجموعات في السودان، ودارفور كان نصيبها أكبر، في عام 2003، الدولة وظفت مجموعات سكانية معينة، واعطتها اراضي، الجميع يعرف حساسية الأرض، ومسميات للإدارة الاهلية، بل زادت وتفاقمت من حدة الصراع، والآن يتم استخدامها في حرب 15 أبريل 2023.
ishaghassan13@gmail.com