محيي الدين صابر بين انتحالِ الشهادةِ العلمية واستعارةِ السُّلمِ التعليمي
تاريخ النشر: 22nd, February 2024 GMT
سيف الدين عبد الحميد
ما أن أرخى ليل انقلاب مايو ١٩٦٩م الحالك السواد سدوله ودان له الأمر دون شرعية ودون مسّوغ موضوعي حتى تهافت مؤيدو الانقلاب المؤدلجون ومدَّعو الثورية على ما زعموه تغييراً ثورياً يقضي على القديم البالي ويمهد الطريق لبضاعتهم المستوردة. وربما كان التغيير في حد ذاته هدفاً بالنسبة لهم وذلك درءاً لكل قديم وتهيئة العامة لتقبل جديدهم المصطنع.
* السلم التعليمي المستعار في مواجهة السلم التعليمي الرباعي المحلي.
* كتائب مايو في مواجهة الإدارة الأهلية.
* التأميم في مواجهة الاستثمار الحر.
يعنينا في هذا المقام الموضوع الأول وهو تغيير السلم التعليمي على يد محيي الدين صابر ومعاونيه، وهو تغييرٌ كان في رأيي من أجل التغيير رغم أن السلم التعليمي العتيق العريق قد أثبت جدواه على مدى سنينٍ عدة وشهدت على ذلك كفاءة ودربة وخبرة من نهلوا من معينه من خريجي كلية غردون وخليفتها جامعة الخرطوم. فمحيي الدين صابر الذي كان من بين من جعلوا من قائد الانقلاب صنماً معبوداً لتمرير مشاريعهم العقدية والخاصة -- حتى ولو أتت ضد الصالح العام -- لم يرُق له السلم التعليمي الرباعي المنسق المموسق إذ لا بد من تغييرٍ يحمل اسم محيي الدين صابر ويحفره في الذاكرة الطلابية. ونشهد نحن الجيل الذي ابتدر فينا ذلكم السلم المعطوب أننا لم نرَ فرقاً أحدثه سلم صابر سوى تقطيع أوصال المراحل التعليمية بسلب عامين دراسيِّين من المرحلتين الوسطى والثانوية وضمهما إلى المرحلة الأولية دون دراسة جدوى!
بالطبع صحب تغيير السلم التعليمي تغييرٌ في المنهج التعليمي كان من بعض أهدافه كسب رضا القائد المعبود بإدخال خطاباته الرئاسية داخل المنهج واقتسار مواضيعَ زنيمة داخل ذلكم المنهج كموضوع "التأميم" مثلاً الذي اقتسروه على الصف الخامس الابتدائي دون مراعاة لسن تلميذ تلك المرحلة الذي يصعب عليه استيعاب هذا المصطلح. ومن المضحكات المبكيات وسعياً لكسب رضا القائد المعبود وضباطه الثوار الأحرار أنهم غيّروا لتلميذ الصف الأول الابتدائي طريقة حفظ الحروف الهجائية كتغيير حرف الضاد من "ضَ ضرب" إلى "ضَ ضابط" مع صورة الضابط أبو كِسكِتّة مصاحبة لحرف الضاد المضيوم. ومن هرطقات منهج صابر أنهم أعدوا كتاب تاريخ للصف الرابع الابتدائي حوى كل صور قواد الثورة المهدية وبعض السلاطين كصورة السلطان تيراب إلا أن ذاك الكتاب لم يُدرَّس إلا عاماً واحداً وتم سحبه، وربما كان الهدف من إعداده هو إثبات صورة وطنية لكهنة المعبد المايوي الجديد في المخيلة الشعبية والطلابية.
ولقد شهد الصف السادس الابتدائي دخول قصائد عربية لشعراء مصريين وعراقيين ولشاعر لبناني وآخر ليبي كما شهد منهج الصف الخامس ذات الشيء مع إلغاء نشيد "أصدقاؤنا في السودان" المقرر للصف الثالث الأولي وإحالة الاصدقاء التسعة إلى التقاعد برغم حلاوة إيقاع تلك الأرجوزة القومية التي تبتدئ من "القولد" وتنتهي في "عطبرة"، وكل ذلك كان إرضاءً للنزعة الصابرية المصرية وتغليب تمصير المنهج التعليمي على سودنته، هذا مع اتفاقنا على جمال تلك القصائد العربية وحسن ديباجتها وسهولة حفظها لكن ما كان لتلك القصائد أن تقوم مقام كتاب مثل "الكشكول" المقرر للصف الرابع الأولى والثري بالمواضيع المختلفة والمهضومة والقريبة من وجدان تلميذ المرحلة الأولية المفترى عليها.
لم ينس الوزير الخلوق أن يضع له بصمة بإدخال قصيدة باسمه في كتاب القصائد الشعرية المقرر للصف الثالث بالمرحلة الثانوية العامة "الوسطى سابقاً والمتوسطة لاحقاً" وهي قصيدة بعنوان [بني وطني] التي يقول مطلعها:
أذعها اليومَ قافيةً شرودا
وطوّفها على الدنيا بريدا
فلو كان للوزير الهمام ديوان شعر باسمه يحمل عنوان (الصابريّات) مثلاً لضمَّن فيه تلك القصيدة، فالذي في يده القلم لا ينسى نفسه.
لم يكتف محيي الدين صابر بمدَّ الإجازة الصيفية النهائية إلى ستة أشهر، بإضافة ثلاثة أشهر أخرى (مارس ١٩٧٠م إلى سبتمبر ١٩٧٠م)، لكي يفرغ من وضع سُلُّمه المهلهل المستعار ومنهجه المبتذل ابتذال الانقلابات العسكرية ومناصريها بل فرض على تلاميذ المرحلة الابتدائية زياً رسمياً من رداء وقميص ذويْ لونٍ أزرق سماوي إذ لم يراعِ في ذلك القرار العجول ظروف الأسر السودانية وعدم توفر مثل هذه الأقمشة في الأسواق القروية النائية، وبسبب ذلك فقد تم إلغاء الزي في وقته ودون عامه الأول. وأعقب ذاك القرار الباطل قرارٌ باطلٌ آخر ممثلاً في فرض خمسة وعشرين قرشاً "طرّادة" على كل تلميذ في أنحاء البلاد قيل إنها بدل تأمين صحي.
كان محيي الدين صابر المعروف بتوجهه العروبي مغرماً بالثقافة المصرية في حقبتيها الباشوية والعروبية وهو الذي حظي بنيل فرصة بعثة الملك فاروق التي كانت من نصيب خمسة طلاب سودانيين قُدِّر لهم ان يُبتعثوا إلى فرنسا في عام ١٩٤٩م للاستزادة من المعرفة والتحضير للشهادات العليا في مدينة الفن والجمال باريس، وهم: بشير البكري، عقيل أحمد عقيل، أحمد السيد حمد، إسحاق الخليفة شريف، محيي الدين صابر. ويبدو أن محيي الدين صابر كان في عجلةٍ من أمره لنيل شهاداة الدكتوراه التي يسيل لها لعاب الباحثين في ذلك الزمن إذ روى لنا محدثنا المتخصص في الآنثروبولوجيا والمقيم في أكسفورد أن محيي الدين صابر ارتكب جريمة أخلاقية أحدثت ضجةً كبيرة في الوسط الأكاديمي بجامعة أكسفورد ذلك أن المذكور قد انتحل كتاب سير إدوارد إيفانز بريتشارد Sir Edward Evans Pritchard الذي كتبه عن قبيلة الزاندي وعنوانه بالإنجليزية The Zande Tribe وقام صابر بترجمته [أو ربما تُرجم له] إلى اللغة العربية وتحميل اسمه عليه لنيل شهادة الدكتوراه التي أجيزت له فأصبح محيي الدين صابر دكتوراً بسرقة جهد وعرق الآخرين مما وصفه محدثنا عالم الآنثربولوجيا بالمفردة الإنجليزية plagiarism أي الانتحال. وأضاف محدثنا أن محيي الدين صابر قد التقى به في مناسبةٍ ما وسأله: يا فلان هل حدث أن كنت في جامعة أكسفورد؟ فأجابه: نعم كنت فيها، فصمت محيي الدين صابر إذ عرف أن هذا العالم قد اطلع على الفضيحة الأخلاقية العلمية المجلجلة.
سيف الدين عبد الحميد
abunizar1959@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: لم التعلیمی
إقرأ أيضاً:
وزارة الأوقاف تشارك في الدورة العلمية الـ46 لشرح مضامين رسالة عمان
أناب الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، الشيخ أحمد فتحي حجازي، مدير عام الإدارة العامة للفتوى وبحوث الدعوة بديوان عام وزارة الأوقاف، لتمثيل وزارة الأوقاف المصرية في فعاليات الدورة العلمية السادسة والأربعين لشرح مضامين "رسالة عمان"، التي نظمها معهد الملك عبدالله الثاني لإعداد الدعاة وتأهيلهم وتدريبهم بالمملكة الأردنية الهاشمية.
وكان في استقبال الشيخ أحمد فتحي حجازي، أكرم محمود نائب القنصل المصري بالمملكة الأردنية الهاشمية.
وانطلقت فعاليات الدورة العلمية المتميزة في العاصمة الأردنية عمّان خلال الفترة من 13 إلى 23 أبريل 2025م، بحضور محمد أمين محسن قنصل جمهورية مصر العربية بالمملكة الأردنية الهاشمية، حيث اجتمع فيها نخبة من العلماء والمفكرين، ممثلين عن أربعين دولة شقيقة وصديقة، في ملتقى علمي رفيع المستوى، هدف إلى ترسيخ مضامين رسالة عمان التي تعزز قيم الاعتدال والتسامح والوسطية.
وشهدت الدورة تقديم محاضرات علمية متخصصة قدمها عدد من كبار العلماء والمسئولين، وألقى الدكتور محمد الخلايلة، وزير الأوقاف الأردني، محاضرة مهمة تناول فيها أهمية خطاب الاعتدال في مواجهة الغلو والتطرف، كما تحدث الشيخ عبد الحافظ الربطة، قاضي القضاة، عن العدالة في الإسلام ومكانة القضاء، بينما تناول الدكتور أحمد الحسنات، مفتي عام المملكة، مفهوم الفتوى وضوابطها، واستعرض الدكتور زيد النوايسة، أمين عام وزارة الاتصال الحكومي، دور الإعلام في نشر مفاهيم رسالة عمان وترسيخ قيم الحوار والتعايش بين الثقافات.
وتضمنت فعاليات الدورة زيارات ميدانية تعريفية إلى أبرز المعالم السياحية والدينية والتاريخية في الأردن، حيث شملت زيارة مقامات الأنبياء الكرام، كسيدنا (شعيب، ويوشع بن نون) عليهما السلام، بالإضافة إلى زيارة مقامات الصحابة الأجلاء، ومن بينهم سيدنا (جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل وابنه عبد الرحمن) رضي الله عنهم أجمعين، كما تخللت الزيارات الصلاة في مسجد أهل الكهف المبارك، والاطلاع على معالمه الأثرية الخالدة.
ورافقت هذه الرحلات العلمية زيارة ميدانية لمدينة البتراء التاريخية، تلك المدينة العريقة المنحوتة في صخور الجبال، التي تُنسب إلى أصحاب الحِجر، حيث تعرف الوفد المشارك على تاريخها العريق وحضارتها العظيمة، إضافة إلى زيارة خليج العقبة ومشاهدة القوات البحرية الأردنية، كما أتيحت الفرصة للمشاركين لرؤية مدينة طابا المصرية الحبيبة وفلسطين العزيزة من الجانب الأردني، إلى جانب جولة تعريفية على ضفاف البحر الميت، أدنى نقطة على سطح الأرض.
وفي ختام هذه الفعاليات المتميزة، تفضل الدكتور محمد الخلايلة، وزير الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية الأردني، بتسليم درع "رسالة عمان" تكريمًا للأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف المصري، وذلك تقديرًا لجهوده العلمية والدعوية المتميزة في خدمة قضايا الفكر الإسلامي ونشر قيم الوسطية والاعتدال، وتسلم الدرع نيابة عنه الشيخ أحمد فتحي حجازي، مدير عام الإدارة العامة للفتوى وبحوث الدعوة بديوان عام وزارة الأوقاف، وسط إشادة واسعة من جميع الحضور بالدور الريادي لمصر وأزهرها الشريف ووزارة أوقافها الرائدة.
وأعرب الشيخ أحمد فتحي حجازي، عن بالغ شكره وتقديره للدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، على ثقته الغالية وترشيحه الكريم له لتمثيل وزارة الأوقاف المصرية في هذا المحفل العلمي الرفيع، مؤكدًا اعتزازه بهذا التكليف الذي يُعد شرفًا ومسئولية عظيمة، وداعيًا المولى (عز وجل) أن يوفق معالي الوزير لكل خير، وأن يمده بالعون والسداد، وأن يبارك جهوده في نشر الفكر المستنير والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، كما دعا الله أن يحفظ مصر الغالية قيادة وشعبًا، وأن يديم عليها نعمة الأمن والأمان والاستقرار والازدهار.
واختتمت الدورة العلمية أعمالها بالتأكيد على أهمية استمرار عقد مثل هذه اللقاءات العلمية الكبرى، التي تعزز أواصر الأخوة الإسلامية، وترسخ القيم الدينية السامية، وتدعو إلى التعاون بين المؤسسات الدينية في مختلف دول العالم لخدمة قضايا الأمة، والعمل المشترك على إعلاء كلمة الحق والعدل والسلام.