موقع النيلين:
2025-03-16@19:56:56 GMT

لا وطنَ للعبد!

تاريخ النشر: 22nd, February 2024 GMT


تأسست الدّول باعتبارها شخصا معنويا سياسيا منظّما كأرقى تنظيم بشري لصون الحقوق وتحقيق مصالح شعوبها في الحرية والكرامة والعيش الكريم.

وبهذا الغرض النبيل تطور الأمر  في الدول من التسيير الفردي إلى تسيير المؤسسات إذ تضمن ديمومة خدمة الإنسان من دون ارتباط الحكم بشخص أو مجموعة أشخاص إلى مؤسسات ثابتة لا تتغير ولا تتبدل إلّا بالقدر الذي يضمن أداء خدمة المواطن ضمن قواعد العدل والصّرامة والإنصاف.

لهذا السبب تصبح الخدمة العامّة شرفا وتكليفا؛ تصبح شرفا لأنّ الذي يقوم بالخدمة العامّة يكون نتاج خيار المواطن وإرادته، وتكليفا لأنّ مناطه المسؤولية، فإذا قصّر في القيام بالواجب الذي يتطلبه التكليف استُبدِل بغيره بالطرق القانونية التي تحكم طبيعة نشأة مؤسَّسات الدولة وطرق تسييرها.

هذه القواعد والمبادئ التي أصبحت في الدولة المعاصرة ثابتة ومعلومة، ما زالت في بعض الدول المتخلِّفة محطّ جدل وشك وتذبذب، بل صارت أحيانا محل تحايل لا يُؤخذ بها إلّا صوريا على سبيل التّذرع والتغطية، إذ تصبح الخدمة العامة غطاءً لتمرير أولوية خدمة الذّات، أو المسار المهني، أو الفئة، أو الجهة، أو أيًّا ما كانت هذه الجهة إقليما، أو تنظيما، أو طائفة، أو ما شابه ذلك.

وعندما تُسيَّر شؤون الدولة وتُسخَّر إمكاناتها لخدمة شخص، أو طائفة، أو جهة، أو فئة، أو نخبة، أو حزب، أو جماعة، أو تيار، وتتأخَّر بذلك عن واجب خدمة شؤون المواطنين بل وتحجبها أحيانا، عندها تُصبح الوطنية وسيلة مخادعة، ويصبح الواجب الوطني عند المواطن غير ذي شأن، بل أسوء من ذلك يفقد المواطن شعور الانتماء تدريجيا إلى الحد الذي يرى فيه أنّ الهجرة إنقاذٌ له وأُفقٌ لتحسين ظروف حياته بل وإنجاز متميّز ومتفرِّد.

وتبعا لذلك، يتغير مفهوم “رجل الدولة” من ذلك الشخص الذي يُكلَّف بتحمُّل واجبات أثقل لحُسن تأهيله في تقدير المصلحة العامة والتّفاني في تحقيقها إلى اعتبار مركزه امتيازا له يؤهِّله لنيل حقوق تفضيلية على بقيّة أبناء شعبه، وعندما يعمّ هذا المفهوم تصبح الدولة غنيمة في أيدي هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بـ”رجال دولة”.

إنّ خدمة مصالح الناس ابتغاء إسعادهم وتحسين ظروف حياتهم من أجلِّ العبادات في المفهوم الشرعي، وهي تاجٌ على رأس الوطنيين الصادقين الذين يرَوْن في مسؤولية الدولة تكليفا وأمانة لا مركزا للإثراء والإطراء وربما للاعتداء والاستكبار. وعليه سُمِّي المسؤول مسؤولا لأنّه يُسأل عن أمانته في خدمة الآخرين. والمسؤولية بهذا المعنى ليست مركزا تفضيليا تجعل صاحبها مخدوما لا خادما كما يفهمها البعض اليوم.

وما لم تأخذ هذه المعاني طريقها إلى التجسيد العملي بفعل الوعي أو بسلطان القانون، فإنّ الرِّباط الوطني يصبح هشّا، وربما ينذر بالزوال والاندثار لا قدّر الله.

وقد وصل الدّاءُ في بلدان كثيرة من عالمنا العربي والإسلامي إلى درجة التّحقير والتّهميش لمن يعيد التذكير بهذه الأصول البديهية في تولّي المسؤولية وإدارة الشّأن العام.

وأعتقد أنّ الأولوية اليوم هي لمعالجة هذا الموضوع بجدية وصرامة لأنها الخطوة الصحيحة الأولى لإعادة التقويم والقضاء على داء “القفازة” الذي أصبح عُملة شائعة في التعامل العامّ وكاد أن ينزع الثّقة نهائيا في الانتماء الوطني والحضاري لشعوبنا ودولنا.

قيل قديما (لا وطن للعبد) ومِن ثمَّ فإن الذي يشعر أنّه مُستعبَد في حرية رأيه ومسكنه ومعاشه وعلاجه وكل متطلبات حياته لا يمكن أن يلعب دور المواطن الصالح المُبدِع المُنتِج، وقد تزداد خطورة إصابته فلا يشعر معها بالانتماء، ويسهل بذلك احتواؤه والتّلاعب به، وقد يُستَغلُّ وضعه لتوظيفه ضد وطنه وقومه، والتاريخُ القديم والحديث مليء بالنّماذج المصابة بهذا الداء، وأخشى أن تتوسع دائرته مع انتشار ثقافة (إذا مِتُّ ضمآنا فلا نزل القطر).

عبدالوهاب دربال – الشروق الجزائرية

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الذی ی

إقرأ أيضاً:

بيان مهم من المكتب الوطني للإعلامي لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي

أكد المكتب الوطني للإعلام أهمية التزام مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الدولة بالقيم والمبادئ التي تعكس سياسات الدولة، ونهجها القائم على الاحترام والتسامح والتعايش.

وجاء ذلك في بيان رسمي شدد فيه المكتب على ضرورة مراعاة الضوابط الأخلاقية والقانونية عند استخدام المنصات الرقمية، وضرورة الامتناع عن نشر أي محتوى قد يتضمن إساءة أو انتقاصاً من الثوابت والرموز الوطنية، أو الشخصيات العامة، أو الدول الشقيقة والصديقة ومجتمعاتها. إجراءات قانوينة 

وشدد البيان على أن المكتب وبالتعاون مع الجهات المعنية سيتخذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد كل من يخالف هذه التوجيهات، وفقاً للقوانين المعمول بها في الدولة، والتي تهدف إلى الحفاظ على بيئة رقمية آمنة، ومتوازنة تعزز مناخ الاحترام المتبادل.
كما أشار البيان إلى أن نشر معلومات مضللة، أو خطاب يحض على الكراهية، أو التشهير بالآخرين بصريح العبارة أو بالتلميح أو بالإشارة أو ضمنياً، يعتبر من المخالفات التي ستواجه بعقوبات قانونية صارمة.

توجيهات القيادة 

وشدد البيان على أن الجميع مسؤولون عن الحفاظ على السمعة الطيبة لدولة الإمارات، وهو ما أكده  الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة لأبناء الوطن، عندما أشار إلى أنهم سفراء لدولة الإمارات، وأن عليهم ترسيخ سمعتها الطيبة وإعطاء صورة إيجابية عن الدولة، بعلمهم وتربيتهم الحسنة، وحسهم وانتمائهم الوطني، قائلاً: "كل أمر تفعله إيجاباً أو سلباً، يعكس هويّتك الإماراتية، لذا كلنا مسؤولون لخلق سمعة طيبة لهذا البلد، لأنّكم كلكم راع؛ وكلكم راع للحفاظ على تلك السمعة".
ودعا المكتب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى التحلي بالمسؤولية في المحتوى الذي يُنشر أو يُتداول عبر مختلف المنصات.

رصد المخالفات 

وأشار المكتب إلى استمرار التنسيق مع الجهات المتخصصة لرصد أي مخالفات عبر منصات التواصل الاجتماعي، واتخاذ الإجراءات المناسبة ضدها. كما دعا إلى الإبلاغ عن أي محتوى مخالف أو مسيء عبر القنوات الرسمية المعتمدة، وذلك في إطار الجهود للحفاظ على بيئة إعلامية رقمية تتسم بالمسؤولية والمصداقية.
وحث المكتب الوطني للإعلام، رواد مواقع التواصل الاجتماعي على التخلق بأخلاق قيادتنا الرشيدة التي تضرب المثل في التواضع والأخلاق العالية، منوهاً بأن سلوك أبناء الوطن الفردي يجب أن يتسق مع رؤية القيادة الهادفة للتمسك بعاداتنا وقيمنا الأصيلة.

أخلاق زايد 

كما دعا المكتب إلى التمسك بالأطر العامة المميزة للشخصية الإماراتية على مواقع التواصل الاجتماعي والتي حددها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والمتمثلة في شخصية تمثل صورة الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأخلاق زايد في تفاعلها مع الناس، ‎شخصية تعكس الاطلاع والثقافة والمستوى المتحضر الذي وصلته الإمارات، شخصية تبتعد عن السباب والشتائم وكل ما يخدش الحياء في الحديث، شخصية تقدر الكلمة الطيبة، والصورة الجميلة، والتفاعل الإيجابي مع الأفكار والثقافات والمجتمعات، شخصية نافعة للآخرين بالمعلومة وناشرة للأفكار والمبادرات المجتمعية والإنسانية التي يزخر بها الوطن.

مقالات مشابهة

  • إطلاق خدمة الحافلات تحت الطلب في الرياض عبر تطبيق درب .. صور
  • بيان مهم من المكتب الوطني للإعلامي لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي
  • ما الاختلاف الذي لمسه السوريون في أول رمضان بدون الأسد؟
  • مركز خدمة المواطن في مجلس مدينة السويداء يعود لتقديم عدد من خدماته
  • ???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
  • "أبوظبي للتنقل" تحول خدمة حافلات إلى صديقة للبيئة
  • ما هو الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في سوريا وماذا منح للشرع؟
  • ما الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في سوريا وماذا منح للشرع؟
  • صحة مطروح : لجان مفاجئة على المستشفيات لضمان وصول خدمة مميزة للمواطنين
  • ما الذي سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل؟