مجوهرات لبنان خرقت القارات: عالم خفي بين الأناقة وشبكات التهريب
تاريخ النشر: 22nd, February 2024 GMT
بالرغم من الأوضاع الإقتصادية التي تحيط بلبنان والمنطقة، يمكن القول إن قطاع الصناعة في لبنان تخطى الأزمة نوعًا ما، واستطاع أن يبقى صامدًا رغم العثرات والأزمات.. فمن بين كل القطاعات التي تحارب لتبقى قائمة من الشمال إلى الجنوب، يبرز قطاع صناعة المجوهرات، الذي لم يعرف يومًا الخسارة، إذ تجاوزت حدوده الأراضي اللبنانية وثبّت نفسه عربيا، كما وتألق في المحافل الدولية، ليدرّ مئات الملايين من الدولارات سنويًا.
البداية أرمنية
في متجره المتواضع في وسط بيروت، يجلس "أبو جان" وراء مكتبه، الذي يتساوى عمره مع عمر متجره الذي بناه وانطلقت رحلة تصنيع المجوهرات به منذ أكثر من 65 عامًا.
يروي العم أبو جان لـ"لبنان 24" رحلة بلاد الأرز بهذا القطاع، الذي تفرّدت به بين دول المنطقة، إلى أن أصبحت متاجر المجوهرات اللبنانية مقصد العرب الأوّل، وبالأخص الخليجيين والمصريين والسوريين، الذين كانوا يأتون بشكل دوري لشحن كافة الإنتاجات اللبنانية من المجوهرات، نظرًا إلى المهنية الإستثنائية، والقطع الفنية التي كانت تخرج من لبنان، إذ تزيّنت بها أهمّ أميرات الخليج، وزوجات رجال الأعمال العرب.
لا يخفي أبو جان حنينه لتلك الأيام، خاصةً مع دخول الأرمن البلاد، المصدر الأول للتحف الفنية الباهظة الثمن، إذ أطلقوا حسب تعبيره العنان لهذا التجارة منذ 150 عامًا، مطلع القرن العشرين، حيث كانت أعمالهم المتقنة، ولشدة انبهار العرب بها تأخذ أشهرًا من الوقت لتنتهي، على أن يتم تصديرها لاحقًا إلى الخارج بكميات كبيرة، أدرّت وفرًا من العملات الأجنية إلى الداخل اللبناني.
وبناء على السمعة منذ ذلك الوقت، استطاع اللبنانيون أن يستحوذوا أكثر على اهتمام التجار، إذ انتقلت عملية التصنيع من علاقة فردية بين المصنّع اللبناني والمشتري، إلى علاقة أشمل وأوسع تمثلت بين موزّع ومصنّع، وهذا ما سمح بتوسيع الاسواق، والوصول إلى نقاط بيع أساسية لم يكن للبناني منذ القدم المقدرة على الوصول إليها، ليتضاعف الإنتاج، ويتفرد لبنان بهذه الصناعة التي ما زال بريقها متوهجًا منذ 150 عامًا وأزيد.
الأرقام مطمئنة
وفي أرقام حصل عليها "لبنان 24" فإنّ صناعة المجوهرات في لبنان تمكنت من حجز مركز خاص لها بين الصناعات الأخرى، إذ تربعت على عرشها، حيث تُدخل بشكل سنويّ إلى لبنان قرابة 720 مليون دولار، لتكون من أنشط وأهم القطاعات، علمًا أن هذا الرقم يشكّل 30% من مجمل واردات لبنان، وهذا رقم قياسي ويعوّل عليه بشكل كبير.
على مقلب آخر، فإن أرقامًا أخرى اطّلع عليها "لبنان 24" كشفت عن تراجعٍ دراماتيكيّ بين الأمس القريب واليوم.. فالـ 720 مليون دولار التي تدخل اليوم من هذا القطاع انخفضت عن ما كانت عليه عام 2014 حيث أدخل القطاع 770 مليون دولار، كما وتشكّل فقط 48% من مدخول عام 2011، الفترة التي شهدت ذروة بيع المجوهرات داخل لبنان وخارجه، إذ سجّلت الإيرادات آنذاك 1,5 مليار دولار، وهو رقم استثنائي نسبة إلى موقع لبنان وحجم اقتصاده آنذاك.
وعلى الرغم من التراجع الدراماتيكي الذي بدأ في أوائل العام 2014، ظلّ قطاع المجوهرات في لبنان صامدًا بوجه التحديات، إلا أن المصمم فابيو عازار لم يجعل من الأرقام سببًا للقول بأن تصاميم المجوهرات اللبنانية لم تعد مطلوبة للخارج كما كانت، إذ يقول لـ"لبنان 24" أنّه وعلى الرغم من تراجع الإيرادات، إلا أن دور لبنان لا يزال الأبرز بهذا المجال، خاصة مع نقل المصممين اللبنانيين أعمالهم ومصانعهم إلى دول الخليج، وهذا ما يشير بكلمات أخرى إلى أن مكان دخول الإيرادات تغيّر، إلا أنّ نكهة التصميم لا تزال لبنانية 100%. وهذا يشير حتمًا إلى خسارة لبنان موردا أساسيا من المداخيل، مع اتخاذ العدد الأكبر من المصنعين خيار الإستقرار في دول الخليج، ولو عادت الأمور الأمنية والسياسية إلى ما كانت عليه داخل لبنان.
وتطمئن الأرقام أكثر إلى أنّه وبالرغم من خروج أهم المصممين اللبنانيين من لبنان إلا أنّ الماركات الأجنبية لم تؤدِ إلى تحريك الثقة بالمجوهرات اللبنانية. وهذا ما أكّد عليه رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا محمد حسن صالح، الذي أشار إلى أنّ الصناعات اللبنانية من المجوهرات لا تزال تحتل المرتبة الأولى بين الصناعات الأجنبية، وهذا ما يدفعنا إلى إطلاق الدعم الكامل للقطاع الذي يعتبر أحد الركائز الاساسية بدورة الإقتصاد اللبناني، علمًا أن الإنتاج اللبناني يباع منه 10% فقط داخل لبنان و90% يصدّر إلى الخليج أولا ومن ثم أميركا وأوروبا، إذ إن رخص اليد العاملة هناك تثبت التنافسية التي استطاع اللبناني أن يبدع من خلالها، ويخرق الأسواق الأجنبية.
معقل الاسرار العائلية
وعلى الرغم من أنّ عملية الإنتاج تعتبر الأكبر في الشرق الأوسط، كما وطالت شرارتها جنوب أفريقيا وسويسرا، فإن أحد أهم المصممين في لبنان والذي نقل أعماله إلى الخليج إبان ثورة 17 تشرين يروي لـ"لبنان 24" المغارة الكبيرة التي تخفيها هذه الصناعة، إذ إن العائدات التي يتم الإعلان عنها من قبل مالكي المصانع لا تشكّل أكثر من 35% من القيمة الحقيقية، وذلك يؤثر بطبيعة الحال على عملية توزيع الضرائب.
ويشير المصمّم اللبنانيّ الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لـ"لبنان 24" إلى أنّ صناعة المجوهرات في لبنان هي بالمجمل صناعة عائلية بأكثر من 95% من المتاجر الموزعة من شمال لبنان إلى جنوبه. وبالتالي فإنّها تتمتع بالسرية المطلقة بين أعضاء العائلة الواحدة، إذ إنّها لا تتجاوز أبدًا حدود الأب والإبن والزوجة، أو الإخوة، وهذا ما دفعها إلى أن تتمتع بصفتين: سوق كبيرة وغير منظّمة.
ويؤكّد أنّه بالاضافة إلى عدم الكشف عن رقم الأرباح تهربا من عملية دفع الضرائب المرتفعة، فإنّه يرى بأن كبار التجار، خاصة أولئك الذين يمتلكون أسواقًا متصلة بالخارج، وتحديدًا بأفريقيا، غالبًا ما ينجزون صفقات مشبوهة، تحديدًا بعالم الألماس، وهذه الصفقات بطبيعة الحال هي غير شرعية طالما أنّها تدخل إلى البلاد عن طريق تهريبها، علمًا أن 6% من الألماس حول العالم يمرّ بالأراضي اللبنانية فقط، سواء ترانزيت أو لأجل نحته ووضعه على قطع المجوهرات التي يتم تصديرها إلى الخارج، إذ يتم بيع الألماس الذي يتواجد فيها لاحقا بسعر مضاعف بحوالي 36 مرة.
وعلى الرغم من الشبهات التي تدور حول هذه الصناعة، يبقى قطاع تصنيع المجوهرات في لبنان القطاع الأقوى، والأقدر على رفع الإقتصاد وإن بطريقة غير مباشرة، إلا أنّ أهمية تنظيمه يبقى الأساس، ليحافظ حوالي 8000 شخص من بينهم 25% من المصممين على تجارتهم من دون السماح للمنافسة غير الشرعية بضرب سمعة هذا القطاع، والمساهمة بنقل الأعمال إلى الخارج.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
عون: إسرائيل تعيق انتشار الجيش اللبناني في الجنوب
المناطق_متابعات
أكد الرئيس اللبناني، جوزيف عون، أن الجيش يقوم بواجباته كاملة في منطقة جنوب الليطاني، ويطبق القرار 1701 في البلدات والقرى التي انتشر فيها، “لكن ما يعيق استكمال انتشاره حتى الحدود هو استمرار الاحتلال الإسرائيلي لخمس تلال لا أهمية استراتيجية لها”.
وأوضح خلال لقائه في القصر الجمهوري وفداً من الباحثين بمعهد الشرق الأوسط للدراسات في واشنطن – (MEI) برئاسة الجنرال الأمريكي المتقاعد جوزيف فوتيل، اليوم الثلاثاء، أنه “كان من المفترض أن ينسحب الإسرائيليون من هذه التلال منذ 18 فبراير الماضي إلا أنهم لم يفعلوا على الرغم من المراجعات المتكررة التي قمنا بها لدى راعيي الاتفاق، الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، العضوين في لجنة المراقبة المشكلة بموجب اتفاق 27 نوفمبر الماضي”.
دعوة لواشنطن
كما كرر دعواته إلى واشنطن “للضغط على إسرائيل كي تنسحب من هذه التلال وتعيد الأسرى اللبنانيين ليتولى الجيش مسؤولية الأمن بشكل كامل بالتعاون مع اليونيفيل، ويبسط بذلك سلطة الدولة على كامل التراب الجنوبي”.
إلى ذلك أكد أن “قرار حصرية السلاح لا رجوع عنه، لأنه يلقى تأييداً واسعاً من اللبنانيين والدول الشقيقة والصديقة”.
وفقا للعربية : أشار أيضاً إلى “حاجة الجيش والقوى المسلحة للمساعدة العاجلة لتتمكن الوحدات العسكرية من تحمل مسؤولياتها في حفظ الأمن والاستقرار في البلاد”، مشدداً على أن “من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أن يبقى لبنان مستقراً وآمناً، وعليها أن تساعده لتحقيق ذلك”.
الحدود اللبنانية – السورية والنازحون
أما عن الوضع على الحدود اللبنانية – السورية فأكد أنه “يلقى متابعة مستمرة مني، والجيش موجود على هذه الحدود لمنع التهريب على أنواعه، ولضبط حرية التنقل بين البلدين”، لافتاً إلى الاتصالات التي تمت مع المسؤولين السوريين والتي أسفرت عن اجتماعات عقدت بين الجانبين اللبناني والسوري بهدف معالجة المواضيع العالقة.
كما تطرق إلى مسألة النازحين السوريين، مشدداً على أن “لبنان متمسك بإعادتهم إلى بلادهم، لا سيما أنه ليس قادراً على استيعابهم، خصوصاً أن الأسباب السياسية والأمنية لوجود غالبيتهم في لبنان قد زالت بعد التغييرات التي حصلت في سوريا”، معتبراً أن “رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا يحرك من جديد اقتصادها ويوفر فرصاً للنازحين للعودة إلى بلادهم بدلاً من أن يبقوا نازحين اقتصاديين في لبنان”.
الإصلاحات ومكافحة الفساد
في سياق آخر، أكد أن لبنان ماض في إجراء الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية، وأن اللقاءات التي عقدها في واشنطن الوفد اللبناني إلى اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كانت جيدة، “ونأمل أن تكون لها نتائج إيجابية على الصعيدين المالي والاقتصادي”.
وشدد على أن “مكافحة الفساد هي من أبرز الأهداف التي أعمل عليها بالتعاون مع الحكومة ومجلس النواب الذي أقر قوانين تصب في مصلحة المسار الإصلاحي المنشود، إضافة إلى الدور الأبرز الذي سيقوم به القضاء بعد التشكيلات القضائية التي ستصدر قريباً”.
من جهته، قال رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، إن “الاعتداء على الضاحية الجنوبية، والاعتداءات الإسرائيلية الأخرى، تشكل خرقاً لترتيبات وقف الأعمال العدائية”، مؤكداً أن “تفعيل آلية المراقبة أمر مطلوب لوقف هذه الاعتداءات”.
وأشار خلال استقباله وفداً من نقابة الصحافة، إلى أن “لبنان يريد وضع حد لكل هذه الانتهاكات، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للتلال الخمس ولكل الأراضي اللبنانية”.
كما شدد على أنه “إذا لم تنسحب إسرائيل بالكامل، فإن ذلك سيهدد الاستقرار”، مؤكداً أن “لبنان ملتزم بالاتفاق، وعلى الجانب الإسرائيلي أن يلتزم بدوره، ويهمنا بقاء الموقفين الأميركي والفرنسي إلى جانب لبنان لتحقيق ذلك”.
إعادة الإعمار
كذلك لفت إلى أن “الحكومة بدأت العمل على خطة لإعادة الإعمار، بدءاً من البنية التحتية، حيث تم إجراء مسح للأضرار، وبدأ العمل الآن على توفير الإمكانيات، وقد باشرت الحكومة التفاوض مع البنك الدولي، وتم تأمين مبلغ 325 مليون دولار حتى الآن، مع السعي لزيادته”.
فيما أردف أن “المساعي مستمرة لتأمين كل الأموال اللازمة للبنان، كما أن الجيش بحاجة لتعزيز عديده من خلال المزيد من عمليات التطويع، لا سيما في ظل المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقه، وأبرزها الانتشار في الجنوب وتوسيعه، وعلى الحدود الشمالية الشرقية، بالإضافة إلى مؤازرته للقوى الأمنية في الداخل، وفي العديد من المرافق العامة، لا سيما المرفأ والمطار”.
يذكر أنه رغم سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل تم التوصل إليه بوساطة أميركية فرنسية عقب مواجهة لأكثر من عام، لا تزال إسرائيل تشن غارات على مناطق لبنانية خصوصاً في جنوب البلاد وشرقه، وهي تؤكد أنها لن تسمح للحزب بالعمل على ترميم قدراته بعد الحرب.
علماً أن الاتفاق كان نص على وقف الأعمال العدائية بين الطرفين، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب بشكل تام، فضلاً عن انسحاب حزب الله من المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني وتفكيك بناه العسكرية فيها، مقابل تعزيز الجيش وقوة الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) انتشارها قرب الحدود مع إسرائيل.
إلا أن إسرائيل لم تنسحب بعد من 5 نقاط استراتيجية في الجنوب، تشرف على جانبي الحدود، ملوحة بالبقاء إلى أجل غير مسمى.