وائل الأمين يبدو أن أمريكا تخشى على اقتصادها من الانهيار لدرجة أنها بعثت بعجوز الدبلوماسية هنري كيسنجر إلى الصين لتقريب وجهات النظر بين واشنطن وبكين، ذلك يعكس هشاشة الاقتصاد الأمريكي بعد التضخم الكبير الذي يشهده العالم. أي دلالات على الزيارة؟ هل تحن أمريكا لدبلوماسية العجوز؟ هل تخلت أمريكا عن تايوان؟ قال الرئيس الصيني شي جين بينغ لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسينجر “أن الصين وأمريكا وصلتا إلى مفترق طرق مرة أخرى الأمر الذي يتطلب قراراً مرة أخرى للنظر من الجانبين حول إلى أين يتجهان” يمكن القول أن الصين وصلت للنهاية مع أمريكا بشأن السلم العالمي، حيث تحاول الصين تخفيف التوترات على كافة الجبهات العالمية بينما تسعى أمريكا إلى إشعال جبهات جديدة الأمر الذي أدى إلى صدام دبلوماسي بين البلدين.

تسعى أمريكا إلى تهديد الأمن القومي الصيني عبر دعم جزيرة تايوان التي تطالب بانشقاقها عن الصف الصيني الأمر الذي تعتبره الصين خطاً أحمر، فهي تسير وفق مبدأ صين واحدة ولا تسمح للغرب بدعم أو تحريض الإدارة التايوانية حيث يعتبر الغرب أن تايوان مكسب له لأنه البلد الأقوى في تصنيع أشباه الموصلات التي تدخل بشكل أساسي في صناعة الأسلحة المتطورة والتكنولوجيا، يمكن القول أن هذا الملف يعتبر الأساسي في الخلاف الصيني الأمريكي، ناهيك عن وقوف الصين إلى جانب لروسيا في دعم المطالب الروسية بالضمانات الأمنية لروسيا وعمليتها العسكرية في أوكرانيا ، حيث تعتبر الصين أن المعركة إذا ما انتهت لصالح الروس في شرق أوروبا فإن ذلك يعني أن المعركة المقبلة ستكون على الأرض الصينية، وهذا الملف الثاني الذي زاد الشقاق بين بكين وواشنطن، بالإضافة لملف سورية حيث تدعم بكين الدولة السورية في الأروقة الدولية وسيادتها على كافة أراضيها، بل وأدانت في أكثر من اجتماع لمجلس الأمن لاحتلال القوات الأميركية لجزء من أراضي سورية وقالت أن أمريكا تسرق موارد الشعب السوري الذي يعاني من أزمة خانقة في الاقتصاد والتجارة والخدمات بفعل ما تقوم به أمريكا من حصار على الشعب السوري وعقاب جماعي وسرقة لموارده، وأن السبب الرئيسي لانعدام الأمن في سورية هو وجود قوات أمريكية شرق سورية. يمكن القول أن الولايات المتحدة الأمريكية خسرت مكانتها في الشرق الأوسط وجاءت الصين مكانها، بل وزادت بكين من مصداقية مواقفها البنّاءة في الحوار عبر المصالحة السعودية الإيرانية ونجحت في حل خلاف كانت أمريكا تراهن عليه لعقدين من الزمن عبر استنزاف الخليج مادياً وعسكرياً، الأمر الذي عزز انحسار الدور الأمريكي في الخليج، وبروز التنين الصيني كقوة دبلوماسية عالمية تهدف لبناء مناخ مناسب للاستثمار في بيئة تعتمد على المنفعة المتبادلة. تعزز الصين اقتصادها الأكبر في العالم عبر تحالفات اقتصادية يمكن القول أن بريكس التي بدأت بالنمو وفق خطى ثابتة نحو تكوين ند يتفوق على مجموعة السبع الغربية هو أكبر تحد اقتصادي تخشاه أمريكا، فالصين التي تحاول الربط مع كل القارات اقتصادياً من إفريقيا إلى أمريكا تعمل جاهدة لإكمال مشروع الحزام والطريق الذي سيعمل على جعل الصين من أكبر قوة اقتصادية لا يمكن ثنيها ولا تقبل الخلاف بين شركائها. إذا أرادت أمريكا الوصول إلى تفاهمات مع الصين عليها أولاً حل ملف الجمارك على البضاعة الصينية وكذلك تسديد الديون للصين التي تعتبر من أكبر الدائنين لأمريكا، والابتعاد عن استراتيجية الحروب التجارية والعقوبات التي أضرت بالاقتصاد الأمريكي أولاً عبر استخدام الدولار كورقة ضغط على الشعوب المستقلة والتي لا تقبل بالإملاءات الأمريكية. يدرك هنري كيسنجر أن الصين تتجه نحو عرش العالم عبر تبنيها سياسة الحوار والاقتصاد والمنفعة المتبادلة، وهو مالا يفهمه الساسة في البيت الأبيض، ولذلك سيسعى كيسنجر لتقريب وجهات النظر بين بكين وواشنطن لإعادة رسم المعالم الجديدة للعالم الاقتصادي ولكن ذلك يتطلب من واشنطن بناء جسور للثقة مع بكين التي أصبحت لا تثق بالأمريكي متقلب الأطوار، وربما سيموت كيسنجر صاحب المئة عام ولن تُبنى هذه الجسور لأن عصر الهيمنة الأمريكية انتهى وذهب أدراج الرياح، فهل ستواصل الصين نهجها الاقتصادي في زحزحة النفوذ الغربي من العالم الاقتصادي؟؟ أم أن هنري كيسنجر سينجح في مهمته حيث مئويته الأولى؟؟ يتساءل مراقبون ؟.. كاتب وإعلامي سوري

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: هنری کیسنجر الأمر الذی

إقرأ أيضاً:

من "الحافة" إلى "بكين".. سيرة ومسيرة

 

 

 

خالد بن سعد الشنفري

 

من بكين إلى الحافة ومن الحافة إلى بكين هي حقيقة رحلتين لشخصيتين مميزتين كلٍ في موطنه وبينهما تماس في أمور وتجمع بينهما مشتركات؛ الأولى لشخصية رحالة وتاجر صيني من حقبة مضت وأصبحت تاريخاً، والثانية لدبلوماسي وسياسي عُماني عريق لا زالت أحداثها مَعِيشة أطال الله في عمره وأبقاه.

هوة زمنية لا شك تفصل بين الحدثين.. ولكنهما يشتركان في كونهما حدثا في الحافة وانطلقا من شاطئها تحديدًا في زمنين مختلفين ومن غريب الصدف ظهورهما الآن معاً في الحافة كلٌ بطريقته ففي العام 2024 الذي ودعنا قريبا دشنت الصين النصب التذكاري احتفاء برحالتها شنغ خه على شاطئ الحافة وعلى نفس الشاطئ ونفس العام دشنت عُمان كتاب (شاهد على مسيرة دبلوماسية الحكمة) لسعادة السفير والدبلوماسي العُماني المُحنك عوض بن بدر بن عوض مرعي الشنفري.

تعودت أن أختار عناوين كتبي ومقالاتي في الأخير بعد الانتهاء من كتابة العمل أو أثنائها أما قبل ذلك فنادرا ما يحصل، فكما يُقال الكتاب يُعرف من عنوانه، ولكنني هذه المرة اختلف معي الأمر فتبادر إلى ذهني عنوان "من الحافة إلى بكين" واستحضرته مخيلتي بيسر وسرعة دون جهد مني؛ بل برز من أول ما أمسكت يدي القلم لتختط أولى كلمات هذا المقال فبعد أن فرغت مباشرة من قراءة كتاب من 200 صفحة من الحجم المتوسط والذي لم تتركه يدي حتى انتهيت من قراءته كاملاً؛ من الجلدة للجلدة (كما يقول الطلبة عن كتبهم المدرسية).. كل ذلك رغم أني مؤخرا أصبحت قليل القراءة عمومًا لأني- لا أراكم الله مكروهاً- أصبحت أعاني من مرض النوم القهري وأفضل أوقات هجوم هذا النوم عليّ وتمكنه مني هو وقت القراءة بالذات.

سعادة السفير عوض بن بدر بن عوض مرعي الشنفري مؤلف كتاب شاهد على دبلوماسية الحكمة غادر شاطئ الحافة في العام 1957، وهو في سن الثالثة عشرة من عمره على ظهر قارب خشبي شراعي ركيك مخصص لحمل البضائع تكدس فيه مع 30 راكباً آخرين ميممًا وجهه شطر بلاد المهجر حال معظم الظفاريين، إلا أن مقصده لم يكن طلب الرزق كحال أقرانه.. أبحر بهم هذا القارب إلى مسقط ابتداء في رحلة مُعاناة استغرقت عشرين يومًا وهم وقاربهم كقشة وسط البحر؛ بل هاجر لطلب العلم والعلم فقط بعد أن فتحت الصفوف الخمسة المتاحة للتعلم في مدرسة سعيدية ظفار من شهيته للازدياد والنهل من هذا المنهل.

ومن شاطئ الحافة جرت الرياح بقاربه الشراعي إلى الكويت ومدرسة الشويخ بها وجامعة القاهرة ليرتبط بمجموعة من الطلبة اليمنيين هناك ويلتقي مع  وفد بلقاء الرئيسين أنور السادات وجمال عبد الناصر، وتردد بعد ذلك بين القاهرة وبغداد التي أكمل دراسة الحقوق بها وما بين هذين الشوطين يتجه إلى دمشق أحيانا واليمن ودول الخليج العربي في هذه المرحلة من التاريخ العربي التي تعج بالحركات التحررية وتتمركز بالذات في هذه الدول فدخل باب السياسة والنضال والتحرر من أوسع أبوابه ومن اليمن التي كانت ثورتها تمد جذورها ناحية جارتها ظفار ابتغاء عُمان والخليج العربي بأسره واعترك أبو ظافر السياسة وعاركها في خضم حركات تحررية يعج بها الوطن العربي كله للتخلص من الاستعمار الجاثم على صدرها فتارة بعث عربي وقومية عربية وحتى اشتراكية عالمية وغيرها؛ فالهدف الانعتاق مما هم فيه وهكذا وجد الشاب اليافع نفسه وسط هذا الخضم الهائل من الحراك السياسي وها هو يبحر بنا اليوم بعد أن أرست سفينته مراسيها في كتابة هذا الكتاب السفر بحق عن كل ذلك، وهو يحكي مرحلتين منفصلتين متناقضتين من حياته وحياة عُمان كلها.. المرحلة الأولى من معترك حياته والممتدة من الأربعينات إلى نهاية الستينات من القرن الماضي ولا صوت لديه فيها يعلو على صوت الدراسة والسياسة والتحرر من الانعتاق الذي وجد نفسه ووطنه فيه وأصبح منذ بداية مشواره الدراسي وأسفاره ومتعرجاتها، في سبيل تلقي العلم وهم التحرر بين مصر الكنانة وعراق الرافدين، ويشطر تارة إلى الشام وتارة إلى اليمن في مسيرة قلَّ أن اتيحت لأحد من أقرانه ويخرج لنا حصيلته عن هاتين المرحلتين في هذا الكتاب الذي يجعلك تعيش معه هاتين المرحلتين من تاريخ عُمان؛ الأولى كما أسلفنا من الأربعينات إلى نهاية الستينات والمرحلة الثانية بعد عصر النهضة العُمانية المباركة بقيادة السلطان قابوس بن سعيد وإلى عصر التجديد بقيادة السلطان المجدد هيثم بن طارق المُعظم- أبقاه الله.

قائمة طويلة من الأحداث والمحطات الوطنية والعديد من المشاركات المهمة والفعالة في سبيل العلم والمعرفة وتسخيرها لخدمة الوطن؛ فمنذ أول اغتراب له من شاطئ الحافة في العام 1957 إلى المجهول إلى أول اغتراب من نوع آخر في العام 1973 إلى لندن لتسلم مهام تكليف سامٍ كسكرتير أول في سفارة سلطنة عُمان بالمملكة المتحدة، ومن هروب من وطأة الظروف القاسية في المرحلة الأولى الى تمثيل بلد أصبح له مكانته بين الدول مؤثرا ومتفاعلا ومن لندن إلى بكين وإسلام أباد والولايات المتحدة الأمريكية كسفير مقيم إلى سفير مفوض غير مقيم في العديد من الدول المجاورة لهما كالنيبال والفلبين وتايلند وكندا وتشيلي والبرازيل التقى خلالها وجلس إلى العديد من الزعماء والقادة العظام والملوك والرؤساء إلى عضوية مجلس الأمن الدولي إلى الأمين العام المساعد للشؤون السياسية بمجلس التعاون الخليجي إلى عضو مكرم في مجلس الدولة وظل على رأس عمله إلى نهاية العقد الأول من القرن الواحد وعشرين. إنه فعلا كتاب سفر مشوق يحمل متعة المتابعة والقراءة وكنز معلوماتي ثمين من رجل ثمين عن مرحلتي عُمان الأخيرتين قبل وبعد النهضة جدير بالاقتناء والقراءة ومرجع وثائقي وتاريخي بمعنى الكلمة.

شكرًا سعادة السفير على هذا الكنز الثمين وجزاك الله عنَّا وعن عُمان كل خيرٍ.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • أوروبا طوت صفحة كورونا ولكن.. هل ستجبر الإنفلونزا مواطني القارة العجوز على ارتداء الكمامات مجددا؟
  • من "الحافة" إلى "بكين".. سيرة ومسيرة
  • قنديل: اليمن هو العقدة الذي لا يُملك الأمريكي والإسرائيلي دوائها
  • هنري: مبابي «كائن بشري» وليس «روبوت»!
  • رسالة دعاة الحرب البلابسة والإسلاميين خاصة … هذه هي الحرب التي تدعون اليها
  • الصين تستعين بإيلون ماسك في صفقة تيك توك لإنقاذ التطبيق من الحظر الأمريكي
  • السفير الأمريكي يبحث مع المحرمي التحديات الاقتصادية والخدمية التي توجهها الحكومة اليمنية
  • مصالح ماسك في الصين تتضارب مع خطط ترامب في مواجهة بكين
  • أمريكا تحترق … اللهم لا شماتة
  • يتحدى أمريكا.. ارتفاع قياسي للتبادل التجاري بين الصين وروسيا