الدعاية في مقابل الوقائع.. ماذا تريد إسرائيل في الحقيقة؟
تاريخ النشر: 22nd, February 2024 GMT
في البداية لا بدّ أن نعيد التأكيد بوضوح أن إسرائيل كانت الطرف الخاسر تمامًا يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وكل ما فعلتْه لمحاولة إعادة الهيبة لجيشها باء بالفشل، ولكن يُحسَبُ لإسرائيل أن لديها قدرةً عاليةً على استعادة التوازن مع الوقت والتركيز على الأهداف الإستراتيجية الموضوعة مسبقًا ومحاولة تجيير كل حدثٍ لتتمكن من الاقتراب أكثر نحو تحقيق أهدافها الإستراتيجية، بمجرد أن تحصل على الدعم الدولي العسكري والسياسي الذي تعوّل عليه، والذي لا يمكنها أن تفعل شيئًا دونه.
علمًا بأن حديثنا في هذا المقال يركّز على الجانب السياسي، إذ إن إسرائيل ما زالت تعتبر الطرف الخاسر على المستوى العسكري.
قرن من الدعاية المتضاربةإن كان هناك فترة تاريخية يمكن من خلالها فهم ما يجري في الأراضي الفلسطينية هذه الأيام، فإننا لن نجد أفضل من أن نرجع قرنًا من الزمن إلى أحداث الفترة من 1915 حتى 1948. وجه الشبه الذي أتحدث عنه هنا هو كثرة الدعايات المضادة والمتضاربة التي كانت تهدف للتغطية على المشروع الحقيقي الذي كان يدور في مطابخ السياسة الغربية، ولم يظهر بوضوح حتى أصبح حقيقةً بعد قرار تقسيم فلسطين عام 1947 ليتحول إلى واقعٍ إبان النكبة الفلسطينية عام 1948.
منذ مراسلات الحسين- مكماهون الشهيرة التي كانت بريطانيا فيها تعِد العرب "بالاستقلال" تحت رايةٍ واحدة، في نفس الوقت الذي كانت تتفق فيه مع فرنسا سرًا على تقسيم المناطق العربية بينهما وترتِّب لإصدار وعد بلفور، إلى الدعاية البريطانية التي أصرت على نفي وعد بلفور حتى صدور صك الانتداب وظهور كذبها، حتى الكتاب الأبيض الأول والثاني وغيره من الكتب التي أصدرتها بريطانيا أثناء الثورات الفلسطينية المختلفة لتهدئة الفلسطينيين الذين كانوا يرون أراضي بلادهم تُسرَّب شيئًا فشيئًا من قبل البريطانيين إلى أبناء المشروع الصهيوني من المهاجرين الأوروبيين، إلى انتظار الفلسطينيين دخول الجيوش العربية المكبلة بجنرالات بريطانيين واتفاقياتٍ واحتلال بريطاني وفرنسي فعلي في بعض الحالات، والذين أصروا على عدم الدخول في حرب النكبة حتى انتهاء الانتداب البريطاني رسميًا.. حتى أصبحت إسرائيل أمرًا واقعًا تتعامل معه الأنظمة الرسمية العربية والإسلامية على هذا الأساس.
وجه الشبه هنا هو هذه الدعاية الإسرائيلية والأميركيَّة المتضاربة التي تخرج علينا يوميًا في وسائل الإعلام منذ بداية الحرب الحالية لتخلط الأوراق وتشتت الأذهان عن الأهداف الحقيقية التي تبلورت لدى حكومة إسرائيل الحالية، ومن ورائها الإدارة الأميركية وعدد من الدول الأوروبية. فسواء كان هناك خلاف بين هذه الأطراف أم لم يكن، فإن هناك هدفًا موحدًا لديها جميعًا، وهو القضاء على حركة حماس مهما كلف الثمن، وتغيير الوضع العام في غزة سواء بشكل مرحلي أو دائم.
ما يبدو أن الخلاف يدور حوله هنا بين القوى الغربية بشكل عام من جهةٍ وحكومة نتنياهو من جهةٍ أخرى هو شكل تغيير الوضع العام في غزة وليس المبدأ نفسه، فبينما تريد تلك الدول عودة السلطة الفلسطينية وتجريد قطاع غزة من السلاح بالكامل، تريد حكومة اليمين الإسرائيلية تفريغ قطاع غزة بالكامل من السكان وإعادة احتلاله، وأقول هنا بشكل واضح: إن هدف تفريغ قطاع غزة من السكان، الذي عملت عليه إسرائيل في ستينيات ثم في سبعينيات القرن الماضي ما زال يلح على الذهنية الإسرائيلية الحالية، وإسرائيل بحكومتها اليمينية الحالية تريد تنفيذ هذا السيناريو وإن ادعت غير ذلك، وأي ادعاء غير ذلك بات يعتبر قصر نظر.
إن كان هناك فترة تاريخية يمكن من خلالها فهم ما يجري في الأراضي الفلسطينية هذه الأيام، لن نجد أفضل من الفترة بين 1915 و1948، التي حفلت بدعايات مضادة متضاربة كانت تهدف للتغطية على المشروع الغربي الحقيقي الذي لم يظهر بوضوح حتى أصبح حقيقةً بعد قرار تقسيم فلسطين عام 1947 ثم النكبة
الترانسفير لا زال قائما
نظرة سريعة مجردة إلى السيناريو الذي تقوم به إسرائيل على الأرض حاليًا، ودون سماع أي تسريبات أو أخبار أو تصريحات بهذا الشأن من أي طرف، يتبين أن إسرائيل تعمل بكل قوتها على تنفيذ سيناريو الترانسفير لسكان غزة أو غالبيتهم العظمى على الأقل، وتفريغ المنطقة منهم سواء باتجاه سيناء – بغض النظر عن رأي مصر في الموضوع – أو عبر سيناء إلى دول أخرى حول العالم.
وبالرغم من أنه لا يمكن لأحد أن يدعي أن أطرافًا عربيةً إقليمية قد وافقت بالفعل على هذا السيناريو أم لم تفعل، فإن ما يهمنا هو النظر إلى ما يجري على الأرض كما ذكرت سابقًا.
وهذا السيناريو تريد إسرائيل تنفيذه باعتباره هدفًا إستراتيجيًا نهائيًا، سواء وافقت عليه الولايات المتحدة أم لم توافق، فاليمين الإسرائيلي بات يرى ضعف الإدارة الأميركيّة الحالية بشكل واضح، وبات يفهم الخلافات الأوروبية ويستوعب أن الأطراف العربية التي صاغت معه اتفاقيات السلام معنية بإنهاء هذا الملف دون تحمّل تبعاته، ولهذا فإنه يرى نفسه الآن القوة التنفيذية التي تقوم بما يمكن وصفه بالأعمال القذرة، مراهنًا في ذلك على ذاكرة السمكة وسياسة الأمر الواقع التي طالما نجحت القوى الغربية في استغلالها للتعامل مع هذه المنطقة خلال مائة سنة.
يمكننا ضرب الكثير من الأمثلة على ذلك لفهم هذه المعادلة التي نراها اليوم، ففي بداية الحرب كانت الدعاية الإسرائيلية التي رددتها وسائل الإعلام الغربية والعربية على حد سواء تتمحور حول ضرورة توجه الغزيين جنوبًا نحو "المناطق الآمنة".
وكانت الحجة الإسرائيلية في الميدان أن لا محرمات أمامها في شمال القطاع؛ باعتبار أن المشكلة الأساسية هي الصواريخ التي تنطلق من الشمال، ولإثبات جديتها في ذلك قصفت إسرائيل المستشفى المعمداني، ثم لجأت لإشغال الرأي العام العالمي بنفي ضلوعها في ذلك واتهام المقاومة الفلسطينية، وبذلك انشغل العالم في التحليل والإثبات والنفي، لتستغل إسرائيل ذلك بفتح الباب واسعًا لتدمير المستشفيات والمدارس وغيرها؛ استغلالًا للوقت الذي قضاه العالم في محاولة فهم ما جرى سواء بتبريره أو نفيه أو إثباته، وهو ما أدى في النهاية لجعل الهجوم على مجمع الشفاء الطبي وتدميره يبدو مسألةً "عاديةً" بعد أن تجاوز العالم فاجعة المستشفى المعمداني.
لاحقًا – وخلافًا لما نشرته في البداية من دعاياتٍ حول كون مشكلتها الأساسية مع شمال قطاع غزة – بدأت إسرائيل فعليًا بالتوجه جنوبًا وركزت دعايتها على فكرة (خان يونس أو كل الجنوب)، وشغلت العالم بأخبار متضاربة حول رفض الإدارة الأميركية ذلك، وخلافات داخلية إسرائيلية لتدخل بالفعل إلى خان يونس وتجعل منطقة رفح هي المكان الأكثر اكتظاظًا بالسكان حين ظن الفلسطينيون أن وجودهم قرب الحدود مع مصر يمكن أن يضمن لهم عدم مهاجمة قوات الاحتلال للمنطقة.
وها هي اليوم تقرع طبول الحرب في رفح، آخر منطقةٍ جنوبية في قطاع غزة، وتركز كل دعايتها على رفح، في حين تنشغل وسائل الإعلام بنقل أخبار الرفض الدولي والعتاب الأميركي الناعم والتحذيرات من هذه العملية، في نفس الوقت الذي شغلت فيه الدنيا بأزمة وكالة الأونروا المفتعلة التي يبدو واضحًا أنها أثيرت بالتنسيق الكامل مع الإدارة الأميركية.
كما أن الدعايات الإعلامية التي تسربها جهات مختلفة لوكالات الأنباء الأميركية والإسرائيلية أسبوعيًا حول وجود "ضغوط" على نتنياهو – لا سيما من الأميركيين – للقبول بصفقات تبادل ووقف إطلاق النار، ليخرج نتنياهو بعد انتشارها بعدة ساعات ليعلن أن لا وقف للحرب، كلها مقصودة بذاتها، وتهدف للتلاعب بالروح المعنوية للجانب الفلسطيني بالذات، إذ إنها تعد واحدةً من خدع الحرب التي باتت متكررة بشل لافت في هذه الفترة.
ما يجب أن نعلمه هو أن حكومة نتنياهو قد حسمت خياراتها منذ البداية ناحية تنفيذ برنامجها في غزة، مهما كلف الثمن، وأن لديها ضوءًا أخضر من الدولة العميقة في الولايات المتحدة لاستغلال هذه الفرصة الذهبية إلى أبعد حد، ولا معنى لكل هذه الدعايات التي تنشرها وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية باستمرار حول الخلافات بين الطرفين وما شابهها، كما أن نتنياهو لا يعبأ بأسراه ويتمنّى نهايتهم حتى يتخلّص من هذا العبء، بل إن في حكومته عددًا من أبناء التيار الديني الخلاصي الذي يرى أن توسعة الحرب تعتبر مصلحة دينية وقومية كبرى.
الحل الوحيد لهذه القضية يأتي على ثلاثة مستويات:
أولها: عدم التعاطي مع أي تسريبات أو أخبار من جهات رسمية أميركية أو إسرائيلية مطلقًا، لا عن خلافات ولا عن ضغوط ولا عن غيرها، وهذا الأمر يجب على وسائل الإعلام العربية أن تعمل به كذلك. وثانيها: فعلى مستوى الشعب الفلسطيني، ينبغي أن يفهم الفلسطينيون أن إسرائيل إن نجحت في السيناريو الذي تحاول تطبيقه الآن في غزة فستبدأ بتطبيقه بحذافيره في الضفة الغربية، هذا بالطبع بعد الانتهاء من الجبهة الشمالية التي تقرع إسرائيل طبول الحرب فيها، ولا أستبعد أن تبدأ هي الهجوم الواسع ولا تنتظر تدحرج الأوضاع للأسوأ فيها، ولذلك فإن الصمت والترقُّب ليسا في مصلحة الشعب الفلسطيني بأجمعه. والثالث: على مستوى الفصائل الفلسطينية والقوى الرسمية والشعبية حول العالم الغاضبة مما يجري، والتي إن تراجعت على المستوى السياسي، فإن إسرائيل ستمضي في مخططها، وسنجد مئات آلاف البشر يتوجهون تحت النار باتجاه الحدود المصرية، وهو السيناريو الأكثر رعبًا في الحقيقة؛ لأنه يعني عدم عودة الغزيين إلى غزة نهائيًا، وقد رأينا هذا المشهد سابقًا مرتين خلال الخمسة والسبعين عامًا الماضية، ومن لا يعتبر بالتاريخ فهو لا يفهم الواقع.إن فتح العيون على السيناريو الأسوأ والتخلص من عقدة "السيناريو غير المعقول" وفهم أن لا حدود للشهية الإسرائيلية في الحقيقة، يعتبر أكبر الواجبات في مواجهة هذا المشروع التوسعي الذي يرى المنطقة كلها عدوًا لا بدَّ من إخضاعه بالقوة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: وسائل الإعلام قطاع غزة ما یجری فی غزة
إقرأ أيضاً:
أبراهام شتيرن الذي أراد التحالف مع هتلر وحارب الإنجليز من أجل إسرائيل
في 12 فبراير/شباط 1942 حصلت الشرطة البريطانية على معلومة ذهبية تفيد بأن أبراهام شتيرن الشهير بالاسم السري "يائير"، الذي كان يقود عصابة عسكرية يهودية سرية عُرفت باسم "لِـيَحِيْ" وهي اختصار يعني بالعربية "مقاتلون من أجل حرية إسرائيل"، مختبئ في شقة بحي فلورنتين في مدينة يافا، التي أصبحت لاحقا تل أبيب.
وعلى الفور اقتحم الضباط الإنجليزُ الشقة فوجدوا شتيرن مختبئًا فيها، فقيّدوه وأُوثقوا يديه من خلف ظهره ثم وضعوه على أريكة، ثم طُلب من الجميع مغادرة المكان، وفور خروجهم سمعوا ثلاث طلقات نارية، وكانت تلك نهاية أبراهام شتيرن.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أشهر قصص التجسس الإسرائيلية على العرب وأميركاlist 2 of 2جون هاغي.. القس الأميركي الذي يدفع نحو الحرب العظمى باسم المسيحend of listتدّعي الرواية الرسمية البريطانية أن شتيرن حاول الهرب بالاندفاع نحو النافذة، لكن الافتراض السائد بين زملائه في ذلك الوقت، والمدعوم بشهادة أحد الضباط البريطانيين كان وما زال أنه تم التخلص منه في تلك الشقة.
والحق أنه لم يكن من المفاجئ أن البريطانيين قد تربصوا به، وكمنوا له بُغية اغتياله والقضاء عليه؛ إذ كانت "ليحي" أو "عصابة شتيرن" كما أطلق عليها البريطانيون تُعدّ الأكثر تطرفًا بين المنظمات العسكرية الصهيونية الثلاث الكبرى في أربعينيات القرن العشرين.
وهذه العصابات الثلاث الشهيرة هي: الهاغاناه، وتعد المجموعة "الرسمية" للمجتمع اليهودي في فلسطين وقتئذ، وكانت تحت قيادة ديفيد بن غوريون الذي أصبح لاحقا أول رئيس لوزراء إسرائيل وأطولهم مُكثًا في منصبه، والثانية عصابة الإرغون أو إتسل، وكانت تحت قيادة مناحيم بيغن، أما الثالثة فهي ليحي أو "شتيرن"، وكانت أصغر من سابقتَيها بفارق كبير، ومؤسسها هو هذا الشاب الصغير أبراهام أو أفراهام شتيرن.
في 21 يونيو/حزيران من العام الماضي 2023 نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريرًا مُعتَمِدًا على ما تم كشفه بعد ثمانين عامًا من وثائق ظلت سرية، تكشفُ هذه الوثائق أن عصابة "شتيرن" رأت في التقارب مع النازية إبان الحرب العالمية الثانية فرصة ذهبية للتخلُّص من الحكم البريطاني في فلسطين المحتلة، ومن ثم التقدم لشَغر مكانهم لأن البريطانيين بحسب "شتيرن" كانوا عائقًا أمام هذا الهدف.
وقد أشار التقرير إلى العديد من شهادات أعضاء عصابة "شتيرن" المعروفة بـ"ليَحي" مِمن قبضت عليهم السلطات الصهيونية والبريطانية آنذاك للتعرف على الأسباب التي جعلتهم يتخذون مثل هذا الموقف المتطرف.
أبراهام شتيرن (غيتي)تكشف الوثائق أن هذا التقارب بدأ في نهاية عام 1940 حين التقَى عملاء "ليحي" بمسؤول من وزارة الخارجية الألمانية النازية في بيروت، واقترح المستندُ الذي قدّموه، من بين أمور أخرى، التعاون بين العصابات اليهودية والنازيين، كما اقترح "مشاركة نشطة" من "ليحي" في الحرب إلى جانب ألمانيا، مستندين إلى "شراكةٍ في المصالح" بين "النظرة الألمانية للعالم والتطلعات الوطنية الحقيقية للشعب اليهودي".
وجاء في الوثيقة أيضًا أن "إقامة الدولة اليهودية التاريخية على أساس قومي شمولي في علاقة تحالفية مع الرايخ الألماني تتوافق مع الحفاظ على قوة ألمانيا".
كان من المستغرب أن تطلب عصابة شتيرن التعاون مع النازية التي تقتل إخوانهم في ألمانيا وأوروبا، وقد سُئل أحد المقبوض عليهم من العصابة هذا السؤال صراحة، ليُجيبَ قائلا: "في الحرب لا مكان للعواطف، عليك العمل مع مَن يُقدم المال والسلاح… وأضاف أن معظم اليهود يعملون مع الإنجليز، فلماذا لا نعقد صفقة مع بلد هو عدو إنجلترا، وفي حال فوز ألمانيا سيكون الأمر جيدًا".
كان مبدأ الهاغاناه القاطع يكمنُ في عدم مواجهة البريطانيين لأنهم كانوا يحاربون ألمانيا النازية التي كانت تحرق إخوانهم وتستهدفهم في أوروبا، بينما وضعت في نصب أعينها استهداف الفلسطينيين والعرب.
أما الإرغون التي كانت مصممة على إخراج البريطانيين من فلسطين، فقد هاجمتهم، لكنها حرصت على استهداف عسكرييهم فقط، وكان المدنيون البريطانيون يُقتلون أحيانًا، كما جرى في تفجير فندق الملك داود الشهير.
وفي مقابل الهاغاناه والإرغون اعتقدت ليحي أو شتيرن أن أي حاكم على "أرض إسرائيل" يعتبر غير شرعي، وأنه يجب على عصابتهم محاربته أيًّا كان بريطانيًّا أم عربيًّا وبأي ثمن، ولو كان مدنيًّا. تلك هي العصابة التي أنشأها أبراهام شتيرن، فمن هو؟ وكيف بدأت حكايته وكيف انتهت؟
شتيرن من الهجرة إلى حمل السلاحوُلد أبراهام شتيرن في 23 ديسمبر/كانون الثاني 1907 في مدينة سووالكي في بولندا لعائلة متعلمة ذات توجهات صهيونية، وعاش في بيئة يهودية ملتزمة، وعاصر في طفولته ومُراهقته ثلاثة أحداث تاريخية مهمة أثرت في مساره المستقبلي وشخصيته ورؤيته للعالم، وهي الحرب العالمية الأولى، وانهيار الإمبراطوريات القديمة مثل النمساوية والعثمانية والروسية، ثم الثورة البلشفية التي سعت لتحولات اجتماعية وسياسية كبرى في روسيا.
وفي أثناء الحرب العالمية الأولى استولى الألمان على بولندا ودخلوا مدينته التي وُلد فيها وعاش فيها طفولته، وهو ما اضطر أسرته إلى الهرب إلى العُمق الروسي حيث أكملَ دراسته في بتروغراد، وهنالك عاش مع عمه الثوري أبراشا غروشكن الذي كان طالبًا يدرس في المدينة، وقد تخرج أبراهام بامتياز من الصف الرابع في الجيمنازيا (وهي مدرسة عبرية).
وفي صيف عام 1921م قرر العودة إلى مدينته في بولندا بعدما هدأت الأمور، وأكمل فترة مهمة من الدراسة وهو في سن الرابعة عشرة، وفي مدينته سوفالك واصل دراسته في الجيمنازيا العبرية، وفي تلك السنوات تلقى تعليمه في تخصص الأدب العبري وفي أصول وتاريخ إسرائيل، وكان الكتاب المقدس العبري دائمًا إلى جانبه منذ ذلك الحين.
وبجانب ذلك حرص شتيرن على أن يكون عضوًا نشطًا في حركة "شومير هاتسعير" وهي حركة كشّافة عبرية انتشرت في أوروبا كلها بين الشباب اليهود، ثم أصبح أحد مدربيها في مدينته سوفالك، وعندما أُغلق الصف السادس من الجيمنازيا العبرية في سوفالك قبل إكمال دراسته، قرر مواصلة تعليمه والرحيل إلى فلسطين التي كان اليهود قد استوطنوها وبنوا فيها العديد من المدارس والجامعات.
وفي 10 يناير/كانون الثاني 1926 وصل إلى القدس بتأشيرة هجرة خاصة لإكمال دراسته في المدارس العبرية هناك، وتم إيواؤه في مدرسة داخلية قريبة، وبين عامي 1926 و1927، درس وامتلأ بروح وثقافة الصهيونية، وعقب تخرجه من المدرسة في 9 أغسطس 1927، وفي نهاية العام نفسه بدأ دراسته في الجامعة العبرية في القدس، وبتصريح خاص من الجامعة، تابع دراسات متزامنة في ثلاثة مسارات هي الأدب العبري الجديد وهو مساره الرئيسي؛ والشعر العبري في العصور الوسطى، واللغة والأدب اليوناني إضافة إلى تاريخ اليونان وروما، بوصفها مسارات ثانوية.
وبسبب تفوقه حصل على منحة لدراسة اللغات والأدب الكلاسيكي في جامعة فلورنسا بإيطاليا، وعند عودته عام 1929 انضم إلى الهاغاناه وهي أشهر وأكبر العصابات الصهيونية المسلحة وقتئذٍ وقد أسِّست عام 1920، وبعد فترة قصيرة ترك الدراسة ليتفرغ كليًّا لحمل السلاح ضمن أعمال عصابة الهاغاناه من أجل استقلال اليهود وإنشاء دولتهم على أرض فلسطين.
تميز شتيرن بتعصبه وتقديمه استخدام السلاح على أي شيء آخر من أجل استقلال اليهود، كان يعتقد أن هذا النضال يمكن أن ينجح فقط إذا تم تنفيذه بواسطة قوة سرّية مستقلة عن جميع الهيئات القانونية، وفي عام 1931 انفصلت مجموعة من مقاتلي الهاغاناه وكان هو منهم؛ لأنهم رفضوا ما اعتبروه اعتدالًا وضبطًا للنفس في النضال من أجل نزع الأراضي من العرب، ثم أسست هذه المجموعة حركة مسلحة خاصة بها، عُرفت باسم الإرغون، وأصبح شتيرن الذي ازدادت آراؤه تشددًا بعد الثورة العربية في عام 1929 عضوًا نشطًا في هذه العصابة، وقرر استخدام الاسم السري "يائير".
في عام 1934 أرسلته عصابة الإرغون في مهمات سرية إلى بولندا ودول أوروبية أخرى لشراء الأسلحة وترتيب شحنها إلى أرض إسرائيل، ونجح في ذلك بالفعل، ففي عام 1935 حصل على أول مدفعين رشاشين من فنلندا وتم شحنهما، ثم نقلَ أسلحة أخرى في حقائب وصناديق لمهاجرين.
كان شتيرن يرى أن البريطانيين هم العدو الرئيسي لليهود، ربما أكثر من العرب، والعقبة الأساسية أمام استقلالهم وبناء دولتهم؛ ولهذا السبب دعا إلى المقاومة المسلحة العنيفة ضد البريطانيين، وبالتعاون مع صديق له اسمه دافيد رازئيل ألَّفَ دليلًا عن كيفية استخدام المسدس، وكان الأول من نوعه باللغة العبرية.
ولأنه مع حماسته العسكرية ضد البريطانيين والفلسطينيين كان أيضًا شغوفًا بالأدب وكتابة الشعر، فقد كتب في عام 1933 قصيدة بعنوان "جنود مجهولون"، أصبحت نشيد عصابة الإرغون، وبعد انشقاقه عن الإرغون أصبحت هذه القصيدة نشيدًا رسميًّا لعصابته الخاصة التي سمّاها "ليحي"، وهي التي عُرفت تاريخيا باسم "عصابة شتيرن".
كان شتيرن مسؤولًا كذلك عن تجنيد القوى البشرية وجمع الأموال، كما ساعد في بعض الأحيان على تهريب المهاجرين إلى فلسطين بعيدًا عن أعين البريطانيين وبوسائله الخاصّة، وفي تلك الأثناء أسَّس مجموعة باسم "ياردين" وهي التي ضمّت بعض الشخصيات البارزة من اليهود البولنديين المندمجين، كما أسس صحيفتين هما: "القدس المحررة" باللغة البولندية، واليومية اليديشية "دي تات".
في أعقاب الثورة العربية الكبرى التي انطلقت عام 1936 واستمرت حتى عام 1939 انقسمت منظمة الإرغون؛ فعاد العديد من أعضائها إلى صفوف عصابة الهاغاناه، ولكن كان لشتيرن وعدد من زملائه رأي آخر، فقد رفضوا الانضواء تحت الهاغاناه، وفضّلوا الاستمرار في عصابة الإرغون تحت زعامة أبيها الروحي زئيف فلاديمير جابوتنسكي زعيم الحركة الصهيونية التصحيحية الذي كان يرى أن بلاد الأردن وفلسطين هي الأرض الموعودة التي لا يجوز التخلي عنها أبدًا.
"لِيَحِيْ".. الأيديولوجية وكراهية البريطانيين
وتحت ظل الإرغون استمر شتيرن وزملاؤه في أنشطتهم العسكرية الموجّهة ضد العرب والأجانب والبريطانيين المناوئين لهم، وقد ذهب شتيرن إلى بولندا في بداية عام 1938 لتأسيس دورات تدريبية للإرغون، وكانت هذه الدورات جزءًا من خطة أكبر لتعبئة وتدريب وتجهيز 40,000 مقاتل من يهود روسيا وبولندا، وكان تدريبهم بُغية إرسالهم إلى فلسطين لـ"تحريرها كاملة"، وقد وقّعَ اتفاقًا مع الحكومة البولندية لتسريع عمليات شراء الأسلحة.
وفي مايو/أيار 1939 أصدرت الحكومة البريطانية ما عُرف بـ"الكتاب الأبيض" وهي وثيقة حدّدت وضع فلسطين في ظل الانتداب، وقد قلصت فيها سقف الهجرات اليهودية، وحجرت على بيع الأراضي الفلسطينية لليهود، كما ألغت عمليًّا وعد بلفور بإقامة وطن قومي مستقل لليهود، وذلك بسبب الثورة العربية الكبرى التي اشتعلت مدة ثلاث سنوات في فلسطين بين عامي 1936 و1939، وهو الكتاب الذي رفضه أغلب الصهاينة بكافة تشكيلاتهم السياسية والعسكرية رفضًا مطلقًا.
ولم يكن الرفض الصهيوني سلميًّا من قبل بعض العصابات، وخاصة الإرغون التي دخلت مرحلة جديدة من خلال سلسلة من الهجمات على المنشآت العسكرية البريطانية والأفراد وقوات الشرطة، وعشية الحرب العالمية الثانية قبض البريطانيون على أبراهام شتيرن وأعضاء القيادة العليا للإرغون، وذلك في 5 سبتمبر/أيلول 1939، وظلوا في السجن حتى يونيو/حزيران 1940، وعقب الإفراج عنهم أصدر قائد الإرغون حينئذ دافيد رازيل إعلانًا بوقف إطلاق النار والتعاون مع البريطانيين طوال مدة الحرب العالمية الثانية.
ولكن شتيرن رفض هذا القرار رفضًا قاطعًا؛ فقد أصر على استمرار العمليات العسكرية ضد البريطانيين بعيدًا عن أي ارتباط سياسي؛ ولذلك فعندما قررت عصابة الإرغون في أغسطس/آب 1940 تعليق هجماتها على البريطانيين خلال الحرب العالمية الثانية، قرر أبراهام شتيرن تشكيل مجموعة منشقة متطرفة تدعى "تسفاعي بيسرائيل"، أعيدت تسميتها لاحقًا فأصبحت "لوحامي حيروت يسرائيل" أو "ليحي" أي "مقاتلون من أجل حرية إسرائيل"، وهي التي عُرفت تاريخيًّا باسم "عصابة شتيرن".
عصابات الهاغاناه (مواقع التواصل الاجتماعي)حرص التنظيم الجديد على الإمعان في السرية، وتقرر أن يتكوّن من مجموعة من الخلايا الصغيرة، ونَشر جهازه الإعلامي المعروف بـ"بماحتيرت" الوثيقة التي صاغها شتيرن بنفسه بعنوان "مبادئ النهضة"، والتي شكّلت القاعدة الأيديولوجية والسياسية لليحي أو عصابة شتيرن، وكان من جملتها أن "الشعب اليهودي هو شعب فريد، والوطن هنا في أرض إسرائيل بحدودها كما هي معرفة في التوراة. لقد أخذت يهودُ أرضَ إسرائيل بالسيف وعندها أصبحت أمة، ولن تولد من جديد إلا بالسيف".
كما حدَّدَ شتيرن مبادئ المنظمة في زمن الحرب والنصر أو ما وصفه بـ"الفتوحات"، مثل: "تعليم الشعب حب الحرية وتشجيع ولائه المتحمس لممتلكاته الأبدية، وتوحيد الشعب اليهودي كله تحت راية حركة الحرية العبرية، وتقوية وتمجيد القوة القتالية في الوطن وفي الشتات، والحرب المستمرة ضد كل من يعيق تحقيق القدَر الإلهي بإعادة بناء إسرائيل وعلى رأسهم البريطانيون والعرب".
أما المبادئ التي وضعها في مرحلة السيادة المطلقة والهيمنة بعد إعلان الدولة، فتمثّلت في: "تجديد السيادة العبرية على الأرض "المحرَّرة"، وإقامة نظام اجتماعي بروح الأخلاق اليهودية والعدالة النبوية، وحل مشكلة غير اليهود (العرب الفلسطينيين) من خلال تبادل السكان (التهجير)، والتجميع الكامل للمنفيين في مملكة إسرائيل، وتمجيد ورفعة الشعب العبري لكي يصبح قوة عسكرية وسياسية وثقافية واقتصادية من الدرجة الأولى في الشرق وعلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، وكذلك إحياء اللغة العِبرية كلغة وطنيةٍ؛ وتجديد الهُوية التاريخية والروحية لإسرائيل"، وأما أهم الأعمال التي قررها شتيرن في عصر الهيمنة فهي "بناء الهيكل الثالث كرمز لعصر الفداء الكامل".
والأمر اللافت أن شتيرن وعصابته كانوا يرون التعاون مع ألمانيا النازية والتعاون مع هتلر الذي كان يقتل إخوانهم اليهود في محارقه مصلحة كبرى، وأن هتلر أهون من البريطانيين وسياستهم في وجهة نظر هذه المنظمة؛ فبينما كان ديفيد بن غوريون وعصابته الهاغاناه مستعدين للتعاون مع البريطانيين في أثناء الحرب العالمية الثانية، كان شتيرن يرى أن للألمان والمجتمع اليهودي في فلسطين "اليشوف" هدفا مشتركا هو خروج اليهود من أوروبا، واليشوف أرادوا أن يأتي هؤلاء اليهود إلى فلسطين، ولا شك أن رؤيته هذه جرّت عليه سخط الإنجليز وأجهزتهم الأمنية، فضلا عن العصابات الصهيونية الأخرى.
وبعد انشقاق شتيرن عن منظمة الإرغون استولت عصابته "ليحي" على جهاز إرسال بث إذاعي وأخفته عن أعين البريطانيين، وكان شتيرن يكتب أحيانًا نصوص البث وأحيانًا أخرى يقرؤها بنفسه عبر محطة "صوت صهيون المقاوِمة"، موضحًا أهداف ليحي وعزمها على مواصلة الكفاح ضد الحكم البريطاني.
وفي تلك الأثناء، شنت عصابته هجمات ضد الشرطة والجنود البريطانيين وكانت توقع فيهم القتلى والجرحى، وفي المقابل كان البريطانيون يردّون بقوة وعنف؛ مما كان يُسفر عن مقتل العديد من أعضاء ليحي وإصابة واعتقال آخرين.
نهاية أبراهام شتيرن وإعادة التقدير لإرثه!وبسبب تطرف شتيرن وعمليات السطو التي ارتكبها بعض أعضاء عصابته، فقد جرّ ذلك على ليحي استياء الكثير من الصهاينة والبريطانيين على السواء، وبحلول عام 1942 عرضَ البريطانيون مكافأة لمن يقبض أو يدل على شتيرن، وبينما كان يتنقل باستمرار من مكان إلى آخر، توصّل البريطانيون أخيرًا إلى مخبئه في تل أبيب في 12 فبراير/شباط 1942 فقتلوه على الفور، وقد تحول المبنى الذي قُتل فيه أبراهام شتيرن إلى متحف اليوم لحركة ليحي.
ومن اللافت أن شعبية شتيرن في المجتمع الإسرائيلي وخاصة بين الشباب أصبحت في تزايد بعد عقود من مقتله، وذلك بعد أن ظل يُوصف في الدوائر الرسمية الإسرائيلية بأنه متطرف، وخاصة في ظل حكومة بن غوريون الذي كان يعتبر شتيرن وبيغن وإسحاق شامير، وهو أحد الثلاثة الذين تقاسموا السيطرة على عصابة شتيرن بعد مقتله خونة هم وأسرهم العائلية وداعموهم من المقاتلين اليهود.
وقد استمرت هذه النظرة مدة طويلة، ولكن "الحظر" الذي فُرض على أعضاء المنظمات السرية غير الهاغاناه في المجتمع الإسرائيلي كان قد انتهى بانتخاب مناحيم بيغن عام 1977؛ ذلك أن بيغن كان تلميذ زئيف فلاديمير جابوتنيسكي الوفي، وكان جابوتنسكي زعيم الحركة الصهيونية التصحيحية والأب الروحي لعصابة الإرغون، ومن أشد المناصرين لفكرة مواجهة البريطانيين العسكريين لإخراجهم من فلسطين.
وقد توفي جابوتنسكي في نيويورك عام 1940، لكنه لم يُدفَن في إسرائيل على الرغم من أنه طلب ذلك في وصيته، وشرطه بخروج بن غوريون من السلطة واستبداله بليفي إشكول، وكان بيغن يريد الوفاء بالوعد لأستاذه جابوتنسكي، لكنه كان يعرف أن الأمر شبه ميؤوسٍ منه في ظلِّ بِن غوريون، وعندما تولَّى إشكول المنصب شعر بيغن بوجود فرصة وتم بالفعل إحضار رفات جابوتنسكي إلى إسرائيل.
بل إنه مع صعود مناحيم بيغن إلى السلطة تغيرت النظرة بأكملها اتجاه المنظمات السرية غير الهاغاناه وإرثها؛ فقد كان بيغن يعتقد كما يعتقد العديد من المؤرخين اليهود اليوم وعلى رأسهم بروس هوفمان الذي يحمل كتابه "جنود مجهولون: النضال من أجل إسرائيل 1917-1947" عنوان إحدى قصائد أبراهام شتيرن، يعتقدُ أن الإرغون وشتيرن ولِيَحِي كانوا مسؤولين عن إجبار البريطانيين على مغادرة فلسطين، وبعيدًا عن كونهم خونة كما في نظر بن غوريون؛ فإنهم قد ساعدوا على إقامة دولة إسرائيل.
قُتل شتيرن وهو لا يزال في الخامسة والثلاثين من عُمره، وقد كرّس حياته القصيرة تلك في التنكيل بالفلسطينيين والبريطانيين على حد سواء؛ وهو ما دفع أعضاء عصابته للانتقام له، ففي 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1944، اغتالت مجموعة من عصابته "ليحي" اللورد موين وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط في القاهرة بسبب دوره في تنفيذ السياسات البريطانية التي حدَّت من الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
وفي 17 سبتمبر/أيلول 1948 قامت نفس المجموعة باغتيال الكونت فولك برنادوت الدبلوماسي السويدي ومبعوث الأمم المتحدة للوساطة في النزاع العربي الإسرائيلي، في القدس، وذلك بعد اقتراحه خطة لتقسيم فلسطين تضمنت إبقاء القدس تحت سيطرة دولية، وهو ما أثار غضب عصابة شتيرن.