كتب رامح حمية في "الأخبار": إلى ما قبل يومين، لم يتعدّ عدد المزارعين في البقاع الذين تقدموا بطلبات لدى وزارة الزراعة للحصول على بذار القمح الاثنين، رغم أن مهلة تقديم الطلبات تنتهي آخر الشهر الجاري. ويُعزى ذلك إلى عدم ثقة المزارعين بالدولة التي لم تدفع بعد مستحقاتهم عن الأعوام الخمسة الماضية، وبالخطة الوطنية لزراعة القمح التي أطلقتها وزارة الزراعة عام 2022، كونها «عملية خسّيرة».

إذ حدّدت الوزارة، العام الماضي، سعر طن القمح الطري بـ 270 دولاراً والقاسي بـ 290 دولاراً وفق سعر منصة «صيرفة»، على أن تحوّل المستحقات إلى المصارف بالليرة، ما يلحق خسارة بهؤلاء، وخصوصاً أنه تترتّب عليهم نفقات نقل المحصول لتسليمه إلى الوزارة أو الى المطاحن في بيروت. أضف إلى ذلك أن الوزارة خصصت 300 كيلو من البذار لكل مزارع، بغضّ النظر عن المساحة التي يزرعها، وهي كمية لا تكفي لزراعة أكثر من خمسة دونمات، ما يعني أن على المزارع أن يزرع بقية أرضه على نفقته، من دون ضمانة بتسليم محصوله أو قبض المستحقات.الإحجام عن زراعة القمح انسحب أيضاً على بقية الزراعات التي تتطلب أكلافاً كبيرة بسبب ارتفاع أسعار البذار والكيماويات، كالبطاطا والبصل والثوم، بعد توالي الانتكاسات نتيجة تحكّم التجار وعدم إقفال أبواب التهريب، وعدم حماية الدولة لمنتجاتهم التي تزاحمها البطاطا السورية والمصرية في ذروة الموسم اللبناني. وهذا ما أدّى إلى لجوء كثيرين الى الزراعات البعلية ذات الكلفة المتدنّية والأقل ربحاً، كالحمّص والعدس.
  ويؤكد مزارعون أن كبار التجار امتنعوا عن تسليم البذار لنهاية الموسم كما كان يجري عادة، مفضّلين التعامل مع المهربين الذين يدفعون بالدولار «كاش». وهؤلاء «المهربون أنفسهم سيأتون لاحقاً بالبطاطا من سوريا ويفرضون مع التجار أنفسهم الأسعار لحرق أسعار المزارعين اللبنانيين».
  رئيس تجمّع مزارعي وفلاحي البقاع، إبراهيم الترشيشي، لفت إلى أن «الزراعات ذات الرأسمال الكبير تقلصت نتيجة عوامل عدة، في مقدمها عدم وجود مصارف تسليف، في وقت سرقت فيه ودائع المزارعين في المصارف، وأصبح كل مزارع يزرع على قدر مصرياته، فيما الشركات الزراعية لا تبيع بالدَّين للمزارعين». لذلك، «ذهب معظم المزارعين إلى زراعات بعلية بسيطة غير مكلفة، وهي ذات أرباح متدنّية، وستشهد مزيداً من التدنّي بعد الإقبال عليها».

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

مهنة غريبة أوجدتها الأوراق المالية التالفة بغزة

على بسطة صغيرة في سوق مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يجلس الشاب عبده أبو علوان يوميا، لترميم وإصلاح الأوراق النقدية الممزقة، في محاولة لإبقائها قيد التداول بين المواطنين، مقابل رسوم رمزية.

ولم يتخيل الشاب عبده طوال حياته أن يؤول به الحال إلى هذه المهنة الغريبة، لولا أنه مرَّ بعدة مواقف شخصية قاسية، جعلته يشعر باليأس، بعدما رفض التجار قبول أوراق نقدية "قالوا إنها تالفة" منه، مقابل احتياجات أطفاله وأسرته.

ومع استمرار الحرب الإسرائيلية منذ ما يقارب 18 شهرا، ومنع الاحتلال تدفق العملة الجديدة إلى القطاع، إضافة إلى الإغلاق المطول لفروع البنوك، اضطر السكان لاستخدام نفس الأوراق النقدية البالية، وهذا زاد من تعقيد النشاط التجاري الهش أصلا، وأسهم في انتشار العملات المزيفة.

مهنة اضطرارية لسد الحاجة

يقول الشاب عبده أبو علوان في حديثه للجزيرة نت:"هذه مش شغلتي، بس اضطريت لها عشان أمشي أموري الحياتية، بعدما رأيت كل المواطنين في غزة يحملون أوراقا نقدية مهترئة وممزقة، والتجار يرفضون التعامل بها".

يوضّح أبو علوان أن جميع التجار وأصحاب البسطات، عند الشراء منهم، يطلبون عملة جديدة بدل القديمة، الأمر الذي دفع إلى التوجه لإصلاح العملة، حتى تبقى قابلة للتداول، لأنه لا يوجد بديل لها في غزة.

إعلان

وأشار إلى أن أكثر فئتين نقديتين يُطلب إصلاحهما هما ورقة الـ20 شيكلا، وورقة الـ100 شيكل القديمة، بسبب تهالك حالتهما.

وأضاف أن التجار باتوا يرفضون التعامل بورقة الـ20 شيكلا بشكل خاص، نتيجة اهترائها الشديد، على غرار عملة الـ10 شواكل المعدنية التي اختفت من السوق قبل نحو 5 أشهر، بعدما رفض التجار التعامل بها.

المواطن عبده أبو علوان يعمل على إصلاح الأوراق النقدية التالفة في غزة (الجزيرة) تقنيات بسيطة ومبتكرة

ويروي أبو علوان في حديثة للجزيرة نت أن عمله يعتمد على استخدام مادتين: الأولى: مادة سريعة الجفاف، تُشترى بالسنتيمتر من أحد الأشخاص في مدينة غزة، وتتيح للمواطنين استخدام العملة بعد 5 دقائق فقط من إصلاحها.

الثانية: مادة تشكل طبقة زجاجية على الورقة النقدية، بحيث يغطي اللون على التلف، مع ضرورة إعادة التلوين على الجروح في الورقة لإخفاء نحو 70% من العيوب، وهذا يسهل إعادة تداولها.

يقول عبده: "آخذ الحد الأدنى من الأجر مقابل تصليح الأوراق النقدية: شيكلان لإصلاح ورقة الـ20 شيكلا، وإذا كانت الورقة تحتاج إلى إصلاح أكبر مثل أوراق الـ100 شيكل أو الدينار أو الدولار، قد يصل الأجر إلى 5 شواكل".

بداية فكرة تصليح العملات

بدوره، يوضح المواطن أبو الجود، الذي لا يبعد كثيرا عن بسطة زميله عبده، أن فكرة تصليح العملة بدأت تتبلور منذ نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، حينما تفاقمت أزمة العملات الورقية بين المواطنين والتجار.

ويشرح أبو الجود في حديثة للجزيرة نت: "العملة كانت في السابق تعاني من تلف بسيط جدا، لكن مع الحرب واستخدامها المكثف في الأسواق من دون استبدال أو تجديد، تفاقم الوضع كثيرا مع استمرار إغلاق البنوك".

أبو الجود يعمل في إصلاح العملات النقدية التالفة في غزة (الجزيرة) واقع العملات المتداولة

ويضيف أن السوق اليوم يعجّ بجميع أنواع الأوراق: "الجيدة، والمتوسطة، وحتى السيئة"، أما التالفة جدا، فيتم ركنها جانبا، ويعمد المواطنون إلى استثنائها من التداول إلا للضرورة.

وعن أدوات العمل، يوضح أبو الجود أنه يعتمد على" مقص، وغراء، ومادة مثبتة، بالإضافة إلى خبرته الشخصية ونظرته الدقيقة في تقييم حالة الورقة النقدية وطريقة إصلاحها.

وأشار إلى أن أكثر الأوراق التي يتم إصلاحها بشكل متكرر هي ورقة 20 شيكلا، نظرا لكثرة تداولها، متوقعا أن يتم التوقف عن استخدامها قريبا نتيجة اهترائها الشديد ورفض التجار التعامل بها، تماما كما حصل مع عملة 10 شواكل المعدنية.

إعلان تدهور العملة الورقية

من بين من يعانون من أزمة تهالك العملة الورقية في غزة، المواطن هاني أبو نحل، الذي وصف الواقع المالي في القطاع بأنه "معاناة حقيقية يومية" بسبب تدهور جودة الأوراق النقدية المتداولة منذ أكثر من 18 شهرا، من دون أي عملية تجديد.

يقول أبو نحل في حديثه لـ"الجزيرة نت": "بدك تشتري أي شي، بتتفاجأ إنو كل المصاري تالفة، هالمصاري إلها سنة ونص بتلف بالسوق بين الناس والتجار، وما في بديل".

ويُوضح أن المشكلة تبدأ منذ لحظة استلامه للراتب: "لما بدي أروح أسحب راتبي من تجار العمولة، بيعطيني 80% من الراتب بورق تالف، و20% بس بحالة كويسة"، متسائلا: "طيب الـ20% بدها تغطيلي كل متطلبات حياتي؟!".

التجار يطلبون عملة جديدة بدل القديمة، الأمر الذي دفع إلى التوجه لإصلاح العملة (الجزيرة)

ويُضيف بنبرة استياء: "هو مش بس بيشاركك براتبك بأخذ نسبة، كمان بيشاركك بالمصاري التالفة اللي هو أصلا استفاد منها قبلك، وبيرجعلك إياها عشان ترجع تصلحها وتدورها بالسوق من جديد".

تكلفة الإصلاح عبء إضافي

يتحدث أبو نحل عن تفاصيل تصليح الأوراق النقدية قائلا: "كل ورقة إلها تسعيرة… مثلا ورقة الـ20 شيكلا ممكن تصلحها بـ1 شيكل، وفي أوراق توصل لـ4 شواكل، وفي أوراق أصلا ما بتنفع تتصلح".

ويشير إلى أن إصلاح العملة بحد ذاته قد لا يكون حلا مثاليا: "أني أصلّح ورق وأنزل فيه للسوق، هاي معاناة ثانية، لأنه ممكن تاجر ثاني يمسكها ويرفضها، رغم إنك دافع على إصلاحها".

ويختم بالإشارة إلى أصحاب البسطات الذين يصلحون العملة قائلا: "نيّتهم طيبة وبيحاولوا يساعدوا، بس الواقع أكبر من هيك، الأزمة بدها حل جذري، مش ترقيع".

إصلاح العملات النقدية التالفة في غزة (الجزيرة) الدفع الإلكتروني حل للأزمة

يرى عدد من المغردين أن التداول الرقمي البنكي في غزة يمكن أن يساهم بشكل كبير في حل عدة أزمات في ظل الحرب الإسرائيلية، خاصة مع شح السيولة وصعوبة التعامل النقدي، ولكنهم أشاروا أيضا إلى أن جشع بعض التجار، الذين يستغلون الحاجة للسيولة عبر بيعها في السوق السوداء، يعيق هذا الحل ويزيد من تعقيد الأوضاع.

إعلان

واقترح بعض المغردين أن الحل الأنسب يتمثل في اعتماد المحفظة الإلكترونية في جميع التعاملات، بدون عمولة تُذكر، مع ضرورة أن يتم ذلك بشكل إجباري ومن دون تمييز؛ حيث يمكن لكل مواطن إنشاء محفظته الإلكترونية بسهولة ومن دون مشقة.

وأشار آخرون إلى أن اعتماد التداول الرقمي يمكن أن يُساهم في حل عدة أزمات متراكمة في قطاع غزة.

وأكدوا أن تعزيز ثقافة التداول الرقمي، واستخدامه في جميع عمليات البيع والشراء، سيُمكن المجتمع من تجاوز كل هذه المشكلات بسهولة.

مقالات مشابهة

  • ضبط 50 مخالفة تموينية متنوعة بالفيوم
  • أسيوط تحتفل بعيد العمال.. المحافظ يشيد بجهود المزارعين في تحقيق موسم حصاد ناجح | صور
  • وزير الري: الدولة تبذل جهودًا كبيرة لتعظيم العائد من وحدة المياه
  • مدبولي يتابع موقف المخزون من السلع الاستراتيجية: تسلم 644.850 ألف طن قمح من المزارعين
  • مدبولى: توافر السلع بكميات كبيرة بالأسواق يسهم في توازن الأسعار
  • «الزراعة»: أوقفنا حصاد محصول القمح بسبب العاصفة الخماسينية
  • مهنة غريبة أوجدتها الأوراق المالية التالفة بغزة
  • العراق والسعودية يوقعان اتفاقية لإنشاء اكبر مجمع صناعي لمشاريع السليكا
  • الاعيسر: نأمل من شعبنا الكريم تفهُّم الحيثيات التي أدت إلى تأخر البيان
  • الذهب الأصفر يملأ الصوامع.. استمرار توريد القمح بالمحافظات وسط فرحة المزارعين