لم يكن موسيقار الأجيال الفنان محمد عبد الوهاب وهو يغني كلمات المؤلف مأمون الشناوي قبل عقود "عاشت مصر حرة والسودان.. دامت أرض وادي النيل أمان.. اعــملوا تنولوا واهتفوا وقولوا.. السودان لمصر ومصر للسودان"؛ يتخيل أن يأتي يوم ويطالب فيه بعض المصريين بأن يخرج السودانيون من مصر، وأحسب أنه لو كان حيا لمات كمدا من انحدار هذه الدعوات وأصحابها إلى هذا الدرك.

. كيف لا ومصر والسودان كانا إلى عقود قريبة عاشها جيل عبد الوهاب دولة واحدة يحكمها نظام واحد.

قد لا يعلم كثير من مدعي الوطنية، أصحاب دعوات الكراهية والعنصرية التي باتت تملأ الفضاء الأزرق، مدى ارتباط مصر والسودان ربما يعود السبب لحداثة أعمارهم في ظل التجهيل المتعمد الذي تعيشة مصر في السنوات العشر الأخيرة.

فللبلدين تاريخ مشترك، والذي يجمعنا بالسودان أكبر من كونه دولة جوار، وعند الحديث عن العلاقات التي تنشأ بين الدول في صورة الدبلوماسيات الحديثة فعلاقة مصر بالسودان أعمق من ذلك بكثير. فالمشتركات التي تجمع بين مصر والسودان متجذرة في عمق البلدين، وليست عابرة كما يحاول بعض -الدولجية الجدد- تصويرها في الشكل الحالي؛ بأن مصر تستضيف السودانيين بشكل إنساني بسبب أزمتهم الحالية.

لا يعلم كثير من مدعي الوطنية، أصحاب دعوات الكراهية والعنصرية التي باتت تملأ الفضاء الأزرق، مدى ارتباط مصر والسودان ربما يعود السبب لحداثة أعمارهم في ظل التجهيل المتعمد الذي تعيشة مصر في السنوات العشر الأخيرة
الأمر أكبر من ذلك، فالبلدان يملكان تاريخا مشتركا وتداخلا جغرافيا مدهشا، ودائما ما كان الشعور المسيطر على ساسة البلدين قبل انفصالهما هو وحدة المصير وشعور البحث عن الشريك والأخ والاتحاد معه والأمان بوجوده، وهو ما انعكس بصورة كبيرة على امتزاج الشعبين المصري والسوداني من قديم الأزل.

وهنا سوف أحاول المرور سريعا على صفحة واحدة من صفحات الماضي والحاضر للبلدين في المائة عام الأخيرة؛ لأنه من المؤكد أن مقالة واحدة لن تكفي لحصر المشتركات بين السودان ومصر.

يعيش السودان الآن أياما صعبة بسبب الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المتمردة المدعومة إماراتيا، وهذا معلوم للجميع ونتيجة طبيعية لأي حرب تدور رحاها، حدثت موجات نزوح للسودانيين إلى عدد من دول الجوار هربا من الموت المحتم الذي يحمله متمردو الدعم السريع معهم إلى أي مدينة يدخلونها، وأول دول الجوار السوداني هي الشقيقة الكبري مصر التي غنّى لها الفنان السوداني عبد الكريم الكابلي "مصر يا أخت بلادي يا شقيقة".

ومؤخرا، مع انتشار حملات الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر ضد أشقائنا السودانيين والتي يتبناها القوميون الجدد من أبناء سايكس بيكو أو "الكمايتة" كما يحلو لهم تسمية أنفسهم؛ يلاحظ المتابع أن كتاباتهم وآراءهم التي ينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعي دائما تكون في صف السلطة، يدعمونها بشكل قوي وينافحون عنها وعن الجيش المصري أمام أي انتقادات قد توجه للجيش أو للنظام الحاكم وسياساته.

مع انتشار حملات الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر ضد أشقائنا السودانيين والتي يتبناها القوميون الجدد من أبناء سايكس بيكو أو "الكمايتة" كما يحلو لهم تسمية أنفسهم؛ يلاحظ المتابع أن كتاباتهم وآراءهم التي ينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعي دائما تكون في صف السلطة، يدعمونها بشكل قوي وينافحون عنها وعن الجيش المصري أمام أي انتقادات قد توجه للجيش أو للنظام الحاكم وسياساته
وقد لا يعلم الكمايتة أصحاب دعوات الكراهية؛ أن السودان له فضل على مصر لا ينكره إلا جاهل بالتاريخ.. فالسودان بعد نكسة 67 كان له موقف مشرف؛ بداية من إعلان رئيس الحكومة السودانية وقتئذ محمد أحمد محجوب وقوف السودان بجانب مصر وتلبية احتياجاتها الحربية، وقطع علاقة السودان بكل من يساعد إسرائيل.

كما استنفر السودانيون همة الدول العربية لمؤازرة مصر، فاستضاف السودان أشهر قمة عربية؛ أعلنت اللاءات الثلاث في مواجهة إسرائيل، فضلا عن توفير السودان المأوى والملجأ للطائرات المصرية واستخدام الجيش المصري لقاعدة وادي سيدنا في تلك الفترة، والأهم هو نقل الكلية الحربية المصرية إلى منطقة جبل الأولياء في العاصمة السودانية الخرطوم، باعتبارها مكانا آمنا لتدريب وتخريج دفعات من طلبة الكلية الحربية لإعادة بناء صفوف الجيش المصري مرة أخرى.

ليس هذا فحسب، فقد شارك السودانيون في حرب أكتوبر وساندوا الجيش المصري لاستعادة سيناء، فأرسلت الخرطوم لواء مشاة وكتيبة من القوات الخاصة؛ فضلا عن بعض المتطوعين السودانيين الذين قاموا بمهمات إسناد للقوات المصرية وعبر عدد منهم قناة السويس إلى جانب القوات المصرية.

أخيرا وليس آخرا، عندما عاشت مصر فترة محنة كبيرة بعد نكسة 67 كان السودان أول من هب لنجدة مصر، والآن يعيش السودان محنة مشابهة بسبب الحرب، وتُقطع عنه الاتصالات، فهل من المروءة والإنصاف أن تُحملهم القيادة السياسية المصرية عبر لجانها الإلكترونية فاتورة فشلها في الملف الاقتصادي !!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر السودان تاريخ العلاقات مصر السودان علاقات تاريخ لاجئين مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على مواقع التواصل الاجتماعی الجیش المصری مصر والسودان

إقرأ أيضاً:

هل انتصار الجيش ممكن؟

سيظل المشهد نابضاً في الذاكرة، مشهد سقوط “سنجة” ومشهد تحريرها، سواء في “سنجة” أو مجمل المناطق المحتلة بواسطة المليشيات الإجرامية، يظل انتصار الجيش أمراً شديد الأهمية؛ لأنه يعني وقف القتل والتخريب والتهجير . بيد أنّ المشكلات الأخرى المتكاثرة في الدولة التي تبدو الآن أكثر عسراً واستعصاء بعد الحرب سهلة يمكن حلها.

قد يبدو المشهد بائساً للسودانيين في الجزيرة ودارفور بهذا الكم من الجنون المليشاوي الذي يحظى بموافقة وتأييد الغرب وبعض الخونة من السياسيين في الداخل ،رغم القتل والدمار الذي حصل، ويستمر بلا هوادة، فالتغيير على الأرض سيأتي طوعاً أو بالقوة، وهذا سينهي اسطورة مليشيا “الدعم السريع” وكل أشكال التمليش التي زعزعت أسس المجتمع السوداني لتفرض نظاماً مبنياً على الهمجية والوكالة للخارج ..

هذا المشروع تساقط سريعاً إثر ضرب الجيش لمليشيا الدعم السريع وإبطال قدراتها على محاولة الاستيلاء على السلطة ، عندما حاولت القيام بذلك عبر النهج الذي كانت تستخدمه قيادتها في نهب قافلة تجارية على طريق بري في دارفور .

وعلى الرغم من محاولات بائسة لالتقاط زمام الأمور بعد قضاء القوات المسلحة على مشروع مليشيات “حميدتي” فإن أفول هذه الحقبة يفتح المجال أمام فرص حقيقية لقيام نظام حاكم يخطط لمستقبل سوداني واعد بعيداً عن ثقافة الموت والقتال العبثي.

بعد تحرير “سنجة” أصبح تحرير المناطق المحتلة في ولاية الجزيرة امراً ملحاً، لا يحتمل التأجيل أو الانتظار، فالمشاهد الوافدة من هناك مخيفة ومروعة، جثث تقيم داخل البيوت المهجورة وبنايات محروقة أو مهجورة، الآلاف من النازحين ، ارقام قياسية في تاريخ البلاد، بعضهم يفترشون الأرضَ في قلب المدن الآمنة ، وينام آخرون في العراء لتعذر العثور على سقف، مشاهد مؤسفة تنقل رائحة الموت إلى كل الجهات ومعها رائحة القلق والذعر.

الامل معقود، والنصر آت بلا شك ، فتحرير “سنجة” ، وصمود “الفاشر” أعادا التذكير بتفوق قوات الشعب المسلحة واختراقاتِها الاستخبارية العميقة ، وقدرتها على التحرك لسريع لاغتيال امنيات المليشيا المعقودة على ضغوط دولية من اجل العودة الى مربع التفاوض من جديد ، يمكن القول إن الأيام التالية ستشكل منعطفاً تصعيدياً في مسار الحرب وتوسيع مسرح استعادة السيطرة لصالح الجيش والوطن .

توجه القيادة السودانية الجديد ، وتحالفاتها الخارجية التي بدأت تتضح ملامحها مع انقشاع الضبابية، تشير بوضوح الى كيف سيعيد السودان بناء نفسه وتحديدها في ضوء موازين القوى .
ملامح السودان بعد العاصفة ستؤثر بالضرورة على ملامح الإقليم، كما أن ترميم مؤسساته وإعادة جمع حجارة وحدته سترسم موقعه الإقليمي.

ظهور “البرهان” في “سنجة” على هيئة مقاتل ، كشفت عن طبيعة المرحلة القادمة ، وأن انتصار الجيش في معركة الوجود واقع محسوم .
محبتي واحترامي

رشان اوشي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • رئيس جامعة القاهرة يناقش مع سفير الخرطوم سبل دعم ورعاية الطلاب السودانيين
  • الرجل الاسكندنافي يذكّر البرهان وأنصار الحرب بمعاناة السودانيين !!
  • نقابة الصحفيين السودانيين: أكثر من «60» صحفية تحت تهديد مباشر بسبب الحرب
  • هل انتصار الجيش ممكن؟
  • سفارة السودان بلندن تحتفل بالطلاب السودانيين المقبولين في منحة شيفيننج البريطانية للدراسات العليا للعام ٢٠٢٤م – صورة
  • نقابة الصحفيين السودانيين: أكثر من «60» صحفية تحت تهديد مباشر بسبب الحرب 
  • أكبر التحديّات التي تُواجه الجيش الإسرائيلي في لبنان.. ماذا حصل معه يوم السبت؟
  • خطاب السلطة السودانية: الكذبة التي يصدقها النظام وحقائق الصراع في سنجة
  • دروشة بعض السياسيين السودانيين في التعامل مع مصر!
  • يا ايها السودانيين هبوا الى ما تبقى من سودانكم لأنه اصبح في مهب الريح