وحدة الساحات.. تحوّل استراتيجي ناتج عن “طوفان الأقصى”
تاريخ النشر: 22nd, February 2024 GMT
على مدى العقد الماضي؛ عملت الولايات المتحدة الأمريكية على ترتيب المنطقة بشكل يسمح لها بالانسحاب والتخفيف من وجودها العسكري من أجل تحويل الموارد وتكثيف الجهود باتّجاه روسيا والصين، لتحجيم القدرة الصينية على المنافسة العالمية. وكان الاتفاق النووي الإيراني وإعادة العلاقات الخليجية بعد الخصومة مع قطر، وكذلك الجهود الكبيرة لتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي وبعض الأنظمة العربية، كلها تصب في خانة الترتيبات وإعادة ضبط المنطقة بشكل يخدم التوجّهات الأمريكية للعقد الجديد، حتّى جاء طوفان الأقصى، فأعاد خلط الأوراق الأمريكية، ودفعها لمحاولة الحفاظ على الوضع القائم قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فأرسلت مجموعتين هجوميتين من حاملات الطائرات وغواصة تعمل بالطاقة النووية إلى المنطقة، في حين بدأ كبار المسؤولين الأمريكيين بشكل مستمر في زيارة المنطقة، في مقدمتهم الرئيس جو بايدن.
إذًا؛ فعلى عكس التوجّهات الأمريكية والإسرائيلية، فإنّ محور المقاومة يفرض اليوم معادلات تفاقم قلق واشنطن، وتربك حساباتها، خصوصًا مع تشكّل جبهة جديدة توحّد الساحات العابرة للطائفية والمذهبية، وتزيل غبار الزمن المتراكم طوال مرحلة الصراع العربي- الإسرائيلي المليء بالخيبات والنكبات والنكسات، لتصنع زمن الانتصارات، وتنهي مرحلة القدرة على اجتياح بيروت بفرقة موسيقية، كما كان يقول موشيه ديان وزير الحرب الصهيوني في السبعينيات، وتُظهر الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر على حقيقته الهزيلة والضعيفة في أنه أوهن من بيت العنكبوت، الوصف الذي أطلقه عليه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد نصر الله.
ما نراه اليوم ضمن وحدة الساحات، مغاير تمامًا لما شاهدناه طوال مرحلة الصراع العربي- الإسرائيلي، وقد صنع معادلات جديدة، ونقل الصراع إلى مرحلة لم تكن في حساب العدوّ الإسرائيلي والأمريكي. يعلّق الكاتب والإعلامي اللبناني عبد الحسين شبيب، في حديث لموقع العهد الإخباري، بأنّ: “هذه التجربة تُظهر القدرة على استعادة زمام المبادرة في الصراع مع العدوّ الصهيوني في حال كان هناك جدية وإرادة وإخلاص في إيجاد حل للقضية الفلسطينية يعيد الحقوق لأهلها، مزيج من الجيوش النظامية والقوى غير النظامية خرجت من سطوة النظام العالمي والقوّة الأمريكية المهمينة عليه، ونسّقت أعمالها ووزعت أدوارها واستخدمت أسلحة متوافرة، لكن بحنكة ووعي ودقة مكّنت محور المقاومة من تحقيق الأثر المطلوب والمحدّد مسبقًا”.
ويرى الخبير الاستراتيجي الدكتور ابراهيم اللوزي، في حديث للموقع، بأنّ: “المقارنة بين وحدة الساحات اليوم في عملية طوفان الأقصى مع حروب الجيوش العربية الممتدة خلال تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني من النظرة الاستراتيجية لأهم نتائجها غير منصفة؛ فما نتج عن تلك الحروب في واقع الأمة العربية والإسلامية هو استكانة وذلّ وخنوع استطاع بموجبها العدوّ الصهيوني من التمكّن والسيطرة وتلميع صورته.. إلخ.. إلّا أن ما نتج بعد طوفان الأقصى من استنهاض الأمة العربية والإسلامية وإحيائها يؤكد أن تلك المعارك السابقة كانت مخترقة ونتائجها خدمت العدوّ، أما وحدة الساحات الحالية ومعركتها وما نتج عنها أكدت أن الدول الداعمة لوحدة الساحات عملت واجتهدت بوعي محصّن فكريًا وأمنيًا شهد معه هذا النجاح والنتائج المثمرة”.
بالنظر في النتيجة لعمليات إسناد غزّة، تأتي المشاركة اليمنية الفاعلة والمؤثرة في معركة الإسناد بأهدافها المباشرة بدعم غزّة وصمودها، والضغط لإنهاء العدوان ورفع الحصار بشكل كامل، لتتعدى ذلك وتصل إلى تحقيق نتائج استراتيجية، تتمثل بما أشار إليه السيد عبد الملك الحوثي في خطابه الأخير، الخميس الماضي، ووضعها في إطار “تحوّل استراتيجي في واقع المنطقة، بالنسبة إلى النفوذ الأمريكي والسيطرة الأمريكية… وبالنسبة إلى واقع المنطقة بشكل عام تحوّل استراتيجي، ومعادلات جديدة طرأت على الساحة هي لصالح كلّ أمتنا الإسلامية، ولصالح العرب جميعًا في المقدمة، ونأمل – إن شاء الله – في يوم من الأيام أن تتشجع بلدان أخرى، لتتّجه هذا التوجّه الحر الذي تحتاج إليه أمتنا، وتحتاج إليه شعوبنا”.
هذا التحوّل الاستراتيجي يشرحه السيد عبد الملك الحوثي بأنّ: “الأمريكي، والذي اعتاد عندما يستهدف أي بلد عربي أو أي بلد إسلامي، أن يتخاذل الجميع، وأن يهدّد كلّ الدول العربية والإسلامية، ثمّ تبقى لتتفرج على ذلك البلد العربي، أو ذلك البلد الإسلامي هنا أو هناك من دون أن تُقَدِّم شيئًا، لماذا؟ لأنّ الأمريكي تهدّد وتوعد ومنع، فالكل يتفرجون” ويؤكد السيد: “انتهت هذه المعادلة التي كان يفرضها، تلاشى ذلك النفوذ الذي كان إلى هذه الدرجة، اليوم هناك من لا يخنع لأمريكا، من لا يخضع للتهديدات الأمريكية، من لا يستسلم للإرادة الأمريكية، هناك من يقف بجد وبصدق، بموقفٍ صادقٍ، وموقفٍ فاعلٍ ومؤثر، ولا يخنع للأمريكيين؛ ليساند أبناء أمته، ليساند الشعب الفلسطيني، وهذا بالنسبة إلى العدو الأمريكي فشل كبير”.
هذه القراءة بدأت تقرأ بالطريقة نفسها بما يخص الجبهة اليمنية في الدوائر الغربية، فقد أدت “فورين افريز” أن واشنطن: “لم تتمكّن من وضع حدّ للهجمات المستمرة بالصواريخ والطائرات من دون طيار في البحر الأحمر. وبالفعل، تمكّن الحوثيون من إحداث اضطرابات كبيرة في التجارة الدولية، ما أجبر شركات الشحن الكبرى على تجنب قناة السويس”. وتضيف الصحيفة هنا أن: “محاولات الولايات المتحدة لتجميع قوة بحرية متعددة الجنسيات لمواجهة التهديد لم تتمكّن من جذب الشركاء الإقليميين، مثل مصر والأردن والسعودية، والتي ما تزال حذرة من سياسات الإدارة الأمريكية في غزّة”.
كما تشير مجريات الأحداث الميدانية بوضوح إلى ما ستؤول إليه التطورات، في ما يتعلق باليوم التالي للحرب، والتي لن تكون أبدًا كما يحاول الإسرائيلي والأمريكي أن تكون عليه. الصحافي عبد الحسين شبيب يرى أنه :”ستكون هناك قدرة عملية في فرض نظام أمن إقليمي مستقل في منطقتنا في المستقبل، وفي المدى القريب أو المتوسط لن تكون هناك أي صيغة أمنية خارجية من دون موافقة الأطراف التي ستستطيع ممارسة سيادتها على أجوائها ومياهها وأراضيها”.
إن اكتشاف نقاط القوّة، في البحرين الأحمر والعربي، بحسب شبيب، سيمكّن اليمن من تقديم إسهام عملي فعّال جدًّا في مساندة أي جبهة تتعرض للعدوان في محور المقاومة، وستشكّل مسار ضغط كبير جدًّا على الأطراف الخارجية المنخرطة أو المؤيدة لأي عدوان على أي جبهة في المحور، وستشكّل هذه المساندة مع تطوير وتكثيف أدواتها وخيارتها وتكتيكاتها فرصة إضافية لفرض شراكة كبيرة في إدارة هذه المنطقة البحرية الاستراتيجية بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية البريطانية.
جدير بالذكر، هنا، أن عمليات القوات المسلحة اليمنية ووحداتها البحرية مستمرة، بالرغم من الاعتداءات الأمريكية البريطانية المتكرّرة، والفاشلة في فرض أي تراجع في القدرات العسكرية، الأمر الذي يقدّم التحوّل الاستراتيجي في المنطقة أمرًا واقعًا، غير قابل للتغيير، بقدر ما هو ذاهب نحو المزيد من التطور والتنسيق والتكامل بين قوى المقاومة والجهاد، من اليمن إلى لبنان والعراق. وكما فرضت التحولات الحالية على بعض الأنظمة الابتعاد ولو نسبيًّا عن الأمريكي – كما حصل في رفض الانضمام إلى ما سُمّي “تحالف الازدهار” لحماية العدوّ الإسرائيلي- وكما فرضت نتائج العدوان على اليمن، فإنّ نتيجة طوفان الأقصى وجبهات الإسناد ستفرض بالتأكيد تغييرات جوهرية في المنطقة، ما تزال الولايات المتحدة تعمل من أجل وضع العراقيل أمامها، لكن بأدوات بالية وأساليب مهترئة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
إيران تحسم الخيار.. هل بقيَ حزب الله قائد وحدة الساحات؟
قبل نحو أسبوع وتحديداً عند تشييع أمين عام "حزب الله" السّابق الشهيد السيد حسن نصرالله، لم يتحدّث الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم عن أيّ عنوانٍ يتربطُ بـ"وحدة الساحات"، وهو المسار الذي كان قائماً خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل ويضمّ سائر أركان ما يُعرف بـ"محور المقاومة" المدعوم من إيران.عملياً، لا يمكن اعتبار عدم حديث قاسم عن "وحدة الساحات" بمثابة "إنكارٍ لها" أو إعلان لـ"إنتهاء دورها"، ذلك أنَّ هذا الأمر لا يصدر بقرارٍ من "حزب الله" بل من إيران ذاتها والتي تسعى حالياً لـ"لملمة جراح الحزب" بعد الحرب من خلال تكريس الإحاطة الخاصة به، مالياً وعسكرياً.
السؤال الأساس الذي يطرح نفسه الآن هو التالي: هل ستُحيي إيران "وحدة الساحات".. ماذا تحتاج هذه الخطوة؟ هنا، تقول مصادر معنية بالشأن العسكري لـ"لبنان24" إنَّ "وحدة الساحات تزعزعت كثيراً إبان الحرب الأخيرة التي شهدها لبنان"، معتبرة أن "حزب الله كان رائد هذه الوحدة في حين أن الخسائر التي أصيب بها عسكرياً تؤدي به حالياً إلى البقاء جانباً لإعادة ترميم نفسه داخلياً وأمنياً".
ترى المصادر أن "إيران قد تفكر في إحياء وحدة الساحات لاحقاً ولكن بطرق مختلفة لا تؤدي إلى خسائرها الكبيرة"، موضحة أنَّ "إيران تريد الاستثمار في حلفائها مرة جديدة على قاعدة الإستفادة وليس على قاعدة الخسارة، ذلك أنّ هذا الأمر مُكلف جداً بالنسبة لها".
في المقابل، ترى المصادر أن "انكفاء إيران عن الساحة بسهولة وبساطة هو أمرٌ ليس مطروحاً على الإطلاق، فحصول هذا الأمر سيكون بمثابة تسليمٍ لواقع المنطقة إلى أميركا وإسرائيل، وهو الأمر الذي ترفضه إيران وتسعى من خلال أدوات مختلفة للإبقاء على نفوذها قائما بعدما تراجع بشكل دراماتيكي".
ورغم الانتكاسات العسكرية التي مُني بها "حزب الله"، فإن إيران أبقت عليه كـ"عنصر محوري وأساسي يقود محور المقاومة ووحدة الساحات"، وفق ما تقول المعلومات، وبالتالي فإن عمليات الترميم تغدو انطلاقاً من هذه النقطة لتكريس قوة الحزب مُجدداً، لكن الأمر سيصطدم بأمرٍ مفصلي أساسه الداخل اللبناني، فضلاً عن أن عمليات تمويل الحزب وتسليحه باتت تواجه صعوبات جمّة لاسيما بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد يوم 8 كانون الأول الماضي 2024.
ولهذا، تعتبر المصادر أنّ "وحدة الساحات تريد عنصراً متماسكاً"، كاشفة أن "استعادة الدور السابق من حيث القوة والزخم يتطلب وقتاً طويلاً، وبالتالي قد لا تستقر تلك المساعي على نتائج إيجابية ذلك أن ورشة الحزب الداخلية تحتاج إلى تمكين وتمتين، وهذا الأمر يعمل الإيرانيون عليه".
وسط كل ذلك، تقول المصادر إنَّ "حزب الله" اليوم، ورغم توقه لإعادة "إحياء" وحدة الساحات، إلا أنه في الوقت نفسه لا يريد الاصطدام مع الداخل اللبناني الذي "رفض" تلك القاعدة، والأمر هذا قائم أيضاً في أوساط الطائفة الشيعية التي بات كثيرون فيها لا يؤيدون القاعدة المذكورة على اعتبار أن نتائجها كانت كارثية على الحزب ولبنان.
ضمنياً، تعتبر المصادر أن إعادة تبني "حزب الله" لمفهوم "وحدة الساحات" واعتماده كقاعدة جديدة مُجدداً سيعني بمثابة تكرار لسيناريوهات سابقة، وبالتالي عودة "حزب الله" إلى تكريس خطوات تتحكم بقرار السلم والحرب وهو الأمر الذي أكد رئيس الجمهورية جوزاف عون أنه بـ"يد الدولة فقط"، وذلك خلال مقابلته الأخيرة مع صحيفة "الشرق الأوسط".
بشكل أو بآخر، قد لا يُغامر "حزب الله" بالإندماج مُجدداً ضمن "وحدة الساحات" مثلما كان يجري سابقاً، علماً أن هذا الأمر لا يعني خروج "الحزب" من المحور الإيراني، لكن آلية التعاطي والتنسيق ستختلف تماماً، وبالتالي سيكون الحزب أمام الواقع السياسي الداخلي اللبناني الذي بات "حزب الله" مُلزماً التعاطي معه كما هو وعلى أساس مكوناته وتحت سقف الدولة وضمن مقتضيات ومرتكزات خطاب القسم للرئيس عون. المصدر: خاص "لبنان 24"