معرض الكتاب.. وأسئلة اللحظة الراهنة
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
احتفلت سلطنة عمان اليوم بافتتاح الحدث الثقافي السنوي الأبرز حينما دَشنت الدورة الثامنة والعشرين من معرض مسقط الدولي للكتاب، لتبدأ مع أيامه حالة ثقافية استثنائية في عُمان قل نظيرها في غيره من الأيام خاصة مع الفعاليات الثقافية الواسعة التي أعلنت عنها اللجنة المنظمة للمعرض.
ورغم أن معارض الكتب في العالم العربي هي بمثابة سوق كبير لبيع الكتب الحديثة والقديمة المطبوعة في مختلف دول العالم إلا أنها في الوقت نفسه يمكن النظر إليها باعتبارها سوقا أدبيا وفكريا ومعرفيا حيث يلتقي المؤلفون والناشرون والنقاد بالقراء في مكان واحد، وحيث تتحول قاعات المعرض وأروقته إلى ساحة حوار ثقافي ومعرفي لا حدود لها.
وإذا كانت معارض الكتب قد بدأت حصرا على النخب الثقافية إلا أن انتشار الوعي بأهمية الكتاب في مختلف المجتمعات جعل المشهد يتغير الآن فأصبح المعرض مكانا يرتاده الجميع كبارا وصغارا، حتى أن علاقته تحولت من علاقة فردية إلى علاقة أسرية مجتمعية، فتجد كل أسرة تسير في المعرض إلى جوار بعضها البعض وتنتقي الكتب التي تريد الأسرة اقتناءها دون إهمال للتوجهات والتفضيلات الفردية.
ومع الوقت اكتسبت معارض الكتب الكثير من الأدوار إضافة إلى دورها الأساسي في بيع الكتب، فأصبحت مساحة للتبادل الثقافي والعلمي، حيث يطلع كل مجتمع على تجارب المجتمعات الأخرى والثقافات الأخرى في مختلف المجالات الفكرية التي تعزز الوعي المجتمعي، وتبني الروابط بين الماضي والحاضر وبين الشرق والغرب.
ولذلك يمكن أن يشار إلى معارض الكتب باعتبارها مركز إشعاع فكريا يعزز كل مسارات البناء التنموي بما في ذلك الجانب الاقتصادي.
ولا تخرج تجربة معرض مسقط الدولي عن هذا المسار، بل يمكن النظر إليها باعتبارها أحد النماذج الرائدة في تطوير التجربة التي مرت بها معارض الكتب.. من مكان صغير ومحدود لبيع الكتب إلى محطة مهمة وأساسية لمعارض الكتب في العالم العربي والعالمي. ولا عجب أن يكون معرض مسقط الدولي للكتاب من بين أهم المعارض العربية سواء من حيث التنظيم أو من حيث القدرة الشرائية الفردية التي تسهم كثيرا في إنجاح المعرض.. وهذا في حد ذاته نجاح للتنظيم حيث استطاعت تجربة المعرض ترسيخ أهمية الكتاب في وعي الجميع كبارا وصغارا.
كما أن الفعاليات الثقافية المصاحبة لمعرض مسقط الدولي للكتاب تعطيه زخما كبيرا وتحوله فعليا إلى مساحة حوار ثقافي وفكري استثنائي.
ولذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال النظر إلى معرض مسقط الدولي للكتاب باعتباره مجرد حدث لتسويق الكتب، إنه بحق ظاهرة ثقافية تعكس المستوى الذي وصل له المجتمع العماني في الجانب الفكري والثقافي.
رغم هذه النظرة إلا أنه من الطبيعي والضروري أن يفرز معرض بحجم معرض مسقط للكتاب أسئلة معرفية وجوهرية حول صناعة الكتاب في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي وسؤال جدوى الكتاب الورقي في ظل تقنيات القراءة الإلكترونية وسؤال الفعاليات الثقافية وصناعة النشر والتوزيع.. وهي أسئلة تلازم معارض الكتب وتزيد في إثراء المشهد وفتح آفاق للحوار وتجديد المعرفة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: معرض مسقط الدولی للکتاب معارض الکتب
إقرأ أيضاً:
عادات وتقاليد الاحتفال برمضان.. ضمن فعاليات معرض فيصل الثالث عشر للكتاب
نظّمت الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، بالتعاون مع دار الكتب والوثائق القومية، ندوة ثقافية متميزة بعنوان «عادات وتقاليد الاحتفال برمضان» تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، وذلك ضمن فعاليات معرض فيصل الثالث عشر للكتاب.
شهدت الندوة مشاركة نخبة من المتخصصين في التراث والمعتقدات الشعبية، من بينهم الدكتور عبد الحكيم خليل، أستاذ ورئيس قسم المعتقدات والمعارف الشعبية بأكاديمية الفنون، والدكتورة نيفين خليل، أستاذ ورئيس قسم فنون التشكيل الشعبي، والدكتورة عزة محمود، استشاري الإدارة العامة بالمراكز العلمية بمركز تحقيق التراث، وأدارت الندوة الدكتورة سحر حسن، الباحثة بمركز تاريخ مصر المعاصر بدار الكتب.
استعرضت الندوة التطور التاريخي لعادات وتقاليد الاحتفال برمضان في مصر، بدايةً من العصر الفاطمي وحتى اليوم، مشيرة إلى الأهمية الثقافية والاجتماعية لهذا الشهر الكريم، حيث لا يقتصر على كونه شهرًا للعبادة، بل يعد موسمًا اجتماعيًا وثقافيًا يعكس روح التلاحم بين المصريين.
وأشارت الدكتورة سحر حسن إلى أن رمضان ليس مجرد أيام للصيام والعبادة، بل هو لوحة فنية تنبض بالحياة، حيث تزين الشوارع بالمصابيح والفوانيس، وتجتمع العائلات في أجواء من الألفة والمودة، مما يعكس خصوصية الاحتفال بهذا الشهر في مصر.
وأكدت الدكتورة عزة محمود، استشاري الإدارة العامة بالمراكز العلمية بمركز تحقيق التراث، أن شهر رمضان حظي بمكانة خاصة في كتب التراث الإسلامي، حيث وثّقت صفحاته فضائل هذا الشهر وما شهده من أحداث دينية وتاريخية مهمة، إلى جانب العادات والتقاليد التي تناقلتها الأجيال عبر الزمن.
وأوضحت أن المسلمين استقبلوا رمضان عبر العصور بفرحة واستعداد خاص، تجلى في تزيين المنازل والشوارع، وإقامة موائد الإفطار للفقراء والمحتاجين، وهو ما يعكس روح التكافل والإحسان التي تميز الشهر الكريم.
وأشارت إلى أن مظاهر الاحتفال برمضان شهدت تطورات كبيرة عبر العصور، منذ العهد النبوي والخلفاء الراشدين، مرورًا بالعصور الأموية والعباسية والفاطمية، حيث حرص الحكام على رعاية الفقراء ونُظمت المواكب الرمضانية الفخمة، كما انتشرت أسمطة الطعام في المساجد والميادين. كذلك برزت عادات خاصة بالسحور وصلاة التراويح، التي وإن اختلفت من بلد لآخر، إلا أنها اجتمعت على تعظيم الشهر الفضيل.
وشددت على أن رمضان، رغم تغير الأزمنة، يظل شهر الرحمة والمغفرة، حيث يحرص المسلمون على تكثيف العبادة، وإخراج الزكاة والصدقات، تحقيقًا لمقاصد الإسلام، وترقبًا لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
وأوضحت الدكتورة نيفين خليل، أستاذ ورئيس قسم فنون التشكيل الشعبي، أن الفانوس الرمضاني يعد أحد أبرز الرموز البصرية المرتبطة بشهر رمضان، حيث يجمع بين الجمال الفني والدلالة التاريخية.
وأشارت إلى أن ظهور الفانوس في مصر يعود إلى العصر الفاطمي، وتحديدًا إلى عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي (953-975م).
وأضافت أن هناك عدة روايات حول بداية استخدام الفانوس في رمضان، أشهرها أن المصريين خرجوا لاستقبال الخليفة المعز عند دخوله القاهرة ليلًا، وهم يحملون الفوانيس المضاءة بالشموع، ومنذ ذلك الحين أصبح الفانوس رمزًا ملازمًا للشهر الكريم. كما استخدمت الفوانيس لاحقًا لإنارة الشوارع خلال رمضان، حيث كان الجنود الفاطميون يطلبون من أصحاب المتاجر والمنازل تعليقها خارج بيوتهم لإنارة الطرقات.
وأشارت إلى أن الأطفال كانوا يحملون الفوانيس أثناء تجولهم مع المسحراتي وقت السحور، مرددين الأغاني الرمضانية، وهي عادة لا تزال مستمرة حتى اليوم. ومع مرور الزمن، لم يعد الفانوس مجرد أداة للإضاءة، بل تحول إلى رمز احتفالي يصنع بأشكال وألوان متنوعة، ليزين البيوت والشوارع، خاصة في مصر والدول العربية، مما يعكس أهمية الفن الشعبي في التعبير عن الهوية الثقافية والتراثية للمجتمع.
وتابعت: زينة رمضان تعد واحدة من أبرز العادات الاحتفالية التي تعكس روح الشهر الكريم، وقد تطورت عبر العصور، بدءًا من العصر الفاطمي، حين كانت الشوارع تُضاء بالفوانيس الملونة احتفالًا بقدوم رمضان. ومع مرور الزمن، بدأ الناس في تعليق الأقمشة المزخرفة والمشغولات اليدوية ذات الطابع الإسلامي على جدران المساجد والمنازل. في العصر العثماني، ازدادت مظاهر الزينة، حيث كانت الساحات تزين بالمشاعل والأنوار، وبدأت العائلات تستخدم النقوش العربية والفوانيس المصنوعة يدويًا. أما في العصر الحديث، فقد أصبحت الزينة أكثر تنوعًا، حيث انتشرت الأنوار الكهربائية، والفوانيس الملونة بأشكالها المختلفة، والزينات الورقية التي تملأ الشوارع، مما يضفي أجواءً احتفالية مميزة تعكس فرحة المسلمين بحلول الشهر الفضيل.
أكد الدكتور عبد الحكيم خليل، أستاذ ورئيس قسم المعتقدات والمعارف الشعبية بأكاديمية الفنون، أن شهر رمضان يحمل بُعدين أساسيين: روحي ومادي، حيث تمتزج فيه العبادات بالقيم الأخلاقية، مما يجعله موسمًا روحانيًا واجتماعيًا مميزًا.
وأوضح أن الاستعداد لرمضان لا يقتصر على الصيام فقط، بل يمتد إلى تهذيب النفس، مشيرًا إلى أن صيام يومي الإثنين والخميس قبل الشهر الفضيل يعد وسيلة روحانية لتهيئة النفس، إلى جانب أهمية تصفية القلوب من الضغائن والحسد واستحضار النية الصادقة لاستقبال هذا الشهر المبارك.
أما على المستوى الاجتماعي، فقد أشار إلى أن رمضان يرتبط بعادات مميزة، سواء من خلال الأطعمة التقليدية أو الأجواء الاحتفالية، لافتًا إلى ظاهرة «الطبق الدوّار» الذي يرمز إلى روح المشاركة بين العائلات والجيران، إلى جانب الألعاب والرموز الرمضانية مثل الفانوس، التي تضفي بهجة خاصة على ليالي الشهر الكريم.
جاءت هذه الندوة في إطار الفعاليات الثقافية للمعرض، والتي تهدف إلى تسليط الضوء على التراث المصري الأصيل وعاداته المتوارثة في شهر رمضان الكريم، من خلال نقاشات علمية متخصصة تلقي الضوء على الجوانب الثقافية والاجتماعية المرتبطة بهذا الشهر الفضيل.