السـياسـي في «طـوفـان الأقـصى»
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
إذا لـم تـكن عمليـة «طـوفـان الأقصـى» في السابـع من أكتـوبر 2023 قـد فعلـت شيئا سياسيا سوى إعادة القـضيـة الوطنـيـة الفلسطيـنيـة إلى قـلب السياسات الـدوليـة، وإلى الوجدان الإنساني العالمي، فـقـد فعـلت كل شيء في السياسـة بـل أكـثر مما فعلـته حتى منظـمة التحرير الفلسطينيـة نفسها منذ انطلاقة الثورة في العام 1965 إلى مـهـلكة «أوسـلو» في العام 1993 ،وطبـعا، أكـثـر بكـثـير ممـا استطاعتـه دول العـرب والمسلمين مجتمعة.
نعـم، لسـنا نـنفي ما كان للأداء الـقـتالي الرفيـع للمقاومـة -ومن غيـر إخـلال منها بـقواعـد الحـرب المنصوص عليها في الـقوانيـن الـدوليـة- من الأثـر الكبير في تعظيـم صـورة نضـال الشـعب الفـلسطيـني في الوعـي العالمي، وفي التـفاعـل الإيجابـي مع مطالبـه وحقـوقـه العادلة مـن قـبـل السـواد الأعظـم من شعـوب العالم؛ فعـلى صمـود المقاومـة في حـرب غيـر متـكافـئـة القـوى عسـكريـا انـتصبـت تلك النـتائـج السياسيـة، وعلى سلوك المقاومـة الحضاري مع أسـرى العـدو والمعاملـة الإنسانيـة التي تـلقـوها منها -باعـتـرافـهم- أمكـن لتلك الثـمار السياسيـة أن تـونـع. مع ذلك، لا منـدوحـة عن النـظر في سياسيـات الطـوفان من زاويـة أخرى: من زاوية قـدرته على استـدراج العـدو إلى الإفصـاح الوحشـي عن نازيـتـه، وبالتـالي، إلى إحـداثه الصـدمة في الوعي الغربي من معاينـتها، وإلى دفع الرأي العام في الغـرب والعالم إلى تصحيح الصـورة التي كـونـتـها في وعيـه السـرديـة الصـهيونيـة - الغـربيـة الاستـعماريـة عـن «أبنـاء ضحايا المحرقـة وأحـفادهـم»: الصـورة التي تـغذى منها المشروع الصهـيوني ودولـتـه واتـخـذت درعـا لهما ضد كـل مـن حاول التـشكيك في الروايـة من المفكـرين الغربيـين، وورقـة ابتـزاز دائـم للنـخب السـياسيـة الغـربيـة الحاكمـة والمعارضة لحملها على رفـد دولة الاغـتصاب وإحاطـتها بالحمايـة.
من باب الاستـطراد الضروري أن نقـول هـنا: إن مكاسب فـلسطين السياسيـة على الصعـيد الكـوني، في هذا الطـوفان، ثمرة شراكة غـير معلـنة ولا متـوافـق عليها بين الجلاد والضحـية؛ بمقـدار ما كانت المقاومة حريصة على قـتال جيش الاحتلال، في المقام الأول، بحـرفـيـة عسكريـة (مع ضربات للمـدن في الـداخل الفـلسطيني المحتـل نادرة الخسائر البشريـة)، لم يمنع جيش الاحتلال نـفسـه من الانـتـقام لهـزيمته الشـنـيعة من المدنيـين ومن البنى الأساسية للحياة في غـزة. مائـة ألـف من فلسطيني غـزة راحـوا بين شهيـد ومصاب أكـثـرهم من الأطـفال والنساء. وإلى المـوت حـدث دمار شامل قـصـد إليه لجعـل الحياة في غـزة مستحيلـة؛ حيث لم يُـبْـقِ الجيـش النـازي حـجـرا على حـجـر في القطـاع، ولا شارعا ولا أسـفـلـتا ولا مستـشفـى يملك أن يـسعـف، ولا مدرسة ولا مركـزا للأونروا تملك أن تـؤوي، ولا مطحنة ولا مخبزة ولا محطة وقـود تسـد حاجة... إلخ. وكان على سياسة التـجويع الصـهـيونيـة أن تستـكمل حلـقاتها بمنع قـوافـل المساعدات من الوصول إلى الأهالي الجوعى والمشردين الذين يسكـنون العراء، ثم بفـتح الحرب على الأونروا لقطع شريان الحياة عن أهـل غـزة. لقد كان فريـقـا القـتال: المقاومة والاحتلال، يُعـرِّفان بـنـفسيـهما للعالم، كـلٌ بطريقـته: الأولى بأخلاق الحركات الوطنـيـة التـحرريـة التي تـقاتـل من أجل قضيـة عادلة؛ والثاني بأخلاق القـتـلة والنـازيـين الذين لا قـضيـة لديهم سـوى القـتـل. بهذا المعنى، فـقـد ساهما معا، بأقـساط متـفاوتة، في إنتاج هذه الحالة من التعاطف الكوني مع الشعب الفلسطيني في محنـتـه مع النازيـة الجديدة، ومن المطالبة بتمكيـنه من حقـه في أرضـه واستـقـلاله.
ليس للمقاومة دبلوماسيـة خاصـة؛ لأنها قـوة شعـبيـة وليست دولة، ولكنها أصابت نجاحا كبيرا في الاعـتياض عن الإمكانـيات والأدوات الـدبلوماسيـة بسيـرتها الأخلاقـيـة العالية، مستـفيـدة من نجاح الاحتلال في فضح ما كان يخـفيه من نازية. هكذا خاضت المقاومة - إلى جانب الـقـتال- حرب صـور مع الاحتـلال؛ حربـا تـغـيـت فيها رفـع الأقـنعة عن دولة الاحتلال وجيشـها. ولقـد خرجت منها منـتصرة إلى الـدرجـة التي صار فيها المدافعـون عن دولة الاغـتصاب يخجلون من استخـدام اللازمـة الغـبيـة والحـقيرة عن «حـق إسرائيـل في الـدفاع عن نفسها» ليـتـساءلوا -وإن باحتـشـام- عـمـا إذا كان ما ارتـكبـته هذه الـدولـة من ارتكـابات يفـوق «حـق الـدفـاع عن النـفـس» أو لا ينتمي إليـه بتـاتـا. على أن أضخم هـزائـم الاحتلال السـياسيـة - وبالتـالي أعـظم مكاسب المقاومة وشعبه وقضيـتـه - جـرها إلى العدالة الـدوليـة بتهـمـة ارتكـاب جريمـة الإبادة الجماعيـة، وإقرار المحكمة بمشروعـيـة نظرها في هـذه التـهـمة. وفي لمـح البصر، انـتـقـلت دولة الاغتـصاب والاحتـلال من موقـع المحتـمي من الإدانـة الـدوليـة بالـڤـيـتـو وتحريك أزعـومة «معـاداة السامية» إلى موقع المتـهـم بإبـادة شعب. وفي لمح البصر، ثانيـة، كانت تخـطـئ سـياسيـا في الهجـوم على المحكمة وقـضاتها، وعلى المـدعي (جنوب إفـريـقـيا) نظيـر هـجومها على السـيـد جوتيريش أمين الأمم المتـحدة العام..!
في 6 أكتوبر 2023، كانت قضيـة فـلسطيـن في أسوأ أوضاعها منذ اغـتصابها في العام 1948. كانت قـد خرجت، نـهائـيـا، من السياسة الـدوليـة بوصفها قضيـة وطنيـة لتصبح محض قضيـة سكان مناطـق تقوم عليها سلطة متعاونة مع الاحتلال، يحتاجـون إلى مساعدات دوليـة لتحسين أوضاعهم المعـيشـيـة. هكذا كانت «صـفـقة القـرن»؛ وهكـذا انتهى الصـراع العـربي- الصـهيـوني ليصبح «شـراكة» و«تـعاونـا» ممـكـنين من طريق تفريـخ مشاريع التـطـبيع بين الحكـومات العربيـة والكيان الغاصب. في الأثـنـاء، انطلق عـفـريت الاستـيطـان في الضـفـة الغـربيـة والقـدس من قـمـقـمه من غيـر رادع يـردعـه؛ وبدأ الموتـورون الصـهاينـة يجـهرون بهلوسـاتهم عن هـدم المسجد الأقصـى لإقامـة الهيكـل المزعـوم؛ واستمـرت أجهـزة السلطـة تقـدم السـخـرة لأجهـزة الاحتلال وتزودها بالمعلومات عن خلايا المقاومة في الضـفـة، فيما القـطاع معـزول ومحاصـر من قـبـل دولة الاغتصـاب. كـل شيء كان يبـدو وكأنـه انـتـهى في السادس من أكتـوبر. ثـم جاء اليوم السابـع من الشـهر فـغـيـر كـل شيء، ومـحا حقبـة كاملـة من الهـوان والاستضـعـاف وهضـم الحقوق والتـهميش والتـغيـيـب. وها هي قضيـة فلسطيـن تلعلع اليـوم في الشـوارع والساحـات على امتـداد الكـوكـب. لقـد نجح «طـوفان الأقـصى» في أن يفـتح على المشـروع الصـهيـوني الطـوفان الأقصى.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
فلسطينيو الخارج يرفضون التغييب السياسي في المركزي.. المقاومة خط أحمر
أعلن المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج رفضه القاطع لاجتماع المجلس المركزي الفلسطيني المنعقد في رام الله، واصفًا إياه بـ"غير الشرعي" و"المنفصل عن إرادة الشعب الفلسطيني".
جاء هذا الموقف في بيان صادر عن المؤتمر اليوم، وصلت "عربي21" نسخة منها، في أعقاب افتتاح جلسات المجلس يوم أمس الأربعاء، 23 نيسان/أبريل 2025، وسط مقاطعة عدد من القوى والفصائل الوطنية.
واعتبر المؤتمر أن الاجتماع بصيغته الحالية لا يُعبر عن طموحات الفلسطينيين، لا في الداخل ولا في الشتات، لا سيما في ظل الظروف الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية، حيث تتعرض غزة لحرب إبادة، بينما تتواصل الاعتداءات الإسرائيلية على الضفة والقدس في ظل "صمت مريب وتواطؤ واضح"، على حد وصف البيان.
نهج التفرد وتجاهل الشراكة
وأشار المؤتمر إلى أن تغييب قوى وطنية أساسية، وتجاهل مخرجات الحوارات الفلسطينية السابقة، يُمثل استمرارا لنهج التفرد بالقرار الوطني.
وأضاف أن هذا السلوك يفاقم الأزمة العميقة في البنية السياسية الرسمية، التي فقدت اتصالها بنبض الشارع الفلسطيني، وغير قادرة على مواكبة حجم التضحيات التي يقدمها الفلسطينيون يوميًا في وجه الاحتلال.
رفض الوصاية وإعادة بناء المنظمة
وفي لهجة تصعيدية، أعلن المؤتمر رفضه لما أسماه "الوصاية المفروضة" على القرار الوطني الفلسطيني، مؤكداً أن الحل يكمن في إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية حقيقية، تقوم على الشراكة والتمثيل الشامل لجميع مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
المقاومة... خط أحمر
واستنكر البيان بشدة التصريحات الصادرة عن رئيس السلطة الفلسطينية والتي وُصفت بأنها مسيئة للمقاومة الفلسطينية، واعتبرها المؤتمر "سقطة وطنية"، و"خدمة مجانية لرواية الاحتلال"، بل و"انحدارًا أخلاقيًا خطيرًا".
وقال البيان إن تحميل المقاومة مسؤولية الجرائم الإسرائيلية هو قلب للحقائق وتبرئة للعدو، وهو ما يتناقض مع نبض الشارع الفلسطيني الذي يرى في المقاومة تعبيرًا عن كرامته وصموده.
وأشاد المؤتمر بموقف كل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والمبادرة الوطنية الفلسطينية اللتين قاطعتا الاجتماع، واعتبر ذلك نموذجًا يُحتذى في مواجهة سياسة الإقصاء. كما دعا إلى تشكيل جبهة وطنية موحّدة تعيد تصويب المسار السياسي نحو هدفه الأصيل: التحرير والعودة.
وختم المؤتمر بيانه بالتأكيد على أنه سيبقى الصوت الصادق لفلسطينيي الشتات، مدافعًا عن حقوقهم، ومتمسكًا بالمقاومة كخيار استراتيجي، داعيًا إلى تحقيق العدالة التاريخية لشعب فلسطين عبر التحرير الكامل وعودة اللاجئين.
يأتي هذا البيان في لحظة سياسية حرجة، حيث يشهد المشروع الوطني الفلسطيني انقسامًا حادًا بين قيادة السلطة الفلسطينية وبعض الفصائل من جهة، وقوى المقاومة وفلسطينيي الشتات من جهة أخرى. تعمّق هذا الانقسام بعد تصاعد الهجوم الإسرائيلي على غزة واستمرار انتهاكات الاحتلال في الضفة، في مقابل استمرار غياب رؤية موحدة وشاملة تمثّل جميع الفلسطينيين.
ويعكس موقف المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج تحولا واضحا في المزاج العام خارج الأراضي المحتلة، حيث لم يعد الشتات الفلسطيني مجرد جمهور داعم، بل طرفًا فاعلاً يطالب بالمشاركة في القرار الوطني، ويرفض تهميشه أو توظيفه في سياقات سياسية لا تخدم قضية التحرير.
عباس يهاجم "حماس"
وأقدم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أمس الأربعاء، في افتتاح جلسة المجلس المركزي الفلسطيني في مدينة رام الله، على شتم حركة (حماس)، وحضهم على تسليم الأسرى الإسرائيليين "لسد الذرائع" أمام إسرائيل التي تواصل عدوانها على قطاع غزة.
وتوجه عباس بعبارة نابية عندما تحدث عن "حماس"، وقال بأن "حماس وفرت للاحتلال المجرم ذرائع لتنفيذ جرائمه في قطاع غزة، وأبرزها حجز الرهائن، أنا الذي أدفع الثمن وشعبنا، ليس إسرائيل"، مناشدا الحركة “سلموهم” متحدثا عن الأسرى الإسرائيليين.
وفي أول تعليق لها على تصريحات عباس، عبّرت حركة (حماس) عن امتعاضها من وصفه "شعبه بألفاظ نابية".
وأوضح القيادي في (حماس) باسم نعيم "محمود عباس في اجتماع مغتصب لشرعية قيادة الشعب الفلسطيني يصف جزءا كبيرا وأصيلا من شعبه بألفاظ نابية".
وأضاف أن عباس "يصر بشكل متكرر ومشبوه على تحميل شعبنا مسؤولية جرائم الاحتلال وعدوانه المستمر".
وانطلقت اجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، أمس الأربعاء، في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، في ظل مقاطعة فصائل رئيسية.
وحملت الدورة الـ 32 لاجتماعات المجلس شعار "لا للتهجير ولا للضم، الثبات في الوطن، إنقاذ أهلنا في غزة ووقف الحرب، حماية القدس والضفة الغربية، نعم للوحدة الوطنية الفلسطينية الجامعة".
والمجلس المركزي هو هيئة دائمة منبثقة عن المجلس الوطني الفلسطيني (أعلى هيئة تشريعية) التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومخوّل ببعض صلاحياته.
وتناقش هذه الدورة عدة ملفات أبرزها: وقف حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، ورفض خطط التهجير في القطاع والضفة الغربية المحتلة والتي تروج لها الولايات المتحدة وإسرائيل، فضلا عن رفض الاستيطان، وتشريع انتخاب نائب لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
كما ستبحث اجتماعات هذه الدورة، الوضع الداخلي الفلسطيني، المتمثل بـ"استعادة الوحدة الوطنية، وتعزيزها في إطار منظمة التحرير".
وتأتي الاجتماعات وسط مقاطعة فصائل فلسطينية رئيسية، حيث بررت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عدم مشاركتها في اجتماعات المجلس باعتباره "خطوةً مجتزأة، لا يمكن أن يكون بديلا عن الخطوات التي حدّدتها جولات الحوار ومخرجاتها المُكررة، والتي جرى تعطيل تنفيذها أكثر من مرة".
لكنها أكدت على "التزام الجبهة بمواصلة الحوار مع حركة فتح وكافة القوى الوطنية والإسلامية من أجل بناء وحدة وطنية قائمة على برنامج واستراتيجية وطنية".
وتعد الجبهة الشعبية ثاني أكبر فصيل بعد حركة فتح، في منظمة التحرير الفلسطينية المعترف بها في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، والتي تأسست عام 1964 لتمثيل الفلسطينيين في المحافل الدولية.
فيما أرجعت حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مقاطعتها لاجتماعات المجلس المركزي إلى كونها "متأخرة"، قائلة إن هذا الاجتماع "كان يجب أن يعقد منذ شهور لبلورة استراتيجية وطنية كفاحية موحّدة للتصدي لحرب الإبادة والتجويع والتهجير في غزة والضفة الغربية".
وتأتي الاجتماعات، فيما ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي مطلق منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت أكثر من 168 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
وبالتوازي مع حرب الإبادة الجماعية في غزة صعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 955 فلسطينيا، وإصابة قرابة 7 آلاف، إضافة إلى تسجيل 16 ألفا و400 حالة اعتقال، وفق معطيات فلسطينية.