موقع أميركي: الهروب من رفح.. لا مفر من الموت
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
تابع الكاتب طارق حجاج في تقرير له بموقع "موندويس" الأميركي رحلة عائلتين فلسطينيتين خلال هروبهما من مدينة رفح بسبب القصف والحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، وهما عائلتا جميلة عليوة ونعيمة الرك.
جمعت جميلة عليوة (66 عاما) ما تبقى لها من متعلقات صغيرة لنفسها وحفيدتيها الباقيتين على قيد الحياة ووضعتها في حقائب عدة، وقررت العودة إلى مخيم النصيرات للاجئين في وسط قطاع غزة بعد أن سمعت أن هناك غزوا إسرائيليا وشيكا لرفح، وغادرت ملجأها الحالي لتجنب المذبحة التي كانت تعلم أنها ستتبعها.
فقدت جميلة 90 فردا من أفراد أسرتها منذ بداية الحرب، وجميعهم أقارب من الدرجتين الأولى والثانية، وقد توفي معظمهم عندما استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية منازلهم في النصيرات وقرية زويدة قبل وقت طويل من نزوح سكان هذه المناطق إلى رفح في أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي.
همها الأكبر هو حفيدتاها الصغيرتاننزحت جميلة مثل كثيرين آخرين من مكان إلى آخر، وشمل نزوحها العديد من المحطات، وفي طريق النزوح كانت هناك أماكن غير صالحة للسكن، مثل وحدات التخزين والمتاجر، مع تحمل الجوع والعطش وعدم الحصول على الرعاية الطبية.
لكن همها الأكبر طوال الوقت كان حفيدتيها الصغيرتين يارا ولارا اللتين فقدتا أمهما وشقيقتهما الرضيعة بعد استهداف منزلهما في النصيرات، وعندما طلبت جدتهما منهما الاستعداد للخروج من رفح ظنت الفتاتان أن الحرب قد انتهت غافلتين عن انتقالهما من جحيم إلى آخر.
عندما انتهت جميلة من حزم الأمتعة حاولت استدعاء سيارة لنقلهن إلى النصيرات، وبعد محاولات عديدة تمكنت من الحصول على رقم سائق شاحنة بسبب كثرة أمتعتها وحاجياتها، فعندما فررن من النصيرات لأول مرة حملن معهن الألواح الشمسية والبطاريات والملابس والأفرشة والوسائد لاعتقادهن أنهن سيقضين فترة طويلة في رفح.
اتفقت جميلة مع سائق الشاحنة على أن يقلهن في اليوم التالي إلى النصيرات، وطلب 500 دولار للرحلة، علما بأنها كانت تكلف قبل الحرب 70 دولارا فقط.
واحدة من أفظع الليالي
كانت الليلة التي سبقت المغادرة صعبة بالنسبة لجميلة، إذ استهدفت القوات الإسرائيلية العديد من المنازل في رفح وقتلت 150 فلسطينيا، مما جعلها واحدة من أفظع الليالي بالنسبة للفتيات منذ بداية الحرب.
شهدت الأسابيع القليلة الماضية التصريحات الإسرائيلية المتواصلة التي تتوعد بغزو رفح قريبا، مما أدى إلى ترويع السكان المدنيين هناك، وبدأ الآلاف بالفرار عائدين إلى الشمال، متجهين نحو المدن ومخيمات اللاجئين وسط القطاع.
تم تصوير حملة التهجير القسري من الشمال للجنوب ليراها الجميع، وتكررت مرارا طوال فترة الحرب، لكن الفارق خلال هذه الحملة الأخيرة هو أنه لا يوجد مكان للفرار إليه، إذ تمت تسوية مساحات واسعة من وسط القطاع بالأرض وتحويلها إلى ساحات مفتوحة لعمليات الجيش الإسرائيلي.
قالت جميلة "لقد أمضينا ليلة مرعبة في رفح قبل أن نقرر العودة إلى وسط غزة، كانت حفيدتاي تصرخان عندما سقطت القنابل بالقرب منا، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي قضتا يوما كاملا محصورتين تحت الأنقاض عندما قُتلت أختهما وأمهما بينما كانوا جميعا نائمين".
وتابعت جميلة "عندما سمعتا نفس الصوت المألوف الذي سمعتاه يوم مقتل والدتهما لم يعد أحد منا قادرا على تحمله، لقد ظلتا تبكيان قائلتين: هذه المرة سنموت مثل ماما وشقيقتنا جودي".
لم يتمكنوا من انتشال جودي من حضن أمهاماتت وعد أبو شوق والدة لارا ويارا وجودي إلى جانب جودي في الغارة الجوية، وعندما تم انتشال جثتيهما لم يتمكنوا من انتشال جودي من حضن وعد، فلفّوهما في نفس الكفن ودفنوهما معا.
قالت جميلة إن قرار العودة إلى وسط غزة جاء بالدرجة الأولى لضرورة تهدئة لارا ويارا اللتين أصابهما الرعب من تذكّر اليوم الذي أخذ منهما والدتهما، لكن هذا لا يجعل مخيمات اللاجئين في وسط غزة أكثر أمانا، لأن تهديدات الجيش بالغزو شملت أيضا تلك المناطق.
وأضافت جميلة "كان الطريق الساحلي من رفح إلى النصيرات مرعبا على الرغم من أن الآلاف كانوا يسيرون عليه، مشينا تحت أنظار السفن الحربية الإسرائيلية التي لم تكن بعيدة، وكانت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية فوقنا".
وتابعت "مررنا بخان يونس في طريقنا إلى هناك، وكنا نسمع صوت الرصاص وقذائف المدفعية، ظننا أننا لن نتمكن من الوصول إلى الجانب الآخر".
لم يبق أي منزلشبهت جميلة لحظة دخولها حيها في النصيرات بالدخول إلى مدينة أشباح حيث "لم يتم قصف الكتل السكنية فحسب، بل تم تجريفها وإزالتها، لقد تحول الحي الذي كنت أعيش فيه إلى حقل فارغ لم تبق منه سوى الرمال، لم يبق أي منزل من منازل الجيران أو منازل عائلاتنا".
واستمرت تقول "وبقدر ما تستطيع العين رؤيته كانت هناك مبان مدمرة، كان بعضها لا يزال قائما، ولم يتم استهداف سوى عدد قليل من الطوابق، وبعضها انهار بالكامل، والبعض الآخر تم تدميره جزئيا، كانت مثل مدينة أشباح، وفي الليل شعرت أنه لا توجد علامات على وجود حياة بشرية".
وشددت جميلة على أنه "لا يوجد سوبر ماركت ولا مخابز، ولا يوجد ما يشير إلى إمكانية وجود أي شخص في هذا المكان".
بعد وصولهن إلى النصيرات توجهن إلى منزل أخت جميلة الذي نجا من القصف، ومع ذلك كان الحصول على الغذاء والماء أسوأ بكثير مما كان عليه في رفح، حيث كانت الضروريات الأساسية متاحة إلى حد ما.
وقالت جميلة إن ابنها كان يقضي معظم أيامه يتجول في المنطقة ومعه غالون فارغ بحثا عن الماء لعائلته المكونة من 13 شخصا، ومع ذلك رأت جميلة أن النضال اليومي لتأمين الاحتياجات أفضل من انتظار الموت في رفح وسماع الرعب في أصوات حفيدتيها.
تعتقد جميلة أن حفيدتيها بحاجة إلى علاج نفسي، لكنهما بدلا من التوقف للعلاج ظلتا تنزحان وسط هذه الظروف الصعبة.
وقالت جميلة "في النهاية، هربنا من الموت لنسير نحو نوع مختلف من الموت، أنا لا أستطيع تحمل الحياة بدونهما".
عائلة نعيمة الركواستعرض الكاتب قصة نعيمة الرك (55 عاما) -وهي نازحة أخرى تعيش في خيمة بالمواصي غرب مدينة رفح القريبة من الساحل- التي التقطت أمتعتها مع عائلتها وتوجهت إلى النصيرات بعد أن سمعت عن العملية الوشيكة.
قالت نعيمة إنها أرادت الهروب من أي مكان يوجد فيه الجيش على مقربة منها بعد أن سمعت قصصا لا حصر لها عن جنود يعدمون شبانا بدم بارد أمام عائلاتهم.
قال له الجندي: أريد قتل ابنك دون أي سببوأضافت نعيمة "لقد رأيت بأم عيني عبر وسائل التواصل الاجتماعي أبا يتحدث إلى أحد الصحفيين عن جندي قال له: أريد أن أقتل ابنك دون أي سبب، كان يبكي ويقول: إنهم قتلوا ابنه بدم بارد".
وأوضح الكاتب أن نعيمة أم لـ5 شبان تتراوح أعمارهم بين 17 و25 عاما، وهي تتساءل "لمن سأعيش إذا رحلوا؟ لا أستطيع أن أتحمل الحياة بدونهم".
بعد وصولهم إلى النصيرات ونصب خيمة جديدة تلقوا تحذيرا من الجيش الإسرائيلي لإخلاء المنطقة.
وقالت نعيمة "صدرت أوامر بإخلاء مجمع سكني كامل يضم أكثر من 50 منزلا، وبعد ذلك استمروا في قصف المنطقة طوال الليل حتى اليوم التالي".
سئمت من الحياةوأوضحت نعيمة أن هذا النمط أصبح مألوفا في مخيم النصيرات للاجئين، حيث يأمر الجيش ببناء مجمع سكني لـ"تطهير" المنطقة، ثم يقصف المنطقة حتى تسويتها بالكامل بالأرض، ثم ينتقل بعد ذلك إلى المبنى السكني التالي ويفعل الشيء نفسه مرة أخرى.
وأضافت نعيمة "إنهم يريدون تدمير المخيم بأكمله"، وتنهدت قائلة "لقد سئمت من هذه الحياة ومن محاولة الهروب من الموت عند كل منعطف، طوال حياتي عشت في حروب متواصلة، حرب تلو الأخرى، لكنني لم أواجه شيئا كهذا في حياتي كلها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: إلى النصیرات من الموت فی رفح
إقرأ أيضاً:
الهروب من جهنم.. كتاب جديد يوثّق واقع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال
الكتاب: هروب من جهنمالكاتبان: د. محمد منصور أبو ركبة، د. علاء سمير القطناني
الناشر: صيد الخاطر للنشر والتوزيع ، 2025م
عدد الصفحات: 106 صفحة.
من غياهب السجون الإسرائيلية انطلقت رؤية الهروب من جهنم، فهي سجون لا يمكن أن تشبه بسجن الباستيل، أو سجون غوانتنامو، بل هي أكثر فظاعة وانتهاكاً لحقوق الإنسانية والبشرية على وجه الكرة الأرضية، فلا محاكم دولية أو إقليمية يمكنها اختراق جدران تلك السجون من خلال مؤسسات حقوقية إنسانية دولية أو حتى إسرائيلية، لتكشف ما يجري بحق الأسرى الفلسطينيين والعرب، كونها سجون وضعت لكسر إرادة شعب تحت احتلال ومقاومته أوجبتها الشرائع الدولية، ووجدت مع وجود الاحتلال الإسرائيلي فخلال الفترة ما بين 1948م ـ 1967م أعتقل أكثر من مائة ألف فلسطيني.
منذ عام 1967م اعتقلت إسرائيل نحو مليون فلسطيني، أما اليوم فهناك 13500 أسير فلسطيني، يذوقون ويلات الأسر والقمع من وحدات إسرائيلية خصصت لقمع الأسرى حتى داخل زنزانة السجن، ومع اشتداد وطأة القيد وتزايد الانتهاكات الإسرائيلية ضد الأسرى، أبدعوا في إيجاد السبل لكسر قيود المحتل وعنفه، واختراق جدرانه نحو الحرية فكانت رحلتهم بالهروب ضرب من الخيال، كونه هروب من زنزانة القبور الحية المحاطة بالحراسة المشددة والتفتيش المتواصل، والمراقبة بأدق الكاميرات لأدنى تفاصيل حياة الأسرى، ويعد نجاح 77 أسيراً فلسطينيا من الهروب من سجن شطة عام 1958م، أِشهر عملية اختراق لقبور الصمت، بعد مواجهة دموية مع السجان الإسرائيلي واستشهاد 11 أسيراً وقتل سجانين من جنود الاحتلال، ولن تكون عملية هروب ستة أسرى عام 2021م الأخيرة، من سجن جلبوع بعدما حفروا نفقاً في زنزانة السجن، الذي يعد أكثر السجون الإسرائيلية تحصيناً.
تتناول هذه القصة واقعة هروب خمسة أسرى من سجن النقب ـ أنصار3 عام 1990م، واتيحت الفرصة للكتابين لقاء أربعة من الأسرى ليتم رصد وسرد تفاصيل هذه القصة بأدق تفاصليها، حتى مع تعرضهما للنزوح هربا من الإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في حرب طوفان الأقصى عام 2023م، ليستكملا تفاصيلها التي توقفت خلال عام من الحرب، وخشية فقدان تفاصيلها خاصة مع استشهاد اثنين من الأسرى خلال الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة.
عماد القطناني وأيمن عابد في اللجان الشعبية بمنطقة الفالوجا في جباليا، كان لهم نشاط بارز في منع الناس من التعامل مع البضائع الإسرائيلية، واستخدام المواد الأساسية، وعدم تعامل الناس مع شرطة الاحتلال، والتحريض المستمر ضد الاحتلال والاحتكاك المباشر مع الاحتلال إما بالسلاح الأبيض أو المراوغة من بين المخيمات.
بدأت قصة الهروب من داخل المحكمة العسكرية في السابع من مارس عام 1990م، إذ اجتمعت الحشود على جنبات الطريق وسط مدينة لغزة بانتظار محاكمة جهاز القوى الضاربة بقطاع غزة الذي يضم عماد القطناني، أيمن عابد، رفيق حمدونة، وأنور أبو جبل.لذلك عمل جهاز المخابرات الإسرائيلية على البحث عن أعضاء اللجان الشعبية والقوة الضاربة وقيادات القيادة الوطنية الموحدة، وبدأت عمليات الاعتقال، وبأساليب الاحتلال في تعذيب المعتقلين وإكراههم على الاعترافات، ورغم صمود المعتقلين في وجه السجان، واستخدم قانون تامير، الذي عمل به رئيس وزراء الاحتلال إسحاق شامير عام 1983م، حيث سمح بالإيعاز لحكومته العنصرية بسن وتفريخ قانون تامير القاضي بالحكم على الأسير الفلسطيني دون اعتراف أو بشهادة أحدهم وأيضا دون وصول الأسير أو وجوده في المحكمة أساساً" بقي عماد وأيمن مدة التسعة شهود تحت التحقيقات ما بين (أنصار 2) وسجن من شدة التعذيب والتحقيق وممارسات الاحتلال معه، لتبدأ فكرة الهروب تراودهم من داخل القسم(5) من سجن أنصار، شاركه في الفكرة أحمد أبو طحان وأنور المقوسي من (قسم6 )، ولكن عند عمليات التحضير والتخطيط لعملية الهروب اختلفوا الثلاثة حول من يبادر بالخروج أولاً، لأن الخوف كان متربع بينهم، فالقسم(5، 6 ) خطيران من شدة الحراسات ونقاط المراقبة حولهما، وقسم الأشبال موجود خلف القسمين، فكانت نسبة الفشل في الهروب كبيرة جداً.
بدأت قصة الهروب من داخل المحكمة العسكرية في السابع من مارس عام 1990م، إذ اجتمعت الحشود على جنبات الطريق وسط مدينة لغزة بانتظار محاكمة جهاز القوى الضاربة بقطاع غزة الذي يضم عماد القطناني، أيمن عابد، رفيق حمدونة، وأنور أبو جبل.ص27
الليلة السوداء:
قررت إدارة سجن أنصار نقل عماد، وأيمن، ورفيق لسجن غزة المركزي، غرفة (رقم 10)، وهي المعروفة بغرفة الترحيل، هناك أخذ رفيق يشرح لرفاقه الفرق بين السجن والمعتقل" بين لهم أن السجن أقل سوءاً من المعتقل، وذلك لأن الذين يشرفون على السجون هم الشرطة المدنية، أما الذين يشرفون على المعتقلات هم الشرطة العسكرية التي تعتبر أكثر شراسة وإجراماً من الأولى.. السجون لها نظام محدد يسمح للأهالي بزيارة أبنائهم، أما المعتقلات فلا يسمح للأهالي بالزيارة حتى انقضاء مدة الحكم " ص29؛ إلا أنه تقرر نقلهم إلى سجن النقب الصحراوي، وهذا معناه عقاب اجرامي إضافي لهم بشكل غير مسبوق، وفي طريق اقتيادهم للسجن تمرد الشباب الثائر، وعملوا على نزع عصابات الأعين لتوديع شوارع المدينة، وأهلها لأكثر من عشر سنوات.
مخاض ثوري جديد:
اجتمع الشباب الثلاثة في غرفة( رقم3 ) ليلتقوا في القسم بصديقهم عمر العريني، الذي اعتقل مع رفيق عام 1984م، لتبدأ ملحمة نضالية جديدة لهم داخل السجن باتخاذ خطوة نضالية سريعة تكون ثمرتها إيقاف تصدير المحكومين بمدة عالية إلى معتقل أنصار 3، ومن داخل هذه الغرفة بدأ التفكير الهستيري لكيفية التخلص من هذه المقبرة، وتحدي الجنرال الإسرائيلي تسيمح الذي قتل أسيرين هما أسعد الشوا وبسام السمودي، تلك الجريمة التي أدت لترقية تسيمح الذي تمادى في أساليبه الإجرامية، وتحدى إدارة الصليب الأحمر وقوانينه.
عن سجن أنصار يقول الكاتبين: "سجن أنصار 3 مقسم إلى عدة أقسام بين كل قسم وآخر مسافة واسعة قد تبلغ 40 متراً، فكان لا بد من اللجوء لوسيلة تقليدية وبدائية، لكنها مجدية تتمثل في ربط الرسالة بحجر وقذفها إلى مقربة من أسلاك القسم المطلوب أو وراء الأسلاك الشائكة، ولقد تعارف الشباب على هذه الوسيلة باسم البريد الجوي، أما الشرطة فلقد أطلقت عليه اسم فاكس".
أراد الأسرى كسر العزلة الإعلامية عن معتقل النقب (أنصار 3 )، وفضح الممارسات الصهيونية داخل هذا الباستيل، فجميع مطالبات حملات القوى المحبة للسلام مثل السلام الآن ومطالبة بعض أعضاء الكنيست بالسماح للصحافيين بالتغطية الإعلامية قد باءت بالفشل بحجة أنها منطقة عسكرية واستراتيجية، وفيها مصالح على درجة كبيرة من السرية يمنع الاقتراب أو التصوير فيها. بالإضافة لرفع الروح المعنوية لدى الأسرى؛ لأن تنفيذ عملية الهروب تثبت بأن الانسان الفلسطيني قادر على إذلال العدو حتى وهو في أسره.. (ص37).
يقول عماد:"كنا مؤمنين أنه في حال نجاح العملية فإننا نكون قد فضحنا الممارسات الإجرامية البشعة في مقبرة الأحياء ( النقب- أنصار3 )، وإذا كتب لنا الفشل فنكون قد فزنا بالشهادة إضافة إلى الضجة الإعلامية التي سيحدثها خبر استشهادنا"
اختار المحتل موقع المعتقل بأن يكون في الصحراء لتأديب روح المقاومة لدى الشباب الفلسطيني ما بين:
ـ الجو الصحراوي حيث تكون درجة الحرارة في النهار مرتفعة جداً، وشديدة الانخفاض في الليل.
ـ بُعد المعتقل يساهم في عزل المعتقلين وحجبهم عن العالم الخارجي.
أراد الأسرى كسر العزلة الإعلامية عن معتقل النقب (أنصار 3 )، وفضح الممارسات الصهيونية داخل هذا الباستيل، فجميع مطالبات حملات القوى المحبة للسلام مثل السلام الآن ومطالبة بعض أعضاء الكنيست بالسماح للصحافيين بالتغطية الإعلامية قد باءت بالفشل بحجة أنها منطقة عسكرية واستراتيجية، وفيها مصالح على درجة كبيرة من السرية يمنع الاقتراب أو التصوير فيها. بالإضافة لرفع الروح المعنوية لدى الأسرى؛ لأن تنفيذ عملية الهروب تثبت بأن الانسان الفلسطيني قادر على إذلال العدو حتى وهو في أسره..فهو معتقل مناف للقوانين الدولية والمعاهدات الإنسانية وخاصة معاهدة جنيف الثانية التي وقعت عليها إسرائيل، ولكن ذلك لم يمنع جيش الاحتلال من اتباع أبشع الوسائل والأساليب لتركيع ومعاقبة الفلسطينيين، وارتكاب أبشع الجرائم بحقهم، ويتعرض المعتقلون للضرب المبرح والصلب تحت أشعة الشمس الحارقة لساعات طويلة، ولا تتوافر لهم لوازم النوم من أغطية وفرشات، وحين طلب المعتقلون من إسحاق رابين إغلاق المعتقل أو تحسين ظروفهم أجابهم قائلاً: ما دامت انتفاضتكم مستمرة فإن الصحراء واسعة جداً تتسع للمزيد من المعتقلات، ومع ظروف المعتقل حيث لا أغطية ولا فرشات أصيب أغلب من دخلوا السجن المعتقل بالعديد من الأمراض خاصة الروماتيزم والأمراض الجلدية ومن الأساليب الوحشية القمعية قيام سلطات المعتقل بين الحين والآخر بمصادرة ملابس المعتقلين في هجمات مفاجئة على الأقسام(ص40).
ساعة الصفر:
تم جمع المعلومات الكافية من الأسرى حول الأبراج الأخرى ودراسة إمكانية اكتشاف الشباب في لحظة الصفر أم لا، كما تابعوا نقاط الشرطة العسكرية الثابتة على الأرض، ليتم تحديد نقطة الانطلاقة في الهروب نحو الحدود المصرية، ليتم تحديد المسافة من خلال طلعات طيران سلاح الجو الإسرائيلي من احدى المطارات القريبة، وكذلك من خلال خارطة الأرصاد الجوية التي تنتشر بشكل يومي في الصحف الإسرائيلية التي تم تحديد مكان السجن بدقة تفصيلية.
بدأ العد التنازلي لساعة الصفر يوم 10 مارس 1990م، اجتمع الرفاق الخمسة داخل غرفة الخيمة، وكأنها حفلة وادع للشباب قبيل الهروب، تم ترتيب الخروج من المعتقل لأيمن أولا ثم رفيق وأنور، وأخيرا عمر على التوالي تحدث أيمن عن لحظة هروبه:" غابت كل الدنيا عن عالمي الجنود والأبراج والكشافات وبقي الهدف الوحيد هو اجتياز حواجز الموت الثلاثة المحيطة بالمعتقل كنا مجرد أموات في مقبرة الأحياء، وها نحن نعلن ميلاد القيامة"، وعن تلك اللحظة يضيف عماد " تصارع أيمن مع السلك الأول ونزلت الدماء من يديه، ولم يحس بها، وبالفعل استطاع تجاوز السلك الأول ولمحته وهو خارج السلك وكان علي ان اتبعه وخرجت مسرعاً حتى نساعد بعضنا البعض، ولأشد من عضده"، اقتربت لحظة الحرية للجميع بين السلك الثاني والثالث، لكنهم بين مرمى النيران والعيون والكشافات ودوريات الجيش الراجلة والمحمولة، لتبدأ لحظة الركض المتواصل فلا مجال للهرولة أو المشي...كنا نسابق الريح وكلما نظرنا للخلف أحسسنا أن المعتقل يصغر" .
وصل الجميع في حالة من التعب الشديد إلى صحراء سيناء، فرفح المصرية توجه الخمسة نحو القاهرة إلى مستشفى فلسطين التي نزلها الشباب الفلسطيني؛ ليجدوا الأطباء والممرضين يتحاورن فيما بينهم عن خبر عملية الهروب من سجن أنصار3، ليحضر مسؤول أمن حركة فتح، والأمن المصري، والجميع مندهش من هول ما يسمع ويرى أمامه في حالة من التعجب والذهول ليتم نقلهم إلى كلية الضباط، ومنها إلى التحقيق والتثبت من هويتهم، ومن ثم تم نقلهم لسجن أبو زعبل ص69.
علمت دولة الاحتلال بوجود الأسرى في مصر، فطالبت بتسليمهم فوراً بناءً على اتفاقية كامب ديفيد إلا أن تدخل منظمة التحرير الفلسطينية، ومسارعتها بنقلهم إلى تونس قد حال دون ذلك، ومن ثم استطاع الأسرى الثلاثة الالتحاق بالجامعات الهندية بكلية التجارة وهناك قاموا بدور ريادي في اتحاد الطلبة، يتحدثون عن أوضاع الشعب الفلسطيني، والمعتقلين، ومن ثم عادوا إلى غزة كأعضاء المجلس الوطني، ولكن إسرائيل رفضت دخول عماد كرفض أمني له.
الهروب من السجن فكرة تراود الأسرى منذ لحظة اعتقالهم أو النطق بالحكم، وبعضهم يذكر أن الفكرة لم تغب عن ذهنه لحظة واحدة على الرغم من تدقيق إدارة السجن والتفتيش المستمر الروتيني والمفاجئ الذي يتعرض له الأسرى وغرفهم داخل السجن، لذا قد تبدو مجرد الفكرة خيال أو سراب لكنها كانت للأسرى حلماً وهدفاً لا بد من السعي لتحقيقه والتركيز جيداً في سبيل نيله، فكان حفر الأنفاق في الغرف والحمامات ونشر القضبان الحديدية وإحداث الثغرات وانتزاع الأجساد من بين الأسلاك.. فالأسرى لم يتركوا طريقة إلا درسوها وخاضوها بعزم الأبطال فمن يعيش الموت في معتقلات الاحتلال لن يخيفه الموت على الأسوار.