لجريدة عمان:
2025-01-23@18:19:12 GMT

هل تتعامل أوروبا بجدية مع أمور الدفاع؟

تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT

«كلمات، كلمات، مجرد كلمات»، هكذا قال متنهدا أحد كبار الحاضرين في مؤتمر ميونيخ الأمني، بينما كان ممثلو ثلاث من دول الاتحاد الأوروبي يناقشون التعاون الأمني. وقال آخر مُـعَـلِّـقا على الإشارات المرسلة من بافاريا: «سوف تفهم الصين الرسالة: لا داعي للقلق بشأننا هنا».

خيم مزاج كئيب على كامل تجمع صناع السياسات وخبراء الأمن في نهاية الأسبوع الماضي.

ويبدو أن القادة أربكهم حشد من الأزمات والتحديات العالمية المتزايدة العمق؛ فبدا كثيرون منهم مرهقين ببساطة. من المؤكد أن الأنباء حول خسارة أوكرانيا لمدينة أفدييفكا لم تساعد في تلطيف الأجواء. الواقع أن إمدادات الذخيرة في أوكرانيا تتضاءل، ولا أحد يعرف ما إذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن سيتمكن من تمرير حزمة مساعدات أخرى عبر الكونجرس قبل نهاية فترة ولايته الحالية. لكن خيبة الأمل الأكبر جاءت من احتمال يلوح في الأفق بفوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية، الأمر الذي من شأنه أن يُـضعِـف منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ويزيد من التوترات مع الصين. التوقيت أيضا شديد السوء: فربما تحاول روسيا إرسال أسلحة نووية إلى الفضاء، وقد بلغت ميزانية الدفاع الصينية مستويات غير مسبوقة. على مسرح المؤتمر، كان الحوار يدور في الأغلب حول طمأنة الحلفاء الأوروبيين (كما هي الحال في كل عام). ولكن في الممرات والأروقة، حذر المشاركون الأمريكيون أصدقاءهم حاثين إياهم على البدء في الاستعداد للاعتناء بأنفسهم دون انتظار العون من أحد. من المؤسف أن حكومات أوروبا تثبت عدم قدرتها على الاضطلاع بهذه المهمة ــ وهذا على الرغم من حرب برية ضخمة تدور رحاها على أرض القارة، والتهديد باندلاع حرب إقليمية في الشرق الأوسط، وتزايد هشاشة منطقة غرب البلقان، والحرب الهجين التي تمتد عميقا داخل المجتمعات الأوروبية. قال المستشار الألماني أولاف شولتز: «في غياب الأمن، يصبح كل شيء آخر عديم القيمة». وكم كان مُـصيبا. بدا الوضع أفضل كثيرا قبل عام واحد فقط. فباستلهام الشجاعة من الرئيس فولوديمير زيلينسكي ورفاقه الأوكرانيين، اتحدت الديمقراطيات الغربية لدعم الأوكرانيين مع دخولهم العام الثاني من الحرب الشاملة. فقد انطلقت المساعدات العسكرية والمالية، وأصبحت الشراكة عبر الأطلسي قوية كما كانت لسنوات عديدة. كانت آمال كبيرة معلقة على الهجوم الصيفي المرتقب الذي كان المفترض أن يشنه الجيش الأوكراني بدعم غربي. الآن أصبح المزاج قاتما، وتتضاعف شِـدّة التحديات الاستراتيجية التي تواجهها أوروبا. يتعين على أوروبا أن تعمل على تعزيز أمنها الاقتصادي في مواجهة الصين الأكثر عدوانية، وتحسين العلاقات مع دول أخرى خارج حلف شمال الأطلسي، وبناء دفاعاتها الخاصة. ويحتاج الزعماء الأوروبيون بشكل عاجل إلى خطة لتحقيق هذه الأهداف.

ولكن في حين أتى مسؤولو المفوضية الأوروبية وزعماء دول الاتحاد الأوروبي الأصغر حجما (مثل دول البلطيق) إلى ميونيخ وهم يحملون حِـسّـا قويا بالغرض، فإن كثيرين آخرين كانوا وكأنهم فُـقِـدوا في المعركة. الجدير بالذكر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البولندي المنتخب حديثا دونالد تاسك ظل كل منهم في بيته. كان من الممكن أن يدعوهما شولتز إلى اجتماع ثلاثي في فايمار بين ثلاثة من أكبر المنفقين على الدفاع في الاتحاد الأوروبي ومؤيدي أوكرانيا. وربما كان ذلك ليبث رسالة قوية.

قطعت ألمانيا ذاتها شوطا طويلا. فبالإضافة إلى إنشاء صندوق بقيمة 100 مليار يورو (108 مليارات دولار أمريكي) لتعزيز الامتثال لهدف إنفاق حلف شمال الأطلسي الدفاعي (2% من الناتج المحلي الإجمالي)، تُـعَـد ألمانيا أيضا أكبر مصدر في أوروبا للمساعدات المقدمة لأوكرانيا، وأول دولة ترسل لواء قتاليا دائما إلى ليتوانيا لتعزيز جناح حلف شمال الأطلسي الشرقي. تشكل هذه التحركات أساسا قويا يمكن البناء عليه ــ إذا توفرت قيادة فَـعّـالة. لنفترض أن عددا قليلا من زعماء الاتحاد الأوروبي جاؤوا إلى ميونيخ حاملين رسالة منسقة حول كيفية المضي قدما في أمور التعاون الدفاعي، أو حتى تأييد اقتراح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بإنشاء منصب مفوض لشؤون الدفاع. كان ذلك ليساعد في تغيير نبرة الحديث قبل انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو. وبطبيعة الحال، كان بوسع فون دير لاين ذاتها، باعتبارها الزعيمة التي ستتصدر قائمة حزب الشعب الأوروبي في الانتخابات، أن تضطلع بدور أكبر وأكثر علنية في تحديد أهداف دفاعية أوروبية أكثر قوة. كاد هذا الافتقار العام إلى القيادة والتنسيق يدفن بعض الأخبار الجيدة الحديثة. فقبيل انعقاد مؤتمر ميونيخ مباشرة، وَقَّـعَـت أوكرانيا اتفاقيات دعم جديدة طويلة الأمد مع المملكة المتحدة، وألمانيا، وفرنسا. لكن هذه كانت فرصة أخرى مُـهـدَرة. فَـلِـم لا نقيم عرضا أضخم لأكبر ثلاث دول أوروبية تؤكد من جديد التزاماتها تجاه أوكرانيا؟ ولماذا لا نستغل هذه المناسبة لوضع خطة ملموسة لتلبية حاجة أوكرانيا الماسة إلى الذخيرة ومنع روسيا من شراء المعدات اللازمة لتجهيز قواتها؟ كانت ميونيخ لتصبح المكان الذي وقف فيه الزعماء الأوروبيون ليقولوا: «إذا تراجع آخرون، فسوف نتقدم نحن». لكن ما حدث بدلا من ذلك، هو أن الرسالة التي سمعناها في أغلب الأحيان من الأوروبيين والأمريكيين على حد سواء هي أن «الديمقراطية تستغرق وقتا». ورغم أن هذا صحيح من حيث المبدأ، فإن أوكرانيا ليس لديها الوقت لمثل هذا العجز. ذلك أن الأمن، والحرية، والديمقراطية، وسيادة القانون، والكرامة الإنسانية، كلها أمور أصبحت على المحك في أوكرانيا. وعلى حد تعبير زيلينسكي: «الحكام المستبدون لا يقومون بإجازات». في مجمل الأمر، أهدر الزعماء الأوروبيون فرصة أخرى لتوضيح خططهم لتعزيز ركيزة حلف شمال الأطلسي الأوروبية، وتأسيس قدر أعظم من الردع في القارة، وتثبيت الاستقرار في الجوار، وتطوير صناعة دفاع أوروبية قوية ــ بمعنى الكيفية التي يراعون بها أمنهم.

بيد أن أوروبا تواجه معتديا عاقد العزم وسوف يواصل استفزازاته بكل تأكيد. ولن يدرك بوتن أن مصيره الفشل الأكيد، إلا إذا دعم الغرب أوكرانيا بشكل فَـعّـال. إن الموقف يتطلب اتخاذ تدابير قصيرة الأمد ومشاركة طويلة الأمد ــ وكل هذا يستلزم عقلية قيادية مختلفة. وسوف يتقبل أغلب المواطنين الأوروبيين أي تغيير في النبرة قبل الانتخابات الأوروبية. ففي نهاية المطاف، يُظهِر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوبينيونس مؤخرا أن 87% من المشاركين يؤيدون تعزيز التعاون الأمني والدفاعي. الفرصة التالية أمام الزعماء الأوروبيين لإثبات جديتهم ستكون في قمة حلف شمال الأطلسي في شهر يوليو. إذا لم تستجمع أوروبا قواها دفاعيا، فقد نتذكر عام 2024 باعتباره العام الذي هُـجِـرَت فيه أوكرانيا، وتفكك التحالف عبر الأطلسي، مع كل ما قد يخلفه ذلك من عواقب وخيمة على أوروبا والعالم.

دانييلا شوارزر عضو المجلس التنفيذي لمؤسسة برتلسمان، ومديرة سابقة للمجلس الألماني للعلاقات الخارجية ومديرة تنفيذية سابقة لأوروبا وآسيا الوسطى في مؤسسات المجتمع المفتوح.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی حلف شمال الأطلسی

إقرأ أيضاً:

هل ترسل أوروبا قوات برية إلى أوكرانيا؟

من المعروف على نطاق واسع أن القوات الخاصة الغربية موجودة في أوكرانيا بشكل سري تحت اسم "التواجد الخفي"، لكن حتى الآن، لم يتم نشر قوات غربية بشكل موسع على الأرض. ومع ذلك، قد يتغير هذا الوضع قريباً، كما تشير صحيفة "فايننشال تايمز" في تقرير جديد.

عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أعادت إحياء فكرة طرحها لأول مرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل عام. حينها، تم استبعاد الفكرة باعتبارها غير قابلة للتطبيق وخطيرة للغاية. لكن منذ ذلك الحين، عانت القوات الأوكرانية في ساحات القتال، وتضاءلت فرص انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو".

كما أن ترامب يسعى لفك الارتباط الأمريكي بالأمن الأوروبي، ويدعو إلى وقف إطلاق النار "في أسرع وقت ممكن". من جهة أخرى، أعربت كييف عن استعدادها للتوصل إلى اتفاق شريطة أن تقدم حلفاؤها ضمانات أمنية قوية.
ونتيجة لذلك، استُؤنفت المحادثات حول كيفية مساعدة القوات الغربية، وتحديداً الأوروبية، في دعم وقف إطلاق النار الذي يسعى ترامب للتوسط فيه مع موسكو. وقد صرّح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن أوروبا بحاجة إلى توفير قوة قوامها 200,000 جندي على الأقل إذا كانت جادة في تقديم رادع فعال. هل رقم زيلينسكي واقعي؟

الرقم بعيد تماماً عن الواقع، كما تقول الصحيفة، إذ إن عدد الجنود المطلوب يفوق بكثير عدد القوات التي شاركت في إنزال نورماندي خلال الحرب العالمية الثانية.
ومع ذلك، تعتقد السلطات الأوكرانية أن قوة تتراوح بين 40,000 و50,000 جندي أجنبي تعمل كقوة أمنية على طول الخط الأمامي الذي يمتد لألف كيلومتر يمكن أن تكون خياراً عملياً، وفقاً لأشخاص مطلعين على المناقشات الجارية بين كييف وشركائها الغربيين.

Discussions and reports about readiness for potential “boots on the ground” scenarios ongoing, but in a sea of uncertainty, European players are reluctant to make brave moves alone. https://t.co/0xF30aiG79

— The Kyiv Independent (@KyivIndependent) January 15, 2025

تتواصل المحادثات بين الحلفاء الأوروبيين، ومن المتوقع أن يناقش رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والأمين العام لحلف الناتو مارك روته هذا الموضوع خلال اجتماع "غير رسمي" تستضيفه الاتحاد الأوروبي في الثالث من فبراير (شباط).
حتى الآن، أعربت دول البلطيق فقط عن دعمها للفكرة بشرط أن تكون المهمة مشتركة مع حلفاء آخرين. من جهة أخرى، استبعدت بولندا إرسال قوات، وأكدت أنه يجب ألا تكون الدول الحدودية مع روسيا هي المسؤولة عن نشر القوات في أوكرانيا.
وفي ألمانيا، كان المستشار أولاف شولتز، الذي سيغادر منصبه قريباً، معارضاً بشدة لفكرة إرسال قوات ألمانية إلى أوكرانيا. أما زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس، الذي يُرجح أن يصبح مستشاراً بعد الانتخابات في 23 فبراير (شباط)، فقد أعرب عن دعمه لأوكرانيا لكنه لم يعلن بشكل صريح تأييده لنشر قوات.

ما الهدف من نشر القوات؟

عندما اقترح ماكرون هذه الفكرة لأول مرة في فبراير (شباط) الماضي، كان الهدف أن تتولى القوات الأوروبية أدواراً داعمة، مثل حماية البنية التحتية الحيوية، تدريب القوات الأوكرانية، إصلاح الأسلحة، أو حراسة الحدود مع بيلاروسيا. كان الهدف من ذلك تمكين الجيش الأوكراني البالغ عدده 800,000 جندي من التركيز على العمليات الأمامية، حيث يعمل أقل من نصف هذا العدد حالياً.

لكن إعادة انتخاب ترامب غيرت النقاش. أصبح التركيز الآن على كيفية استخدام القوات الأوروبية كقوة لحفظ السلام مع المساعدة في دعم الجيش الأوكراني. ستتمثل أهداف هذه المهمة في ثلاث نقاط:
· طمأنة أوكرانيا بالدعم الغربي.
· ردع روسيا عن شن هجوم جديد.
· إظهار التزام أوروبا بضمان أمن أوكرانيا.

ما شكل هذه القوة؟

لتجنب استهدافها بسهولة، يجب أن تكون القوة "متينة بما يكفي لتجنب الحاجة إلى تعزيزات فورية"، وفقاً لكاميل غراند، المسؤول السابق في الناتو. وقد تضم هذه القوة حوالي 40,000 جندي، وتتكون من ائتلاف بقيادة بريطانيا وفرنسا وهولندا، مع مساهمات من دول البلطيق والشمال الأوروبي. سيكون دور الناتو محدوداً لتجنب التصعيد مع روسيا، لكنه قد يقدم دعماً استراتيجياً كما حدث في البوسنة والهرسك.

⚡️ Zelenskyy at #WEF25 in Davos: Will Europe have a seat at the table when the war ends?

???? "Europe needs to learn how to fully take care of itself, so that the world can’t afford to ignore it." pic.twitter.com/9pTTLuz9v5

— UNITED24 Media (@United24media) January 21, 2025 هل هناك سوابق لهذا النوع من المهام؟

تجيب الصحيفة، نعم، لكن المهمة لن تكون مثل عمليات حفظ السلام التقليدية التي تقوم بها الأمم المتحدة. فالقوات الأوروبية ستقف بوضوح إلى جانب أوكرانيا، لكنها لن تشارك في القتال على الخطوط الأمامية. ستُشكل ما يُعرف بـ"قوة الاستقرار" أو "قوة الردع".
وأحد النماذج المحتملة هو الوجود العسكري الأمريكي الكبير في كوريا الجنوبية، حيث يقاتل الجنود الكوريون بينما يقدم الأمريكيون الدعم. نموذج آخر هو بعثة KFOR في كوسوفو، التي واجهت خسائر لكنها لم تدخل في حرب مباشرة مع صربيا.

هل ستتحقق الفكرة؟

ربما لا، بحسب "فايننشال تايمز"، يعتمد تنفيذها على التوصل إلى تسوية سلام مع روسيا تضمن سيادة أوكرانيا، واحتفاظها بجيشها ونظامها الديمقراطي. لكن موسكو قد ترفض الاتفاق أو تنتهكه لاحقاً كما حدث في اتفاقيات مينسك.

I had a meeting in Davos with top executives and owners of major companies, Belgian Prime Minister Alexander De Croo, and French Minister for Europe and Foreign Affairs Jean-Noël Barrot.

Our discussion focused on investments in Ukraine, our defense industry, support for our… pic.twitter.com/xd3Q6pSDpm

— Volodymyr Zelenskyy / Володимир Зеленський (@ZelenskyyUa) January 22, 2025

ومع ذلك، قد يكون خطر عدم التحرك أكبر. كما قال كير ستارمر خلال زيارته الأخيرة لكييف: "الأمر لا يتعلق فقط بسيادة أوكرانيا، إذا نجحت روسيا في عدوانها، فسيؤثر ذلك علينا جميعاً لفترة طويلة".

مقالات مشابهة

  • موسكو تحذّر من تدخل الناتو في أوكرانيا
  • هل ترسل أوروبا قوات برية إلى أوكرانيا؟
  • الناتو: بوتين لا يملك حق الاعتراض على عضوية أوكرانيا
  • الأمين العام لحلف شمال الأطلسي: انتصار روسيا سيقوض مصداقية الناتو ويثقل كاهل التحالف بتكاليف ضخمة
  • حلف شمال الأطلسي يؤكد ضرورة تكثيف الدعم لأوكرانيا
  • «الناتو» يدعو إلى تكثيف التعاون مع الاتحاد الأوروبي
  • كالاس: الاتحاد الأوروبي أنفق 134 مليار يورو على أوكرانيا
  • أوربان: أوكرانيا ليست مستعدة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
  • أوربان: أوكرانيا غير جاهزة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
  • الدفاع المدني بغزة ينشر إحصائية بأعداد الجثامين التي انتشلت في القطاع (فيديو)