البوابة نيوز:
2025-01-29@02:48:53 GMT

بدون كافيين.. بعض غد جميل كان ابن حاضر مزعج

تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT

هذا الصباح استطاعت فيروز أن تخطفني من أفكار كثيرة كنت أسيطر عليها بهدوء فنجان قهوة سادة لطيف الوطأة. تأتي عادة بداية اليوم بالكثير من الأفكار حول ما ستفعله طوال اليوم. أنت الآن على وشك أن ترتدي ملابسك وتبدأ محاولتك اليومية لتغيير العالم كما تريد. هذا ما يعنيه فنجان قهوة الصباح. حين تقتحم فيروز هذه العلاقة بينك وبينه بصوتها: "فيه أمل.

إيه فيه أمل.. أوقات بيطلع من ملل.." حينها تبدأ في التفكير أكثر في هذا الأمل الذي يسكن الملل من حولك. 

  تبدأ في التفكير في تيمة هذا الإبداع الذي يولد من رحم المعاناة. ليس بمعنى أن كل إنسان عاش حياة صعبة هو بالضرورة مبدع يقدم إبداعه حين تدفعه لذلك مأساة. إنما أعني معنى أن الحياة العادية تقدم لك كل لحظة أملًا من ملل. ترى هل يوجد ذلك بالفعل؟ وهل مشكلة رؤيتنا له تكمن في أننا لا نجيد الرؤية أم حثًا لأنه يجيد الاختفاء؟ أم هو حق غير موجود والأمل هو مجرد إرادة تتكون في أعماقنا تدفعنا لأن نفعل أفعالًا تغير الحياة؟!

 إن الحياة في واقعها قابلة للتغير في كل شيء وكل وقت. تتجاوب مع العقل البشري بطريقة فريدة تجعله حين تسكنه الشجاعة يبادلها سجالًا بسجال في سعي كل منهما لتغيير الآخر. الحياة تخضعك لقوانينها، فمن قبلك صاغوا قوانين سارت بها حتى اليوم، وأنت تستطيع أن تضع قوانينك لكنك لا تستطيع أن تجعلها قوانين الحياة حتى تجعلها تساير قوانينك وتحقق بها التغيير الذي يسعى له الآخرون.

رأينا ذلك في لحظات مضيئة من الحياة. احتل رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل منصبه في ظروف صعبة تمر بها بلاده. لم تكن كل قراراته قرارات يتفق عليها العالم، لكنه بلا شك قدم نموذج حكم أفضل من ذلك الذي قدمه نظراؤه في أوقات الرخاء. رغم أنه كتب في مذكراته عن لحظات ضعف كادت توقعه إلا أنه حولها بذكاء للحظات قوة، وظل حتى آخر أيام حياته يتألم بسبب التضحيات بأشخاص اضطر للتضحية بهم بسبب ضرورات القرار السياسي الصحيح. كان يمارس الرسم كي ينظم عقله أولًا قبل الشئون التي يحكمها. وحين وضعت صورته على عملة اختاروا من جمله جملة استغرب لاختيارها الكثيرون، إذ عبرت عن الضعف أكثر مما عبرت عن القوة.. ربما أرادوا تقديم إنسان وصل للقمة، والضعف هو الإنسان. الجملة كانت "ليس لدي ما أقدمه سوى الدم والدموع والعرق". فهل جاء الأمل من الملل لتشرشل؟!

 إن الحياة الجميلة التي يركض حولها الجميع أملًا. يجدها الكثيرون حين يفقدون الأمل في البحث عنها. ويترجم ذلك بعض الفلاسفة بأن الرضا هو السعادة. أظن هنا أن الإنسان يملك كل ما يريد لكنه لا يجبد رؤية ما يملك. لذا حين يقرر اختيار الرضا فإنه يفاجأ بما يملك في حركة هادئة. لا تنسى أن القارب يغرق حين يشتد التيار ويسير نحو وجهته حتى لو كانت الأمواج ساكنة إذا استخدمت مجدافًا. أليس هذا هو الرضا؟! عواصف الإحساس المبالغ فيه غير باقية وترفع سقف توقعاتك حين تنتهي. وتصيبك بالإحباط حين لا تعود. فهل يكون هنا الأمل من الملل هو الرضا؟!

كانت أمي ترى دائمًا أن المشاكل ليست مصممة لأحد بعينه، هي موجودة على الدوام لأن وظيفتنا أن نأتي إليها ونقدم الحل. نحن لا نختص بتقديم المشكلة بل بتقديم الحل. كان هذا رأيتها الشخصي وأحسبها من الأشخاص الذين تعاملوا مع الحياة في مستوى أعمق إلى حد كبير. لذا يوجد الأمل في داخلك فلا تعطي الملل حولك أكبر من حجمه في قدرته على القضاء على أمل لا يملك إيجاده أو إفنائه. أنت هذا الذي يتحكم في عجلة القيادة لكن عليك أولًا أن ترى الطريق. وهو ما أحب قوله لطلبتي دائمًا بعبارة: "املأ عقلك الأول وهو هيحرك إيديك ورجليك بعدها ناحية هدفك". الآن سأكمل قهوتي وأسمع فيروز مرة أخرى. 

*أستاذة بقسم الإعلام – آداب المنصورة

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: فيروز رحم المعاناة

إقرأ أيضاً:

من حكايات جميل مطر

يبدو الزمن غير الزمن، والناس غير الناس، لذا كانت الصحافة غير الصحافة.

يسرد لنا الكاتب الكبير جميل مطر فى كتابه الرائع «حكايتى مع الصحافة» الصادر مؤخراً عن الدار المصرية اللبنانية لقطات من أزمنة ولت كانت فيها الصحافة سلطة حقيقية، والكتابة مؤثرة وفاعلة فى المجتمع.

فى التسعين من عمره مازال جميل مطر يكتب ويقرأ ويحلل ويفكر ويؤكد لنا أنه لا تقاعد للكاتب المتميز، ذى الثقافة الواسعة، والاطلاع العميق. فهو دليل على تفرد جيل الكتاب الأوائل الذين تخرجوا من مدرسة الإتقان والإجادة، ومثلوا آخر موجات مثقفى مصر الليبرالية المنفتحة. ورغم مصاحبته الطويلة لمحمد حسنين هيكل، إلا أن إغراءات القرب من السلطة لم تجرفه، فظل مستقلاً تماماً، معتزاً بفكره.

ولهذا لم يكن غريباً وهو أحد الملتحقين المبكرين بالسلك الدبلوماسى بعد ثورة يوليو أن يتخلى عن لطف هذا العمل ورونقه الاجتماعى فى أول خلاف مع رئيسه، ليعمل فى الصحافة وتحديداً فى مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام.

تبدو حكايات الرجل معبرة وبليغة، إذ يحكى لنا مثلاً عن واقعة موحية عاشها فى نهاية الخمسينات عندما كان ملحقاً سياسياً فى سفارة مصر بالهند، وهى تدلل على «فهلوة» كثير ممن يحوزون مناصب مهمة. كان جميل مسئولاً عن إرسال الرسائل المشفرة، وفى يوم أملاه السفير المصرى نص تقرير ذكر فيه أنه قابل مسئولاً هندياً، وأبلغه معلومة مهمة وذكرها، فلفت جميل مطر نظر السفير إلى أن الرجل الذى يشير إلى أنه قابله، سافر خارج البلاد منذ يومين، وأن المعلومة الواردة منشورة فى الصحف. وهنا بهت السفير وشعر بالإحراج، وخرج جميل مطر متصوراً أن السفير لن يرسل التقرير، لكنه فعل ذلك ثم انقلبت الدنيا على الملحق الشاب، وعرف أن السفير بذل كل جهد لإبعاده من الخارجية كلها تحت زعم ضعف كفاءته، ولولا ثقة ومساندة دبلوماسيين آخرين لتم استبعاده تماماً.

على أى حال، استقال جميل مطر بعد ذلك بإرادته، وعمل فى مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية فى عهد هيكل، ومعه التقى كبار الزعماء والملوك العرب، حيث كان المركز يمثل بوتقة أفكار وقراءات مستقبلية عظيمة ساهمت فى خدمة الدولة المصرية فى زمن الحرب والسلم.

ومما يحكيه أن الرئيس معمر القذافى كان يعتبر مركز الأهرام مزاره الأهم فى القاهرة، وكان يأتى كل زيارة للاجتماع برموز المركز والتشاور معهم. وفى يوم تحدث القذافى بسطحية عن تاريخ الخلافة الإسلامية العظيم، وهو ما استفز أحمد بهاء الدين، فتحداه بأسلوب مهذب أن يختار عهداً من عهود الخلافة الإسلامية ينطبق عليه وصف العهد الذهبى، ولم يجب القذافى، فاستعرض له بهاء الدين التاريخ وصولاً إلى العصر العثمانى بمخاصمته للعلوم والفنون. وكثيراً ما صرح لهم القذافى بأنه فقد الثقة فى شعب ليبيا ويود استبداله بشعب آخر!

فى جلسة مع الرئيس التونسى الحبيب بورقيبة، لاحظ تأثره كلما تذكر حياته فى مصر قبل الحكم، لدرجة تغرغر عينيه بالدموع، ليتحدث عن كازينو كان يجلس عليه فى ميدان الأوبرا أمام تمثال إبراهيم باشا الذى فتنه جداً، وعندما تولى الحكم أقام تمثالاً مشابهاً لنفسه ممتطياً جواداً فى أهم ميادين تونس.

عند لقاء صدام حسين لاحظ جميل افتخار الرجل الدائم بقسوته الشديدة، وحكى كيف أخبرهم بأن بعض أحبائه دفعوا أعمارهم ثمناً لأخطاء بسيطة ارتكبوها، فحاكمتهم الثورة بتهمة الخيانة وأعدموا. وحكى كيف كان يتم عمل قرعة لاختيار منفذ الإعدام وأن حاشيته تقديراً له كانوا لا يضعون اسمه فى القرعة لكنه كان يصر على المساواة بالآخرين.

عاش جميل مطر دبلوماسياً ثم كاتباً سياسياً فى الأهرام، ووجهات نظر، والشروق، وعايش أجيالاً من الصحفيين وخلص بعد طول تجوال إلى أن الحقيقة الزائفة والدفاع عنها هى مهمة الصحافة فى النظم غير الديمقراطية.

والله أعلم

 

[email protected]

 

مقالات مشابهة

  • نيمار: تحضير الحقائب أمر مزعج جدًا.. صورة
  • مندوب الجزائر لدى مجلس الأمن: الاحتلال لا يملك حقًا سياديًّا خاصة بالقدس الشرقية
  • دراسة: العزوبية تزيد من سعادة النساء والرجال يعانون من العزلة
  • أفراح السيناوية بسانت كاترين.. وليمة وأغاني بدوية وسمسمية والكل حاضر
  • استشاري صحة نفسية: المقارنات بين الأبناء تقود إلى تدمير الشخصية
  • الأردن: نرفض كل محاولات تهجير الفلسطينيين ولا أحد يملك حق تقرير مصيرهم
  • وفاة المخرج السينمائي محمد شكري جميل
  • ما زال من لا يملك يعطي من لا يستحق.. حزب النور يرد على المقترح الأمريكي لتهجير الفلسطينيين
  • من حكايات جميل مطر
  • دعاء الرضا والقناعة.. اللهم اجعلني شاكرا لأنعمك