التضامن العربى فى يوم الوحدة
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
«اليوم 22 فبراير»، مناسبة توقيع ميثاق الجمهورية العربية المتحدة يوم 22 فبراير 1957 من قبل الرئيسين المصرى جمال عبدالناصر والسورى شكرى الفونلى، واختير عبدالناصر رئيسًا والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة.
غير أن الجمهورية الوليدة سرعان ما عانت خلافات وأزمات لتنهار بعد ذلك عقب انقلاب فى دمشق، قاده عبدالكريم النحلاوى أعلن إثره قيام الجمهورية العربية السورية فى 28 سبتمبر 1961، بينما احتفظت مصر باسم الجمهورية العربية المتحدة حتى عام 1971 عندما سميت باسمها الحالى «جمهورية مصر العربية».
وتأتى الوحدة بين مصر وسوريا ضمن سلسلة محاولات دول عربية للاتحاد فيما بينها، من ضمنها الاتحاد العربى الهاشمى بين العراق والأردن، واتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسوريا وليبيا فى عهد أنور السادات وحافظ الأسد ومعمر القذافى، والجمهورية العربية الإسلامية بين ليبيا وتونس فى عهد معمر القذافى والحبيب بورقيبة، إضافة إلى كثير من المحاولات الأخرى للوحدة، باءت كلها بالفشل نتيجة خلافات وأزمات وانقلابات.
اتسمت الحقبة الناصرية، والتى استمرت نحو عقدين بدءًا من عام 1952 حتى 1970 يتوهج مشاعر القومية العربية، والثورة ضد الاستعمار، وتطبيق مبادئ الاشتراكية، إضافة إلى توجهات وطنية بتأميم الاقتصاد المصرى، وتعزيز القوات المسلحة، وساعد الثقل الذى كانت تمثله مصر فى الوطن العربى، بشريًا وحضاريًا وجغرافيًا، على استقطاب الزعامة الناصرية للجماهير العربية فى النصف الثانى من الخمسينيات، وكانت هناك من جمال عبدالناصر بأن يحشد العرب خلفه ضد القوى الاستعمارية العظمى عبر أحداث «تضامن عربى».
هناك أسباب كثيرة ترددت حول أسباب إلغاء الوحدة، رغم وضع دستور جديد مؤقت للجمهورية الجديدة فى 5 مارس 1958 وإجراء توحيد برلمانى للبلدين عام 1960 فى مجلس الأمة بالقاهرة، وإلغاء الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة فى القاهرة، وجرى اختيار أعضاء مجلس الأمة التشريعى عبر آلية يعيش بموجبها رئيس الجمهورية بصفتهم، والنصف الآخر يختاره عبدالناصر أيضا من بين أعضاء مجلس النواب السابقين فى مصر سوريا.
يذهب محللون سياسيون إلى أن الهيكل السياسى الذى قامت عليه الوحدة، وإلغاء عبدالناصر للأحزاب السياسية، أدى إلى نشوب خلافات بين ساسة دمشق والقاهرة، إضافة إلى البعد الجغرافى حيث لا تمتلك مصر وسوريا حدودًا مشتركة تسهل حركة المواطنين بين البلدين، ووجود الكيان الإسرائيلى الشديد العداء للبلدين.. كل هذه الأسباب وغيرها أدت إلى الانفصال، الذى تبوأ خلاله عبدالكريم النحلاوى السلطة فى دمشق وأنهى الوحدة مع القاهرة.
ما أحوجنا اليوم إلى الوحدة العربية، ليس عن طريق دمج الدول، ولكن بالعلاقات والتعاون المشترك، وياحبذا لو تم إحياء فكرة السوق العربية المشتركة لتقوية الاقتصاد العربى، والدفاع المشترك لمواجهة الأطماع الاستعمارية، نحتاج إلى ذلك لمواجهة الصهيونية التى استفلحت وتحاول التهام الدول العربية عن طريق الانفراد بكل دولة على حدة.
لن ينجو العالم العربى من المخطط الغربى الذى يريد السيطرة على ثرواته وضرب قوته العسكرية إلا بالوحدة والوقوف يدًا واحدة فى مواجهة المخططات التى تغرز أنيابها حاليا فى سوريا وليبيا واليمن والعراق، وفلسطين وتسعى للالتفاف على البقية الباقية.
التضامن العربى وتصفية الخلافات آلية مهمة للنجاة من أنياب الاستعمار الجديد، بعد أن تحول المجتمع الدولى من راعِ للسلام إلى حامٍ للعنف، وغض الطرف عن إبادة الأبرياء وانحيازه للقاتل، وهضم حق القتيل.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: محمود غلاب حكاية وطن مصر وسوريا الجمهوریة العربیة
إقرأ أيضاً:
كأسك يا وطن
لست بخير كالعادة منذ سنوات.. نشرات الأخبار العربية الحزينة باتت بالنسبة لى مكمن المرض اللعين الذى نخر فى أعصابى وتفكيرى.. ولم يعد يفلح فيها مسكنات الأمل وأدوية المستقبل المشرق وحبوب الوحدة العربية.. فلن تكفى أدوية العالم الشحيحة من العدل والرحمة ان تعالج حالات الخذلان المتكرر التى تنتابنى حالياً بشكل يومى.
فى فترة الثمانينيات من القرن الماضى كنت طالبة بجامعة القاهرة وكانت مسرحية «كأسك ياوطن» للكاتب السورى الكبير «محمد الماغوط» تكتسح مسابقات الفرق المسرحية المتنافسة على مستوى الجامعات المصرية، لا أتذكر بالضبط كم مرة شاهدتها أو شاهدت عدد البروفات التى كانت تقام على مسرح كلية تجارة أو مسرح كلية حقوق.. فى كل مرة مع انتهاء العرض لا بد أن تدمع عيناك باللاشعور، حتى أن أحد النقاد قال ممازحاً ما معناه أنَّ الماغوط يقدم لك صحن البصل المقشر طازجاً مع كل سطر تقرأه.
أو كما تحدث الكاتب خضر الماغوط أبن عمه قائلاً: «عندما تقرأ محمد الماغوط تدمعُ عيناك لأنك ستضحك أولا وأنت تقرأ السخرية من الوضع القائم من حولك، ثم سرعان ما ستبكى عندما تكتشف أنك أنت المعنى شخصياً فى كتاباته، أنت الإنسان المهزوم دائماً الذى يتراقص من حولك الأقزام الذين هزموك سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً حضارياً، إلى كلّ مجالات الانهزام».
هل تحررت سوريا حقاً بعد سقوط نظام بشار الأسد ؟ لا أدرى كيف تكون إجابة هذا السؤال وتركيا مسيطرة وروسيا متداخلة وإسرائيل اللعينة نصبت الشرك على الحدود!!
فعلى الرغم من بصيص النور الذى انفتح على سجن «صدنايا» المرعب فخرج على أثره آلاف المسجونين ليروا السماء ولسيستنشقوا الهواء لأول مرة منذ سنوات بعيدة كانوا فيها رهائن قبورهم وزنازينهم تحت الأرض، تجسدت حجم الخسائر الروحية فى تلك الشابة السورية التى دخلت المسلخ البشرى «صدنايا» فى عمر التاسعة عشرة وخرجت وهى فى الثانية والثلاثين من عمرها وفى يدها ثلاثة أطفال لا تعرف من والدهم من كثرة تعرضها للاغتصاب.
أتذكر ما كتبه الشاعر الكبير «محمد الماغوط» فى نص «سياف الزهور»: آه يا وطن الأسلاك الشائكة والحدود المغلقة.
والشوارع المقفرة
والستائر المسدلة
والنوافذ المطفأة
أما من حل وسط بين الكلمة والسيف
بين بلاط الشارع وبلاط السجن
سوى بلاط القبر؟
أيتها الأمة الكذوبة
أين اجدادى الصناديد الكماة
وما الذى يؤخرهم؟
أشارات المرور؟
هل تحررت سوريا حقاً بعد سقوط نظام بشار الأسد؟ يطمئننى التاريخ بحكاياته ويؤكد لنا دوماً ان الطغاة يرحلون وتبقى الشعوب تقاوم الظلم والقهر وتنتصر فى النهاية، فهناك فى ريف دمشق وحماة واللاذقية وحمص وحلب أغنية للحرية بين الدروب وعلى شرفات المنازل المزينة بزهور الياسمين، أو كما يصدر الشاعر السورى الكبير «نزار قبانى» القدرة على الصمود فى قصيدته الشهيرة «آخر عصفور يخرج من غرناطة»:
أعجوبةٌ أن يكتب الشعراء فى هذا الزمان.
أعجوبةٌ أن القصيدة لا تزال
تمر من بين الحرائق والدخان
تنط من فوق الحواجز، والمخافر، والهزائم،
كالحصان
أعجوبةٌ.. أن الكتابة لا تزال..
برغم شمشمة الكلاب..
ورغم أقبية المباحث،
مصدراً للعنفوان...