كيف يُشكّل الاقتصاد الرقمى نماذج جديدة للتعاون والتبادل؟
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
فى عصر تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجى والرقمى، تبرز نماذج اقتصادية جديدة تتجاوز الأساليب التقليدية فى الإنتاج والاستهلاك، ويعد «اقتصاد المشاركة» أحد أبرز هذه النماذج. يعتمد هذا النموذج على التكنولوجيا لتوسيع نطاق ممارسات التعاون والتبادل، ويشكل تحولًا جذريًا فى كيفية تفاعل الأفراد والمجتمعات والشركات مع الموارد والخدمات.
أساسيات اقتصاد المشاركة والعوامل المحركة
اقتصاد المشاركة يقوم على مبدأ بسيط ولكنه ثوري؛ وهى أن فكرة الوصول إلى السلع والخدمات قد يكون أهم من امتلاكها. فمن خلال المنصات الرقمية، يُمكّن هذا النموذج من إعادة توزيع الأصول غير المستغلة بكفاءة، ويعزز الاستخدام الأمثل للموارد ويقلل من البصمة البيئية. المنصات مثل (Uber) و(Lyft) و(Airbnb) لم تغير فقط القطاعات التى تعمل فيها، بل أثرت أيضًا على النماذج الاقتصادية العالمية، وهو ما يدل على القوة التحويلية لاقتصاد المشاركة.
وفقًا لأحدث الدراسات، يُتوقع أن ينمو اقتصاد المشاركة بشكل كبير على مدى العقد المقبل، مع توقعات بأن يصل حجمه العالمى إلى أكثر من 500 مليار دولار بحلول عام 2025، وهو ما يعكس أيضًا ارتفاع الطلب على النماذج التعاونية والقبول الواسع لهذا النموذج فى الاقتصاد العالمى.
ثم أن تأثير اقتصاد المشاركة يتجاوز المستهلكين الأفراد، ويمتد إلى الشركات والمؤسسات، فمن خلال اعتماد نماذج الموارد المشتركة، أصبح من الممكن للشركات مشاركة الموارد والبنية التحتية ورفع الكفاءة التشغيلية، وخفض التكاليف، وتقديم الخدمات المبتكرة. هذا النهج التعاونى الناشئ أصبح يدفع حدود الأعمال التقليدية للشركات وتوسيع قاعدة عروضها وفرص الدخول إلى أسواق جديدة.
الأثر الاقتصادى والاجتماعى والبيئي
يَعِد اقتصاد المشاركة بتحقيق التوازن بين الاقتصاد والاجتماع والبيئة، حيث يعمل على ترسيخ مبادئ المساواة وتوزيع الموارد الوطنية بشكل أكثر عدالة، ويتوسع فى تحسين ممارسات الوصول إلى الموارد والخدمات، مقللًا الحاجة إلى الاستهلاك الفردى المفرط والاستثمار فى الأصول الثابتة، ما يعزز بدوره الكفاءة الاقتصادية وتقليل الهدر، كما أنه وبميزة توفير فرص لإعادة استخدام الأصول غير المستغلة، يسهم فى تعزيز الاستدامة البيئية ويدعم الممارسات الخضراء. من الناحية الاجتماعية، يساهم اقتصاد المشاركة فى تعميق الروابط الاجتماعية من خلال تشجيع التفاعلات بين الأفراد وشرائح المجتمع، ويوفر فرصا اقتصادية لإنشاء مصادر دخل بديلة ومرنة.
اقتصاد المشاركة يُمثل تحولًا هامًا فى الطريقة التى نفكر بها حول الاقتصاد وكيفية تبادل الموارد والخدمات، بدلًا من التركيز على الملكية الفردية والاستهلاك الزائد، ويعتمد على مفهوم المشاركة والتعاون والتضامن بين الأفراد والمجتمعات لتحقيق الفوائد المشتركة.
دور الحكومات والسياسات العامة
لكى يتمكن اقتصاد المشاركة من تحقيق كامل إمكاناته، فإن الأطر والسياسات التنظيمية الداعمة تبقى من الضروريات، وينبغى للحكومات أن تعمل على بناء بيئات مُشجعة للابتكار مع حماية حقوق المشاركين والمستهلكين وضمان المنافسة العادلة. ولا بد أن يلعب صناع السياسات دوره فى تجاوز العقبات التنظيمية، خاصة المخاوف المرتبطة بالأمن الوظيفى، والحاجة إلى الشمول الرقمى. تتطلب معالجة هذه القضايا جهود تعاونية بين أصحاب المصلحة لضمان أن الاقتصاد التشاركى يفيد جميع شرائح المجتمع بدون اقصاء ويصب فى مصلحة نمو الاقتصاد الوطنى.
ما لا بد من الوعى به، هو أن اقتصاد المشاركة هو أكثر من مجرد نموذج اقتصادى جديد؛ فهو وسيلة معززة للقدرات الاقتصادية التنافسية، وتتمثل المهمة المنتظرة لصناع السياسات فى صياغة السياسات التى تغذى هذا النموذج الاقتصادى الجديد مع معالجة تحدياته، وضمان توسيع تأثيره الإيجابى على مستوى الاقتصاد الوطنى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: اقتصاد المشاركة هذا النموذج
إقرأ أيضاً:
فن إدارة التغيير: النموذج السوري (2)
المقدمة:تحدثنا في الجزء الأول عن مفهوم العملية التغييرية المجتمعية ومدى تعقيدها والحاجة الماسة إلى فريق مؤهل في إدارة التغيير لإدارة هذه المرحلة، مع العلم أن الأبحاث تثبت أن أكثر من 70 في المئة من عمليات إدارة التغيير تبوء بالفشل. ولقد تعرفنا في الجزء الأول على عدد من الآليات الرئيسية التي قد تزيد من فرص نجاح عملية التغيير في سوريا الحبيبة وفي كل بلد حر يسعي للتغيير أو يعاني من عملية تغيير فاشلة يسعي لإصلاحها، ونستكمل الجزء الثاني منها في مقال اليوم.
رابعا: الحفاظ على الحاضنة الشعبية وتقويتها:
يعتبر الحفاظ على حجم الحاضنة الشعبية وزيادتها من أكثر الأهداف حساسية في إدارة أي تغيير مجتمعي، خاصة أن تلك الحاضنة تكون الهدف الرئيسي للقوي المعادية للتغيير والقوى المقاومة له، ويجب تجييش كل الأدوات من أجل إعلاء مفهوم ورؤية الثورة وتجنب الوقوع في فخاخ قوي الماضي أو في أحد ثلاثة مصائد كما يلي:
يعتبر الحفاظ على حجم الحاضنة الشعبية وزيادتها من أكثر الأهداف حساسية في إدارة أي تغيير مجتمعي، خاصة أن تلك الحاضنة تكون الهدف الرئيسي للقوي المعادية للتغيير والقوى المقاومة له، ويجب تجييش كل الأدوات من أجل إعلاء مفهوم ورؤية الثورة وتجنب الوقوع في فخاخ قوي الماضي
أولا: أن تقوم مجموعة معينة بتكوين مجلس رئاسي لإدارة البلاد ويقومون بعقد الاجتماعات المغلقة، ورغم كونهم يحملون رؤية تغييرية ثاقبة يبدأ التواصل مع الحاضنة الشعبية في الخمول وهذا خطير جدا على العملية التغييرية، ولهذا يجب أن يكون التواصل مع الشارع دائما ومتصلا باستخدام كل الأدوات والقنوات المتاحة.
ثانيا: أن يمضي قائد العملية التغييرية (رئيس الحكومة) وقتا كبيرا في إلقاء الخطب وعمل اللقاءات، مع عدم التأكد من كون اللغة المستخدمة مفهومه من الجميع، خاصة طبقات الشعب المختلفة، وأن أسئلة الشارع يتم إجاباتها أولا بأول.
ثالثا: ترك المجال مفتوح لقوي الماضي أو ما يعرف بالدولة العميقة للتأثير على الحاضنة الشعبية، وعدم التقليل من قدرات قوى الماضي وعدم السماح لهم بالتواجد مطلقا على الساحة السياسية أو الإعلامية، لأن هذا يخلق حالة من البلبلة تشكك الشعب في قيادته الثورية وتهدد عملية التغيير.
خامسا: القيام بإزالة كل المعوقات والتعامل الصارم مع قوي الماضي:
لا بد من العلم بأن الثورات مثلها مثل أي عملية تغييرية تنجح مع زيادة المؤيدين لها، وهنا يجب الإبداع في عمليات ضم مؤيدين جدد والبدء بمن هم على الحياد (حزب الكنبة)، فلا بد من استحداث آليات لضم الغالبية العظمي لحزب الثورة.
ويجب أن تعلم القيادة الثورية بأن كل قرار تتخذه سوف يلعب دورا هاما في تحديد ملامح المرحلة والتصدي لكل المعوقات، ولهذا فيجب أن تكون هناك صلاحيات كبيرة لمجلس قيادة الثورة والحكومة الثورية للقيام بذلك.
ويجب العلم بأن استراتيجيات المعركة بين الحق (الثورة) والباطل (قوى الماضي ومن يعينهم) تتطلب تقليم أظافر عدوك إذا ما تمكنت، ولهذا فإن من أهم آليات صناعة عملية تغييرية ناجحة هي مصادرة أدوات (أموال) وممتلكات كل من كان جزءا من نظام بشار الأسد، وأن لا يسمح لهذه القوى بامتلاك قنوات إعلامية تبث من داخل البلاد وسحب التراخيص منهم، وأن يتم ذلك من خلال محاكمات سريعة تخضع لقوانين طارئة وتمثل روح الثورة ويد العدالة الثورية.
سادسا: التخطيط الهيكلي لتحقيق إنجازات محددة على المدى القصير:
الإنجازات قصيرة المدي هي عامل رئيسي في إنجاح عملية التغيير، خاصة عندما يكتشف الناس بعد فترة قصيرة أن التغيير المجتمعي يحتاج إلى وقت طويل وإلى مصادر للتمويل وتتدخل فيه أبعاد سياسية كثيرة، فلا بد للقيادة الثورية أن تكون مستعدة ومؤهلة لهذه المرحلة
عمليات التغيير المجتمعية والتحول من الدولة الديكتاتورية إلى الديمقراطية هي عملية معقدة ولها مراحل متعددة، وتستلزم مجهودات خارقة على كل المستويات، المشكلة أن القاعدة التغييرية تؤكد أن معظم الناس سيبدأ الميل إلى الانضمام للطرف المحايد إذا لم يرَ إنجازات واضحة في خلال 6 إلى 12 شهر الأولي، وهي الفرصة التي تنتظرها دائما قوى الدولة العميقة للانقلاب على الثورة.
وهنا يأتي دور ما يعرف بمراكز الجذب التغييري، والتي تتحكم في أداء الحكومة في المجالات المختلفة مثل التعليم والصحة والاقتصاد والحريات ومعدلات النمو وغيرها كثير ليس هذا مكانها، ولكن هناك آليات لتحديدها وقياس مدى تأثيرها على عملية التغيير لكي يتم تحديدها وتوظيفها.
ولكننا يجب أن نعي أن هناك فرقا كبيرا بين صناعة الإنجازات قصيرة المدى، وبين العمل بجد وأمانة واجتهاد والانتظار لكي تحدث الإنجازات، فالأول إيجابي والثاني سلبي، فالأول يتطلب تخطيطا محكما بأهداف واضحة وآليات تنفيذ تضمن حدوثه في توقيتات محددة على المدى القصير كما تحتاج إلى ظهير شعبي يؤيدها وإعلام محترف يروج لها وقوة تحميها، واتفق الدارسون على أن تلك الفترة لا يجب أن تزيد عن 6 أشهر.
إن الإنجازات قصيرة المدي هي عامل رئيسي في إنجاح عملية التغيير، خاصة عندما يكتشف الناس بعد فترة قصيرة أن التغيير المجتمعي يحتاج إلى وقت طويل وإلى مصادر للتمويل وتتدخل فيه أبعاد سياسية كثيرة، فلا بد للقيادة الثورية أن تكون مستعدة ومؤهلة لهذه المرحلة وشبيهاتها حتى تحط السفينة على شاطئ مستقبل آمن ودولة مزدهرة مستبشرة.
يتبع..