ماذا يحدث للجسم عندما تتوقف عن ممارسة الرياضة؟
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
يحتاج الناس عادة إلى دافع كبير ليبدؤوا في ممارسة الرياضة، ولدافع أكبر ليستمروا في ممارستها وسط جدول يوم مزدحم بالمهام. تبدو دقائق التمارين شاقة أحيانا، ويميل الناس إلى إهمالها مع ضغوط العمل. وفي الغالب، ينجح الناس في الانتظام على ممارسة الرياضة لفترة ما، ثم سرعان ما يتوقفون.
ومن باب التشجيع على ممارسة الرياضة، نستعرض فيما يلي ما يحدث للجسم إذا اتخذت قرارا بالتوقف عنها.
يكتسب الإنسان اللياقة بشكل عام، حين يحسن قدرات القلب والأوعية الدموية، ويزيد قوة العضلات، وقد يتحقق ذلك بزيادة الجهد بشكل أكبر مما اعتاد عليه الجسم.
ومهما كان مدى لياقتك البدنية، فإن التوقف عن ممارسة التمارين لفترة طويلة يعني فقدان اللياقة، لكن مدى سرعة ذلك يتوقف على ظروفك الشخصية ونوع اللياقة البدنية الذي اكتسبته.
حين تمارس الرياضة بانتظام، يتكيف الجسم على تلك الدفعات من التستوستيرون والأدرينالين والإندورفين، ويتدفق الأكسجين إلى الأنسجة، وهذا هو التأثير الأول الذي تفقده بالتوقف عن ممارسة التمارين، قدرة القلب والأوعية الدموية على التحمل، إذ ينخفض حجم بلازما الدم في الجسم، مما يؤدي إلى سلسلة من التغيرات الأخرى في القلب والأوعية الدموية.
يمتلك العداؤون والسباحون ما يسمى باللياقة الهوائية، التي تكتسب من خلال التدريب المستمر للقلب والأوعية الدموية، وهذا النوع من اللياقة يبدأ في الانخفاض بشكل ملحوظ بعد نحو أسبوعين من التوقف، بعد بضعة أشهر يمكن أن يفقدوا لياقتهم بالكامل.
لدى عداء ماراثون مثلا، فإن اللياقة القلبية التنفسية -التي تتمثل في معدل النبض والسعة الحيوية للرئتين- تنخفض بنسبة 10% في الأسابيع الأربعة الأولى من توقفه عن التمرين، ويستمر معدل الانخفاض وإن كان بمعدل أبطأ في الأسابيع التالية.
ولكن هذا المعدل يختلف عن الشخص العادي الذي ينخفض لديه الحد الأقصى لاستهلاك الأكسجين "في 02 ماكس" (V02 max) بشكل حاد، وتتراجع إلى مستويات ما قبل التدريب في أقل من 8 أسابيع، بعد نحو 12 يوما فقط تنخفض كمية الدم التي يضخها القلب كل دقيقة، ويمكن عندها ملاحظة تغيرات طفيفة مثل معدل ضربات أسرع وتنفس أصعب، ويبذل الجسم جهدا أكبر في ضخ الدم والأكسجين، وتصبح ممارسة التمارين أكثر إرهاقا.
ويرجع سبب انخفاض قيمة الحد الأقصى لاستهلاك الأكسجين إلى انخفاض حجم الدم والبلازما بسبب قلة الضغط على القلب والعضلات، ويؤدي إلى ضخ كمية أقل من الدم حول الجسم مع كل نبضة قلب، لكن الخبر الجيد أن هذه المستويات تنخفض فقط إلى النقطة التي بدأنا منها، مما يعني أن حالتنا لا تسوء.
وتنخفض لياقة القلب والأوعية الدموية أيضا عند ممارسة التمارين الخفيفة، لدى هؤلاء الذين اعتادوا ممارسة تمارين أشد، ويبدأ انخفاضها بعد نحو 5 أسابيع، مما يعني إمكانية ملاحظة الفرق بمجرد اختلاف شدة التمارين، وليس فقط التوقف عنها. يتوقف الأمر على قدرات كل فرد أيضا، علينا أن نضع في الاعتبار هنا أنه ما لم يتعلق الأمر بإصابة، فإن التوقف عن ممارسة التمارين الرياضية لا يعني التوقف تماما عن أي نشاط.
أما عن قوة العضلات، فربما لن تتمكن من ملاحظة فارق كبير في الأسابيع الثلاثة الأولى، ستكون قادرا على حمل البقالة والأوزان الثقيلة كما اعتدت. لكن بعد 8 أسابيع، سيتناقص الحد الأقصى للأوزان التي كان بوسعك رفعها، ويقل عدد التكرارات التي اعتدت عليها. وإذا قررت العودة لممارسة التمارين، فستكون أكثر عرضة للإصابة بألم العضلات بعد يوم أو يومين من التمرين.
ويعتمد معدل الخسارة في قوة العضلات على العمر والنظام الغذائي وجودة النوم وحالتك الصحية، إذ يمكن للتغذية الجيدة -خاصة الغنية بالبروتين- والحفاظ على معدل من الحركة يوميا أن يجعل معدل التغيير أبطأ. لكن ما يحدث عند طول التوقف، هو فقدان تدريجي للمظهر الجمالي للعضلات، بسبب فقدان الغليكوجين داخلها، وتبدأ العضلات في التقلص مع احتمال زيادة الدهون.
وبعد 12 أسبوعا، ينخفض إلى حد كبير مقدار الوزن الذي يمكننا حمله، وتنخفض ألياف العضلات التي تستخدم أثناء القيام بالأنشطة المختلفة نتيجة عدم الضغط عليها، وتصبح العضلات "كسولة"، يحدث التراجع بمعدل أكبر كلما تقدمنا في العمر، لكن تبقى لدى الرياضيين ميزة مهمة، إنهم يفقدون مكتسباتهم من اللياقة بمعدل أقل.
كم تستغرق استعادة اللياقة؟بشكل عام، فإن مستويات اللياقة لدى معظم ممارسي الرياضة السابقين تبقى أعلى من هؤلاء الذين لم يمارسوها طوال حياتهم، وتظل فرصتهم أكبر في استعادة اللياقة، فحتى خلال فترات الراحة يحتفظ الجسم بـ"ذاكرة عضلية" تساعده على استعادة لياقته بعد شهور من التوقف، أسرع من البدء بممارسة الرياضة لأول مرة.
يرتبط اكتسابنا للياقة البدنية بعوامل مثل العمر، والوراثة، والنظام الغذائي، ونوع العمل، ونمط الحياة، وبشكل عام تكفي 6 جلسات من التدريب لزيادة الحد الأقصى لامتصاص الأكسجين وتحسين قدرة الجسم على استخدام السكر المخزن في الخلايا للحصول على الطاقة أثناء ممارسة الرياضة، كما يمكن خلال أسبوعين أن تظهر آثار التمارين في قوة العضلات -وإن كان تغيير حجم العضلات سيستغرق نحو 8 أسابيع (أو 12 أسبوعا) ليمكن ملاحظته.
النهج البطيء والثابت في البدء من جديد باستعادة اللياقة البدنية قرار مثالي، مهما كانت الفترة التي انقطعت فيها عن ممارسة الرياضة، التمارين الأكثر كثافة خيار آخر، لكن ما تكتسبه بسهولة عرضة لأن تفقده بالسهولة ذاتها.
ويبقى القول إن الراحة في الرياضة فترة مهمة، تساعدنا على التعافي جسديا وعقليا وتمنحنا مكاسب أكبر على المدى الطويل في مستويات اللياقة، وتساعد الرياضيين على تجنب الإرهاق والإصابة التي تحدث بسبب زيادة الضغط على العضلات.
الفيصل هنا أن تكون فترة راحة مناسبة لا أن يطول التوقف، إذا ما اضطررت لذلك ينصحك الخبراء بالمحافظة على الحركة خلال ممارسة الأنشطة اليومية، بدقائق من التمارين القصيرة عالية الكثافة أو حتى بصعود الدرج، القيام بأي شيء هنا أفضل من لا شيء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: القلب والأوعیة الدمویة ممارسة الریاضة الحد الأقصى
إقرأ أيضاً:
البيت الفلسطيني.. ماذا يحدث بين حماس وفتح؟
يُعد الوضع السياسي الفلسطيني في الوقت الراهن أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، إذ يواصل الانقسام بين حركتي "حماس" و"فتح" التفاقم، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي دخلت شهرها الثامن عشر. فقد أودت الحرب بحياة أكثر من 50 ألف فلسطيني، وأدت إلى إصابة أكثر من 113 ألف آخرين. وتستمر الحركتان في تبادل الاتهامات والتصريحات الحادة، مما يعمق الانقسام، ويؤثر على وحدة "البيت الفلسطيني".
تستمر الحركتان في تبادل الاتهامات والتصريحات الحادة، مما يعمق الانقسام، ويؤثر على وحدة "البيت الفلسطيني".جذور وأسباب الانقسامالتوتر بين حركتي "حماس" و"فتح" ليس جديدًا، بل هو نتاج تاريخ طويل من الاختلافات السياسية والإيديولوجية. وقد أرجع منير الجاغوب، رئيس المكتب الإعلامي لحركة فتح، السبب الأساسي للانقسام إلى "فكر حركة حماس الذي نشأ بهدف مناكفة منظمة التحرير الفلسطينية"، مؤكدًا أن هذا الفكر "مبني على الاختلاف في البرامج". وأشار الجاغوب إلى أن حماس قد رفضت السلام مع إسرائيل منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، بينما سعت باقي الفصائل الفلسطينية إلى السلام.
من ناحية أخرى، ترى حماس أن حركة فتح "تستمر في تجاهل تطلعات الشعب الفلسطيني"، معتبرة أن الضغط الخارجي، وخاصة من الولايات المتحدة، هو من يقف وراء عرقلة أي اتفاق بين الحركتين.
هل نحن أقرب إلى الوحدة أم إلى الخلاف؟ووفقًا للجاغوب، فإن الفجوة بين حماس وفتح تتسع، مشيرًا إلى أن العالم بأسره يدعو لعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، لكن حماس وإسرائيل ترفضان هذا الحل، مما يعمق الهوة بين الطرفين. ويؤكد الجاغوب أن هجوم السابع من أكتوبر 2023 قد دمر الوضع الفلسطيني، ونقل المواجهة إلى الضفة الغربية.
من جانبها، أكدت حماس أنها تسعى لترتيب البيت الفلسطيني، مشيرة إلى ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل جميع الفصائل، وهو ما يقابل بتشكيك من قبل رئيس منتدى العلاقات الدولية شرحبيل الغريب، الذي يرى أن الوحدة الفلسطينية غير واردة في الوقت الحالي.
كيف تؤثر الوحدة الفلسطينية على الصراع مع إسرائيل؟يرى شرحبيل الغريب أن وجود استراتيجية فلسطينية موحدة كان من شأنه أن يغير المعادلة السياسية والحقوقية، ويمنح الموقف الفلسطيني قوة أكبر في مواجهة إسرائيل. وفي هذه المرحلة الحرجة، يصبح من المهم جدًا أن يتوحد الفلسطينيون في مواجهة محاولات تصفية قضيتهم.
نشأة الحركتين: حماس وفتحتأسست حركة فتح في أواخر خمسينيات القرن الماضي، وركزت على النضال المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، بينما ظهرت حركة حماس في عام 1987 بالتزامن مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى. وعلى الرغم من أن حماس لم تكن منضوية في منظمة التحرير الفلسطينية، إلا أنها كانت تسعى دائمًا إلى تمثيل الفلسطينيين، معلنةً أن مرجعيتها في العمل السياسي هي الإسلام.
الاختلافات الإيديولوجيةبينما تعتمد حركة حماس على فكر المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، تعتبر حركة فتح أن الحل السياسي هو السبيل لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ففي الوقت الذي تقر حركة فتح بمشروع السلام مع إسرائيل، ترفض حماس التنازل عن "فلسطين التاريخية"، متمسكة بحقها في المقاومة بكل أشكالها.
التنافس على تمثيل الشعب الفلسطينيمنذ تأسيسها، حملت حركة فتح شعار "التحرير الوطني"، في حين اعتمدت حماس على المقاومة المسلحة، مما أدى إلى توتر كبير بين الحركتين. في عام 1993، بعد توقيع اتفاق أوسلو، بدأت الخلافات تتسارع، حيث رفضت حماس الاتفاق واعتبرت أنه يقدم تنازلات غير مقبولة. ومع تصاعد التوتر بين الطرفين، شهدت غزة اشتباكات بين أنصار الحركتين في عام 1994.
وفي عام 2006، فازت حماس بالأغلبية في الانتخابات التشريعية، مما دفع فتح إلى رفض الانضمام للحكومة الجديدة، وهو ما أدى إلى تصاعد العنف بين الحركتين. وفي 2007، سيطرت حماس على غزة، بينما استمرت فتح في السيطرة على الضفة الغربية، مما أدى إلى حدوث انقسام سياسي عميق.
محاولات المصالحةحاولت العديد من الأطراف العربية والدولية التوسط بين الحركتين لإنهاء الانقسام، لكن محاولات المصالحة باءت بالفشل. ففي عام 2011، وقع اتفاق في القاهرة بين الحركتين لتشكيل حكومة وحدة وطنية، ولكن لم يتم تنفيذ هذا الاتفاق. وفي عام 2014، تم تشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة رامي الحمد الله، لكن الاتفاقات كانت عرضة للفشل بسبب الاتهامات المتبادلة.
في عام 2017، تم توقيع اتفاق آخر بين الحركتين، ولكنه انهار مجددًا بسبب توترات أمنية بين السلطة الفلسطينية وحماس في قطاع غزة. كما استمرت الاتهامات المتبادلة بشأن الانتهاكات الأمنية والتنسيق مع إسرائيل.
الواقع الحالي والتحدياتفي الوقت الراهن، يبقى التوتر بين حماس وفتح على أشده، خاصة بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، حيث اتهمت حركة فتح حماس بمسؤوليتها عن تفاقم الوضع، فيما ردت حماس بتوجيه اللوم إلى السلطة الفلسطينية على مواقفها.
وفي يوليو 2024، تم الإعلان عن وثيقة جديدة تهدف إلى تحقيق وحدة وطنية شاملة، والمعروفة باتفاق "بكين"، لكن جددت المواجهات بين الطرفين، بما في ذلك العمليات الأمنية في مخيم جنين، التي كانت لها تأثيرات كبيرة على محاولات المصالحة.
الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس ما يزال يُعيق تحقيق الوحدة الوطنية، وهو أمر يعقد من قدرة الفلسطينيين على مواجهة التحديات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي. في الوقت نفسه، يبقى السؤال مفتوحًا حول كيفية التوصل إلى حلول فعلية لهذه القضية التي تستمر في التسبب في معاناة كبيرة للشعب الفلسطيني.