بداية التصدع : الصدمة (3-3)
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
(1)
قضيتان تمثلان تحولا مهما فى المشهد وواقع المليشيا ، فى الأيام القادمة وقد بدت ملامحهما الآن وهما الموقف الدولى بما فيه القضايا السياسية و الجنائية ، وقصية المال والتمويل ، فالحرب ذات كلفة باهظة ، ومهما كانت مواقف بعض الدول والمنظمات داعمة ، فإن الذين خططوا لحرب خاطفة مع موارد فى البنوك واحتياط ، يواجهون مأزقا صعبا بعد 10 شهور ، وعصب دافعيتهم المال.
و قريبا ، ستعلن محكمة الجنايات الدولية قائمة من 35 مطلوبا للمحاكمة من قيادات المليشيا ومن بينهم عبدالرحيم دقلو وعبدالرحمن جمعة وصالح الفوتي.. وآخرين
التقارير التى بثتها بعض القنوات الفضائية وكبريات الصحف العالمية تتحدث عن (جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي فى دارفور) ، هذا جزء من المشهد..
والمشهد الثانى ، إعادة النظر فى المواقف الداعمة للمليشيا ، بعد حملة من التضليل قادتها قوى سياسية ، بمساهمة من اطراف دولية ابرزهم فولكر ، والايقاد والرباعية ، والان أنحسر ذلك الزخم ، غادر فولكر البلاد وتم ابعاد اليونتاميس وجمد السودان علاقاته بالإيقاد ، ولم تعد للسفراء فى الرباعية أو الترويكا أى فاعلية أو تأثير فى المشهد ، سوى منبر جدة ، وهو منبر للتفاوض حول الشأن الإنساني ، كما أن مسار سعى مبعوث الأمم المتحدة رمطان العمامرة أكثر عقلانية وواقعية..
و الاهم – أيضا- أن تحولات الميدان اسقطت إفتراضات خاطئة عن (إنتصار خاطف للمليشيا) ، لقد أشار كاميرون هدسون الخبير الأمريكي لذلك ، ووصف المليشيا بأنها (ظاهرة قصيرة النفس)..
وبالمقابل توسعت علاقات السودان مع دول أكثر تأثيرا و مردودا على المصالح السودان ومطلوبات المرحلة..
(2)
زاد الإنفاق العسكري العالمى بنسبة 9.9% فى العام 2023م ، وبلغ 2.2 تريليون دولار ، ويتوقع أن تتصاعد هذه النسبة فى العام 2024م ، لإستمرار قضية اوكرانيا وحرب غزة ومناطق توتر اخري فى العالم ، والسودان من بين تلك المناطق ، فكيف تواجه المليشيا تكلفة الحرب ؟
* لم تعد الحرب خاطفة واستمرت 10 أشهر ، واهلكت اغلب آليات وعتاد المليشيا المتهورة (10 ألف سيارة و 2500 مدرعة) ، واستنفدت كل المدخرات فى جلب المرتزقة ، وسلبت كل ممتلكات المواطنين وتم تهريبها إلى دول الجوار وتم تجميد الحسابات ووقف مصادر الدخل من الذهب والمضاربات و التهريب؟ والدعم الخارجي محاصر بالرقابة الدولية ، وليس من السهل تدفق أموال بعد اندلاع الحروب..
* أعتمدت المليشيا فى أيامها الأولي على مدخرات المواطنين والمؤسسات والمصانع فى التشوين والتعيينات والوقود ، وقد نفد ذلك وانقطع الوقود والتهريب ، وانعكس ذلك سلبا على القوات فى الميدان..
* تطاول الحرب ، افرز وتداعيات الحقوق ، أكثر من 4 أشهر لم تصل للجنجا مرتبات ، وحتى القتلى والجرحى وحقوق المجندين ، كلها شكلت ضغطا على موازنة المليشيا وداعميها..
* وكلفة تعويض العتاد والآليات أكبر البنود فى الحروب واصعبها..
اصبحت نزوة السلطة ذات كلفة عالية ، وهذا مأزق بلا خيارات ، سوى البحث عن مخرج..
* وعلى الصعيد نفسه ، فإن قضية التمويل شكلت مأزقا للحاضنة السياسية قحت وتقدم ، ومع حذر المنظمات وجماعات الضغط الخارجي من تمويل قوى سياسية ، تمت المناورة بقضية (قوى المجتمع المدني) ، ومع مرور الأيام ، فإن الدعم أنحصر فى ورش عمل واوراق نقاش ، وكما اشار السيد مبارك الفاضل المهدي ، فإن مليشيا الدعم السريع تمول التذاكر والاقامة ، وهذه مبالغ طائلة مع كثرة العدد وضعف المردود..
(3)
تبقى نقطة أخيرة ، نختم بها هذه الحلقات ، وهو زيادة الوعي المجتمعي بحجم المخطط الفعلي ، وأطراف هذه المخططات ، و مع سقوط قلة من (النخبويين) ، إلا أن أصحاب رأي وخبراء وأكاديميين وسياسيين من المحسوبين على تيار (قحت وقواها السياسية) ، هم فى حالة مراجعة للمواقف وتقييم للأمر ، وأنخرط بعضهم فى مواقف جهيرة ضد المليشيا وضد حاضنتها السياسية والمجتمعية ، وتاثير ذلك كبير على صانعي القرار والمؤثرين فى بعض الدول الغربية والتى تهتم بمواقف واتجاهات الراى العام ، وهذا أمر سنفرز له قراءة مختلفة بإذن الله…
وكثرة التقارير الإعلامية وتقارير الخبراء وآراء شخصيات كبيرة احدثت كذلك أثرا فى الحضور الإعلامى المتخبط للمليشيا والذي تحول لحملة من (الإنكار المفضوح) ، أو الكذب (الصريح)..
تقرير إستخباري نشرته صحيفة (الأحداث) أمس ، لخص كل هذه المؤشرات فى كلمتين (المليشيا تترنح)..!
د.ابراهيم الصديق على
21 فبراير 2024م
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الوالغون في صحن المليشيا من بوابة حنك النمل
في جامعة الخرطوم (قبل الخراب) لدي صديق يجالس فتاة مثقفة جدا مهتمة بالفكر النسوي، ذات أفق واسع وعقل مفتوح، تناقشت معها كثيرا أثناء لقاءاتنا المشتركة في جذور مفهوم التحرر و (الإنطلاقة) التي تعيشها، كانت تميل لي أكثر من صديقي، لكني – وبكل أسف- أستهدفت عقلها ولا شئ غيره، لذلك مَلّت الحديث معي، أما صديقي فلا زال مستمرا في الحفاظ على علاقته بها، رغم عداءها الغير مبرر للمجتمع المحافظ الذي ينتمي له كلانا أنا وصديقي ..
قابلتها بعد فترة ، أقتربت منها، وجدتها قاطعت صديقي، وصارت ترافق كل يوم شخصا مختلفا وتأتي بسيارة مختلفة، كل علاقاتها فوضوية وغير (ملتزمة) ، ذات مساء قابلتها في كافيه بصحبة (شوقر دادي مريب)، فسألتها سؤالا صريحاً، هل أنتِ مثقفة متحررة أم (ش*شة) ؟؟ فردت وهي غارقة في اللامبالاة : إن الطريق نحو ال## يبدأ من العقل ..
هذه الفتاة تشبه إلى حد بعيد الزميلين خالد نور وعبد الحفيظ مريود ، كلا الشخصين كوز سابق ومهمش، خالد كان ناشطا بقطاع طلاب الحركة الإسلامية لكن التنظيم همشه، فهو شخص سطحي محدود القدرات وضعيف الإمكانات التحليلية والتبريرية، كما همش مريود كذلك وهو المثقف والكاتب والسيناريست المتميز، كما أن شخصيته تجمع بين التصوف والتشيع والفلسفة والوجودية، مع سيطرة كبيرة لأفكار الهامش والمركز على طرائق كتابته ..
كلا الشخصين مختلف عن الآخر في إمكاناته وقدراته ، وكلاهما كان غارقاً في المسغبة للدرجة التي لا تتحمل فيها ظروفه الإقامة في فندق أو قطع تذكرة طيران لحضور منشط وطني أو غير وطني خارج السودان ، لكن ما يربط نور ومريود هو نهاية الطريق الذي وصلا إليه ..
حنك النمل هو أفضل طريق يمكن أن يسلكه الناشط المثقف للوصول لحالة الجنجويد الكامل ، فالجنجدة تبدأ من العقل كما أثبتت لنا المفكرة النسوية أعلى المقال، فالمثقف الغارق من المسغبة يعيش نظرية التطور الداروينية، يبدأ فيها مشككا ضعيفا ثم مخذلا صغيرا، ثم متهما أحد الأطراف (تلاويحا وتلاميح) ثم داعية سلام ومحايداً ثم يتحول لجنجويد كامل بكدمول ولغة جنجويدية متماهية مع خطاب القوني وجزلانه ..
هذه العملية لا يسلكها الأرزقية العاديين، فشخص مثل صلاح سندالة أو أحمد كسلا أو منعم الربيع، لن يجتهد كثيرا في تغيير موقفه، فيمكن أن يغير موقفه في اليوم مرتين ولا أحد يشعر بالصدمة حيال هذا التغيير، أو يستنكر عليه الفعل، لأن هؤلاء وطنوا متابعيهم على حقيقتهم وهي أنهم (أرزقية) محترفون ، لا يخجلون ولا يشعرون بالحرج من أحد وليست على وجوههم مزعة لحم يخشون عليها ..
لكن المعضلة أن مريود مثلا قدم نفسه مفكرا ومثقفا منحازاً لكثير من القيم الإيجابية والدينية، وكذلك لديه تجربة وتاريخ وسبق في تنظيم الحركة الإسلامية، فهو يورد القصة والإستشهاد في مقاله كالآتي : (مرة كنا مع الشيخ علي عثمان ومعنا المرحوم فلان والمرحوم فلان وشخصي الضعيف) فقد كان أقرب من غيره ل على عثمان ونافع وكرتي وأسامة عبد الله من كثير من حاملي السلاح ضد الجنجويد اليوم، والذين يدعي وهو وشلته الجديدة أنهم مليشيا كرتي وأسامة عبد الله ..
أنا لا أعرف خالد نور جيدا، لكني كنت أحترم مريود جدا، وأثق في رأيه، لكنه أصبح لا يستحي، وكلما زاد عدد الأشياء التي يستحي منها الإنسان كلما كان أقرب للكمال، والإنتماء للجنجويد هو أمر جدير بالخجل منه والتبرؤ، لكن المكتولة ما بتسمع الصايحة ..
يوسف عمارة أبوسن.