لجريدة عمان:
2025-02-02@23:20:49 GMT

وجه الحقيقة

تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT

ينسى المرء أحيانا أن الفترة التي قضاها معتقدا لاعتقادات يرى بطلانها وسخافتها اليوم، ينسى بأنها مكملة لحياته صاقلة لروحه وبصيرته، ولعل الثمرة التي يجنيها المرء لحظة وفاته؛ هي نتاج التجارب المختلفة والمتنوعة بتناقضاتها التي لا سبيل إلى الجمع بينها منطقيا! فكما أن المراحل السنية للإنسان في حقيقتها مناقضة لبعضها البعض -أي أن نزق الطفولة يناقض رجاحة منتصف العمر، وطيش الشباب يناقض حكمة الشيخوخة، وهكذا- كذلك الإنسان نفسه يناقض حاله في فترة ما لسبب ما، وتتشكل شخصيته وحياته الكلية من اجتماع تلك النقائض كلها.

إن احتكار الحقيقة، والمعرفة والمعاني السامية التي نظن أننا نمتلكها ونحاكم بها الآخرين، لا يلزم أن يراها الآخرون بالنظرة التي نراها بها؛ فكما أن الجبل الأخضر له طريق مرصوف تتسنمه السيارات في مدة وجيزة، فكذلك له طرقه الأخرى التي يسلكها الناس صعودا على الأقدام، وفي المحصلة النهائية كلهم يصل إلى قمة الجبل الأخضر، وهذا هو المطلوب والغاية لكليهما.

تعمينا المعرفة المكتسبة والمقدَّرة بالمعلومات الكثيرة التي تراكمت عبر القراءات المتنوعة والمصادر المتعددة للمعرفة، عن عيش الحياة الحقيقية. فينظر الناس إلى المثقف كغريب، ويرميهم هو بالغرابة ذاتها. فلا ذا اقترب من هذا، ولا ذاك دنا وفهم هذا. ولو أنهما اقتربا للنقطة الوسطى التي تلتقي فيهما اهتماماتهما واعتقاداتهما وثقافتهما العامة المشتركة، لوجدا من أواصر القربى ما يَبُتُّ عُقَدَ التنافر أو سوء الفهم. بالنسبة إلي، فالمثقف الحقيقي هو الذي يعرف معارف مجتمعه من مأكل ومشرب وملبس وطبيعة، بجانب معرفته بالمعلومات المتراكمة. ومن كان شيخه كتابه، كان خطؤه أكثر من صوابه كما يُقَال. فمن يقرأ في كتب الطب المعتمدة على الأعشاب عن العشبة المعمرة من جنس الذفراء وفصيلة السذابية التي تعالج الكسور، لن يعرفها «البيدار» ولا «الشاوي» ولا «البدوي»!، لكنهم سيحضرونها لك في طرفة عين إن أخبرتهم بأنك تبحث عن «تفر التيس» أو «المخَيّسة». فمعرفة جانب واحد من الحقيقة لا يعني امتلاك الحقيقة كلها. وهذا يذكرني بالفيلسوف الفرنسي «باشلار» في مقابلة قديمة متحدثا عن نفسه «إنني في طرفة عين أعرف اللحم الجيد من الرديء»، و«باشلار» عند الفرنسيين له شأنه الكبير ومقامه العالي، ولكنه لا يستنكف عن الحياة الطبيعية البسيطة بحاجياتها المتجددة.

والمرء في حياته المعاشة يواجه شتى المآسي والاختبارات، ولربما كانت صعوبة المواقف بأنه يتعامل مع بشر مثله؛ فالطبيعة المختلفة للبشر واستعداداتهم النفسية ومقاربتهم للخير والشر، كلها تجعل من الصعوبة بل الاستحالة التعامل معهم بنفس الكيفية والطريقة. فلو أن البشر آلات أو جمادات، لأمكن التعامل معهم بالمنطق الرياضي والحساب الدقيق، ولكن الإنسان يتأثر ويؤثر بما يطرأ عليه من حوادث. وإحدى فوائد القراءة أنها تذكرنا بما نعرفه بداهة، وتنبهنا إلى ما نكاد ننساه.

وبما أن معرض الكتاب عاد إلينا بعد طول فراق، فلنتذكر الحقائق التي تهمنا وتحسّن من حياتنا ومسارنا العلمي والعملي. فلا نلتفت إلى ما يتوقع الآخرون منا قراءته وما يريدنا الأصدقاء أن نقرأه وحده، وليس في هذا دعوة إلى أن نهمل اقتراحات الأصدقاء رأسا؛ وإنما بأن نقرأ ما نراه مناسبا ومتسقا لنا ولمسارنا الخاص. ففي نهاية حياتنا ونحن ننظر إلى الوراء، إلى ما حققنا وما أسفنا على عدم تحقيقه أو محاولة السعي إليه؛ لن تفيدنا نظرة الآخرين لنا أو رأيهم فيما قرأنا وفعلنا. وأختم بعبارة لم يزل أبي يرددها على مسامعنا مذ كنا صغارا «السيفُ بحدِّهِ والقلمُ بمدِّهِ والرَّجُلُ بِسَعْدِهِ لا بأبيهِ ولا بجدِّهِ». فعلى المرء أن يختار طريقه ويشقه بسعده غير آبه ولا ملتفت لمسار أقرانه، إلَّا بالقدر الذي ينفعه في تصحيح مساره وتقويم طريقه، فـ «الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها» كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: منكرو السنة يسعون في الحقيقة لهدم الدين

عقد جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56،اليوم الجمعة، ندوة بعنوان "القرآنيون.. لماذا أنكروا السنة؟"، شارك فيها  الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، الدكتور محمد عبد الدايم الجندي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، وأدارها الإذاعي القدير سعد المطعني.

وقال الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، إن الندوات الحوارية الأزهرية "سنة حميدة" سنها فضيلة الإمام الأكبر  أحمد الطيب، شيخ الأزهر بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يعد أكبر المعارض في العالم العربي والإسلامي، مؤكدًا أن مصر لها القيادة والريادة في العلوم بأزهرها وعلومها وشيوخها وتراثها.

وأوضح عضو "كبار العلماء"، أن إنكار السنة بدأ بطرق ومراحل مختلفة منذ عصر الخوارج، وهم من نسميهم «النابتة»، مبينا أنهم لم ينكروا السنة بالكيفية التي ينكرها بها القرآنيون الآن، حيث إنهم مع إنكارهم للسنة تمسكوا بالإجماع وتشددوا في الدين، ثم بعد ذلك تم القضاء على الخوارج سنة ٨٢ ه‍، وظللنا لا نسمع عنهم حتى القرن الرابع الهجري، حين ظهرت نابتة منهم في المغرب وقُضي عليها، ثم خرجت منهم بوادر أخرى في القرن الثالث عشر الهجري، لكنهم أيضا لم يكونوا على حد أولئك الموجودين الآن.

وأضاف جمعة أن القرآنيين يمكن تقسيمهم من ناحية إنكارهم للسنة إلى طائفتين، «طائفة مع إنكارها لم تخرج عن الإسلام»، وذلك لعدم إنكارهم للإجماع، و«طائفة أخرى خرجت عن الإسلام»، لأنهم أنكروا السنة بالإضافة إلى جميع المصادر، موضحًا أن إنكار السنة بدأ في العصر الحديث منذ الاحتكاك بالاحتلال الانجليزي في الهند.

وبيّن الدكتور علي جمعة، أن من أبرز أسباب إنكار السنة، هي الصدام عند عدم التهيؤ، وعدم القدرة على الرد على الشبهات، والخلل العقلي والنفسي، والهوى، والجهل بصحيح الدين وبما فعله المسلمون الأوائل للحفاظ على السنة النبوية المشرفة، مؤكدًا أن هؤلاء المنكرون هم في الحقيقة يريدون هدم الدين وليس إنكار السنة، لكنهم لو صرحوا بذلك سرعان ما يفشلون فشلاً تامًا، مشددًا على أنه من الواجب علينا أن ندرب أبناءنا على التوثيق ونمكنهم من اللغة ونربيهم على الأخلاق حتى نستطيع تحصينهم من الانسياق خلف تلك الدعاوي الهدامة.

وخلال مشاركته بالندوة، وجه الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف رسالة طمأنينة للشباب حول العالم، بأن الأزهر الشريف هو الحارس الأمين للسنة النبوية المطهرة ويقف بالمرصاد لمن يحاولون هدم صحيح الدين الإسلامي، مؤكدًا أن رسالة الأزهر الشريف تقوم على الاهتمام بكتاب الله وسنة رسوله الكريم دون تفريط أو إقصاء، ويفد إلى الأزهر الآلاف لينهلوا من علم الأزهر ورسالته التي تخدم الشريعة الإسلامية؛ وهناك علماء بالأزهر الشريف يدَّرسون علمه النافع في أروقة الأزهر وكلياته النظرية والعلمية، ويوثقون العلم وينقلونه من جيل إلى جيل ليحصنوا علومه الأصيلة من عبث العابثين وإنكار المنكرين، وهناك استنباط وتحصين مستمر للأحكام الشرعية وعلوم القرآن في كليات الشريعة والقانون، بهدف نشر الوعي التام بكتاب الله تعالى وهدى النبي الكريم. 

وأكد أن الأزهر الشريف سيظل منبعًا للعلم والعطاء يحمي السنة ويدافع عنها ويحصن عقول الأمة من الانحرافات الفكرية وعبث المنكرين.

من جانبه أكد الدكتور محمد الجندي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، أن القرآنيون تركوا السنة واخترعوا إطروحات مضللة ومزيفة تحاول إسقاط دور السنة في الحياة والإنسانية كلها، مطالبًا بضرورة حماية الشباب من المخاطر الفكرية من خلال تعزيز الوعي وتوطيد الصلة بين العلم والتلقي الصحيح وصحة السند، موضحًا أن الأزهر الشريف يُحصّن الشباب فكريًا من خلال تقديم علم وسطي نافع بأسانيد صحيحة، ويركز على ضرورة تحصين عقولهم ضد الغزو الفكري باستخدام برامج فكرية تحميهم من التلوث الفكري، كما شدد أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، على أهمية التعليم  والتدبر في حماية الوعي من الفيروسات الفكرية في عصر التكنولوجيا، مؤكدًا أن القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم هما المصدران الرئيسيان للعلم والتوجيه، ولا يجب إنكار أحدهما.

وأضاف الجندي أن القرآن الكريم لا يحتوي على أي تفريط، وجاء مؤكدًا على أهمية السنة النبوية وعدم إنكارها، لأن إنكار السنة يعني إنكار القرآن، واتباع السنة هو اتباع للقرآن الكريم وأحكامه، فالسنة هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن، وقد عمل أهل السنة على تحصين العقول من خلال اتباع هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث تعلمنا  السنة مناسك الدين وتفصل القرآن الكريم، ويجب على الجميع محاربة التيارات  الحداثية التي تسعى لتطبيق أفكار غريبة تهدف إلى هدم الدين، وتقديم تفسيرات مغلوطة للعلماء، في حين أن السنة تفسر وتوضح القرآن بإجماع العلماء، وتفصل أحكامه، مؤكدًا أن الابتعاد عن السنة يؤدي إلى التخبط الفكري والضلال وهدم المجتمعات.

ويشارك الأزهر الشريف - للعام التاسع على التوالي- بجناحٍ خاص في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56 وذلك انطلاقًا من مسؤولية الأزهر التعليمية والدعوية في نشر الفكر الإسلامي الوسطي المستنير الذي تبنَّاه طيلة أكثر من ألف عام، ويقع جناح الأزهر بالمعرض في قاعة التراث رقم "4"، ويمتد على مساحة نحو ألف متر، تشمل عدة أركان، مثل قاعة الندوات، وركن للفتوى، وركن الخط العربي، فضلًا عن ركن للأطفال والمخطوطات.

مقالات مشابهة

  • watch it تطرح بوستر مسلسل الشرنقة في رمضان 2025: مغامرة درامية كلها إثارة
  • كلها بكتيريا.. تخزين الطماطم بهذه الطريقة يصيبك بمرض خطير
  • وزير الخارجية التركي: تهجير الفلسطينيين من غزة يناقض القانون الدولي
  • "خدعة" الـ 6 ملايين دولار.. تقرير يكشف التكلفة الحقيقة لـ"ديب سيك"
  • السوشيال ميديا كلها حزينة عليه.. من هو محمد طارق زوج الميكب أرتيست نورا بلال؟
  • وكيل الأزهر الأسبق: مصر كلها جيش مستعد للدفاع عن الوطن
  • هل تتحدث النساء أكثر من الرجال؟.. دراسة تكشف الحقيقة
  • علي جمعة: منكرو السنة يسعون في الحقيقة لهدم الدين
  • من أمام معبر رفح | مصر كلها بتقول لا للتهجير .. فيديو وصور
  • الدكتور محمد مهنا: تعدد الطرق الصوفية يعكس قدرات الناس في إدراك الحقيقة الإلهية