ذكرى تحويل القبلة.. معاني الامتحان ومعالم التّغيير
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
تحويل القِبلة من بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك إلى الكعبة المشرّفة في مكّة المكرمة؛ كان في النّصف من شعبان وعلى هذا التّاريخ عامّة المؤرّخين وكُتّاب السّير، كما يقول ابن كثير في البداية والنّهاية تحت عنوان "فصل في تحويل القبلة في سنة ثنتين من الهجرة قبل وقعة بدر": "قال الجمهور الأعظم: إنَّما صُرفت في النّصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة".
ببساطة كيف تحوّلت القبلة؟
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى قبلة بيت المقدس، ويحب أن يُصرف إلى الكعبة، وقال لجبريل: "وددتُ أن يصرف الله وجهي عن قبلة اليهود، فقال: إنما أنا عبد؛ فادعُ ربك واسأله"، فجعل يقلِّب وجهه في السماء يرجو ذلك، حتى أنزل الله عليه الآية في سورة البقرة: "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَة تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ"، وذلك بعد ستة عشر شهرا من مقدَمِه المدينة، قبل وقعة بدر بشهرين.
قال محمد بن سعد: أخبرنا هاشم بن القاسم، قال: أنبأنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي، قال: ما خالف نبي نبيّا قط في قبلة، ولا في سنة، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل بيت المقدس حين قدم المدينة ستة عشر شهرا، ثم قرأ: "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ" (الشورى: 13).
امتحان رباعيّ الاتجاهات
توحيد المسلمين على اختلاف مواطنهم وأماكنهم، وألوانهم وأجناسهم؛ فجميعهم يتوحدون في التوجه إلى قبلة واحدة، وهذا التوحيد في القبلة لا بد أن يثمر وحدة في القلوب وتآلفا في النفوس والأرواح مهما ابتعدت الأمكنة وشطت السبل
لقد كان تحويل القبلة امتحانا في أربعة اتجاهات شملت المسلمين والمشركين واليهود والمنافقين، فأما المسلمون، فقالوا: سمعنا وأطعنا، وقالوا: "آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا" (آل عمران: 7)، وهم الذين هدى الله، ولم تكن كبيرة عليهم؛ فنجحوا في الامتحان وتجاوزوا الاختبار بتسليمهم لله تعالى وقبولهم أمره ورضاهم به.
وأما المشركون، فعاشوا الوهم وتسلوا بالأماني وقالوا: كما رجع إلى قبلتنا، يوشك أن يرجع إلى ديننا، وما رجع إليها إلا لأنها الحق، وهكذا هم أهل الباطل في كل زمان ومكان؛ يخدعون أنفسهم بإيهامها أنها على الحق وأنّ نهاية المخالفين لهم أن يرضخوا ويخضعوا، وما يزيدهم وهمهم هذا إلا غرورا.
وأما اليهود، فقد قتلهم الحسد وقطع قلوبهم الغيظ وبدؤوا يفتشون عن المطاعن التي ترضي أحقادهم وتدغدغ عواطف أتباعهم فقالوا: خالف قبلة الأنبياء قبله، ولو كان نبيّا، لكان يصلي إلى قبلة الأنبياء؛ فاتخذوا من الحادثة وسيلة للطعن في النبوة.
وأما المنافقون، فكعادتهم بدؤوا بالتشكيك والسخرية والطعن الرخيص فقالوا: ما يدري محمد أين يتوجه، إن كانت الأولى حقّا، فقد تركها، وإن كانت الثانية هي الحق، فقد كان على باطل. وكثُرت أقاويل السفهاء من الناس، وكانت كما قال الله تعالى في سورة البقرة: "وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ"، وكانت محنة من الله امتحن بها عباده؛ ليرى من يتبع الرسول منهم ممن ينقلب على عقبيه؛ فنجح المؤمنون في اختبار الثبات على الحق وقبوله، بينما خسرت الشرائح الثلاث التي اعتادت بطر الحق وأدمنت الخضوع للباطل.
معالم التربية والتغيير في تحويل القبلة
كان لتحويل القبلة ثمرات في تربية المسلمين؛ وتجلت هذه التربية في معالم عدة منها:
أولا: كانت وجهة العرب في الجاهليّة في عبادتهم الكعبة المشرّفة، لكنّ هذا التوجه لم يكن نابعا من عقيدة حقيقيّة أو انتماءات خالصة للدين الذي جاء به إبراهيم عليه الصلاة والسلام، بل كان لعنصريّة بغيضة ونابعا من تمجيد القومية، فأراد الله أن ينزع من المسلمين كلّ تعصب أعمى لقومية العرب: فأمرهم بالتوجّه إلى المسجد الأقصى المبارك؛ حتى يحصحص كلّ مفهومٍ يمجّدونه غير الدين والعقيدة، ويمحو كل عصبية جاهلية يدورون حولها، ثمّ إذا صفت النفوس وصحّت المفاهيم واستقرت العقيدة في القلوب وترسخ الانتماء للإسلام وحده في النفوس؛ أعاد الله تعالى ربطهم بالكعبة المشرّفة لكن هذه المرة برباط العقيدة والتوثيق بين الأنبياء؛ نبيّ الله إبراهيم وإسماعيل، ومحمد صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: ومن معالم التربية في تحويل القبلة تعليم المسلمين سرعة الاستجابة لأوامر الله تعالى، والثقة بنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، فلقد تنزّل الأمر على النبيّ بتحويل القبلة فحوّلها وتحوّلوا وهم راكعون إلى القبلة الجديدة دون أدنى شكّ أو رَيبٍ يلبَسُهُم.
ثالثا: توحيد المسلمين على اختلاف مواطنهم وأماكنهم، وألوانهم وأجناسهم؛ فجميعهم يتوحدون في التوجه إلى قبلة واحدة، وهذا التوحيد في القبلة لا بد أن يثمر وحدة في القلوب وتآلفا في النفوس والأرواح مهما ابتعدت الأمكنة وشطت السبل.
إن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام ليس محض ذكرى تمر أو حادثة نروي تفاصيلها، بل هي محطة سنوية للتوقف أمام معالم الاختبار الإلهي لعباده وخلائقه وتحميلهم المسؤوليات الجسيمة تجاه المقدسات السليبة
رابعا: الإيحاء بأن مكة لا بُدَّ أن تعود إلى الإسلام، ففيها قبلة المسلمين، وفي تحويل القبلة دعوة كي يجاهد أهلها حتى يعود البيت العتيق إلى المسلمين ويكون بأيديهم، وفي هذا أيضا بشارة بنصر الرسول صلى الله عليه وسلم على قريش واستخلاص البيت منهم، لتطهيره من الأصنام وجعل الدين خالصا لله.
خامسا: التأكيد بأنّ المسجد الأقصى ينبغي أن يبقى القبلة الأولى لقلوب وأرواح المسلمين، فهو قبلة جهادهم الأولى وعليهم تحريره من المحتل الغاصب؛ وهذا المعنى هو من أعظم المعاني التي يتوجب على المسلمين أن يتربوا عليها في ذكرى تحويل القبلة؛ فمن أعظم الواجبات اليوم أن يكون المسجد الأقصى المبارك وبيت المقدس قبلة أرواحهم وكعبة قلوبهم ومقصد أعمالهم وبذلهم وعطائهم وجهدهم وجهادهم لتخليصه من أيدي الغاصبين.
إن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام ليس محض ذكرى تمر أو حادثة نروي تفاصيلها، بل هي محطة سنوية للتوقف أمام معالم الاختبار الإلهي لعباده وخلائقه وتحميلهم المسؤوليات الجسيمة تجاه المقدسات السليبة.
twitter.com/muhammadkhm
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة عربي21 فيديو اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة عربي21 فيديو اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأقصى الكعبة القبلة الصلاة الأقصى الاسلام الكعبة الصلاة القبلة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صلى الله علیه وسلم فی تحویل القبلة المسجد الأقصى إلى قبلة
إقرأ أيضاً:
مساجد إسطنبول تحتفل بـليلة الرغائب.. أردوغان يهنئ المسلمين
احتفلت مساجد مدينة إسطنبول التركية، بحلول "ليلة الرغائب" التي توافق أول ليلة جمعة من شهر رجب كل عام وفق التقويم الهجري، فيما هنأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المسلمين بهذه الليلة.
وأحيا المسلمون "ليلة الرغائب" بعد صلاة المغرب في مساجد إسطنبول، وفي مقدمتها السلطان أحمد، وآيا صوفيا، وأيوب سلطان، والسليمانية، والفاتح، وتشاملجا الكبير، وتقسيم.
ونظمت مساجد إسطنبول برامج دينية بهذه المناسبة، حيث أقيمت فقرات لتلاوة القرآن الكريم والأدعية والأناشيد والابتهالات الدينية.
بدوره، هنأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، العالم الإسلامي بـ "ليلة الرغائب" التي توافق أول ليلة جمعة من شهر رجب كل عام وفق التقويم الهجري.
جاء ذلك في منشور عبر حسابه الرسمي على منصة إكس، الخميس، أرفق فيه صورة لجامع تشامليجا بمدينة إسطنبول.
وقال أردوغان: "أسأل الله أن تكون الأشهر الثلاثة (رجب وشعبان ورمضان) وليلة الرغائب بشائر خير وبركة لأمتنا الإسلامية".
وأضاف: "بداية أدعو الله أن تخفف هذه الليلة المباركة من معاناة إخواننا الفلسطينيين، وأن تجلب الخير والسلام والاستقرار للإنسانية جمعاء".
و"ليلة الرغائب" يطلق عليها الأتراك اسم "ليلة قنديل" (الشمع)، ويحتفلون بها سنويا في ليلة الجمعة الأولى من شهر رجب.
وتنظم المساجد برامج دينية بهذه المناسبة، تتخللها فقرات لتلاوة القرآن الكريم والتضرع بالأدعية وترديد الأناشيد والابتهالات الدينية