قد لا يزعجنا القول.. لكن يؤلمنا القائل
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
د. قاسم بن محمد الصالحي
الإنسان العاقل الناضج هو من يَزِن كلامه وأقواله، فكلٌّ له قدرات وطاقات، عندما نتذكر السنين التي مضت من عمرنا يخطر لنا أننا حتى لو عشنا حياة أخرى على حياتنا، فإنها لن تكفي ليتحدث الناس فينا بالسوء، رغم وجود أعمال لنا حميدة طيبة فهي لدى الوعي المجتمعي وفهم الناس حقا نادرة، وهناك الكثير من الشخصيات الأكثر تأثيرا قد لا نفيها في بعض الأحيان إثباتًا لحضورها، رغم أعمالها العظيمة خلال سنين عمرها الماضي والحاضر، ورغم أننا سمعنا ونسمع عن نجاحها في تخطي العقبات، وتجاوز العديد من الأزمات والمحن، تمكنت بالمثابرة والعزم من صياغة نجاح لها ولوطنها ومحيطها.
ومن بين هذه الشخصيات في مجتمعنا العماني معالي الوزير المتقاعد يوسف بن علوي بن عبدالله، أيام مسيرته العملية مُنضبط مع ذوق الدبلوماسي وفكره، قد استطاع أن يكشف مواطن الجمال والقبح في السياسة الإقليمية والدولية في مسيرته، لو لم تكن شخصيته في الدبلوماسية العمانية لبحثت عنه الدبلوماسية في قواعدها المستقاة والمستنتجة من الحكمة العمانية أصيلة الجذور.
والمتتبِّع للدبلوماسية العمانية، لابد أن ينظر في جذورها، ليتمكن من كشف الحكمة فيها، لا أن يُعلِّل ما يقوله شخوصها، في محاولة منه أن يثير في النفوس شعورًا بأن ما يقوله صحيح، أقصى ما يطمح إليه في كلامه التشويه لا أكثر؛ حيث لن يستطيع أبدا أن يقدم لنا برهانا يقينيا؛ كون لا يوجد عنده رأي صائب، فهو بحديث الهوا بعيد عن الذوق الدبلوماسي يُصدِر حكمًا على عمل هذه الشخصية؛ فالذوق الجدير بالاعتبار هو الذوق المصقول بالحكمة التي تستطيع أن تكبح جماح الأهواء الخاصة، التي قد تجافي الصواب، كون يوسف بن علوي خبيرًا بالسياسة التي آمن بها ومارسها، وتخصص في فهمها ودرس أساليبها، فمنحته القدرة على فهم أسرارها والنفوذ إلى دخائلها، وأدرك مناهجها وحكمتها، بفهمه العميق وحسه الدبلوماسي وكثرة تجاربه؛ لذلك لابد أن يتمتع من يتحدث عن هذه الشخصية بعدة صفات، منها قدر وافر من المعرفه به، ليكون خير معين له على إصدار الحكم الصائب فيه.
دعوني أبحر معكم في قصة نجاح شخصية يوسف بن علوي، بعد أن كان لي شرف القرب منه، نعم، إني خبرت شخصه الفذ، إلا أنني لن أفي حقه في هذه العجالة، لكني وددت فقط في هذه السانحة أن أُلجِم أصواتًا تثرثر دون علم أو دراية به، وتطلق الأحكام على عواهنها فيه، لأؤكد أنَّ نجاحه الكبير ينطلق من خلال فكره الناضج الذي يُحلق ويتفاعل مع واقعنا الذي نعيشه، ومستقبل نتطلع إليه، حيث إنني استمتعت بالنجاح حين يتحدث معي بكل صراحة، فهو من أهدى إلى الدبلوماسية العمانية صفحات من حياته المليئة بالتعب والمعاناة حتي طواها، وأعقبتها صفحة بيضاء سطورها الأمل والاعتزاز؛ فقصة هذه الشخصية هي تأكيد للدبلوماسية العمانية الرصينة، التي حركت في نفسي وفي نفوس جل من عمل معه مشاعر لست أدري معناها ولم أفهمها، إنما أستطيع أن أصفها بالفخر الكبير؛ فمن خلال حديثه معي كان وكأنه يؤكد ويقول: إن الطريق الأول للنجاح هو الإيمان بالنجاح وتحمل المسؤولية.
لقد أثَّرت عليَّ هذه الشخصية كثيرًا، وجعلتني أصحِّح شيئا من مسار حياتي الدبلوماسية؛ لأنني أتحدث عن تجربة هي أكثر تألقا وطموحا، اتَّصفَت منذ الصغر بالجدية والواقعية، قصته ابتدأت بالاتجاه نحو عالم غامض، بعزيمة قوية عند شروق صباح النهضة العمانية المباركة عام 1970م، وأشرق معها الطموح في نفسه، فانطلق يبحث عن مجال يفتح له ذراعيه حتى يعمل فيه، فتهلل وجهه في الدبلوماسية العمانية، وهنا بالتحديد ولدت في نفسه فكرة أن يكون موهوبا وناجحا، كان يعمل بعزيمة ونشاط وجهد وإقبال على العمل رغم صعوبة المرحلة، تمرُّ الأيام قاسية فرسخت في عقيدته فكرة أنه إذا أراد أن يتعلم فلا بُد له أن يصبر صبرا عظيما دون يأس، كان ينظر إلى مصالح بلده أمامه، ويراها أمرا مذهلا وغامضا، ووجد نفسه عاجزا عن معرفة ذلك اللغز المحير في أحوال أمته العربية والإسلامية، فأثبت نجاحه الأول عندما كان سفيرا، لكنه قرر اعتبار هذه الخطوة بداية لعمله الدبلوماسي، وبالفعل واصل العمل، ومضت السنوات مسرعة وكبرت مسؤوليته وكبر حلمه، كانت أول انطلاقة له في هذا العالم الذي تموج فيه الأزمات تطبيق حكمة الدبلوماسية العمانية، التي فقدت ممارستها لبرهة من الزمن قبل عام 1970م، ليحلق بتطلعات جلالة السلطان في بناء عُمان مزدهرة وعصرية، ويمضِي نحو عزيمة تملكته، فبدأ بترسيخ المكانة الخاصة والبارزة للدبلوماسية العمانية، ليرى فيها حلمه وهدفه، لم تخلُ حياته المهنية من الاتهامات والانتقادات، وكان يعرف أن نجاحه الحقيقي يكمن في إيمانه بقدرات بلده، فأوقف نجاحه كل تفكير سلبي، وأكَّد دقة رؤية الدبلوماسية العمانية نحو السلام والوئام والتسامح، واستطاع أن يجعل ذلك هدفًا يراه بعينيه ويخطو إليه يوما بعد يوم.. واستمر.
لنقف قليلا قبل أن نتابع سرد جزء بسيط عن شخصية معالي الوزير متقاعد يوسف بن علوي، وأقول لكل متابع معي وقارئ، ومن عرف هذه الشخصية وتعامل معها، بأنها شخصية حينما تتكلم تنطق عن تجربة ومعاناة، وتتحدث عن طموح وعزيمة ورغبة؛ لذلك كانت صادقة في توصيفها للأحداث والمشاريع والإستراتيجيات في الإقليم وعلى المستوى الدولي، فلم يكن نجاحه الكبير إلا من ميزة شعر بها في نفسه، تلك الميزة كانت كفيلة بأن تقدم دبلوماسية بلاده الواقعية، التي أعطته نتيجة وعقيدة، بأنَّ بعد كلِّ كبوة هناك أمل جديد في مستقبل أفضل، نظر إلى نفسه من الزاوية المشرقة للحضارة العمانية ذات الميزات الخاصة، فتمكَّن بقدرة تفكيره أن يكون الأفضل، وتحدَّى كلَّ ما استورد من أفكار غريبة وشاذة لا تصلح للبيئة الخليجية والعربية.
دعُوني أطرح عليكم أو بالأحرى كل منا يطرح على نفسه الحكمة القائلة: "قد لا يزعجنا القول، لكن يؤلمنا القائل، وقد لا يؤثر فينا الفعل، ولكن يصدمنا الفاعل"، ثم اسمحولي لي أن نقف هنا لأطلعكم على سر ميزة رائعة في شخصية معالي يوسف بن علوي، اكتشفتها فيه، وهي أن شعوره بالأمل كان بريقه في الإرادة التي يمتلكها، فاستطاع خلال مسيرته عمل الكثير لخدمة مجتمعه الوطني والخليجي والعربي.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
برلمانية: قانون الأحوال الشخصية الجديد لن يصدر لصالح فئة على الأخرى
أكدت أميرة أبو شقة، عضو مجلس النواب، أن الدستور نص على حقوق المرأة في أكثر من 20 مادة والمُشرع غلظ العقوبة على الختان والتحرش، والكثير من الجرائم التي ترتكب ضد المرأة، مشددة على أن البرلمان المصري غلظ عقوبة الامتناع عن تسليم الميراث.
الدستور نص على حقوق المرأة
وأضافت "أبو شقة"، خلال حوارها مع الإعلامي نشأت الديهي، ببرنامج "بالورقة والقلم"، المذاع على القناة العاشرة المصرية "ten"، مساء السبت، “البرلمان يرى أن هناك بعض الإجراءات التي لا تتخذ للحفاظ على حقوق المرأة، المجلس القومي للمرأة لم يعد مجلسًا شكليًا، فهناك زخمًا قانونيًا خلال الفترة الحالية للحفاظ على حقوق المرأة”.
ونوه بأن قانون الأحوال الشخصية الجديد لن يصدر لصالح جانب ضد جانب، فهو قانون جاء لكي يحافظ على حقوق كل أفراد الأسرة المصرية، مشيرة إلى أن القانون لن يصدر لصالح فئة على فئة أخرى.