ليلة النصف من شعبان.. تعتبر ليلة النصف من شعبان من الليالي المباركة، وحسب دار الإفتاء المصرية ورد فيها قوله تعالى ﴿فيها كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ "الدخان: 4". 

وأكدت دار الإفتاء أن المقصود بها أنها ليلة النصف من شهر شعبان، واستندت الدار لحديث شريف يقول في ليلة النصف من شعبان، يبرم فيه أمر السنة، وتنسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد، ولا ينقص منهم أحد.

دعاء ليلة 9 من شهر شعبان.. 8 كلمات تبدل همومك لسعادة وضيقك بفرج دعاء شهر شعبان للمتوفى .. تحول قبره من الضيق إلى روضة الجنان

واستشهدت دار الإفتاء بحديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «تُقْطَعُ الآجالُ مِنْ شَعْبان إلى شَعْبانَ، حتى إن الرَّجُلَ لَيَنْكِحُ وَيُولَدُ لَهْ، وَقَدْ خَرَجَ اسمُهُ فِي المَوْتَى، ومما ورد فيها حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: فَقَدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ رَافِعٌ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ، فقُلْتُ: وَمَا بِي ذَلِكَ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ -وهو اسم قبيلة رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد واللفظ لابن ماجة.

وحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يَطَّلِعُ الله إِلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ رواه الطبراني وصححه ابن حبان.
وحديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا يَوْمَهَا؛ فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلَا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلَا كَذَا، أَلَا كَذَا..؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» رواه ابن ماجه، وعن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن " . رواه ابن ماجه.

ونزول الله تعالى إلى السماء الدنيا ليس خاصاً بليلة النصف من شعبان، بل ثبت في الصحيحين وغيرهما نزوله تعالى إلى السماء الدنيا في كل ليلة في الثلث الآخر من الليل ، وليلة النصف من شعبان داخلة في هذا العموم .

دعاء ليلة النصف من شعبان
دعاء ليلة النصف من شعبان، ورد في دعاء ليلة النصف من شهر شعبان عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية دعاء منتشر بين الناس يقولونه في ليلة النصف من شعبان وهو اللَّهُمَّ يَا ذَا الْمَنِّ وَلَا يُمَنُّ عَلَيْهِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، يَا ذَا الطَّوْلِ وَالإِنْعَامِ. لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ظَهْرَ اللَّاجِئينَ، وَجَارَ الْمُسْتَجِيرِينَ، وَأَمَانَ الْخَائِفِينَ. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي عِنْدَكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ شَقِيًّا أَوْ مَحْرُومًا أَوْ مَطْرُودًا أَوْ مُقَتَّرًا عَلَيَّ فِي الرِّزْقِ، فَامْحُ اللَّهُمَّ بِفَضْلِكَ شَقَاوَتِي وَحِرْمَانِي وَطَرْدِي وَإِقْتَارَ رِزْقِي، وَأَثْبِتْنِي عِنْدَكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ سَعِيدًا مَرْزُوقًا مُوَفَّقًا لِلْخَيْرَاتِ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ فِي كِتَابِكَ الْمُنَزَّلِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ الْمُرْسَلِ: ﴿يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾، إِلهِي بِالتَّجَلِّي الْأَعْظَمِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ الْمُكَرَّمِ، الَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَيُبْرَمُ، أَنْ تَكْشِفَ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا نَعْلَمُ وَمَا لَا نَعْلَمُ وَمَا أَنْتَ بِهِ أَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ".

اللّهم إن ذنوبي لم يبق لها إلا رجاء عفوك، وقد قدمت آلة الحرمان بين يدي ، فأنا أسألك ما لا أستحقّه، وأدعوك ما لا أستوجبه، وأتضرّع إليك بما لا أستأهله ولم يخفَ عليك حالي وإن خفي على النّاس كُنه معرفة أمري، اللّهم إن كان رزقي في السّماء فأهبطه، وإن كان في الأرض فأظهره، وإن كان بعيداً فقرّبه، وإن كان قريباً فيسّره وإن كان قليلاً فكثّره وبارك لنا فيه . اللّهم ربّ السّموات السّبع ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا وربّ كلّ شيءٍ فالق الحَبّ والنّوى ومنزّل التّوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شرّ كلّ شيء أنت آخذ بناصيته.

اللهم إنا نسألك زيادة في الإيمان وبركة في العمر وصحة في الجسد وسعة في الرزق وتوبة قبل الموت وشهادة عند الموت ومغفرة بعد الموت وعفواً عند الحساب وأماناً من العذاب ونصيباً من الجنة وارزقنا النظر إلى وجهك الكريم.

- اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين واشفِ مرضانا ومرضا المسلمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. 

- اللهم من اعتز بك فلن يذل ومن اهتدى بك فلن يضل ومن استكثر بك فلن يقل ومن استقوى بك فلن يضعف ومن استغنى بك فلن يفتقر ومن استنصر بك فلن يخذل ومن استعان بك فلن يغلب ومن توكل عليك فلن يخيب ومن جعلك ملاذه فلن يضيع ومن اعتصم بك فقد هدي إلى صراط مستقيم اللهم فكن لنا وليا ونصيرا وكن لنا معينا ومجيرا إنك كنت بنا بصيرا.

- اللهمّ أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظّاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدَّين واغننا من الفقر. اللّهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع المُلك ممن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء، بيدك الخير إنّك على كل شيء قدير، تولج اللّيل في النّهار وتولج النّهار في اللّيل، وتخرج الحيّ من الميّت، وتخرج الميّت من الحيّ، وترزق من تشاء بغير حساب، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي من تشاء منهما وتمنع من تشاء ارحمني رحمة تُغنني بها عن رحمة من سواك.

 

ليلة النصف من شعبان
ليلة النصف من شعبان، سميت هذه الليلة المباركة بليلة الغفران، وورد فيها قوله تعالى" فيها يفرق كل أمر حكيم -سورة الدخان، وسميت أيضا بليلة البراءة، ويقدر في ليلة النصف من شعبان الخير والرزق وكلما زاد  المسلم من الاستغفار غفر الله له ذنبه،  ورد حديث شريف عن السيدة عائشة فَقَدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ رَافِعٌ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ!»، فقُلْتُ: وَمَا بِي ذَلِكَ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ -وهو اسم قبيلة-» رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد.

وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا يَوْمَهَا؛ فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلَا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلَا كَذَا، أَلَا كَذَا..؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» رواه ابن ماجه.
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ليلة النصف من شعبان دار الإفتاء شهر شعبان دعاء ليلة النصف من شعبان صلى الله علیه وآله وسلم فی لیلة النصف من شعبان شهر شعبان دعاء لیلة إ ل ى الس وسلم قال ى الله ع من تشاء وإن کان ش ع ب ان إن کان ورد فی الل هم

إقرأ أيضاً:

ماردين عادل تكتب: الصحة النفسية فى القرآن الكريم ومنهجه فى علاج الحزن وتزكية النفس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يتميز القرآن الكريم بنظرة شمولية للإنسان تجمع بين الجوانب المادية والروحية والنفسية، وقد أولى عناية خاصة بالصحة النفسية للإنسان وتأثيرها على حياته وسلوكه. فقد تناول القرآن الكريم العديد من الحالات النفسية التى قد تؤدى بالإنسان إلى الهلاك بأسلوب يهدف إلى تهذيب النفوس وإرشادها إلى الخير.

الحزن وأثره على الإنسان

ومن الجوانب النفسية المؤدية للهلاك والتى التفت إليها القرآن الكريم: الحزن، وهو ألم صامت يسكن القلب، يحوّل النور إلى ظلام، والضحكات إلى دموع، ويجعل الروح تتوق للسلام، وقد تناوله القرآن الكريم باعتباره حالة نفسية خطيرة يمكن أن تؤدى إلى هلاك النفس من عدة جوانب، وتجلى هذا فى نماذج قرآنية عديدة.

من هذه النماذج، سيدنا يعقوب عليه السلام: حيث يصور القرآن أثر الحزن الشديد عليه بقوله تعالى: "وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ" (سورة يوسف: ٨٤). فقد كان الحزن سببًا كافيًا أوجب له كثرة البكاء فعمى بصره؛ فالحزن، وإن كان مشاعر تسكن القلب، إلا أن آثاره تنعكس على الجسد كله، فيضعف المناعة، ويرهق القلب، ويثقل الجسد بأكمله.

منمنمة إيرانية بعنوان "قميص يوسف" للفنان محمود فرشجيان 

وفى قوله تعالى: "حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا" (يوسف: ٨٥) حرضًا أى تصل إلى الهلاك أو شدة المرض، كأنَّ الحزن هو الذاهب به إلى الهلاك. وأما فى قوله تعالى : "إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَٰنِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْـئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" (المجادلة: ١٠) يأتى الحزن هدفًا من أهداف الشيطان ليعكر صفو الإنسان، فعندما يسيطر الحزن على الإنسان، يصيبه بالجمود والتوقف عن ممارسة حياته الطبيعية.

يؤثر الحزن العميق والمستمر بشكل مباشر على الصحة النفسية، حيث يخل بالتوازن الكيميائى فى الدماغ، مما يؤدى إلى انخفاض مستويات الناقلات العصبية المسئولة عن الشعور بالسعادة والرضا. هذا الخلل يؤدى إلى تغيرات فى نمط النوم والشهية، ويضعف القدرة على التركيز واتخاذ القرارات. مع مرور الوقت، يمكن أن يتطور الحزن المستمر إلى اكتئاب سريري، خاصة إذا ترافق مع العزلة الاجتماعية وفقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية. كما يمكن أن يؤدى إلى اضطرابات القلق وصعوبة فى التعبير عن المشاعر، مما يخلق حلقة سلبية تزيد من تفاقم الحالة النفسية. لذلك حذر الله عز وجل فى كتابه العزيز من الحزن ونهى عنه.

اليأس والقنوط

اليأس هو فقدان الأمل والشعور بالعجز عن تحقيق ما يُراد، أما القنوط فهو الإحباط الشديد الذى يصل بصاحبه إلى الاستسلام وعدم توقع الفرج أو التغيير. وقد حذر الله من اليأس باعتباره من الأمراض النفسية الخطيرة، قال تعالى: "وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ  إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف: ٨٧). اليأس والقنوط قد يدفعان الإنسان إلى إيذاء نفسه، بل إن معظم حالات الانتحار تنبع من الشعور بهما. لذلك، حذّرنا الله عز وجل من الاستسلام لليأس ونهانا عنه ودعانا إلى التمسك بالأمل.

نهى الله تعالى المؤمنين عن الحزن لأنه يضعف النفوس ويثبط الهمةالنهى عن الحزن والحث على الفرح

خاطب الله نبيه صلى الله عليه وسلم فى أكثر من موضع مذكّرًا إياه بعدم الحزن على الذين كذبوا به والمشركين فقال: "وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِى ضِيقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ" (النحل: ١٢٧) كان حزن الرسول صلى الله عليه وسلم على من يكذبونه نابعًا من رحمته العظيمة وحرصه على هدايتهم، فقد كان يتمنى الخير للجميع، وعندما كانوا يرفضون دعوته ويكذبونه، كان ذلك يؤلمه لأنه يدرك عاقبة إعراضهم عن الحق. وقد خاطبه الله فى القرآن الكريم ليواسيه، فقال:"فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفًا" (الكهف: ٦)، أى أنك تكاد تهلك نفسك حزنًا على إعراضهم.

نهى الله تعالى المؤمنين عن الحزن لأنه يضعف النفس ويثبط الهمة، مما قد يعوقهم عن السعى والعمل والاعتماد على الله. فالحزن المفرط قد يؤدى إلى اليأس والقنوط، وهما من الأمور التى لا تليق بالمؤمن، لأنه يعلم أن الله معه، وأن الفرج قريب مهما اشتدت المحن. وقد قال الله تعالى: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" (آل عمران: ١٣٩)، تأكيدًا على أن الإيمان يمنح القوة والثبات أمام الابتلاءات، ويعين المؤمن على تجاوز المحن بالصبر واليقين.

ويقول الله تعالى فى قصة أم سيدنا موسى: "فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ"(القصص: ١٣). الله عز وجل يعلم السر وأخفى، فهو مدرك لما تخفيه القلوب من أحزان وآلام. لقد علم مدى الحزن الذى كاد يفطر قلب أم سيدنا موسى عليه السلام، فردّه إليها رحمة بها، لتقر عينها وتسعد. وهنا ندرك معية الله الدائمة للإنسان، وحقيقة قربه منا، كما قال سبحانه: "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" (ق: ١٦).

ونلاحظ أن جميع الآيات التى تتحدث عن الجنة ونعيمها تنتهى بـ"وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"؛ وهذا يعنى أن الحزن يجعل الإنسان يعيش فى كبد، وهذا الكبد والعناء سيزول فى جنة الخلد.

وفى قول النبى لأبى بكر الصديق فى الغار "لا تَحزَن إنَّ اللهَ مَعَنا" (التوبة: ٤٠)؛ يؤكد أن معية الله سبب لعدم الحزن، جاءت كرسالة طمأنينة وسط الخطر، لتبدد الخوف وتزرع الثقة واليقين، تحمل هذه العبارة معنى نفسيًا عميقًا، حيث تحول الانتباه من المخاوف إلى الإيمان، وتنقل القوة من القائد إلى التابع. فهى دعوة للاطمئنان بأن العناية الإلهية تحيط بالمؤمن فى أصعب اللحظات والتى من أجلها الحزن.

"فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون"

ودعانا القرآن الكريم فى الآية: "قُل بِفَضلِ اللهِ وبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعون" (يونس: ٥٨) للفرح بفضل الله ورحمته، التى هى خير من الدنيا وما فيها. وأن الفرح الحقيقى ليس فى المال أو متاع الدنيا، بل فى فضل الله ورحمته، التى تشمل الإيمان والهداية، فهذه النعم هى الخير الدائم الذى يفوق كل ما يمكن للإنسان جمعه من الدنيا، مما يجعل الرضا والقرب من الله أعظم أسباب السعادة الحقيقية.

تتجلى حكمة النهى عن الحزن فى آثاره المتعددة التى تمس جوانب حياة الإنسان كافة. فعلى الصعيد النفسي، يمكن أن يقود الحزن صاحبه إلى دوامة من الاكتئاب والقلق المستمر. أما جسديًا، فإنه يترك بصمته السلبية على صحة الإنسان، إذ يضعف جهازه المناعى ويرفع ضغط دمه. ويمتد تأثير الحزن إلى الجانب الاجتماعي، حيث يدفع الشخص نحو الانعزال والانطواء بعيدًا عن محيطه. والأهم من ذلك كله، أثره الروحى العميق، فهو يوهن العلاقة مع الله سبحانه، ويحجب القلب عن الخشوع فى العبادة، وقد يتطور الأمر ليصل بالإنسان إلى حافة اليأس والقنوط من رحمة الله.

آفة التكبر

التكبر آفة خطيرة من آفات النفس البشرية، وهو من الصفات الذميمة التى تفسد القلوب وتؤدى إلى الهلاك، وحذر منها القرآن الكريم وبين خطورتها على الفرد والمجتمع، فهى خلق ذميم يتمثل فى رفض الحق واحتقار الناس والترفع عليهم بغير حق، وشعور بالغرور والتعالى على الآخرين، سواء كان ذلك بسبب المال أو العلم أو الجاه أو القوة كما ورد فى حديث النبي ﷺ:"الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ" (رواه مسلم) وقد حذر القرآن الكريم من التكبر وعواقبه الوخيمة، إذ اعتبره من الصفات التى تبعد الإنسان عن رحمة الله وتوقعه فى الضلال فقال تعالى: "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ" [الأعراف: ١٤٦].

رموز التكبر فى القرآن الكريم

يُعدّ التكبر أول معصية عُرفت فى الوجود، حين أبى إبليس السجود لآدم عليه السلام، مستكبراً بأصله وخلقته. وهو من أشد الذنوب فتكاً بالنفس البشرية، إذ يُهلك صاحبه فى الدنيا والآخرة. وقد حفل القرآن الكريم بنماذج عديدة للمتكبرين الذين حاق بهم سوء العاقبة - عبرةً وعظةً للمؤمنين. فكل من تكبر وتجبر فى الأرض كان مصيره الهلاك والخسران المبين، تحقيقاً لسنة الله فى خلقه. ومن هذه النماذج: إبليس، فهو أول من تكبر فى الخليقة، حيث رفض السجود لآدم عليه السلام. قال تعالى: "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ" [البقرة: ٣٤]. وقال متعاليًا: "أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" (الأعراف: ١٢).

وكان لعدم سجود إبليس لآدم عليه السلام عواقب وخيمة، حيث طُرد من رحمة الله وجنته، ولُعن إلى يوم الدين. يقول الله تعالى: "قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ" [الحجر: ٣٤-٣٥]. ولم يكتفِ الله بطرده، بل جعله مذمومًا مدحورًا؛ أى مطرودًا مبعدًا من كل خير. وأصبح من الكافرين بعد أن كان من المقربين، وخسر مكانته العظيمة بين الملائكة. كما حُرم من التوبة لإصراره على الكبر وعدم الاعتراف بخطئه.

ومن رموز التكبر والعناد: فرعون، فهو من أشهر المتكبرين فى التاريخ، كان تكبره لعدة أسباب حيث زعم الألوهية واعتمد على قوة جيشه وكثرة جنوده، مما جعله يستضعف بنى إسرائيل ويستعبدهم. قال تعالى: "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ" [القصص: ٤].وقال لقومه: " أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ" (النازعات: ٢٤)، تكبر بملكه وسلطانه، حيث قال متباهيًا: "أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِى مِن تَحْتِي" [الزخرف: ٥١]. فاغتر بما آتاه الله من ملك وسلطان، وظن أن ذلك من قوته وحوله.

الحزن العميق والمستمر يؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية ويخل بالتوازن الكيميائى فى الدماغ

تجلت عاقبة تكبر فرعون فى عقوبات متعددة، فقد أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وأغرقه الله وجنوده فى البحر بعد أن تجبر فى الأرض وادعى الألوهية، قال تعالى: "فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِى الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ" (القصص: ٤٠) ولم تقتصر عقوبته على الغرق، بل جعل الله جسده عبرة لمن بعده، حيث قال تعالى: "فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً" [يونس: ٩٢]. فحفظ الله جسده ليكون آية وعبرة للأجيال اللاحقة.

كما أهلك الله ملكه وسلطانه وما كان يعرشون، قال تعالى: "وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ" (الأعراف: ١٣٧) وفوق ذلك كله، جعله الله مثالاً يُضرب للطغيان والتكبر على مر العصور، وتوعده بأشد العذاب فى الآخرة، قال تعالى: "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ" (غافر:٤٦).

نموذج آخر للكبر هو قارون، وكان المال هو السبب الرئيسى لتكبر قارون، حيث آتاه الله من الكنوز ما أن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة. وقد تجلى تكبره فى عدة مظاهر من أهمها أنه نسب الفضل لنفسه ولذكائه قال تعالى على لسانه: "إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي" (القصص: ٧٨).

عاقب الله قارون عقوبة شديدة تتناسب مع تكبره فخسف الله به وبداره الأرض، قال تعالى: "فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ" (القصص: ٨١). لم تنفعه كنوزه وأمواله التى تكبر بها، قال تعالى: "فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ" (القصص: ٨١). وعلاوة على ذلك أصبح عبرة لمن كانوا يتمنون مكانه، قال تعالى: "وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ" (القصص: ٨٢). فكان مصيره عبرة لكل من يغتر بماله ويتكبر به على عباد الله، وتذكيراً بأن المال مال الله يؤتيه من يشاء من عباده.

قرآن كريمفضيلة التواضع

التواضع من أهم الصفات التى حثَّ عليها القرآن الكريم. قال تعالى: "وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ" (الحجر: ٨٨)، وفى الآية أمر صريح بالتواضع للمؤمنين، وفى قوله تعالى: "وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" (الشعراء: ٢١٥).

فقد أمر الله المؤمنين بالتواضع، ومدح المتواضعين، قال تعالى فى وصف عباد الرحمن: "وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا" "الفرقان: ٦٣)، وقال فى وصف المؤمنين: "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ" (المائدة: ٥٤) وفى الآيات توجيه بضرورة التواضع وفضيلته، فقد وعد الله المتواضعين بالجنة: "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا" (القصص: ٨٣) والعلو هو التكبر والتعالي، وهو صفة مذمومة تؤدى بصاحبها إلى الضلال، وتجعله أهلا للعقاب الإلهي، بينما التواضع يرفع الإنسان فى الدنيا والآخرة. وقد قدم لنا القرآن الكريم أمثلة واضحة عن مصير المتكبرين، مما يجعلنا نتخذ العبرة ونسعى إلى التحلى بالتواضع والاعتراف بأن كل النعم من الله وحده.

*ماردين عادل

كاتبة ومعيدة بكلية الآداب جامعة سوهاج

الصحة النفسية في القرآن الكريم، العدد الإليكتروني

مقالات مشابهة

  • في محاضرته الرمضانية الثانية قائد الثورة: القرآن الكريم هو كتاب هداية جاء بأحسن القصص
  • دعاء آخر ساعة ليلة 3 رمضان.. 8 كلمات تجبر قلبك وتعوضه عن كل شيء
  • دعاء اليوم الثالث من رمضان.. 3 كلمات في القرآن لا ترد
  • دعاء ليلة رمضان الثالثة بالقرآن الكريم
  • رمضان يعني.. ألف ليلة وليلة ونهايتها الشهيرة.. "سيبني لبكرة الله يخليك"
  • تكريم الفائزين بجائزة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم للبنين غدًا
  • لجلب الخير والمغفرة.. أدعية لـ ثاني ليلة في رمضان بالقرآن الكريم
  • كيف نختم القرآن الكريم في شهر رمضان المُبارك
  • ماردين عادل تكتب: الصحة النفسية فى القرآن الكريم ومنهجه فى علاج الحزن وتزكية النفس
  • اقرأ غدًا في «البوابة».. كتاب الله.. مفاتيح لفهم معانى القرآن الكريم وإدراك ما يحتويه من كنوز