أمريكا وصناعة "حضارة التوحش"
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
محمد بن رضا اللواتي
سَعَت الولايات المتحدة منذ عقود لصناعة حضارة أبعد ما تكون عن الأخلاق والقيم والفضيلة، وفي الواقع فلقد سعت إلى تكريس انحطاط الإنسان بصناعة غابة مُوحِشَة ترأسها هي ومن يسايرها ممن أسمتهم بـ"المجتمع الدولي"، ذاك المصطلح الذي بات يُعبر عن مجتمع أمريكا السياسي والحربي والاستعماري.
في هذه الغابة المُوحِشَة، تبدو المفاهيم البديهية واضحة الدلالات عصية على الفهم، مشوشة وتحتاج إلى إثباتات!
وكما أشارت الكاتبة نوف السعدية في مقالها "غيرتنا غزة للأبد"، بأننا في حضارة، السرقة فيها بصفتها عمل غير أخلاقي، أضحت في مسيس الحاجة لتقديم دلائل على كونها غير أخلاقية!
وهكذا القتل، بما فيه قتل الأطفال، وأبشع أنواع القتل، وهدم المستشفيات والمدارس والمنازل على رؤوس من فيها من الرُّضع والعجزة والنساء، يحتاج لدليل ملموس يؤكد أن ذلك كله في حاجة لتحقيق لكي يتم التأكد من كونه عملًا لا أخلاقي!
غابة أمريكا المُوحِشَة هذه بدأت قبل عقود طويلة، بحرب لا هوادة فيها على الله، لأجل إخراجه من التفكير والاعتبار، فلقد عملت مؤسسات أمريكا الإعلامية وفي إطار الترفيه -هوليوود مثلا- على تحويل الإله إلى فكرة تنبت في العقل قهرًا، وليست فكرة تكون انعكاسا للواقع الخارجي. هذا اللون من غسيل الدماغ تمَّ بعد جهود كبيرة بُذلت لصياغة تعريف للعلم لا يدعم فكرة وجود الإله بالمرة، رافقه عمل رصين وهو جعل كل ما هو خارج عن تعريف العلم في أبجديات الغابة المُوحِشَة، مساوٍ للعدم!
ولم ننتبِه نحن إلى المسار الكارثي الذي نَنقاد إليه، رغم أننا نحملُ عقيدةَ التوحيد وبين أيدينا كتاب فيه كلام الله بحسب مُعتقدنا؛ ذلك لأن التطوُّر التقني الذي راهنت عليه أمريكا ليكون نبيَّ العصر، تمكَّن منا تماما، فبتنا لا نستطيع أن نتخيَّل أن حضارة رفدت إلى الأمم هذا التطور التقني من الممكن أن تكون مُتوحِّشَة إلى مقدار لعق دماء الأطفال وإماتتهم جياعًا، حتى سطع نجم "غزة" وسط فوران الدماء ونزف الجراح وبكاء الأطفال ونحيب النساء، لتوجد انقلابا حقيقيا في ضمير الأمم، ويتقشع الضباب الذي ظل جاثما على أعيننا لأمد، وتظهر معه معالم التوحُّش والإجرام العالمي الذي صنعت له أمريكا هذه الحضارة التي نعيشها نحن اليوم.
إنَّه عالم مُوحِش للغاية؛ فالإبادة الجماعية التي يمارسها الصهيانة بإملاء أمريكا في فلسطين السليبة، وبأسلحتهم، في حاجة إلى أن تُرفع ضدها "دعوى قضائية"، وإلا ومن دونها وكأن شيئا لم يكن! لقد خُتمت أفواه دُعاة حقوق الإنسان بالشمع الأحمر!
وما كانت قيمة تلك القرارات التي صدرت عن محكمة العدل الدولية بالأمس، في حين راعية الارهاب والقتل العالمي -أمريكا- تلقي ببطاقة الفيتو في وجه الهدنة الإنسانية الفورية في غزة، والتي اقترحتها الجزائر على مجلس الأمن. هل هناك ثمة من لا يزال مُرتابا في أن الولايات المتحدة قد صاغت هذه الحضارة على أنقاض الضمير الأخلاقي؟
لو لم تُختتم مسيرة الأنبياء بآخرهم "ص"، لكانت أمريكا اليوم تحشد مجتمعها الدولي لقتالهم، لأنهم لم يكونوا قد أتوا يوما لأجل إرشاد البشرية إلى كيفية استخدام تقنية النانو، ولا لأنهم لم يجدوا في ذلك جدوى أو فائدة تعود للمجتمع البشري، وإنما لأنهم أدركوا أنه ما لم تتم صناعة الإنسان، وما لم يتم بناء محتواه الداخلي الأخلاقي، ولن يتم ذلك إلا بحضور الإله في حياة هذا الإنسان، فإنَّ التطور التقني سيكون إحدى أشد وسائل الفتك والولوغ في دماء الأبرياء، كما نرى ذلك اليوم.
لو لم تُختتم سلسلة المبعوثين بالوحي لكانت الولايات المتحدة قد لطَّخت أيديها بدمائهم، ولعملت على إقناعنا بضرورة قتلهم، وما أسهل ذلك عندما يتم طرد الإله من حياة الإنسان، ثم تصبح المثلية حالة طبيعية يُعاقب عليها المعتَرِض، ثم تُشن حربٌ على "الجيندر"، وختاما تنقلب البديهات لتصبح أفكارا في حاجة لإثبات.
الصراع اليوم هو في مقدرة الإنسان في الحفاظ على إنسانيته في غابة التوحُّش الأمريكية هذه، ومقدرته على القول "لا" للفيتو الخبيث الذي تتستَّر خلفه.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
غرفة تجارة وصناعة عُمان تدشّن الدفعة الخامسة من برنامج المدير المالي العُماني بمحافظة جنوب الشرقية
دشّن فرع غرفة تجارة وصناعة عُمان بمحافظة جنوب الشرقية الدفعة الخامسة من برنامج "المدير المالي العُماني"، الذي تنفّذه الغرفة بالتعاون مع معهد المحاسبين القانونيين بجمهورية الهند، ضمن جهودها المستمرة لتأهيل الكفاءات الوطنية وتطوير قدراتهم في مجالات المحاسبة والقيادة المالية.
وأشار أنور بن حمد السناني، رئيس فرع الغرفة بمحافظة جنوب الشرقية إلى أهمية هذه البرامج في دعم تطور أصحاب وصاحبات الأعمال، من خلال تعزيز المعرفة العلمية والعملية، بما يسهم في بناء مجتمع أعمال أكثر كفاءة وابتكارًا.
من جانبه أكد الدكتور عبدالله بن مسعود الحارثي، عضو مجلس إدارة الغرفة ورئيس اللجنة الإشرافية للبرنامج أن هذه المرحلة تمثّل امتدادًا للنجاحات المتحققة في البرنامج، حيث تستهدف الخريجين الذين أتموا بنجاح المرحلة الأولى. وأضاف الحارثي: ندشن اليوم المرحلة المتقدمة من البرنامج، والتي تمتد على مدى عام كامل، وتتضمن دروسًا فردية ودورات تدريبية مصممة لتلبية الاحتياجات المهنية لكل متدرب، بما يعزز مهاراتهم الاستراتيجية والقيادية في مجال المحاسبة القانونية.
وأوضح الحارثي أن البرنامج يركّز على التوجيه العملي والتجارب الميدانية، تحت إشراف نخبة من المرشدين المتخصصين، بهدف إعداد جيل من القادة الماليين المؤهلين لدعم الاقتصاد الوطني، كما عبّر عن فخره بتدشين الدفعة الخامسة، معتبرًا ذلك إنجازًا يعكس استمرارية نجاح المبادرة وشراكاتها الاستراتيجية، التي أسهمت في تعزيز جاهزية الكفاءات العُمانية لسوق العمل المحلي والدولي.
وأضاف: نجدّد في غرفة تجارة وصناعة عُمان التزامنا بدعم وتأهيل الكوادر الوطنية، انسجامًا مع أهداف "رؤية عُمان 2040"، ونثمّن دور الشركاء في إنجاح هذا البرنامج ونتطلع إلى مواصلة تقديم مبادرات نوعية تُسهم في ترسيخ مكانة سلطنة عُمان كمركز للكفاءات المالية المتميزة.
ويشمل البرنامج عددًا من المحاور المتقدمة، من بينها النظام المالي والقانوني، وإدارة المخاطر، وإعداد الميزانيات، والنظم المحاسبية، وتطوير القيادة، واستراتيجيات الاستثمار، وإدارة التمويل، وإدارة الموارد، وخطط العمل الاستراتيجي، وذلك بهدف تمكين المشاركين من مواكبة المتغيرات المتسارعة في القطاع المالي.