عربي21:
2024-07-05@23:57:55 GMT

أردوغان والواقعية السياسية

تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT

يتعرض رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان لانتقادات بعض الإسلاميين؛ منذ أن تقدمت أنقرة بخطوات ملموسة لترميم علاقاتها مع القاهرة وأبو ظبي والرياض. ويعتبر هؤلاء تلك الخطوات تراجعا عن مواقف تركيا المشرفة من ثورات الربيع العربي، ووقوفها إلى جانب الشعوب المطالبة بالحرية والكرامة والمشاركة في حكم بلادها من خلال اختيار ممثليها عبر صناديق الاقتراع.

وجاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ليزيد من حدة الانتقادات لتصل إلى اتهام الرئيس التركي بالخذلان.

الانتقادات الموجهة إلى أردوغان هذه الأيام أعادت إلى الأذهان ما تعرض له الرجل حين انشق عن الخط السياسي الذي أسسه رئيس الوزراء التركي الأسبق، نجم الدين أربكان، ليؤسس حزب العدالة والتنمية قبل أكثر من عقدين. وكان أردوغان ورفاقه أدركوا آنذاك أنه لا جدوى من محاولات التقدم في طريق مسدود، لأنهم في النهاية سيصطدمون دائما بذات الجدار، في إشارة إلى حظر الأحزاب التي تنتمي إلى ذاك التيار، من قبل المحكمة الدستورية واحدا تلو الآخر.

الرئيس التركي يطبق هذه الواقعية في السياسة الخارجية أيضا، ويحاول أن يوازن بين السعي إلى تحقيق طموحاته ومراعاة الظروف، ويتحاشى تقديم خطوات غير محسوبة قد تؤدي إلى جر البلاد إلى قلب الأزمات والمستنقعات، وتعرض أمنها واستقرارها للمخاطر والفوضى والاضطرابات. وقد يعبر عن طموحاته بشعارات رنانة وكلمات براقة وتصريحات مليئة بالحماس والاعتزاز، إلا أن تطبيقاته على أرض الواقع تتسم إلى حد كبير بالعقلانية والواقعية والحذر الشديد
كان هناك كتاب ومفكرون في تركيا والعالمين العربي والإسلامي، انتقدوا انشقاق أردوغان ورفاقه عن تيار أربكان، واعتبروه "شقا للصفوف" أو "انحرافا عن الخط الإسلامي". وكانت بعض تلك الانتقادات شديدة اللهجة، إلا أن النجاحات التي حققها حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان منذ تأسيسه، أثبتت أن قرار الانشقاق كان صائبا، وأن المنتقدين هم المخطئون.

أردوغان لديه طموحات كبيرة، مثل رفع تركيا إلى مستوى الدول العظمى في كافة المجالات، كما يستمع إلى آراء المواطنين ومطالبهم ليسعى إلى تحقيقها، إلا أنه في ذات الوقت يراعي الواقعية السياسية وظروف البلاد والمنطقة والعالم كيلا يدخل طريقا مسدودا لا ينتظره غير الاصطدام بالجدار.

الشعب التركي كان يعاني من ممارسات قمعية تقوم بها أقلية متسلطة تتخذ العلمانية المتوحشة سلاحا ضد المتدينين، وكان حظر ارتداء الحجاب في الجامعات والمدارس أبرز مثال لتلك الممارسات، لكن لم يكن أول ما قام به حزب العدالة والتنمية حين فاز في الانتخابات بأغلبية ساحقة وشكّل الحكومة؛ هو حل هذه المشكلة، لأن الظروف آنذاك لم تكن مهيئة، بل تم رفع الحظر بعد سنوات من تولي الحزب حكم البلاد.

الرئيس التركي يطبق هذه الواقعية في السياسة الخارجية أيضا، ويحاول أن يوازن بين السعي إلى تحقيق طموحاته ومراعاة الظروف، ويتحاشى تقديم خطوات غير محسوبة قد تؤدي إلى جر البلاد إلى قلب الأزمات والمستنقعات، وتعرض أمنها واستقرارها للمخاطر والفوضى والاضطرابات. وقد يعبر عن طموحاته بشعارات رنانة وكلمات براقة وتصريحات مليئة بالحماس والاعتزاز، إلا أن تطبيقاته على أرض الواقع تتسم إلى حد كبير بالعقلانية والواقعية والحذر الشديد من الوقوع في فخ والانزلاق نحو ما لا يحمد عقباه.

أردوغان لديه خبرة سياسية كافية لمعرفة أن أي مغامرة مع تجاهل الظروف ونقاط القوة والضعف لا تأتي بالنتائج المرجوة، بل قد تتسبب في ضياع الجهود والمكتسبات. كما أن تلك الخبرة تدفعه إلى التراجع، إذا أدرك أنه أخطأ أو رأى أن الظروف قد تغيرت، ولا يتردد في الخروج من الطريق الذي دخله حين تأكد أنه مسدود، ليبحث عن بديل.

أردوغان لديه خبرة سياسية كافية لمعرفة أن أي مغامرة مع تجاهل الظروف ونقاط القوة والضعف لا تأتي بالنتائج المرجوة، بل قد تتسبب في ضياع الجهود والمكتسبات. كما أن تلك الخبرة تدفعه إلى التراجع، إذا أدرك أنه أخطأ أو رأى أن الظروف قد تغيرت، ولا يتردد في الخروج من الطريق الذي دخله حين تأكد أنه مسدود، ليبحث عن بديل
الزعيم الألماني الشهير، أوتو فون بسمارك، قال في القرن التاسع عشر إن "السياسة فن الممكن"، إلا أن دور السياسي هو السعي إلى أن يجعل الحلول والخيارات داخل دائرة الإمكان، دون أن يكتفي بما هو موجود في تلك الدائرة. ومن المؤكد أن هذا السعي يحتاج إلى جهود حثيثة ومدة من الزمن وتغيير الخيارات وفق الظروف المتغيرة. وهذه القاعدة هي التي يطبقها الرئيس التركي لتحقيق مصالح بلاده.

فما لم يكن بالأمس ممكنا أصبح اليوم ممكنا قابلا للتحقق، بفضل هذه السياسة، ولم يعد ارتداء الحجاب محظورا، لا في الجامعات والمدارس فحسب، بل حتى في الدوائر الرسمية وقوات الأمن والجيش. وهناك أشياء كثيرة أصبحت اليوم في دائرة الإمكان، رغم أنها كانت من المستحيلات قبل حوالي عقدين. كما أن هناك أشياء أخرى ما زالت خارج تلك الدائرة.

أردوغان فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الجولة الثانية بفارق قليل، كما أن بلاده المحاطة بالصراعات الساخنة والحروب ليست قوة نووية، ولا من أعضاء مجلس الأمن الخمسة الذين يملكون حق الفيتو، وهي أيضا تواجه مشاكل عديدة وتحديات داخلية وإقليمية. وكل ذلك يفرض على الرئيس التركي أن يراعي التوازنات لحماية أمن بلاده واستقلالية قرارها وأن يكون شديد الحذر في قراراته كي لا يمنح للمتربصين فرصة لإجهاض صعود بلاده.

والتالي، تجب قراءة ترميم تركيا علاقاتها مع مصر والإمارات والسعودية، وزيارة أردوغان لتلك الدول، زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المرتقبة لأنقرة، بالإضافة إلى الجهود الدبلوماسية التي تبذلها أنقرة لإنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في إطار الواقعية السياسية التي يتبناها الرئيس التركي.

twitter.com/ismail_yasa

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه أردوغان تركيا السياسة تركيا أردوغان تحديات السياسة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الرئیس الترکی کما أن إلا أن

إقرأ أيضاً:

أردوغان يكشف عن فخ خبيث.. وتركيا تعلن غلق حدودها مع سوريا

 

 نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر بالمعارضة السورية وسكان أن تركيا أغلقت معابرها الحدودية الرئيسية إلى شمال غربي سوريا الثلاثاء، بعد تعرض قوات تركية لإطلاق نار من سوريين غاضبين، بسبب العنف ضد أفراد من الجالية السورية في تركيا.

وقال وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا إن الشرطة في تركيا اعتقلت 474 شخصاً شاركوا في هجمات استهدفت الجالية السورية في أنحاء البلاد الليلة الماضية امتداداً للاضطرابات التي بدأت في وقت متأخر من يوم الأحد.

وتعرضت ممتلكات وسيارات مملوكة لسوريين لأعمال تخريب وإحراق في مدينة قيصري بوسط تركيا، وأججتها تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي ذكرت أن رجلاً سورياً اعتدى جنسياً على طفلة من أقاربه. وقال يرلي قايا إن الحادث قيد التحقيق.

وقالت وكالة المخابرات التركية في بيان إن أعمال العنف امتدت إلى محافظات هاتاي وغازي عنتاب وقونية وبورصة ومنطقة إسطنبول.

وأشارت تقارير على مواقع التواصل الاجتماعي إلى وقوع إصابات بين السوريين.

وبعد ذلك، خرج مئات السوريين الغاضبين إلى الشوارع في بلدات عديدة بشمال غربي سوريا الذي يخضع لسيطرة المعارضة، وهي منطقة تحتفظ فيها تركيا بقوات قوامها آلاف الجنود وتتمتع بنفوذ يمنع الرئيس السوري بشار الأسد من استعادة السيطرة عليها.

وقال مسؤول على الحدود لوكالة "رويترز" إن تركيا ردت في وقت متأخر من الاثنين على الاضطرابات بإغلاق معبر باب الهوى الحدودي حتى إشعار آخر. ويعد باب الهوى إلى جانب باب السلام ومعابر أخرى أصغر ممرات رئيسية لعبور حركة التجارة والركاب لأكثر من ثلاثة ملايين نسمة.

وكانت مدينة عفرين الحدودية السورية مسرحاً لأعنف الاشتباكات، إذ قُتل أربعة أشخاص على الأقل في تبادل لإطلاق النار بين محتجين مسلحين والقوات التركية.

وشهدت أماكن أخرى مناوشات واشتباكات مسلحة، حيث ألقى مدنيون حجارة على قوافل تركية في عدة بلدات ومزقوا العلم التركي الذي كان مرفوعاً على بعض المكاتب.

ووصف العديد من المسؤولين الأتراك الاضطرابات في سوريا بأنها "استفزازات"،

وقالت وزارة الخارجية: "من الخطأ استخدام الأحداث المحزنة التي وقعت في قيصري.. كأساس لبعض الاستفزازات خارج حدودنا".

وفي كلمة ألقاها مساء الثلاثاء، اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جماعات مرتبطة بمنظمات إرهابية بالتسبب في "خطة الفوضى" هذه وتعهد بالكشف عن "الأيادي القذرة" التي تقف وراء الأحداث التي وقعت في الآونة الأخيرة. وقال أردوغان بعد اجتماع لمجلس الوزراء: "نعلم من يمارس هذه الألاعيب مع فلول التنظيم الإرهابي. لن نقع نحن ولا إخواننا السوريون في هذا الفخ الخبيث.. لن نستسلم للتخريب العنصري".

وأضاف أن أكثر من 670 ألف شخص عادوا إلى مناطق في شمال سوريا، حيث عملت تركيا على إنشاء مناطق آمنة خلال السنوات العشر الماضية. وذكر أردوغان أن بلاده ستتوصل إلى حلول لقضية اللاجئين على الصعيدين الإنساني والأخلاقي بما يتماشى مع الواقع الاقتصادي لتركيا التي تستضيف أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري.

وكان أردوغان قد قال يوم الجمعة الماضي إن الاجتماع مع الأسد ممكن لمساعدة في استعادة العلاقات الثنائية.

وقطعت تركيا العلاقات مع سوريا بعد بدء الحرب الأهلية السورية عام 2011 ودعمت معارضين يتطلعون إلى الإطاحة بالأسد.

مقالات مشابهة

  • بدعم أتراك برلين وحضور الرئيس أردوغان… تركيا تخوض ربع نهائي يورو 2024 على أرضها
  • أردوغان يتحدث عن "عهد جديد من التقارب" مع سوريا
  • الرئيس التركي: نعتزم دعوة كل من الرئيس الروسي والرئيس السوري لعقد لقاء مشترك
  • الرئيس التركي: أنقاض غزة تمثل ركام النظام الدولي
  • أردوغان: يجب إيقاف إسرائيل وإجبارها على قبول الصفقة
  • لقاء يجمع أردوغان وبوتين.. تأكيد على رفع التبادل التجاري وزيادة الاستثمارات
  • لقاء يجمع أرودغان وبوتين.. تأكيد على رفع التبادل التجاري وزيادة الاستثمارات
  • مباحثات قمة ثنائية بين بوتين وأردوغان على هامش "قمة شنغهاي" في أستانا
  • أردوغان يكشف عن فخ خبيث.. وتركيا تعلن غلق حدودها مع سوريا
  • أردوغان: نعرف كيف نكسر الأيادي القذرة التي تطال علم تركيا