الحرب من الانغلاق إلى الفضاء العام
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن الأزمة السياسية الاجتماعية التي يعيشها السودان، هي أزمة فكر و مادام العقل السياسي السوداني عاجز على إنتاج الفكر ستظل الأزمة تتعمق أكثر.. أن الأفكار ظلت ثابته طوال النظم السياسية السابقة، و التغيير الذي حدث في مسيرة الإنقاذ كان تغييرا طفيفا طوال الثلاثين سنة عمر الإنقاذ، و يعود ذلك لأن الصراع كما قال الدكتور التجاني عبد القادر لم يخرج من دائرة ” القبيلة و السوق و جهاز الأمن” و حتى السوق حكمته البنية الطفيلية ذات الأفق المغلق، الذي لا يستطيع أن يغادر فكرة الأعمال الهامشية ذات العائد السريع.
أن الأفكار الثابتة غير المتجددة تجعل المواقف السياسية ثابته، و لن يحدث فيها أي نوع من التغيير. و بعض الفاعليات التي تنشط تكون محكومة بهذه الأفكار الثابته، لذلك يصبح نشاطها تكتيكا لا يفضي لتغيير. أما إذا استطاعت فئة أن تخرج من دائرة ثبات الأفكار و تقدم أفكارا جديدة سوف تحدث تغييرا كليا في العمل السياسي، لأن الأفكار سوف تغير طريقة التفكير السائدة و تجعلها تتجاوز النسق القديم إلي نسق جديد يتلاءم مع الأفكار الجديدة. لأنها هي التي تهيئة البيئة التي يجب أن تنمو فيها الديمقراطية، و لكن البيئة السياسية الحالية غير صالحة، حتى الآن القوى السياسةعاجزة أن تخرج من دائرة الفعل و ردة الفعل المضادة، غير قادرة تتجاوز المعادلات الصفرية و دعوات الإقصاء و المصطلح الجديد “لا نريد الإغراق السياسي” الذي طرحته ” قحت المركزي” في الساحة السياسية، فكلها تشكل إعاق لأي ألإكار جديدة يمكن أن تساعد على تهيئة البيئة للديمقراطية. و الحرب نفسها تشكل تحديا للمسار الديمقراطي لأنها تفرض شروطا جديدة للعملية الأمنية.
إذا نظرنا إلي واقع التجربة السياسية نجد في محطات الثبات و التضييق على شغل العقل الذي كان يقعد بالأحزاب السياسية نجد أن الأفكار الجديدة هي التي كانت تفتح نفاجات للحل، في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي جاء السيد الصادق بأفكار جديدة تهدف لتحديث الحزب و تطويره لكي يتحول من موروث الاقطاع للقوى الحديث، و استطاع الصادق أن ينافس عمه الهادي عبد الرحمن المهدي، و يسحب منه أغلبية القوى الحديثة بالأفكار التي كان قد طرح ذلك الوقت. و أيضا في عام 1956م دعت وثيقة الحزب الشيوعي في مؤتمره الثالث إلي تحويل الحزب إلي قوة أجتماعية كبرى.. و في عام 1963 نادت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وضع الترتيبا الازمة لتأهيل الحزب لاستقبال التطورات المرتقبة في الحياة السياسية بعد ما تصاعدت معارك الحركة ضد نظام عبود العسكري.. و كانت الدعوة لعملية
توحيد قوى اليسار و تحويل الحزب الشيوعي إلي ” حزب اشتراكي” و لكن توقفت الدعوة بعد نصيحة قدمها السوفيت إلي عبد الخالق محجوب أن تحويل الحزب إلي حزب اشتراكي يعني التخلص تماما من إرث الحزب النضالي السابق. و تراجعت القيادة. لكنها كانت فكرة و وجدت تأييدا من قبل القاعدة. و كانت قيادة الحزب سوف تنجز ذلك لولا تدخل قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي. و ايضا فكرة إعلان الاستقلال من داخل البرلمان التي وحدة الحركة الوطنية في فكرة واحدة.. فالأفكار هي التي تحرك الساكن في السياسية و تفتح منافذ للحل و ليس التمسك باراء أحادية لا تخدم إلا مصالحة حزبية و شخصية ضيقة.
هناك بعض أصوات اليسار تقول أن أي تحالف سياسي بين قوى مدنية و عسكرية يعد مشروعا لشمولية جديدة، لآن العسكر هم الذين سوف يتحكمون في مسار العمل السياسي، و يرسمون له طريق السير. و تصبح الأهداف غير واضحة، لآن العملية الشمولية لا تؤسس على مشروع سياسي واضح.. لكن الذين يقولون ذلك لا يقدمون أي رؤية أخرى بديلة، أو حتى تقديم أفكار يمكن أن تتطور عبر الحوار السياسي المفتوح.. الشمولية لا يقيمها العسكر لوحدهم أنما العقل السياسي المغلق ذو البعد الواحد هو أيضا مسار لشمولية، رغم محاولات فئات من اليسار تكثيف و نشر الشعارات الديمقراطية و لكن لا تجد لها أي سند في مرجعياتهم الفكرية.. أن عملية التحنيط للعقل و جعله لا ينظر إلا في مسار واحد غير واضح المعالم مشكلة تعمق الأزمة أكثر و لا تساعد على الانفراج، فالذي يؤمن بالديمقراطية يؤمن بدور الجماهير فيها و لا يحاول أن يسلبها هذا الحق بنشر الفزاعات و أدوات التخوين و غيرها، لأنها هي حجة المفلس فكريا.
كان الإمام الصادق المهدي أكثر القيادات السياسية إنتاجا للأفكار، و كان لا يطيق إغلاق المنافذ التي تحجب دخول الضوء، فكان يبادر بطرح المبادرة تلو الأخرى بهدف تحريك عملية الاشتغال على العقل، و رحل الإمام و وجد الحزب نفسه في دوامة غير قادر على الخروج منها، لآن الكل ينظر للعملية السياسية هي العمل من أجل الاستحواذ على السلطة، و من ثم فرض شروط تأسيسها على الأخرين في نيل أكبر حصة منها. هذا الرهان خاسر لآن اصحابه ينظرون للتاريخ و لا يعطوا أي أهتمام للمتغيرات التي حدثت في 34 سنة الماضية. فالتفكير العقلاني يبدأ بالنظر للمتغيرات التي حدثت في المجتمع، وأثرها على العملية السياسية. فالديمقراطية التي يتطلع لها العقل التقليدي ليس ديمقراطية نخبة محددة يتم أختيارها من بيوتات بعينها أو من أحزاب صفوية أو أحزاب تحاول أن تدثر التقليدية بأثواب جديدة لا تملك لها تاريخا نضاليا، أنما الديمقراطية هي التي يتحكم فيها الوعي الاجتماعي، و أيضا تتطلب الإغراق السياسي لكل الذين يرغبون في التغيير.. و نسأل الله حسن البصيرة.
الوسومزين العابدين صالح عبد الرحمنالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: هی التی
إقرأ أيضاً:
رئيس الوزراء: الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة هي حرب على الإنسانية
سرايا - قال رئيس الوزراء جعفر حسان، الثلاثاء، إن الحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة هي حرب على الإنسانية، وكل المجتمع الدولي يجب أن يكون معنياً بوقف هذا التوحش الذي طال الأطفال والنساء والعزل، واليوم يتمثل في التجويع لغايات التهجير، وطرد الشعب الثابت على أرضه.
وأكد رئيس الوزراء مجدداً على ثوابت الأردن القوية والراسخة تجاه القضيَّة الفلسطينية، التي يعبر عنها جلالة الملك دائماً بكل وضوح في "لاءات الأردن الثلاثة"؛ (لا للتهجير، لا للتوطين، لا للوطن البديل).
وأشار إلى أن الجهود التي يقودها جلالة الملك مكرسة من أجل دعم وتثبيت صمود الأشقاء الفلسطينيين على ترابهم الوطني، وهذا هو الضمان الوحيد لاستعادة حقوقهم الكاملة وفي مقدِّمتها حقَّهم في إقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة، على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967، وعلى أساس حل الدَّولتين.
جاء ذلك خلال جلسة مجلس الوزراء التي عقدت اليوم في محافظة مأدبا؛ وهي السادسة التي يعقدها في المحافظات.
إقرأ أيضاً : بعد عودة القتال .. نتنياهو يوجه تعليمات "صارمة" لوزرائهإقرأ أيضاً : الاحتلال يغلق معبر رفح ويمنع سفر المرضى من قطاع غزةإقرأ أيضاً : ارتفاع حصيلة شهداء عدوان الاحتلال على غزة إلى 322 شهيدا
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
طباعة المشاهدات: 1329
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 18-03-2025 11:48 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...