الفشل الأخلاقي للعالم في غزة يجب أن يُشعرنا جميعًا بالعار
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
بيان صادر عن مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ
مع الاجتماع الذي تعقده مجموعة العشرين في البرازيل هذا الأسبوع، تقترب حصيلة الضحايا التي نقلتها التقارير في الأعمال القتالية الدائرة في غزة من عتبة 30000 ضحية. وآمل في أن يعطي هذا وزراء الخارجية المجتمعين في منتجع ريو دي جانيرو سببًا يحملهم على التفكير فيما فعلته بلدانهم أو لم تفعله في سبيل وضع حد لذلك.
إن القول إن الحرب في غزة لا تعرف رحمة أو شفقة وتُعَدّ مثالًا على الفشل الإنساني الذريع ليس بالأمر الجديد. وما من حاجة إلى أن نعيد بيان ما هو واضح. وعوضًا عن ذلك، اسمحوا لي – بالنيابة عن زملائي في مجال العمل الإنساني – أن أحذركم ليس من اليوم فحسب، بل مما أخشاه من الغد.
إن ما تكشفت فصوله في غزة على مدى الأيام الـ137 الماضية لا مثيل له في حدته وقسوته ونطاقه. فقد قُتل عشرات الآلاف من الناس أو أصيبوا بجروح أو دُفنوا تحت الركام. وسُوّيت أحياء بكاملها بالأرض. وهُجر مئات الآلاف من الناس، الذين يعيشون الآن في ظل أشد الظروف بؤسًا بفعل حلول فصل الشتاء عليهم.
وبات نصف مليون إنسان على شفا المجاعة. وليس ثمة قدرة على الوصول إلى أبسط الاحتياجات الأساسية: الغذاء والماء والرعاية الصحية والمراحيض. يتم تجريد شعب بأكمله من إنسانيته.
إن الفظائع التي تحلّ بالناس في غزة – والمأساة الإنسانية التي يتحملونها – ماثلة هناك لكي يراها العالم، ويوثّقها الصحفيون الفلسطينيون الشجعان الذين قُتل عدد ليس بالقليل منهم وهم يوثقونها. لا يسع أحدًا التظاهرُ بأنّه لا يعرف.
لا يستطيع أحد أن يتظاهر بأنه لا يعرف كذلك أن الوكالات الإنسانية تبذل أقصى ما في وسعها: فنحو 160 من زملائنا قضوا نحبهم، ومع ذلك تواصل طواقمنا تقديم الغذاء والإمدادات الطبية ومياه الشرب المأمونة. إننا نبذل قصارى جهدنا، على الرغم من المخاطر الأمنية وانهيار القانون والنظام والقيود المفروضة على الوصول والمآسي الشخصية. وعلى الرغم من قطع التمويل عن أكبر منظمة تابعة للأمم المتّحدة في غزة، وعلى الرغم من المحاولات المتعمدة التي ترمي إلى تشويه سمعتنا.
خطة معقولةلقد أطلق المجتمع الإنساني الذي أمثّله للتوّ خُطة تبين ما نحن في حاجة إليه لكي نزيد تدفق المعونات إلى غزة، وفي شتى أرجائها. وما من شيء في هذه الخُطة غير معقول: الضمانات الأمنية. ونظام أفضل للإبلاغ عن رحلات المساعدة الإنسانية. ومعدات الاتصالات. وإزالة الذخائر غير المنفجرة. واستخدام جميع المعابر الممكنة.
ولكن على الرغم من أنني كثيرًا ما قلت إن الأمل هو عدّة العامل في المجال الإنساني وعتاده، فليس لديّ سوى أمل ضئيل في أن السلطات ستعطينا ما نحتاج إليه لكي نؤدي عملنا. لا أريد شيئًا أكثر من أن يثبُت خطئي.
إننا نعلم دون أدنى شك أن الوكالات الإنسانية سوف يُنحى باللائمة عليها – واللوم يُلقى علينا بالفعل الآن – بسبب نقص المعونات في غزة، على الرغم من شجاعة كل طواقمنا هناك والتزامها وتضحياتها.
ولكن لا يخطئنّ أحد: إن الحرمان الذي يتعرض له الناس في غزة شديد إلى حد لا يكفيهم أي قدر من المعونات.
والتحديات التي نواجهها في كل خطوة على هذا الطريق هائلة إلى حد لا نستطيع معه إلا أن نقدم الحد الأدنى.
مناشدات بلا جدوىإن هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول على إسرائيل مروعة – وقد أدنتُها مرارًا وتكرارًا ولن أتوانى عن إدانتها. ولكن لا يمكن لهذه الهجمات أن تبرر ما يحدث لكل طفل وامرأة ورجل في غزة.
ولذلك فإن رسالتي إلى وزراء خارجية مجموعة العشرين هذا الأسبوع واضحة: لقد كنا نناشد إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال في غزة، من أجل تسهيل إيصال المساعدات- ولكن دون جدوى.
وكنا ندعو إلى إطلاق سراح جميع الرهائن على الفور ودون شروط – ولكن دون جدوى.
وكنا نحث الأطراف على الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان – ولكن دون جدوى.
وكنا نناشد البلدان التي أوقفت تمويل الأونروا أن تعدل عن قرارها – ولكن دون جدوى.
واليوم، فإننا نناشدكم- أيتها الدول الأعضاء في مجموعة العشرين- لكي تستخدموا قيادتكم ونفوذكم السياسي للمساعدة في إنهاء هذه الحرب وإنقاذ حياة الناس في غزة. ففي يدكم القوة التي تمكّنكم من تحقيق فارق ملموس.
إن صمتكم وعدم اتخاذ الإجراءات لن يفضي إلا إلى إلقاء المزيد من النساء والأطفال في قبور غزة المفتوحة.
إن الوكالات الإنسانية تبذل كل ما في وسعها. فهل أنتم كذلك؟
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: على الرغم من فی غزة
إقرأ أيضاً:
نحن مع التغيير العادل، ولكن ضد التفريط في وحدة السودان
إن السودان اليوم يقف أمام مفترق طرق خطير، حيث يتهدد شبح التقسيم وحدة البلاد وسط صراع محتدم لم يرحم أحدًا، لا من انحاز لهذا الفصيل ولا من وقف في صف ذاك، ولا حتى أولئك الذين التزموا الحياد وظنوا أنهم بمنأى عن المحاسبة التاريخية. إن هذا الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد سيحاكم الجميع، السياسيين الذين دعموا الحكومة الموازية، وأولئك الذين سعوا لشق الصف الوطني، وحتى من صمتوا عن قول الحق بينما كانت البلاد تتهاوى نحو الهاوية.
التجربة السودانية والانفصال الذي لم يكن درسًا كافيًا
لم يتعظ السودانيون من تجربة انفصال الجنوب في عام 2011، وهو الحدث الذي لا يزال يلقي بظلاله على مستقبل السودان السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ففي ذلك الوقت، ظن كثيرون أن الجنوب سينفصل دون أن تتأثر بقية البلاد، وأن استقرار السودان سيظل مضمونًا، لكن الحقيقة جاءت بعكس ذلك. فقد أدى الانفصال إلى تدهور اقتصادي حاد، وفتح الباب أمام مزيد من الأزمات السياسية والأمنية، وأصبح السودان أضعف مما كان عليه.
واليوم، وبعد أكثر من عقد على ذلك الحدث، نجد أنفسنا في مواجهة تحدٍّ مشابه، وربما أشد خطورة، إذ تتكرر السيناريوهات نفسها، من النزاعات المسلحة، إلى التدخلات الخارجية، إلى صمت النخب التي كان يجب أن تكون صوت العقل والحكمة.
أمثلة تاريخية من العالم: كيف ضاعت الدول بسبب الانقسامات؟
إن التاريخ الحديث مليء بأمثلة لدول تفككت بسبب الصراعات الداخلية، ولم تعد كما كانت بعد ذلك:
تفكك يوغوسلافيا: كان هذا البلد موحدًا لعقود، لكن الحروب الأهلية والانقسامات العرقية والسياسية قادت إلى انهياره وتفتيته إلى دول صغيرة، بعضها لم ينجُ من الحروب حتى بعد الاستقلال.
تفكك الاتحاد السوفيتي: رغم كونه قوة عظمى، إلا أن الصراعات الداخلية والضعف السياسي ساهم في انهياره إلى مجموعة دول مستقلة، مما أدى إلى تغير جذري في الخارطة السياسية العالمية.
سوريا وليبيا واليمن: لم تنقسم رسميًا، لكنها تحولت إلى كيانات متصارعة ضمن الدولة الواحدة بسبب الحروب الأهلية والتدخلات الخارجية.
المسؤولية الأخلاقية والوطنية على النخب والمثقفين
من الغريب أن نرى بعض ممن يدّعون المعرفة والعلم يسيرون في طريق يهدد وحدة السودان، وكأنهم لم يدركوا دروس التاريخ. إنهم يتحملون مسؤولية أخلاقية جسيمة لأنهم لم يستغلوا مكانتهم في توجيه الرأي العام نحو الحلول التي تحفظ البلاد من التفكك. إن الانحياز الأعمى لأي طرف على حساب مصلحة الوطن، أو الصمت في اللحظات التي تتطلب موقفًا واضحًا، ليس مجرد خطأ سياسي، بل هو جريمة تاريخية لن تُمحى من ذاكرة الأجيال القادمة.
هذا التخوف لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة قراءة متأنية لواقع مأزوم، تشكل عبر عقود من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن عقلية النخب التي قادت البلاد لم تكن يومًا بعيدة عن النزعات العنصرية والجهوية، حيث ظل تكالبها على السلطة والثروة هو المحرك الأساسي لصراعات السودان المتكررة. لم يكن هدفها بناء دولة عادلة للجميع، بل كانت ترى في البلاد غنيمة تُقسَّم بين مكوناتها المتصارعة، غير آبهة بمصير العامة والبسطاء الذين دفعوا وحدهم ثمن هذه النزاعات من دمائهم وأرزاقهم وأحلامهم.
إن هذه النخب لم تكتفِ بإشعال الفتن، بل استغلت بساطة الناس وجهلهم السياسي لتجنيدهم في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بينما تظل قياداتها في مأمن، تتفاوض وتتقاسم النفوذ على حساب الوطن والمواطن. هذا الواقع، بكل تعقيداته، يجعل من خطر التقسيم تهديدًا حقيقيًا، وليس مجرد فرضية نظرية أو دعاية تخويفية، لأن البلاد تسير بالفعل نحو سيناريوهات مشابهة لما حدث في دول فقدت وحدتها بسبب الطمع السياسي والفساد الفكري لنخبها.
التحدي الذي يواجه الجميع: هل سيكتب التاريخ خيانة هذا الجيل لوطنه؟
إن السودان اليوم في اختبار حقيقي، والجميع معنيٌّ بالنتائج. فإذا استمرت البلاد في هذا المسار، فسيكتب التاريخ بأحرف من خزي أن هذا الجيل لم يكن على قدر المسؤولية، وأن قادته لم يرتقوا لمستوى الأخلاق والإنسانية والوطنية التي تتطلبها هذه المرحلة الحرجة.
إن الصمت ليس خيارًا، والانحياز الأعمى ليس حلًا، والوقوف ضد المصلحة الوطنية لا يمكن تبريره. الخيار الوحيد هو الانتصار لوحدة السودان، والعمل على إنهاء النزاع، وتوحيد الجهود لإنقاذ البلاد قبل فوات الأوان.
zuhair.osman@aol.com