جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-19@02:38:04 GMT

فلسفة التسامح

تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT

فلسفة التسامح

 

 

حمد الحضرمي

التسامح خُلق الرسل والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- والمصلحين في الأمم على مر العصور؛ فهو الطريق المُوصِل للهدف المنشود الذي من أجله رُسِلوا به ويدعون إليه. والتسامح ينبذ الفرقة والخلافات والصراعات بين أفراد الأسرة والمجتمع، لأنه يدعو للمحبة والإلفة والود والوئام والإخاء والعدل والتراحم بين الناس.

وهو قيمة عظيمة وأحد المبادئ الإنسانية التي حوَّلها الإسلام إلى واقع يتعامل به المسلم في حياته اليومية العملية، بنسيان الماضي المؤلم بكامل حيثياته، والصفح عمَّن آذاه رغم قدرته عليه، وهو نابع من قوة إيمان ورغبة صادقة في طيب العيش والمقام في الآخرة، فهمته كانت عالية، لأن غايته الجنة.

إنَّ التسامح والعفو والصفح أمر رباني وواجب ديني، دلَّت عليه آيات القرآن الكريم المتعددة، وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو من صفات المتقين، قال تعالى: "وأن تعفوا أقرب للتقوى" (البقرة:237) والله سبحانه يأمرنا بالعفو والصفح: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" (الأعراف: 199)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعفُ عمن ظلمك، وصل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك، وقل الحق ولو على نفسك"؛ فالتسامح مبدأ يتوجَّب علينا جميعًا ترسيخه في الأسر والمجتمعات لما له من أهمية بالغة في الحياة البشرية، ولتفادي الصراعات والنزاعات التي تحدث بين الناس وتسبب القطيعة والأحقاد والبغضاء والكراهية.

ونحن نعيش في أيام شهر شعبان، وهو من الأشهر التي ميزها الله عز وجل، لاقترابه من شهر القربات والطاعات شهر رمضان المبارك، ولشهر شعبان فضائل منها ترفع الأعمال فيه إلى الله تعالى، فعن أسامة بن زيد قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأُحِب أن يرفع عملي وأنا صائم"، وفي شهر شعبان تغفر الذنوب قال رسولنا الكريم في الحديث: "إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشركٍ أو مشاحنٍ".

وشهر شعبان كالمقدِّمة لشهر رمضان؛ حتى تتأهب النفوس وترتاض العبادة والطاعة، فيكون ذلك كالتمرين على صيام رمضان، وقال أحد الصالحين: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع.

وبعد ثلاث ليال، ستكون ليلة النصف من شعبان التي ترفع فيها الأعمال إلى رب العالمين، ومن المحزن أن تمر علينا هذه الليلة وبيننا وفي أسرنا ومجتمعاتنا الكثير من المتشاحنين، الذين وقعت بينهم خلافات ثم تطوَّرت فأصبحت فراقًا وقطيعة، مر على بعضها سنوات، وقد مات بعضهم وهم على خصام، وهي لَخُطورة كبيرة لأن الله لا يغفر للمتشاحنين حتى يتصالحا. فلماذا الشحناء والبغضاء والخصام والهجران بين الأخوة وأبناء العم والخال والأقارب والجيران والأصدقاء؟ إنه أمر دنيوي زائل لا قيمة له، فبادروا للصلح والتصالح والتسامح فيما بينكم قبل فوات الأوان، واعفوا عن بعضكم البعض وقدموا تنازلات، حتى تعيشوا في هدوء وحب وسلام.

وكما تعلمون فإن التسامح ليس ضعفًا ولا انكسارًا ولا هزيمة، بل هو قوة ومروءة وسعادة لا يعرفها إلا أصحاب النفوس المتسامحة، التي صدقت مع الله ثم مع ذاتها ثم مع الناس. والإنسان المتسامح نفسه نقية صافية، تترفع عن صغائر الأمور وتسمو بها إلى المعالي، ولا يرد صاحبها الإساءة بالإساءة، ولا يغضب ولا يأخذ بالثأر، بل نفسه تكون نقية وفي صفاء وود ووئام مع الجميع. فالتمسوا العذر للمخطئ والبحث عن أسباب هذا الخطأ الذي ربما لم يكن مقصودًا، وإذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه، فالتمس له العذر، فإن لم تجد له عذرًا، فقل: لعل له عذرًا لا أعلمه، وإذا سمعت كلمة تؤذيك، فطأطئ لها حتى تتخطاك.

إنَّ الإنسان المتسامح يغسل قلبه من شوائب الألم، ويحرر نفسه من قيود الحقد والحيرة والتفكير، ويظل أكثر قوة من الحاقد والمنتقم والكاره، لأنه يعيش في راحة بال وسكينة وطمأنينة، فنحن نسامح لأجل أن نحيا بقلب طاهر من درن الحقد، لنحيا بقلب نظيف من التعب واللوم والملامة، فقلوبنا أضعف من أن تحمل ثقل هذا الألم، فبالتسامح نعيش بقلوب سليمة، ونحب بلا شروط، وننام بلا قلق، هذه هي فلسفة التسامح، لأجل أن نحيا بسلام.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

التسامح في الإسلام.. ندوة لـ”خريجي الأزهر” بمالي

عقد فرع المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بمالي، محاضرة بعنوان: “التسامح في الإسلام”، بمدرسة الأمل، بمدينة بباماكو، بمشاركة حوالى 50 شخصًا.

خطورة التكفير .. محاضرة لـ”خريجي الأزهر” بنيجيريا خريجي الأزهر بالمنيا تعقد ندوة تثقيفية لتوضيح آليات مواجهة التطرف

جاء ذلك فى إطار توجهات الأزهر الشريف لنشر الوسطية والاعتدال، ضمن الحملة التوعوية “ومضات أزهرية.. قراءة في كتاب القول الطيب”، للإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر.

وأشار آدم ساكو، عضو الفرع، خلال المحاضرة، إلى فضل التسامح في الإسلام، والتأكيد على سماحة الدين الإسلامي، وأن الإسلام قد انتشر بالتسامح وحسن الخلق، وليس بحد السيف كما تروج الجماعات الإرهابية التي تحرف الآيات القرآنية، وتضعها في غير مواضعها.

وبين كيف كان يتعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الكفار بالحكمة والموعظة الحسنة.

خريجي الأزهر بالمنيا تحذر من خطورة الانحرافات الفكرية

وعلى  صعيد اخر، عقد فرع المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بالمنيا، عدة فعاليات بالتعاون مع لجنة صانعي السلام، حول التحذير من خطورة الانحرافات الفكرية، وأهمية الحوار في الإسلام، حيث عقدت ندوة توعية تثقيفية بعنوان: “خطورة الانحراف الفكري”، بمدرسة السادات الإعدادية بنات، تحدث بها الشيخ جمال عبدالحميد، عضو المنظمة، مشددًا على ضرورة نشر ثقافة السلام والتسامح بيننا، ومحاربة الانحرافات السلوكية، والتمسك بالقواعد والأسس التي يجب مراعاتها، حتى تتحقق الطمأنينة، ويسود الود والاحترام بين البشر، ليعم الأمن والأمان في ربوع الوطن العربي، لذلك فيجب علينا جميعاً ان نكون إخوة متماسكين، وألا يفرقنا شيء.

وتحدث الدكتور أحمد عزمي، من مديرية الأوقاف، عضو لجنة صانعي السلام، عضو الفرع، قائلاً: إن السلام يبدأ من التحية، ليعم الأمن والأمان والاستقرار في جميع أنحاء البلاد، موضحًا أن المحبة والسلام يجب علينا جميعًا أن نحافظ عليهم من أي فتنه تنال منهم.

وشدد القس بولس نصيف، ممثل الكنيسة الكاثوليكية، عضو لجنة صانعي السلام، على أهمية التصدي للانحراف الأخلاقي وتطوراته، لأنها من الأخطار التي تهدد أمن وأمان هذا الشعب العظيم، والوطن العربي بأكمله.

وتم عقد ندوة بمدرسة طه حسين الابتدائية، بعنوان: “الانحرافات الفكرية لدى الجماعات المتطرفة”، تحدث فيها الشيخ جمال عبدالحميد، عضو المنظمة، مبينًا خطر الغلو، وذم الشرع للغلو والغالين، وأن عدم الفهم الصحيح للمعاني الدينية، وتوجيهها في غير مسارها، كقضية الزهد، وقضية الجهاد، وقضية الولاء والبراء، وغيرها، ومثله الفهـم الخـاطئ لحقوق أهل الذمة وما لهم وما عليهم، هو السبب في الزج بالشباب في محاضن تربوية غير مؤهلة شرعيًا أو علميًا.

مقالات مشابهة

  • لماذا حذر النبي من الكذب المتعمد عليه ؟ .. علي جمعة يجيب
  • انجلز والدفاع عن فلسفة هيجل
  • مفتي الجمهورية: التكفير يعدُّ من أهم العقبات التي ابتليت بها هذه الأمة
  • التسامح في الإسلام.. ندوة لـ”خريجي الأزهر” بمالي
  • موضوع خطبة الجمعة الموحدة اليوم على مساجد الأوقاف.. تعرف عليه
  • تحذير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التخلف عن صلاة الجمعة كسلًا وتهاونًا
  • وزير التسامح يحضر أفراح المهيري والرميثي
  • جامعة ظفار تطلق برنامج دكتوراة في فلسفة القانون
  • محمد بن زايد: الإمارات تدعم الابتكارات التي تخدم التنمية
  • احتياجات سوق العمل.. فلسفة نظام البكالوريا الجديد بديل الثانوية العامة (فيديو)