جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-26@06:57:34 GMT

مُسمَّيات مُدننا.. ولغتنا المتراجعة!

تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT

مُسمَّيات مُدننا.. ولغتنا المتراجعة!

 

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

أخذت المُصطلحات الأجنبية تغزو سماء عُمان رويدًا رويدًا، حينما نتحدث بهذا الأمر فلا يعني أننا مُتزمِّتون أو من ذوي الاستعلاء والتكبر أو غير ذلك، وإنما نقصد غِيرتنا على الغنى الذي تتصف به عربيتنا؛ فلغتنا قادت العالم لمئات السنين ورسمت خطًّا طلائعيًّا لا يُمكن تخطيه لمجرد التفوُّق الغربي في مجال إنشاء المدن والمجمعات الحضرية الحديثة، والعربية ما زالت موجودة إلى اليوم في قصور ومساجد الأندلس.

الحقيقة أنَّنا نمرُّ على أسماء أجنبية في بلداننا العربية بشكل عام لمجرد أن الثقافة تغيرت ولكن، باعتقادي، أن أسماء المدن هي رموز للأماكن وهيئتها وهيبتها، والأمر لا يخلو من تذكير بما حدث ويحدث من تغييرات مقصودة لأسماء أماكن ومدن كانت في الأساس عربية خالصة، ولو أننا لا نمضي إلى مَبْلَغ ما وصلت إليه تلك المدن لكنَّنا نفرح حينما تتجسد اللغة العربية في مسميات مدننا وقرانا.

استلهمتُ هذا الموضوع من خلال تغريدة بوسائل التواصل، ولو أنَّ الموضوع لا يستحق الإشارة والتنبيه إليه لما أثار حفيظة الآخرين الغيورين على اللغة العربية، إنما المرء وطني عربي بحت أراد من اللغة أن تمتطي أفقا آخر بتسميات المدن الحديثة؛ فهناك من اخترع "داون تاون" وتعني قلب أو مركز المدينة، وهناك "سيتي سنتر" وتعني أيضا مركز المدينة أو هكذا يُترجم المصطلحان، لكنَّ لغتنا أقوى وأكثر تنوعا واتساعا من حيث إيجاد مسميات للمكانين بشكل مختلف على الأقل في لغتنا العربية.

ما أودُّ طرحه هو ضرورة الاهتمام بدمج اللغة العربية في كل شيء؛ لأننا بلد عربي في الأساس ويمكن أن نكون أكثر حذرًا في وضع مسمياتنا سواء على مدننا أو منتجاتنا أو أي شيء يخرج من هذا البلد أو أي بلد عربي؛ فاللغة أداة تخاطب وإسكان وبيئة وأعمال وعلم وأداة اقتصاد، ولا يقتصر الأمر على المهتمين باللغة العربية بل يصعد الأمر ليكون على المستوى القومي لأنها الهوية والمقصد، بل وأرجو اشتراط قوة اللغة العربية كلغة وثقافة في أي مسؤول يرتقي سلم المسؤولية العليا وليس شرطا إجادة لغة أخرى وإنما تفضيلا.

ويُدرك الجميع أهمية اللغة (أي لغة) في فهم العلوم وديمومتها وانتشارها بين الناس، بل وتبسيطها؛ لذا فإن ترجمة هذه العلوم وتقديمها باللغة العربية في الجامعات أمر في غاية الأهمية إذا كان الهدف هو التعليم والفهم بغير ما يحدث الآن من تراكم الشهادات بغير علم ودراية بعد أن تبدأ الذاكرة التي حفظتها في النضوب بعد انتظار الوظيفة.

من يفهم العلم الذي تعلمه تجده أكثر سكونا من الداخل، وأكثر تفكيرا وتمحيصا، وأكثر اتزانا وهي صفة ملازمة لمن نقابلهم من الغربيين، ولا نجد ذلك متوفرا في نظرائهم ممن تعلم العلوم بلغة أخرى إلا القليل لأن هؤلاء القليل فهموا العلم ولم يحفظوه كغيرهم.

النظرة الشمولية للموضوع في غاية الأهمية ليس لأن اللغة العربية سوف تختفي بمثل هذه المسميات أو سوف يشغل الموضوع واضعي المناهج، بل لن نستطيع طباعة كتاب (حتى الكتب المدرسية في المستقبل) بدون مصطلح أو كلمة أجنبية، ستبدأ اللغة الأجنبية الدخول لكتبنا كأنها لغتنا وليست لغة أخرى.

لست هنا مُتحيزا لشيء بعينه؛ فامتلاك لغة أخرى في غاية الأهمية وهو مطلب ضروري للمتخصصين، ومهم لغير المتخصصين، لكنه لا يشكل أهمية كبرى، هنا المسألة تختلف؛ فعندما يأتي جيل من المسؤولين تشربوا اللغة العربية ودرسوها لن تكون المصطلحات أو المسميات الأجنبية سوى حافز لإعمال العقول وحفزها لإنتاج مصطلحات أو مسميات عربية خالصة في غاية الروعة، بل ربما يتبناها الغرب كما تبنوا مسميات عربية لبعض الخضار والفاكهة وحتى الأماكن، وكما تبنى العرب حديثا مسميات أجنبية أيضا في تسمية بعض محلاتهم التجارية ومدنهم الجديدة.

ووضع المسميات الأجنبية لمدننا يعني استجلاب الحضارة الغربية إلى المدن العربية مما يستدعي استحداث بعض السلوكيات وهي مسؤولية عظيمة، قد لا ندركها اليوم؛ لذا لا بد من مجابهتها بعقل مستنير يخدم الجهة التي تخصه أو الأداة التي تشاركه المنجَز، واستعمال الاسم العربي للمدن يساعد في جذب الاستثمارات الأجنبية أكثر منه عن الاسم الأجنبي لأن المستثمر الأجنبي أو حتى العربي الذي سافر إلى أصقاع الدنيا اعتادوا تلك الأسماء وأَلِفوها وأصبحت لا تمثل شغفا كبيرا لهم.

المسميات الأجنبية في مدن عربية تعني أن لغتنا شحيحة وهو أمر غير حقيقي؛ مما يوحي بشيئين؛ الأول: أن اللغة العربية غير قادرة على مواكبة العصر، وثانيا: أن العقل العربي ما هو إلا تابع وليس له القدرة على اختلاق وإبداع مصطلحاته، وأنه متواكل كسول يأخذ بالأشياء الجاهزة المُعلَّبة وهو أمر أيضا غير حقيقي.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أمين مجمع اللغة العربية: تعريب العلوم الطبية يعيد «العربية» إلى مكانتها (حوار(

جدل واسع ونقاشات كبيرة أثارتها خطة جامعة الأزهر لتعريب مناهج العلوم الطبية، فما بين مؤيد للقرار يرى أنّه يعيدنا إلى أصالتنا العربية، وبين معارض يرى أنّه سيتسبب في مشكلات كثيرة، حاورت «الوطن» الدكتور عبدالحميد مدكور، أمين مجمع اللغة العربية، الذي تحدّث عن القرار، وقال إنّه يتطلب خطوات تمهيدية أهمها الترجمة، وتدريب الطلاب والأساتذة.

أمين مجمع اللغة العربية قال إنّه لا يوجد شعب يدرس ويتعلم بلغة غير لغته سوى العرب، وهو أمر يتطلب التحرك من أجله.. وإلى نص الحوار.

ما رأيك في قرار جامعة الأزهر بشأن تعريب العلوم الطبية؟

قرار جامعة الأزهر بالعمل على تعريب العلوم الطبية في كلياتها هو قرار استراتيجي قيم يعيدنا إلى أصالتنا العربية التي كانت اللغة العربية فيها هي لغة العلم الأولى في العلم لمدة تزيد عن 5 قرون، وقد ذهبت مؤلفات الطب العربي وقتها إلى أوروبا لتدرس أحيانا بالعربية وأحيانا بترجمة اللغة العربية إلى اللاتينية بعد أن تضمنت اللغة العربية العلوم التي تعملها العالم بأثره.

كما أن تجربة التعريب تجربة كبيرة ولابد أن نضع أدينا على خط البداية ونأخذ بالأسباب العلمية وسيؤدي ذلك بالتدريج ولو على مدى طويل إلى إعادة اللغة العربية لتلك العلوم التي كانت تدرس باللغة العربية مع ملاحظة ضرورة العناية الكبرى من خلال تعلم لغة أجنبية أعجمية من اللغات التي يكتب بها العلم الآن مثل الإنجليزية والفرنسية والروسية والصينية والألمانية والإيطالية ، فلا توجد أمه تدرس بلغة غير لغتها إلا العرب.

وهو مشروع تشكر عليه جامعة الأزهر لأنها تتخذ خطوات منهجية وليست مجازفة وهي خطوة نحو النور وعلى جميع من يعملون في هذه الحقول ان يعاونوا جامعة الأزهر لتنجح في مشروعها الاستراتيجي الذي يعيد للعربية مكانتها وأصالتها وعراقتها.

الطب كان يدرس في قصر العيني باللغة العربية بإشراف كلوت بك الفرنساوي

كيف ترى تحول العلوم من منبعها في الوطن العربي إلى الدول الأوروبية؟

نشأة العديد من العلوم كانت في الدول العربية وعلى يد العلماء العرب، ولم يقنع علماؤنا القدامى بمجرد فهم العلوم المترجمة الحديثة أيضا، ولكنهم أبدعوا فيها إبداعات قيمة جعلت لغتهم هي المصدر الأول للعلم في العالم كله، وظل ذلك قرون عديدة إلى أن بدأت نهضة الحضارة الأوروبية فبدأت التعلم باللغة اللاتينية ثم اللغات التي تفرعت عنها.

وعندما ننظر للعصر الحديث نرى أن الطب بدأ في مصر باللغة العربية في قصر العيني وتولى ذلك كلوت بك الفرنسي الذي لامه قومه وعاتبوه على أنه لم يجعل لغة الدراسة هي الفرنسية.

تعريب العلوم الطبية يعيد للعربية مكانتها وأصالتها وعراقتها

بما تفسر حركة الترجمة التي نهضت في عصر محمد على؟

بالتزامن مع التعليم باللغة العربية في عهد محمد على، نشطت حركة الترجمة للبعثات التي كان يرسلها على يد رفاعة الطهطاوي الذي كان مشرفا على البعثات للحصول على شهادات علمية من الجامعات الأوروبية، وذلك لتحصيل المزيد من العلوم فكان يلزم كل مبعوث أن يترجم كتابا في تخصصه إلى اللغة العربية، وإن استمر ذلك على هذا النهج منذ الطهطاوي إلى الآن لما وجدنا هذه الهوه الكبير ة بين اللغة العربية والعلوم الطبية والهندسية والكيميائية والصيدلية.

هل ترى أن الانقطاع عن تعلم اللغات الأخرى حل للحفاظ على اللغة العربية؟

بالطبع لا، فبجانب الحفاظ على اللغة العربية يجب على الطالب العربي أن يتعلم اللغات الأجنبية الأخرى، فقد ظل التعليم  في مصر باللغة العربية إلى أن دخل الانجليز مصر وعندئذ حولوا التعليم إلى اللغة الانجليزية، وليس معنى ذلك الانقطاع عن اللغات الأخرى مثل الانجليزية التي تصب فيها الأبحاث من كل دول العالم حتى نثري المحتوى العربي باللغة الاجنبية و لتقليل الفجوة.

بما تفسر المستوى الذي وصلنا له من تراجع وجود اللغة العربية في العلوم الحديثة؟

من أهم الأسباب التي أوصلتنا لهذه المرحلة أننا لا نصنع العلم ولا نقدم مصطلحات، وأصبح الكثيرون منا يتشبثون بالغرب متناسيين الحضارة والتاريخ واللغة التي نملكها.

تعريب المناهج يسبقه خطوات تمهيدية منها ترجمة المصادر ودراسة التجارب الدولية

بصفتك من المشاركين في مشروع تعريب العلوم.. ما هي مراحل عمل المشروع؟

نبدأ في مشروع تعريب العلم الطبية بدراسة الفكرة وامكانية تطيبقها بشكل لا يؤثر على المستوى العلمي للخريجين ولا يجعلهم حياري بين اللغات، ومن المقترحات المقدمة أن تكون هناك حركة ترجمة كبرى لمصادر العلوم الأجنبية في العلوم الطبية، ثم تقيم التجربة السورية على سبيل المثال لنعرف مزاياها وإذا كان فيها أي نوع من القصور، وأن يؤخذ الأمر بالتدريج المعتمد على أسباب علمية، وأن لا يكون الامر تعجلا يؤدي لفشل التجربة أو ضعفها أو نقص المخرجات التي تخرج منها.

المصطلحات تمثل 3% من العلوم وستترك بلغتها مع تعريب 97% من الشرح

كما تم اقتراح أن تقدم العلوم في الكتاب الواحد عامود باللغة العربية وعامود بالإنجليزية، ويطلب من الطالب فهم العامودين ويقيس الامتحان مدى إدراكه للغتين، ورأس المصطلح أو اسمه فقط سيكون باللغة اللاتينية وهذه المصطلحات لا تمثل إلا 3% من شرح المصطلح بشكل كامل، وهذه النسبة لا يجب أن تكون حكما على 97% من باقي الشرح أو العلم الذي يمكن أن يكون باللغة العربية، ويبدأ التطبيق التدريجي بعد ذلك كاختيار 3 مواد من العام الدراسي الأول في كلية من الكليات للتطبيق وقياس التأثير ومدى نجاح الفكرة، فالمشروع لن يقوم في يوم وليلة ويحتاج إلى فترة زمنية لضمان نجاحه وإتمامه بالشكل المطلوب.

هل هناك تجارب سابقة في التعريب حدثت في مصر؟

يوجد في الكويت مركز لترجمة وتعريب العلوم الصحية للعربية، وقد ترجم علوم ومناهج كلية الطب في جامعة عين شمس، ولكن لم يتم التطبيق الفعلي وينتظر المشروع الموافقة بالعمل عليه.

لماذا مصر على رأس الدول العربية في فكرة التعريب؟

مصر لديها إمكانيات هائلة وقدرات فائقة تمكنها من إجراء عملية التعريب بشكل ناجح، ويجب تدريب الطلاب ثم تدريب الاساتذة وتوضيح اللغتين في المناهج ويكون لدينا العلم المنهجي اللائق بالمجتمعات حينها ستنجح التجربة، ولدينا علماء كتبوا في مصر في بعض الفروع مناهج العلم بالعربية منذ أكثر من 80 عاما، وفي العديد من العلوم مثل الرياضيات، ويجب التحكم في ذلك بشكل عربي منهجي يزيل عن اللغة التخلف الذي نضعه نحن، والكيان الإسرائيلي الذي يعد حديث النشئ يدرس المستوطنون به بلغتهم، ونحن أصحاب التاريخ والحضارة ندرس بلغات أخرى.

مقالات مشابهة

  • معرض الكتاب يستضيف نقاشًا حول تأثير اللغة العربية في مفردات الإيطالية
  • موارد الترجمة الآلية بين اللغة العربية والإنجليزية في معرض الكتاب 2025
  • مواقيت الصلاة اليوم السبت 25 يناير 2025 في المدن والعواصم العربية
  • معرض القاهرة للكتاب يناقش الأدب اليوناني وترجمته إلى العربية
  • أثر اللغة العربية على الثقافة الأفريقية فى نقاشات معرض القاهرة للكتاب 2025
  • ندوة بـ معرض الكتاب تناقش أثر اللغة العربية على الثقافة الأفريقية (صور)
  • معرض القاهرة للكتاب يناقش أثر اللغة العربية على الثقافة الأفريقية
  • مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 24 يناير 2025 في المدن والعواصم العربية
  • تدرس الطب بالعربية في جامعاتها.. لماذا عربت سوريا المناهج الأجنبية؟
  • أمين مجمع اللغة العربية: تعريب العلوم الطبية يعيد «العربية» إلى مكانتها (حوار(