مُسمَّيات مُدننا.. ولغتنا المتراجعة!
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
سليمان المجيني
tafaseel@gmail.com
أخذت المُصطلحات الأجنبية تغزو سماء عُمان رويدًا رويدًا، حينما نتحدث بهذا الأمر فلا يعني أننا مُتزمِّتون أو من ذوي الاستعلاء والتكبر أو غير ذلك، وإنما نقصد غِيرتنا على الغنى الذي تتصف به عربيتنا؛ فلغتنا قادت العالم لمئات السنين ورسمت خطًّا طلائعيًّا لا يُمكن تخطيه لمجرد التفوُّق الغربي في مجال إنشاء المدن والمجمعات الحضرية الحديثة، والعربية ما زالت موجودة إلى اليوم في قصور ومساجد الأندلس.
الحقيقة أنَّنا نمرُّ على أسماء أجنبية في بلداننا العربية بشكل عام لمجرد أن الثقافة تغيرت ولكن، باعتقادي، أن أسماء المدن هي رموز للأماكن وهيئتها وهيبتها، والأمر لا يخلو من تذكير بما حدث ويحدث من تغييرات مقصودة لأسماء أماكن ومدن كانت في الأساس عربية خالصة، ولو أننا لا نمضي إلى مَبْلَغ ما وصلت إليه تلك المدن لكنَّنا نفرح حينما تتجسد اللغة العربية في مسميات مدننا وقرانا.
استلهمتُ هذا الموضوع من خلال تغريدة بوسائل التواصل، ولو أنَّ الموضوع لا يستحق الإشارة والتنبيه إليه لما أثار حفيظة الآخرين الغيورين على اللغة العربية، إنما المرء وطني عربي بحت أراد من اللغة أن تمتطي أفقا آخر بتسميات المدن الحديثة؛ فهناك من اخترع "داون تاون" وتعني قلب أو مركز المدينة، وهناك "سيتي سنتر" وتعني أيضا مركز المدينة أو هكذا يُترجم المصطلحان، لكنَّ لغتنا أقوى وأكثر تنوعا واتساعا من حيث إيجاد مسميات للمكانين بشكل مختلف على الأقل في لغتنا العربية.
ما أودُّ طرحه هو ضرورة الاهتمام بدمج اللغة العربية في كل شيء؛ لأننا بلد عربي في الأساس ويمكن أن نكون أكثر حذرًا في وضع مسمياتنا سواء على مدننا أو منتجاتنا أو أي شيء يخرج من هذا البلد أو أي بلد عربي؛ فاللغة أداة تخاطب وإسكان وبيئة وأعمال وعلم وأداة اقتصاد، ولا يقتصر الأمر على المهتمين باللغة العربية بل يصعد الأمر ليكون على المستوى القومي لأنها الهوية والمقصد، بل وأرجو اشتراط قوة اللغة العربية كلغة وثقافة في أي مسؤول يرتقي سلم المسؤولية العليا وليس شرطا إجادة لغة أخرى وإنما تفضيلا.
ويُدرك الجميع أهمية اللغة (أي لغة) في فهم العلوم وديمومتها وانتشارها بين الناس، بل وتبسيطها؛ لذا فإن ترجمة هذه العلوم وتقديمها باللغة العربية في الجامعات أمر في غاية الأهمية إذا كان الهدف هو التعليم والفهم بغير ما يحدث الآن من تراكم الشهادات بغير علم ودراية بعد أن تبدأ الذاكرة التي حفظتها في النضوب بعد انتظار الوظيفة.
من يفهم العلم الذي تعلمه تجده أكثر سكونا من الداخل، وأكثر تفكيرا وتمحيصا، وأكثر اتزانا وهي صفة ملازمة لمن نقابلهم من الغربيين، ولا نجد ذلك متوفرا في نظرائهم ممن تعلم العلوم بلغة أخرى إلا القليل لأن هؤلاء القليل فهموا العلم ولم يحفظوه كغيرهم.
النظرة الشمولية للموضوع في غاية الأهمية ليس لأن اللغة العربية سوف تختفي بمثل هذه المسميات أو سوف يشغل الموضوع واضعي المناهج، بل لن نستطيع طباعة كتاب (حتى الكتب المدرسية في المستقبل) بدون مصطلح أو كلمة أجنبية، ستبدأ اللغة الأجنبية الدخول لكتبنا كأنها لغتنا وليست لغة أخرى.
لست هنا مُتحيزا لشيء بعينه؛ فامتلاك لغة أخرى في غاية الأهمية وهو مطلب ضروري للمتخصصين، ومهم لغير المتخصصين، لكنه لا يشكل أهمية كبرى، هنا المسألة تختلف؛ فعندما يأتي جيل من المسؤولين تشربوا اللغة العربية ودرسوها لن تكون المصطلحات أو المسميات الأجنبية سوى حافز لإعمال العقول وحفزها لإنتاج مصطلحات أو مسميات عربية خالصة في غاية الروعة، بل ربما يتبناها الغرب كما تبنوا مسميات عربية لبعض الخضار والفاكهة وحتى الأماكن، وكما تبنى العرب حديثا مسميات أجنبية أيضا في تسمية بعض محلاتهم التجارية ومدنهم الجديدة.
ووضع المسميات الأجنبية لمدننا يعني استجلاب الحضارة الغربية إلى المدن العربية مما يستدعي استحداث بعض السلوكيات وهي مسؤولية عظيمة، قد لا ندركها اليوم؛ لذا لا بد من مجابهتها بعقل مستنير يخدم الجهة التي تخصه أو الأداة التي تشاركه المنجَز، واستعمال الاسم العربي للمدن يساعد في جذب الاستثمارات الأجنبية أكثر منه عن الاسم الأجنبي لأن المستثمر الأجنبي أو حتى العربي الذي سافر إلى أصقاع الدنيا اعتادوا تلك الأسماء وأَلِفوها وأصبحت لا تمثل شغفا كبيرا لهم.
المسميات الأجنبية في مدن عربية تعني أن لغتنا شحيحة وهو أمر غير حقيقي؛ مما يوحي بشيئين؛ الأول: أن اللغة العربية غير قادرة على مواكبة العصر، وثانيا: أن العقل العربي ما هو إلا تابع وليس له القدرة على اختلاق وإبداع مصطلحاته، وأنه متواكل كسول يأخذ بالأشياء الجاهزة المُعلَّبة وهو أمر أيضا غير حقيقي.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نقابة المهندسين تحتفل باليوم العالمي للغة العربية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نظمت لجنة المكتبات بنقابة المهندسين، برئاسة المهندس أحمد فؤاد، احتفالًا بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، وذلك بحضور المهندس محمود عرفات- أمين عام نقابة المهندسين.
استضافت اللجنة خلال الاحتفال الدكتور نسيم عبد العظيم- أستاذ اللغة والنقد بكلية الآداب جامعة المنوفية، والمهندس أشرف كحلة- أستاذ تكنولوجيا الغزل والنسيج والخطوط العربية بالجامعة الأمريكية سابقًا، والدكتور المهندس عبد العاطي موسى، ولفيف من الأدباء والشعراء المهندسين.
كما حضر الاحتفالية وأدارها الدكتور المهندس مجدي محمد عبد الله- مقرر لجنة المكتبات، والمهندس ناصر الجزار- عضو اللجنة ومنسق الاحتفالية، وأعضاء اللجنة، وأعضاء اللجنة الثقافية والفنية بالنقابة، خلال كلمته أعرب المهندس محمود عرفات، عن سعادته لوجود زخم في الحضور المتنوع بين الشباب وكبار السن من المهندسين، مما يعكس مدى اهتمامهم باللغة العربية، مؤكدًا أن المهندسين متفوقون في كافة العلوم، وقال: "لا شك أن اللغة العربية أثَّرت فينا جميعًا".
كما أشار "عرفات" إلى التحديات التي تواجهها اللغة العربية بسبب تزايد اعتماد الأجيال الجديدة على اللغات الأجنبية في أحاديثهم اليومية، ما قد يلقي بأثر سلبي ويؤدي إلى طمس الهوية الثقافية، لا سيما أن اللغة العربية حملت بين طياتها إرثًا ثقافيًا ودينيًا وحضاريًا يُثري الإنسانية عبر العصور، داعياً لاستغلال التقنيات والتكنولوجيا الحديثة لتطويرها وتعزيز سبل تعلمها عبر تحديث المناهج وتطوير أساليب التدريس الذي يمكن أن يجعل تعلم اللغة أكثر جذبًا خصوصا أن "العربية" تعرف بجمالها البلاغي وتنوع أساليبها الأدبية.
من جانبه أشار الدكتور المهندس أحمد فؤاد، إلى أن اللغة العربية حفظها القرآن كتراث، معبرًا عن سعادته بحضور الاحتفالية كوكبة من الشعراء والأدباء والفنانين من المهندسين، موضحًا أن اختيار يوم الثامن عشر من ديسمبر بالتحديد للاحتفاء باللغة العربية، يأتي كونه اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1973، قرارها التاريخي بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة.
فيما وجَّه الدكتور المهندس مجدي محمد عبد الله، الشكر للمهندس محمود عرفات، لدعمه المستمر للجنة المكتبات، والذي كان له الدور الأعظم في تنظيم العديد من فعاليات وأنشطة اللجنة، خاصة في جولاتها الخارجية.
واستعرض "عبد الله" خلال محاضرته التي حملت عنوان "آفاق اللغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي"، الفرص والتحديات التي تواجه اللغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي، مطالبًا بضرورة إطلاق مبادرات وطنية لدعم اللغة العربية رقميًّا، وإدخال مناهج الذكاء الاصطناعي في التعليم.
بدوره أكد الدكتور المهندس أشرف كحلة، أن اللغة العربية اللغة الشاملة والجامعة، وكانت صعبة، إلا أن نزول القرآن جعلها سهلة، مشيرًا إلى أن اللغة العربية ليست 28 حرفًا فقط، بل 364، لأن القرآن جعل لكل حرف 13 حركة من فتح وضم وكسر وشد وسكون... إلخ، فكل حركة تعطي معنى مختلفًا، موضحًا أن ما ساهم في سهولة اللغة العربية بشكل أكبر التشابه في الشكل بين الحروف، مثل (ب – ت – ث) و ( ج – ح – خ).
ولفت "كحلة" الى أن هناك بعض القضايا التي أضرت باللغة العربية، منها الاستعمار الأجنبي للدول العربية، وما خلفه من التعليم الخاطئ لنطق بعض الحروف، مثل تبديل نطق حرف (ق) إلى (ج) وحرف (ض) إلى (ظ)، مختتمًا كلمته بالتأكيد على سهولة اللغة العربية، رغم تراثها وعظمتها.
فيما أوضح الأستاذ الدكتور نسيم عبد العظيم، أن اللغة العربية لغة دينية لحوالي 2 مليار نسمة، ولا يليق بنا أن نحتفل باللغة العربية يومًا واحدًا في العام، ثم نهملها باقي العام، قائلًا: "كل أمة تعتز بلغتها وتكتب بها العلوم من هندسة وطب وفلك وغيرها إلا نحن، على الرغم من أن لغتنا كانت لغة العلم لفترة من الفترات عندما استوعبت العلوم المختلفة في عصر الترجمة في العصر العباسي، واستوعبت جميع العلوم الموجودة في الحضارات المختلفة وترجمتها ونقلتها".
وأكد "عبد العظيم" أننا لا ينقصنا معاجم، لكن ينقصنا ممارسة اللغة العربية، ويتأتى ذلك من خلال حفظ القرآن الكريم، مستنكرًا الحديث باللهجة العامية في كافة أنشطتنا، وهو ما لا يليق، فلن نبدع إلا إذا كانت لغتنا هي اللغة العربية الفصحى.
وتضمنت فعاليات الاحتفالية إقامة معرض الخط العربي لفناني النقابة تحت إشراف المهندس عبد الرحمن لاشين.
وجرى خلال الاحتفالية حوار ونقاش فكري حول سبل تعزيز المحافظة على اللغة العربية، وتبارى الحضور في إلقاء القصائد الشعرية، كانت البداية مع الدكتور المهندس عبد العاطي موسى، والذي ألقى قصيدة شعرية في حب اللغة العربية.
على هامش الاحتفال، افتتح أمين عام النقابة، معرض اللوحات الفنية والمخطوطات العربية التي تناولت عددًا من ألوان فنون الخط المختلفة.