تحظى لعبة "ماينكرافت" بشعبية جارفة منذ اللحظة الأولى لولادتها. وعلى عكس الكثير من الألعاب التي تتبنى أسلوب اللعب ذاته، فإن شعبية ماينكرافت تستمر في التزايد مع مرور الأيام مثل كرة ثلج تتنامى كلما مرت عليها الأيام.

ودفعت شعبية ماينكرافت باللعبة إلى صدارة مشهد الألعاب في مختلف القطاعات والأعمار المختلفة.

ومثلما تجذب هذه الشعبية الثناء على اللعبة، فإنها استوجبت غضب الكثير من الأهالي والتربويين لأنها -على حد وصفهم- تضيّع وقت الأطفال وتنمّي العنف والانطواء لديهم، وهي وصمة عار تلحق بجميع الألعاب مهما كانت.

وجاءت "ماينكرافت للتعليم" لتكون ردا واضحا قدمته الشركة المطورة للعبة -وهي مايكروسوفت في ذلك الوقت- على الاتهامات الموجهة للعبة، في مسعى واضح لتبرئه اسم اللعبة وتأكيد تفردها في ساحة الألعاب. ولكن هل نجحت هذه المساعي في درء وصمة العار عن اللعبة؟

كفاح كوفئ بالنجاح

بدأت رحلة ماينكرافت في عام 2009، عندما أطلق المطور السويدي المستقل ماركوس نوتش بيرسون لعبته مع واجهة رسومية بسيطة تستند إلى لغة برمجة جاڤا. في البدء لم تحظ اللعبة بهذه الشعبية، إذ لم تتجاوز قدراتها جزءا مما تستطيع القيام به اليوم، كما أن "نوتش" نشر اللعبة في منتديات المبرمجين ومطوري الألعاب المستقلين، لذلك كان جمهورها محدودا.

ورغم هذا الجمهور المحدود فإن لعبة "نوتش" الأولى حازت إعجاب كل من جربها، وتمكنت في وقت قياسي من بناء مصدر دخل دفع المطور للاستقالة من وظيفته الدائمة والتركيز على تطوير اللعبة وتطبيق الأفكار التي وردت إليه من زملائه المطورين المستقلين. ومع مرور الوقت صدرت النسخة الأولى من اللعبة في عام 2011.

نجاح ماينكرافت استمر في التنامي مع إقبال الآلاف عليها من مختلف فئات العالم، وبفضل أسلوب اللعب الذي يعتمد على الإبداع أولاً، ويتيح للجميع تطوير أوضاح وشخصيات مختلفة داخل عالم ماينكرافت، استطاعت اللعبة التحول إلى ظاهرة فريدة مع آلاف اللاعبين المستمرين معا في وقت واحد.

تمكنت ماينكرافت في أقل من 3 سنوات من جذب أنظار العالم، ومن ضمنهم بالطبع رجال الاستثمار في مايكروسوفت الذين أدركوا المستقبل الهائل الذي تمتلكه اللعبة، وهو المستقبل ذاته الذي دفع مايكروسوفت للاستحواذ عليها في 2014 مقابل 2.5 مليار دولار، وجعلها ملكيّة مشتركة بين الأستوديو المطور الذي بناه نوتش تحت اسم موجانغ، بحسب موقع ديماند ساج.

منذ تلك اللحظة، تحولت ماينكرافت إلى النجاح الهائل الذي نعرفه اليوم مع مئات الألعاب الفرعية التي تدور في العالم ذاته، مثل طور القصة وسلسلة ألعاب تيل تال، إلى جانب طور التعليم أو ماينكرافت للتعليم، وهو الطور الذي أصدرته مايكروسوفت في 2016.

ماينكرافت في 2009 عندما أطلقها ماركوس بيرسون مع واجهة رسومية بسيطة تستند إلى لغة جاڤا (غيتي) تعليم مقدّم من الخبراء

في العادة عندما تحاول لعبة تقديم طور تعليمي، فإنها تعتمد على المعلومات التي يرغب مطور اللعبة في نقلها إلى اللاعبين، وذلك مثل ما قامت به "يوبي سوفت" مع ألعاب "أساسنز كريد" الأخيرة التي تضم طورا تاريخيا استكشافيا في الحقب الزمنية الأثيرة التي تدور فيها الألعاب.

لكن مايكروسوفت كان لها رؤية أخرى، وهي رؤية معززة بأسلوب اللعب الفريد الذي تطبقه ماينكرافت، إذ تركت مايكروسوفت مهمة التعليم لخبراء التعليم في أكثر من 40 دولة و10 آلاف مدرسة ومؤسسة تعليمية حول العالم.

وذكر موقع كود مونكي أن اللعبة تحوي مئات البرامج التعليمية المعدة مسبقا والمطورة من قبل خبراء التعليم في العديد من المجالات المختلفة، مثل منهج ستيم الذي يغطي الكثير من العلوم الأساسية ومناهج مخصصة في اللغات والتاريخ والعلوم المتقدمة، وبالطبع البرمجة والعلوم الرقمية المتعددة ومن ضمنها تجارب تعلّم تتخذ طابع الأمن السيبراني في النسخة الثالثة من مبادرة "سايبر سيف.. غود غيم"، وهي تهدف لتوفير بيئة تعليمية مناسبة لتعليم الأطفال الأمن السيبراني والأدوات المستخدمة فيه، إلى جانب سلوكيّات تسهّل حماية الأطفال وتعليمهم بشكل مناسب.

وبالطبع تهدف البرامج التعليمية المعدة مسبقا إلى توفير وقت المعلمين وتسهيل العملية التعليمية، وذلك حتى يتفرغ هؤلاء لتقييم الأطفال والمهام المنزلية التي يحصلون عليها داخل اللعبة. وبفضل الأدوات المتنوعة التي توفرها اللعبة، فإن الهيئات التعليمية قادرة على الوصول إلى جميع البيانات والتجارب التي يتعرض لها الأطفال داخل اللعبة.

تجربة تعليم ممتعة بحق

في تجربة تحاكي عالم اللعبة الفريد، فإن كل برنامج تعليمي يدور في عالم مختلف داخل اللعبة. ومن خلال هذه العوالم، يمكن للأطفال اللعب معا في تجربة تضم أكثر من 30 طفلا في وقت واحد، ويمكن وضع أهداف مختلفة لكل واحد من المتعلمين ومراقبة تحقيقهم لهذه الأهداف.

تجربة اللعب في ماينكرافت تعزز هذه المساعي بشكل كبير، وذلك بعيدا عن نسخة التعليم المنفصلة، إذ توفر اللعبة بيئة خصبة للإبداع وبناء ألعاب فرعية وعوالم تخدم أي هدف تسعى المؤسسات التعليمية لتحقيقه، وربما كان هذا السبب الحقيقي وراء نجاح اللعبة.

لا يمكن تحديد عدد اللاعبين والمستخدمين في لعبة ماينكرافت للتعليم بشكل منفصل، إذ لا توفر مايكروسوفت أرقاما منفصلة عن اللعبة وتجربتها. ولكن من ضمن 300 مليون لاعب في عام 2023، فإنه تجربة التعليم تحظى باهتمام كاف داخل عالم اللعبة. وإذا كان 10٪ فقط من لاعبيها موجودون في نسخة ماينكرافت للتعليم، فإن هذا يعني أكثر من 30 مليون لاعب متصل في وقت واحد.

يتطلب الوصول إلى ماينكرافت للتعليم الحصول على نسخة خاصة من اللعبة، ولكن هذا مهم للمدرسة أو المؤسسة التعليمية، إذ تحصل على ترخيص خاص بها، ومن خلال هذا الترخيص يمكن للمدرسين والتلاميذ والأهالي الدخول إلى عالم اللعبة والتحكم فيها ومراقبة أطفالهم داخل هذا العالم.

ماينكرافت للتعليم تحتاج رخصة ليتمكن المدرسون والأهالي التحكم فيها ومراقبة أطفالهم (مواقع التواصل) هل نجحت في إزالة وصمة العار؟

لا تحظى ماينكرافت للتعليم بالدعاية الكافية رغم أنها جانب مهم من تجربة اللعبة، ولكن هذه التجربة ذاتها تشجع الأطفال على الإبداع وبناء العوالم بشكل منفرد، لذلك يمكن القول إن ماينكرافت ذاتها لعبة مخصصة للتعليم.

وبالطبع، لن تختفي الوصمة التي تلحق بعالم الألعاب بسهولة، ولكن ماينكرافت للتعليم هي الفرصة الأكبر والأوحد لدثر هذه الوصمة وتأكيد أن الألعاب مثلها مثل الأدوات الفردية، يمكن أن تستخدم لصالح التعليم ويكون لها دور إيجابي على المستخدمين.

ماينكرافت للتعليم لن تتوقف عن أداء دورها، وربما كان إطلاق المبادرة الثالثة من لعبة "سايبر سيف: غود غيم" هو الدليل الأوضح على هذا، لذلك، قد نستيقظ يومًا على عالم تصبح ماينكرافت فيه الأداة الأهم في الرحلة التعليمية للأطفال من مختلف الأعمار.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی وقت

إقرأ أيضاً:

«أبوظبي للطفولة المبكرة» تنظم «ملتقى الرفاهية الرقمية» لمناقشة مستقبل استخدام الأطفال للتكنولوجيا

 

احتضنت العاصمة الإماراتية أبوظبي، اليوم الثلاثاء 15 أبريل 2025، “ملتقى الرفاهية الرقمية”، الذي نظمته هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة في فندق جراند حياة أبوظبي آند ريزيدنسيز إمريتس بيرل، بمشاركة نخبة من رواد قطاع التكنولوجيا، من بينهم ممثلون عن “ميتا”، “جوجل”، “تيك توك”، “إكس”، “يانغو”، “سامسونج”، “إيه آند”، و”دو”، وذلك بهدف تسليط الضوء على الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا في مرحلة الطفولة المبكرة.
وجاء تنظيم الملتقى، المصاحب لأسبوع أبوظبي العالمية للصحة الذي تنظمه دائرة الصحة، كجزء من مشروع بحثي يمتد لثلاث سنوات، بتمويل من هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة، تحت عنوان “استخدام التكنولوجيا والوسائط الرقمية في حياة الأطفال”. ويشارك في تنفيذه عدد من المؤسسات الأكاديمية المرموقة، من بينها جامعة نيويورك أبوظبي، وجامعة نيويورك الأميركية، وجامعة مدينة نيويورك.
وقال سعادة الدكتور يوسف الحمادي، المدير التنفيذي لقطاع المعرفة والريادة في هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة: “نهدف في هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة إلى مساعدة أولياء الأمور للشعور براحة أكبر عند استخدام أطفالهم للوسائط الرقمية. ونحن نعلم أن التكنولوجيا تلعب دوراً كبيراً في حياة وتطور الأطفال. وبناءاً على ذلك، نفخر لرؤية أولياء الأمور في أبوظبي وهم يتبنون التكنولوجيا بصفتها أداة قيّمة لدعم نمو أطفالهم، وبذلهم الجهود في وضع حدود صحية لاستخدام التكنولوجيا داخل المنزل”.
وأضاف: “مع مواصلة التطور التكنولوجي، نأمل في العمل على الدوام مع أولياء الأمور لإعطاء رفاهية الطفل الرقمية الأولوية، وضمان موازنة حياة الأطفال اليومية بين الأنشطة الرقمية والتقليدية”.
وقالت جواهر عبد الحميد، رئيس السياسات العامة لشركة “سناب” في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عضو ميثاق جودة الحياة الرقمية للأطفال: “نحن نسعى بكل جهدنا لبناء تجارب رقمية تضع سلامة مستخدميها في المقام الأول، وخصوصاً الأطفال. وضمن التزامنا هذا، نعمل على تمكين الوالدين عبر تزويدهم بالموارد والأدوات التي يحتاجون إليها لتعزيز سلامة الاستخدام للإنترنت”.
وتضمن الملتقى جلسات نقاشية يشارك فيها عدد من القادة والخبراء في مجالات التكنولوجيا، ومن بينهم: سعادة الدكتور يوسف الحمادي، وجواهر عبد الحميد، والبروفيسورة سوزان دانبي، الأستاذة في جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا ومديرة ورئيسة الباحثين في مركز التميز للطفل الرقمي، ومريم الشحي، مدير مشاريع رئيسية في مجلس الإمارات للإعلام، والدكتور مايكل بريستون، النائب الأول لرئيس ورشة “سمسم” والمدير التنفيذي لمركز جوان جانز كوني، والبروفيسور جان بلاس، أستاذ كرسي “بولييت غودارد” في الإعلام الرقمي وعلوم التعلم بجامعة نيويورك.
وتناول الحدث مجموعة من القضايا المهمة المتعلقة برفاهية الأطفال في العالم الرقمي، مثل تطوير إرشادات قائمة على الأدلة حول الوسائط الرقمية والذكاء الاصطناعي، واستراتيجيات إنشاء محتوى رقمي عالي الجودة يركز على تعلم الأطفال الصغار وتنميتهم، إلى جانب استكشاف متطلبات إطلاق إطار تقييم ثقافي للوسائط الرقمية.
وقد ارتكز تنظيم “ملتقى الرفاهية الرقمية” على التزام هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة في الشراكة مع (ميثاق جودة الحياة الرقمية) في دولة الإمارات الذي يُعد الأول من نوعه في المنطقة، على تعزيز الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص لضمان بيئة رقمية آمنة ومتوازنة للأطفال والأسر، ويرسّخ أسس التعاون المشترك في تطوير سياسات ومبادرات تعزز جودة الحياة الرقمية، كما يمثل خطوة رائدة نحو تمكين الأجيال الناشئة من الاستفادة من الفرص الرقمية بأمان ومسؤولية، بما يواكب تطلعات القيادة الرشيدة نحو مستقبل رقمي مستدام ومزدهر.
ويعد الملتقى متابعة لجهود مبادرة ود العالمية لتنمية الطفولة المبكرة التابعة للهيئة، وهي مبادرة تجمع نخبة من الخبراء والشركاء والمبتكرين العالميين لتعزيز الابتكار في تنمية الطفولة المبكرة داخل أبوظبي وخارجها، إلى جانب بناء مستقبل أفضل للأطفال حول العالم عبر تبادل وجهات النظر، وتعزيز التعاون، وإطلاق مبادرات ذات تأثير واسع.
دراسة استخدام الأطفال للوسائط الرقمية
وكشف الملتقى عن نتائج دراسة ميدانية أجرتها جامعة نيويورك أبوظبي بدعم من هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة، وقد شملت 10 آلاف من أولياء الأمور في أبوظبي لتُظهِرَ أن 55% من أولياء

الأمور يعتقدون أن الوسائط الرقمية تسهم في تعلم أطفالهم وتطورهم الاجتماعي. وتبين نتائج الدراسة أن 70% من أولياء الأمور راضون عن مقدار الوقت الذي يقضيه أطفالهم في استخدام الوسائط الرقمية، وأن 86% من الأطفال يستخدمون الوسائط الرقمية بانتظام، فيما 75% من الأطفال دون سن الثانية لا يستخدمونها على الإطلاق.
وعن أهمية هذه الدراسة، قالت الدكتورة أنتجي فون سوشودلتز، الأستاذ المشارك لعلم النفس في جامعة نيويورك أبوظبي: “تقدم الدراسة بيانات ذات قيمة عالية حول اتجاهات تعامل أولياء الأمور في إمارة أبوظبي مع تجارب أطفالهم الرقمية. وقد أظهرت الدراسة أن مشاركة أولياء الأمور أطفالهم في التجارب الرقمية تعود بفوائد أكبر على تنمية الطفل مقارنة بالاستخدام الفردي للوسائط الرقمية. هذه البيانات يمكن أن تكون أساساً قوياً لبناء سياسات تعزز الرفاهية الرقمية للطفولة المبكرة.”


مقالات مشابهة

  • منظمات إغاثة: آلاف الأطفال في غزة يعانون من سوء التغذية
  • مستقبل التعليم يُبنى من جديد.. 70 مدرسة تُعيد الأمل لطلاب سوريا
  • معلمة لكل 5 رُضع.. ”التعليم“ تحدد نسب إشراف جديدة للحضانات
  • أرقام صادمة.. البحر يبتلع آلاف الأطفال!
  • اجتماع في مأرب يحذر من انهيار قطاع التعليم بسبب توقف التمويل الإنساني
  • أسوشيتد برس: سكان الجنوب ينتظرون تعويضات حزب الله التي لا تأتي
  • ملتقى يناقش مستقبل استخدام الأطفال للتكنولوجيا
  • «ملتقى الرفاهية الرقمية» يناقش مستقبل استخدام الأطفال للتكنولوجيا
  • جدل في مجلس النواب خلال تقديم تقرير مهمة استطلاعية واستقلالي يصف النقاش بـ"لعبة الأطفال"
  • «أبوظبي للطفولة المبكرة» تنظم «ملتقى الرفاهية الرقمية» لمناقشة مستقبل استخدام الأطفال للتكنولوجيا