التهجير إلى سيناء بين حديث العلن وما يحدث في الخفاء
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
حلفاء النظام المصري من الأمريكان أو الإسرائيليين تحدثوا عن مواقفه المشكورة أكثر من مرة خلال الحرب على غزة، ومن ذلك ما حدث في محكمة العدل الدولية، إبان النظر في قضية الإبادة الجماعية التي تقدمت بها جنوب أفريقيا، حيث تحدث دفاع الجانب الإسرائيلي عن براءته من منع دخول المساعدات إلى غزة، وأن إغلاق معبر رفح هو قرار الحكومة المصرية.
وكان لهذا الاتهام أصداء عالمية مدوية، وجاء الرد المصري خافتا باهتا، لا يتناسب مع حجم الجريمة التي تحدث عنه الإسرائيليون.
وتكرر الأمر نفسه.. وبردة الفعل ذاتها، مع تصريح الرئيس الأمريكي بايدن بأن مصر رفضت فتح معبر رفح في البداية، وأنه مارس ضغطا لإقناع المسؤولين بفتحه، وجاء الرد الرسمي المصري مؤكدا على متانة العلاقة الثنائية، وتقارب وجهات النظر والأهداف المشتركة، ثم مرَّ بلطف ومن طرف خفي على الموضوع الرئيس، وكأنهم من بنها أو المكسيك!
تعالت أصوات الكثيرين حتى من المؤيدين للحرب على غزة تطالب بعدم أي تدخل عسكري في رفح، وأن ذلك سيؤدي إلى كارثة ليس لها مثيل، وبعض هذه الأصوات أراد أصحابها التوطئة لموضوع التهجير، الذي نفاه متحدثون باسم النظام المصري، وأكده رموز في جيش الاحتلال
وهذا يأخذنا إلى القضية الأخطر والتي يحبس العالم أنفاسه ترقبا لوقوعها، وهي تهجير أهل غزة إلى سيناء، لا سيما بعدما تكدس في رفح على الحدود المصرية قرابة مليون ونصف من سكان غزة، الذين خرجوا من ديارهم وأحيائهم التي قصفها جيش الاحتلال وجعلها ركاما، ثم أعلن عن عملية جديدة في رفح.
وقد تعالت أصوات الكثيرين حتى من المؤيدين للحرب على غزة تطالب بعدم أي تدخل عسكري في رفح، وأن ذلك سيؤدي إلى كارثة ليس لها مثيل، وبعض هذه الأصوات أراد أصحابها التوطئة لموضوع التهجير، الذي نفاه متحدثون باسم النظام المصري، وأكده رموز في جيش الاحتلال، منهم على سبيل المثال: "غانتس"، الوزير في مجلس الحرب الحالية، الذي تحدث في لقاء تناقلته وسائل الإعلام بقوله: على كل حال فإن الحرب ستستمر حتى تحقيق أهدافنا كلها، وحتى في شهر رمضان القريب، فإنها يمكن أن تستمر. وتابع مهددا: "إما أن يعود المختطفون أو نوسع الحرب إلى رفح، وسوف نفعل ذلك بالتنسيق مع شركائنا ومن بينهم مصر، سنخلي السكان ونتقدم".
ومع حساسية الأمر وتعلقه بالحرب والقتال، فإن النظام المصري ترك القضية للإعلام ولهيئة الاستعلامات، ولم نسمع تصريحات من جنس التي خرجت في الحالة الليبية، مثل سرت خط أحمر، بل وتحركت الآليات العسكرية إلى مرسى مطروح الحدودية وقتها!
ومما يعمق من ضعف الردود المصرية، أنها لا ترد مباشرة على قادة الاحتلال، وأن الصحف الأجنبية تذكر تقارير من أرض سيناء، تعضد رواية الصهاينة، ومن ذلك ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بالصوت والصورة وشهادة الشهود، مؤكدة ما ذكرته مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، بأن مصر تبني منذ 5 شباط/ فبراير منطقة إيواء عازلة داخل الحدود المصرية مع رفح، بعمق خمسة كيلومترات وبأسوار عالية، فيما يبدو أنها لاستيعاب مئات الآلاف من جموع النازحين الفلسطينيين المكدسين في رفح، والتي تستعد إسرائيل للزحف عليها حربيا، بعد توفير ملاذات آمنة لسكانها، حسب شروط أمريكا والغرب.
مما يعمق من ضعف الردود المصرية، أنها لا ترد مباشرة على قادة الاحتلال، وأن الصحف الأجنبية تذكر تقارير من أرض سيناء، تعضد رواية الصهاينة، ومن ذلك ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بالصوت والصورة وشهادة الشهود، مؤكدة ما ذكرته مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، بأن مصر تبني منذ 5 شباط/ فبراير منطقة إيواء عازلة داخل الحدود المصرية مع رفح، بعمق خمسة كيلومترات وبأسوار عالية، فيما يبدو أنها لاستيعاب مئات الآلاف من جموع النازحين الفلسطينيين المكدسين في رفح
وحتى نستطيع فك خيوط المؤامرة، لا بد من العودة إلى صفقة القرن، والتي كان من بنودها قضية التهجير. ولعل الأبنية المصرية التي شُيدت في رفح المصرية ومنطقة الشيخ زويد، بعد تهجير أهلها وهدم منازلهم وتجريف مزارعهم، تؤكد ذلك، ولكن الذي أفشل المخطط مؤقتا، وأدى لهذا التخبط، هو صمود المقاومة وفشل الاحتلال في إحراز أي نصر خلال أربعة أشهر من القتال المتواصل، بأشد آلات الحرب فتكا.
والأمر الذي ينبغي أن نتنبه له جميعا، أن سيناء أهم عند الاحتلال من غزة، وفيها جل الأماكن المقدسة، فكيف يهجر أهل غزة إليها؟
والجواب على ذلك: أن غزة هي حجر العثرة الأكبر أمام طموحات وأوهام إسرائيل، وهي حائط الدفاع الأول عن الدول العربية الداخلة في نطاق مشروع إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، ولو تم التهجير إلى سيناء ستكون سيناء هي وجهتهم القادمة، وحجتهم لذلك جاهزة، وهي متابعة من تسلل من المقاومين مع المدنيين، وأن المنطقة باتت بؤرة تهديد لأمن إسرائيل.
أما عن السيناريو المعد للتهجير فهو أن تُقصف رفح بقوة، ويطال القصف الجُدر والأسلاك العازلة بين رفح المصرية والفلسطينية، كما حدث في الأسابيع الماضية، وعندها لا يبقى أمام أهل غزة إلا النجاة بأنفسهم والدخول لرفح المصرية، وعندها يسهل على الإعلام المصري تبني رواية أنه ليس أمامنا حل تجاه ما يحدث للأشقاء إلا فتح أذرعنا وقلوبنا لهم، وعندها يتم التهجير تحت غطاء إنساني.
على فرض أن طول أمد الحرب أفشل خطة التهجير إلى حين، فإن التلويح بها وبالعدوان على رفح ومن فيها، يراد من خلاله للمفاوض الفلسطيني أن يتفاوض تحت هذه الضغوط والإكراهات، حتى يعوض جيش الاحتلال إخفاقه على الأرض فوق مائدة المفاوضات
وعلى فرض أن طول أمد الحرب أفشل خطة التهجير إلى حين، فإن التلويح بها وبالعدوان على رفح ومن فيها، يراد من خلاله للمفاوض الفلسطيني أن يتفاوض تحت هذه الضغوط والإكراهات، حتى يعوض جيش الاحتلال إخفاقه على الأرض فوق مائدة المفاوضات.
ولعل أكبر ما ينفطر له القلب، بعد استشهاد أكثر من ثلاثين ألف شخص في غزة حتى الآن، والدمار الشامل لكل مظاهر الحياة فيها، هو الخذلان العام الذي تفاوتت فيه درجات أهل الأرض، بل ألِفَ الناس مشاهد القتل وصور الخراب، وظهر العالم العربي والإسلامي بلا وزن من بداية طوفان الأقصى، بل انقسم بين عاجز عن العون والمساعدة، ومطبع يعين ويساعد.
وليست المؤسسات أحسن حالا من الحكومات، بل أصبحت تدور في فلكها وتعكس صورة عجزها. ويبقى الأمل معقودا على علماء الأمة المتحررين من عبودية السلطة وإطار المناصب، أولئك الذين كانت بأيديهم مفاتيح الحل في أزمات الأمة الخانقة، ولعلها فرصتهم لإدراك اللحظة الفارقة، أما إن لم يبرحوا أماكنهم، ولم يرتقوا إلى قدر المسؤولية التي أنيطت بأعناقهم، فحتما سيجرفهم الطوفان الذي لا يحابي أحدا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري غزة رفح سيناء التهجير مصر غزة سيناء رفح التهجير مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام المصری جیش الاحتلال التهجیر إلى أنها لا فی رفح
إقرأ أيضاً:
عطوان: لماذا سيدخل الصاروخ الفرط صوتي اليمني الذي قصف قلب يافا اليوم التاريخ من أوسع أبوابه؟
عبد الباري عطوان
من المؤكد أن الصاروخ الباليستي فرط الصوت اليمني الذي أصاب هدفه بدقة في قلب مدينة يافا الفلسطينية المحتلة فجر اليوم السبت سيدخل التاريخ، وسيحتل مكانة بارزة في العناوين الرئيسية للصراع العربي-الصهيوني لعدة أسباب:
الأول: إيقاعه إصابات بشرية ضخمة بوصوله إلى هدفه، حيث اعترف العدو الصهيوني بإصابة ثلاثين شخصاً حتى الآن، يُعتقد أن معظمهم من العسكريين، كما أحدث حرائق كبرى يمكن مشاهدة ألسنة لهبها وأعمدة دخانها من مسافات بعيدة، وهي سابقة تاريخية.
الثاني: هذا الصاروخ فرط الصوت لم يأتِ انتقاماً للعدوان الأمريكي-الصهيوني على صنعاء والحديدة، وإنما جاء في إطار استراتيجية يمنية تهدف إلى تكثيف الضربات للعمق الفلسطيني المحتل دون توقف، جنباً إلى جنب مع استراتيجية قصف حاملات الطائرات والسفن الأمريكية والصهيونية في جميع بحار المنطقة. فلليوم الثالث على التوالي، تقصف قوات الجيش اليمني أهدافاً عسكرية صهيونية بصواريخ فرط الصوت، تضامناً مع شهداء غزة.
الثالث: فشل جميع منظومات الدفاع الجوي الصهيونية المتطورة، وعلى رأسها القبة الحديدية، ومقلاع داوود، وصواريخ حيتس و”ثاد”، في اعتراض أي من صواريخ فرط الصوت اليمنية، ووصولها جميعاً إلى أهدافها. وهذا ما دفع الاحتلال إلى فتح تحقيقات رسمية لمعرفة أسباب هذا الفشل، في اعتراف ضمني بالهزيمة.
الرابع: تتميز هذه الصواريخ الباليستية الجديدة (قدس 1 وقدس 2) بتجهيزها برؤوس حربية متطورة جداً، وقدرتها الكبيرة على المناورة والانفصال عن “الصاروخ الأم” قبل وصولها إلى أهدافها، مما يؤدي إلى فشل الصواريخ الاعتراضية المعادية في اعتراضها وتدميرها.
الخامس: تحول اليمن إلى دولة مواجهة رئيسية، وربما وحيدة، مع كيان الاحتلال، رغم المسافة الهائلة التي تفصله عن فلسطين المحتلة، والتي تزيد عن 2200 كيلومتر. وهذا يعني أن الجوار الجغرافي المباشر بات يفقد أهميته في ظل وجود صواريخ فرط الصوت والمسيّرات المتطورة جداً.
ما يميز القيادتين السياسية والعسكرية في اليمن هو قدرتهما على اتخاذ القرار بالقصف الصاروخي سواء للعمق الصهيوني أو لحاملات الطائرات الأمريكية والصهيونية والبريطانية. وهذه صفة تفتقدها للأسف جميع الدول العربية والإسلامية، سواء الصغرى منها أو الكبرى، التي تفتقر إلى الشجاعة والمروءة وعزة النفس، وتبحث دائماً عن الأعذار لتبرير جبنها وتجنب الرد على الاعتداءات الصهيونية المتكررة على أراضيها أو الدفاع عن المقدسات.
الظاهرة اللافتة في عمليات القصف اليمني للعمق الصهيوني والقواعد العسكرية الحساسة فيه، أنها بدأت توقع خسائر بشرية ودماراً كبيراً، وهو أكثر ما يزعج ويرعب المستوطنين وقيادتهم، ويقوض المشروع الصهيوني من جذوره. فهذا القصف يأتي بعد هدوء الجبهة اللبنانية وسقوط سورية، ويفسد على نتنياهو وجيشه احتفالاتهم بما اعتبروه “إنجازات”. فجميع الحروب العربية الرسمية مع كيان الاحتلال كانت على أراضٍ عربية، وقصيرة جداً، ولم تصل مطلقاً إلى المستوطنين، ولم تطلق صافرة إنذار واحدة في حيفا أو يافا أو باقي المدن الفلسطينية المحتلة. ربما الاستثناء الوحيد كان عندما أطلق العراق أكثر من أربعين صاروخاً على تل أبيب أثناء عدوان عام 1991.
هذا الموقف اليمني المشرف ربما هو مصدر الأمل الوحيد للصامدين في فلسطين المحتلة، الذين يواجهون حرب الإبادة والتطهير العرقي والمجازر اليومية، بعد أن خاب ظنهم كلياً بجميع أنظمة الحكم العربية والإسلامية، خاصة تلك التي ترفرف الأعلام الصهيونية في قلب عواصمها، ناهيك عن التعاون العسكري والاستخباري والتجاري العلني والسري مع كيان الاحتلال.
غزة ليست وحدها، ويكفيها أن الشعب اليمني، أصل العرب، يقف في خندقها، ولا ترهبه الغارات الصهيونية والأمريكية، ولا يتردد في تقديم الشهداء.
الأمر المؤكد أن اليمن العظيم لن يتخلى عن غزة ومجاهديها، وستستمر صواريخه الباليستية في زعزعة أمن واستقرار كيان الاحتلال وكل القوى الاستعمارية الداعمة له. فاليمن ظاهرة استثنائية، تفوقت على الجميع في شجاعتها ووطنيتها وثباتها على الحق، وتعاملها مع العدو بأنفة وكبرياء، ومخاطبته بالصواريخ والمسيّرات، وهي لغة القوة التي يجيدها ويخشاها الأعداء… والأيام بيننا.