تطهير عرقي شمل 700 ألف شخص.. أزمة إنسانية مهملة تتصاعد في السودان
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
أُعرب الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، جان إيغلاند، في حديثه إلى صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية: عن "خيبة أمله من التجاهل الدولي" لأزمة إنسانية كبرى في السودان، وذلك وسط انشغال العالم بالحرب في قطاع غزة وأوكرانيا.
وأوضح إيغلاند أن الحرب التي تشهدها السودان منذ منتصف أبريل من العام المنصرم، نجم عنها "عمليات تطهير عرقية كبرى في منطقة دارفور، حيث أجبر أكثر من 700 ألف شخص على مغادرة مدنهم وقراهم".
وبحسب إيغلاند، فإن الأزمة الحالية هي "أسوأ بكثير" من الأزمة التي شهدتها نفس المنطقة قبل 20 عاما، واستحوذت وقتها على اهتمام دولي كبير.
واعتبر أن الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تم "تجاهله" إلى حد كبير من قبل المجتمع الدولي، الذي ركز بدلاً من ذلك على الحروب في أوكرانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وقطاع غزة.
وتابع: "هذا أمر محير للعقل، لمن يؤمنون بقيم الإنسانية والحضارة".
وقارن بين المبالغ المحدودة من الأموال التي تم جمعها خلال الأزمة الحالية، وبين الاستجابة الساحقة في عامي 2003 و2004 عندما اندلع العنف على نطاق واسع في دارفور آخر مرة.
ونبه إلى أنه في الأزمة السابقة، قام زعماء مثل الرئيس الأميركي، جورج دبليو بوش، ورئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، بدفع تلك المنطقة المهمشة إلى قمة جدول الأعمال الدولي.
وقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أنه تم جمع 3.5 في المائة فقط من مبلغ 2.7 مليار دولار المطلوب للتعامل مع أزمة السودان.
وعاد إيغلاند مؤخراً من زيارة مخيمات اللاجئين السودانيين في تشاد المجاورة، واصفا ما رآه بالقول: "من المؤلم أن نسمع عن أفظع الفظائع، ومعظمها تتعلق بالعنف الجنسي ضد المرأة.. وقتل الشباب بشكل جماعي".
ووصف ذلك بأنه "تطهير عرقي " تقوم به ميليشيات عربية مرتبطة بقوات الدعم السريع.
وأصبحت دارفور نقطة محورية دولية رئيسية بعد أن قتلت ميليشيات عربية كانت تعرف باسم الجنجويد، ما يقدر بنحو 200 ألف شخص هناك بين عامي 2003 و2005.
واتهم وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن في ديسمبر، قوات الدعم السريع، التي يقودها محمد حمدان دقلو، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وأضاف أن قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، "مذنبون بارتكاب جرائم حرب".
وقال بلينكن إنه "منذ اندلاع القتال في السودان في 15 أبريل، أطلقت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع العنان لأعمال عنف مروعة وموت ودمار في جميع أنحاء السودان".
وأشار إلى أن المدنيين هم من تحملوا تداعيات "ذلك الصراع الذي لا داعي له، وتعرض المعتقلون للإساءة وقتل بعضهم في مواقع الاحتجاز التابعة للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع".
وتماثل شهادة إيغلاند شهادة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، الذي قال للصحيفة البريطانية مؤخرا إن "السودان ربما يكون أكبر بؤرة للمعاناة" في العالم بسبب ما أسماه "الحرب الخفية".
وأضاف أن المعارك أدت إلى جعل نحو 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان، في حاجة إلى المساعدات، فضلا عن نزوح نحو 7 ملايين، وفقا للتقديرات.
وقال غريفيث إنه تحدث إلى قادة قوات الدعم السريع والجيش، "لكن لم يكن هناك تقدم دبلوماسي ملموس".
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى مقتل ما لا يقل عن 13 ألف شخص، منذ اندلاع القتال، لكن العدد الحقيقي قد يكون أعلى من ذلك بكثير.
وقدّر تقرير مسرب للأمم المتحدة، أن عدد الوفيات في مدينة الجنينة بدارفور وحدها يتراوح بين 10 آلاف و15 ألف شخص.
وقال إيغلاند إنه لا يستطيع تأكيد المزاعم، التي نفتها دولة الإمارات، والتي تقول بأن تلك الدولة الخليجية تساعد في إعادة تسليح قوات حميدتي عبر تشاد.
وأوضح: "لا أستطيع التأكد من أن هذه الدولة أو تلك تدعم الأطراف بالسلاح.. ومع ذلك، فمن الواضح جدًا أن أولئك الذين يرتكبون الفظائع وأولئك الذين يشنون هذه الحرب العبثية لا يفتقرون إلى الموارد، وذلك على عكسنا نحن الذين نحاول إنقاذ الأرواح وحماية المدنيين.. إنها مفارقة هائلة في عصرنا".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع فی السودان ألف شخص
إقرأ أيضاً:
البرلمان البريطاني من ونستون تشرشل إلى سليمان صندل
كتب الدكتور عزيز سليمان أستاذ مادة السياسة والسياسات العامة
كأن التاريخ يعيد نفسه بقلمٍ ساخرٍ، وبحبرٍ مسموم، ففي مقر البرلمان البريطاني، ذلك الحرم الذي شهد أعظم الخطب وأنبل القرارات، يُسمح اليوم لمجموعات تتبع الجنجويد – أو بالأحرى قوات الدعم السريع السودانية – بعقد ندوة تروّج لما هو أبعد من مجرد كلام، بل لتبرير فظائع جعلت العالم يذهل ويقشعرّ. العقلاء يتساءلون: ما الذي أصاب بريطانيا حتى تُدنّس أعتاب ديمقراطيتها العريقة بمثل هذه المهزلة؟
بريطانيا والجنجويد: سقوط في هاوية البرلمان المقدس
لنعد الشريط قليلاً. البرلمان البريطاني ليس مجرد مبنى حجري في وستمنستر، بل هو رمزٌ للحرية والكرامة الإنسانية. في قاعاته، وقف ونستون تشرشل يهزّ العالم بخطبه في وجه النازية، معلناً أن بريطانيا لن تستسلم. فيه، نوقشت إلغاء تجارة الرقيق، وصيغت قوانين ألهمت دولاً بأسرها. وفيه، عقدت أعظم الاجتماعات، كتلك التي جمعت قادة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، حيث كان مصير البشرية على المحك و هو ذات البرلمان الذي اعتذرت فيه بريطانيا للعالم عن حقب الاستعمار المريرة . كيف، إذن، تحول هذا المكان من منارة للعدل إلى منصة تُروَّج منها لمليشيا متهمة بإبادات جماعية، تطهير عرقي، وانتهاكات موثقة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان؟
اسم "الجنجويد" ليس مجرد لقب عابر، بل هو مرادف للموت والدمار في السودان. قوات الدعم السريع، التي تطورت من هذه المليشيات، تركت خلفها جبالاً من الجثث في دارفور، وأشعلت حرباً أهلية أزهقت أرواح عشرات الآلاف، وشردت الملايين. تقارير دولية، من مجلس الأمن إلى الخارجية الأمريكية، وثّقت جرائمها: اغتصاب جماعي، حرق قرى، وتجويع شعوب بأكملها. ومع ذلك، تُفتح لهم أبواب البرلمان البريطاني، كأن الأمر لا يعدو كونه نقاشاً أكاديمياً، وليس ترويجاً للبربرية.
لماذا تفعل بريطانيا هذا؟
لنكن صريحين: المصالح لم تكن يوما تقاس بمعيار الأخلاق، بل برقعة شطرنج المصالح. سماح بريطانيا بهذه الندوة ليس خطأً عفوياً " و ان حاولوا اخفاءه عبر حديث البرلمانية الفطير"، بل خطوة محسوبة في سياق أعمق. هناك من يرى فيها محاولة لإعادة صياغة صورة قوات الدعم السريع ـ"كجهة شرعية"، ربما لخدمة أجندات إقليمية تتقاطع مع مصالح دول كبرى، مثل الإمارات، التي اتهمت بدعم هذه القوات لوجستياً وعسكرياً. لكن السؤال الأكبر: هل هناك رابط مع ما يُسمى "الصهيونية العالمية"؟
الصهيونية، كمصطلح، أصبحت كرة مطاطية تُرمى في كل اتجاه، لكن دعونا ننظر بعين السياسة لا الشعارات. إسرائيل، كلاعب إقليمي، لها مصلحة في اضعاف السودان أو على الأقل في احتواء الفوضى و توجيهها في صالحها بما يضمن أمن حدودها الجنوبية عبر البحر الأحمر. قوات الدعم السريع "، استخدمت كأداة لفرض واقع جديد في السودان، يُبقي البلاد ضعيفة ومفتتة، وهو ما يتماشى مع استراتيجيات تاريخية لتقسيم المنطقة. بريطانيا، بدورها، قد تكون شريكاً في هذا المشهد، إما عن وعي أو كجزء من ضغوط أمريكية غربية لإعادة تشكيل النظام السوداني و المنطقة.
لكن هذا لا يبرئها. أن تُدنّس بريطانيا سمعتها وتاريخها الديمقراطي بهذا الشكل هو انحدار أخلاقي وسياسي. كان بإمكانها أن ترفض، أن تقول "لا" كما فعلت في وجه الطغاة سابقاً. لكنها اختارت الانصياع، ربما لأنها لم تعد تلك الإمبراطورية التي "لا تغيب عنها الشمس"، بل دولة تائهة تبحث عن دور في عالم تتغير قواعده.
السودان: كيف يرد على هذه الإهانة؟
السودان، كدولة، يقف اليوم على مفترق طرق. هذه الندوة ليست مجرد حدث عابر، بل رسالة: العالم مستعد للتعامل مع منتهكي حقوق شعبكم كشركاء. لذا، يجب أن يتحرك السودان بذكاء وحزم، وفق هذه الخطوات
قطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا مؤقتاً ليس من باب العقاب فقط، بل لإرسال رسالة أن السودان لن يقبل التواطؤ مع من يبررون إبادته. هذا سيضع لندن في موقف محرج أمام العالم.
اللجوء إلى الأمم المتحدة: تقديم شكوى رسمية ضد بريطانيا في مجلس الأمن، مستندة إلى التقارير التي تدين قوات الدعم السريع، مع المطالبة بتحقيق دولي في دعمها الضمني.
تعزيز التحالفات الإقليمية: التقارب مع دول مثل الصين و روسيا " مع الحذر الواعي"، التي لها مصلحة في استقرار السودان، لمواجهة أي محاولات لفرض حكومة موازية مدعومة من الخارج.
توثيق الفظائع محلياً ودولياً: إنشاء لجنة وطنية مستقلة لتسجيل جرائم الجنجويد، مع عرضها في محافل مثل المحكمة الجنائية الدولية، لقطع الطريق على أي محاولة لتبييض صفحتهم
الضغط الشعبي: حشد الجالية السودانية في بريطانيا للتظاهر أمام البرلمان، كما فعلوا من أجل فلسطين، لفضح هذه الخطوة وإحراج الحكومة البريطانية.
خاتمة: الخرطوم تستحق أفضل من هذا
السودان، بتاريخه العريق وشعبه الصامد، لا يستحق أن يُعامل كساحة لتجارب المصالح الدولية. بريطانيا، التي كانت يوماً مستعمرة له، تعود اليوم بقناع جديد، لكن الرائحة نفسها: رائحة الاستعلاء والتلاعب. لكن كما قال أحد حكماء السودان: "ليس للبربرية مستقبل". الخرطوم ستنهض، وسيبقى البرلمان البريطاني شاهداً على عارٍ سيلاحقه التاريخ، كما لاحق غيره من قبل. أما السودانيون سيظلون يتراغبون مواقف كل الدول ابان محنة السودان هذه.
quincysjones@hotmail.com