بنطلحة يكتب: المغرب وفرنسا.. فصل ذوبان الجليد
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير المركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء
العلاقات المغربية – الفرنسية تاريخ ممتد عبر العصور، وهي ليست علاقة ظرفية ولكنها نتيجة علاقات تعززت وتوطدت بغض النظر عن تقلبات التاريخ.
لقد شابتها توترات في كثير من المحطات حركتها نوازع مصلحية وبراغماتية للطرف الفرنسي، وبلد يسعى إلى تثبيت خطوه المستقل حتى يمكنه التحليق عاليا دون قيود.
في هذا الإطار، نستحضر الأزمة الدبلوماسية التي عرفتها العلاقة بين البلدين مؤخرا بسبب خلافات عميقة بين الرباط وباريس بشأن العديد من القضايا، حيث نسجل غيابا لتبادل الزيارات الدبلوماسية ومخلفات ما يسمى بقضية «بيغاسوس» وتشديد باريس شروط منح التأشيرات للمواطنين المغاربة والموقف الفرنسي من مغربية الصحراء، حيث أنه وفي الوقت الذي ظهر فيه تطور واضح في مواقف شريكين أوربيين لهما ثقلهما في سياسة الاتحاد الأوروبي (ألمانيا وإسبانيا)، نجد أن الجانب الفرنسي لم يخرج من منطقته الرمادية حيث نسجل عدم وضوح في الرؤية من طرفه وعدم اتخاذه موقفا صريحا يدعم مغربية الصحراء، خاصة وأن باريس تفاعلت مع الخطوة الأمريكية التاريخية والتي اعترفت بمغربية الصحراء، بشكل محتشم، معلنة دعمها لمقترح الحكم الذاتي، وهو موقف دأبت الدبلوماسية الفرنسية على اقتراحه وتأييده على المستويين الأممي والأوروبي، وهو شبه اعتراف بمغربية الصحراء لكن يبقى دون مستوى القرار الأمريكي، في وقت فقدت فيه فرنسا مكانتها الجيوستراتيجية بالمنطقة وفي ظل تراجع واضح لنفوذها سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.
نعم، ثمة درس نتعلمه من هذه الأزمات، وهو أن الرغبة في علاقات أفضل وأقوى وأوضح تظل هي الهدف المنشود، ولحسن حظنا ثمة عبارة حكيمة قالها فرانسوا هولاند أثناء زيارته الأخيرة للرباط في معرض تعليقه على علاقات بلاده مع المملكة المغربية؛ إن تلك العلاقات «يجب أن تتحسن بالعمل على تجاوز سوء الفهم وتخطي هذه المرحلة الصعبة».
بداية تجاوز سوء الفهم دشنته زيارة الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي للمغرب وتقديم كتابه الجديد واعترافه بمغربية الصحراء. إننا نعتبر ذلك نوعا من الدبلوماسية الناعمة، والتي لن تغفل عنها أنظار الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، كما يوضح بيير ريمون، الباحث في جامعة ليل الفرنسية لبعض وسائل الإعلام الدولية.
ونسجل تعيين سميرة سيطايل سفيرة للمغرب بباريس، بعد أن ظل المنصب شاغرا لبضعة أشهر، واستقبال ملك البلاد للسفير الفرنسي في الرباط كريستوف لوكورتييه، حيث قدم أوراق اعتماده بعد تعيينه قبل عام تقريبا.هذا السفير الفرنسي، الذي صرح في محاضرة حول آفاق العلاقات بين المغرب وفرنسا، نُظّمت مؤخرا بكلية الحقوق عين الشق بالدار البيضاء، بأنه سيكون من «الوهم وعدم الاحترام الاعتقاد بأنه بإمكاننا بناء مستقبل مشترك مع المغرب دون توضيح موقف فرنسا من مسألة الصحراء المغربية».
وحول العلاقات الاقتصادية، نوه السفير الفرنسي بحجم الاستثمارات الفرنسية بالمغرب في صناعة السيارات والطائرات واستثمارات الوكالة الفرنسية للتنمية التي بلغت 100 مليون أورو خلال 15 سنة، فضلا عن الآفاق الواعدة للتعاون المغربي الفرنسي في قطاع الطاقات المتجددة، علما أن باريس لها مكانتها في السوق الاقتصادي المغربي بما بقارب 1300 شركة فرنسية، من ضمنها الشركات الكبرى (CAC40)، كما تعد فرنسا أيضا أكبر مستثمر أجنبي في المغرب بقيمة استثمارات بلغت 8,1 مليار يورو العام الماضي.
نعم، إن فرنسا تعي جيدا أن المغرب حليف تقليدي، ولا يمكن التفريط في علاقات جيدة معه، وهذا ما أعلنه مؤخرا وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني، وهو بالمناسبة كان من المتسببين الأساسيين في الأزمة التي طرأت بين المغرب وفرنسا بالبرلمان الأوروبي.
لقد صرح أمام البرلمان الفرنسي مؤخرا أنه فتح باب التواصل مع المملكة المغربية من أجل تجاوز «سوء الفهم» الذي أدى إلى صعوبات في التفاهم، موضحا أن العلاقة مع المغرب «أساسية» وأنه يرغب في تجديد أواصر الثقة بين البلدين.
الوزير سيجورني أكد كذلك، في حواره المشترك مع وسائل إعلام غربية، أنه يتحرك بناء على تعليمات من الرئيس إيمانويل ماكرون الذي طلب منه الاستثمار في العلاقات المغربية-الفرنسية.
داية فصل جديد في العلاقات المغربية الفرنسية من شأنه أن يتصالح مع التاريخ والجغرافيا الحقيقيين ليكون انتصارا للمصالح العليا بين البلدين، هاته المصالح وكما تعلمنا على أيدي علماء الجيوبوليتيك، والكثير منهم فرنسيون، أنها لا تستقيم إلا على خطين متوازيين.
المصدر: مراكش الان
إقرأ أيضاً:
بوريطة يشيد بتطور العلاقات بين المغرب ومالاوي خلال السنوات الأخيرة
أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، الخميس بالرباط، أن العلاقات بين المغرب ومالاوي تشهد تطورا مهما خلال السنوات الأخيرة، وذلك في إطار التزام صاحب الجلالة لملك محمد السادس، وفخامة رئيس جمهورية مالاوي، لازاروس مكارثي تشاكويرا، بتطوير نموذج علاقات جنوب-جنوب بين البلدين، والتعاون في جميع المجالات، على الرغم من البعد الجغرافي.
وأوضح السيد بوريطة، خلال ندوة صحفية عقب مباحثات أجراها مع وزيرة الشؤون الخارجية لمالاوي، السيدة نانسي تيمبو، أنه منذ سحب مالاوي اعترافها بالجمهورية المزعومة سنة 2017، وخاصة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كانت هناك مجموعة من الإجراءات في اتجاه تقوية العلاقات الثنائية، لاسيما من خلال انعقاد اللجنة المختلطة للتعاون المغرب – مالاوي بمدينة العيون، والتوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات بين البلدين، وكذا افتتاح سفارة مالاوي بالرباط واستقبال أول سفير لها بالمغرب، كما أن المملكة افتتحت سفارتها بليلونغوي منذ أكثر من سنة.
وفي السياق ذاته، ذكر الوزير بالتوقيع على خارطة طريق للتعاون الثنائي بين البلدين 2024-2026، والتي أكدت على المجالات الأساسية للتعاون، لاسيما التربية والتكوين، والتعاون التقني، والأمن، والترويج الاقتصادي والاستثمار، مبرزا أن خارطة الطريق هذه تشمل مجموعة من المراحل حيث تم البدء في الاشتغال عليها، لاسيما من خلال إقامة الأسبوع الإقتصادي لمالاوي بالرباط الشهر الماضي، والذي مكن من التعريف بالإمكانات التي يتيحها هذا البلد من الناحية الاقتصادية.
وقال إنه تم اليوم وضع اللبنات الأساسية للتعاون بين البلدين ويتعين خلال المرحلة المقبلة تطوير هذا التعاون، خاصة في ثلاث مجالات أساسية، والتي تهم الأمن الغذائي من خلال التعاون في مجال الأسمدة، حيث يجري حاليا التباحث من أجل التوقيع على اتفاقية مهمة للتعاون في هذا المجال بين البلدين، وكذا التكوين حيث تم تخصيص 100 منحة دراسية للطلبة من مالاوي بالمغرب، لاسيما في مجالي التكوين الأكاديمي والتكوين المهني، فضلا عن التعاون التقني من خلال تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين.
وأشار السيد بوريطة إلى أن العلاقات بين المغرب ومالاوي قائمة على التضامن، قائلا « إن المغرب يقف دائما الى جانب مالاوي لما يتعرض له خلال السنوات الأخيرة من كوارث طبيعية »، كما أن مالاوي « كانت دائما حليفا للمغرب في ما يخص قضاياه الوطنية، لاسيما في المنتديات الدولية والإقليمية ومجلس حقوق الانسان والأمم المتحدة، حيث كانت لها مواقف ثابتة دائمة في ما يخص مغربية الصحراء ».
وخلص إلى أن زيارة وزيرة الشؤون الخارجية لجمهورية مالاوي، السيدة نانسي تيمبو، تشكل حلقة مهمة لتنزيل الرؤية المشتركة لجلالة الملك محمد السادس ولفخامة الرئيس لازاروس مكارثي تشاكويرا، لخلق نموذج للتعاون بين البلدين، مشيرا إلى أنه يعتزم القيام بزيارة إلى ليلونغوي أبريل المقبل للتأكيد على متانة هذه العلاقات بين البلدين.
كلمات دلالية المغرب مالاوي