افتتاحية.. جميعنا «علماء» دون أن ندرك!
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
«نعتقد أن هناك لونًا، ونعتقد أن هناك حلوًا، ونعتقد أن هناك مرًا، لكن في الحقيقة هناك ذرات وفراغ»، هذه المقولة للفيلسوف اليوناني «ديمقريطس» تلميذ الفيلسوف ليوكيبوس الذي صاغ النظرية الذرية للكون كافية لتفسير عنوان مقالنا هذا، حيث إننا ببساطة نعيش في عالم من التفاعلات الكيميائية، نكون نتيجةً لبعضها وندير بعضها الآخر، دون دراية منا في الكثير من الأحيان.
إعداد الطعام كما نعرف ما هو إلا مجموعة من التفاعلات، نديرها بأوزان وكميات معينة داخل ظروف حرارية محددة، بل أن مزاجنا خلال إعدادنا لهذه الوجبة ما هو إلا نتيجة رسائل بايوكيميائية في أجسادنا، فالشعور بالإجهاد سببه تراكم مركبات الكورتيزول، أما السعادة فترجع لارتفاع الإندورفين والدوبامين والسيروتونين والأوكسيتوسي. وأكثر من ذلك، وكما يقول العالم الأمريكي لينوس كارل باولنغ: «كل جانب من جوانب العالم اليوم - حتى السياسة والعلاقات الدولية - يتأثر بالكيمياء».
وفي العدد التاسع من ملحق جريدة عمان العلمي، نسلط الضوء على بعض هذه التفاعلات التي تحدث بسببنا، والذي يحولك انتباهك لها ببساطة «لعالم»، كما نعرج على الكيمياء الداخلية لك والتي تسبب الخوف على سبيل المثال. أما عن المركبات من حولنا، فنناقش تأثير الهيدروجين -كوقود- على مستقبل الصناعات والتحديات التي تواجهه، وتأثيره على البيئة، وندخل معكم في وجهة نظر معاكسة، تفيد أننا قد نكون أول جيل ينقل الأرض لوضع أفضل مما وجدناها عليه.
نتطرق كذلك في عددنا هذا إلى التفاعلات التي يمكن أن تحدث خارجة عن سيطرتنا، في داخل الآلات وأدمغة الذكاء الاصطناعي، والتي قد تساعد في إنشاء حروب مدمرة، كما يعتقد البعض، أو قد تفضي إلى «لاشيء»، كما ستقرأ في الصفحات المقبلة. إضافة إلى عناوين منوعة أخرى في الفضاء والصحة العامة وأكثر من ذلك، قراءة ماتعة..
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
علماء يحاولون الوصول إلى علاج لإبطاء الشيخوخة
في اختراق علمي جديد، نجح باحثون من جامعة كاليفورنيا - سان دييغو في إبطاء الشيخوخة لدى الفئران المسنة باستخدام جزيء صغير من الحمض النووي الريبي يُعرف باسم miR-302b. الدراسة التي نُشرت في مجلة Cell Metabolism، كشفت أن هذا الجزيء يمكنه تقليل علامات الشيخوخة وتحسين الصحة العامة، مما يفتح الباب أمام إمكانية استخدامه مستقبلاً في إبطاء التقدم في العمر لدى البشر.
تعتمد فكرة البحث على فهم التغيرات التي تطرأ على الخلايا مع التقدم في العمر، حيث تتوقف بعض الخلايا عن الانقسام وتبدأ في إفراز مواد التهابية تُضعف قدرة الجسم على مقاومة الأمراض مثل السرطان والسكري وأمراض القلب. وهنا يأتي دور miR-302b، وهو أحد جزيئات الـ microRNA، التي تلعب دورًا مهمًا في تنظيم عمل الجينات، وقد أثبتت التجارب أنه يساهم في تحسين المناعة وقمع الخلايا السرطانية، بل ويعيد تنشيط الخلايا المسنة عبر الحويصلات الخارجية (exosomes) المستخرجة من الخلايا الجذعية.
لاختبار فعالية هذا الجزيء، قام الباحثون بحقن مجموعة من الفئران المسنة، التي تعادل أعمارها البشرية 60-70 عامًا، بحويصلات تحتوي على miR-302b، بينما تلقت مجموعة أخرى محلولًا ملحيًا. وبعد فترة من المتابعة، ظهرت نتائج غير متوقعة؛ إذ عاشت الفئران التي تلقت العلاج لمدة أطول بنحو 4.5 أشهر، وهو ما يعادل 10-15 عامًا بالنسبة للإنسان. كما استعادت كثافة فرائها، وحافظت على وزن صحي، وأظهرت توازنًا وقوة عضلية ملحوظة، بالإضافة إلى تحسن في قدراتها الإدراكية، حيث نجحت في اجتياز الاختبارات المتعلقة بالذاكرة بشكل أسرع. والأهم من ذلك، أظهرت الفئران انخفاضًا بنسبة 50% في مستويات البروتينات الالتهابية، التي عادة ما تتراكم مع التقدم في العمر، مما يشير إلى تأثير مباشر على تقليل الشيخوخة الخلوية.
لكن رغم هذه النتائج المبشرة، يحذر العلماء من التسرع في اعتبار miR-302b علاجًا مضمونًا للشيخوخة. فما زالت هناك تساؤلات حول ما إذا كان هذا الجزيء قد يؤدي إلى آثار جانبية خطيرة على البشر، مثل زيادة خطر الأورام السرطانية، إذ إن الفئران تعيش لفترة قصيرة نسبيًا، مما قد لا يكون كافيًا لرصد تأثيرات طويلة الأمد مثل نمو الأورام.
إيرينا كونبوي، مهندسة الطب الحيوي وأحد المشاركين في البحث، أكدت على أهمية هذا الاكتشاف، لكنها شددت على ضرورة إجراء مزيد من التجارب لضمان أمانه قبل التفكير في استخدامه سريريًا، قائلة: "النتائج مشجعة للغاية، لكن الطريق لا يزال طويلًا. يجب أن نتأكد من أن هذا العلاج لا يحمل آثارًا جانبية خطيرة قبل اختباره على البشر."
لا شك أن هذا البحث يمثل خطوة هامة نحو فهم أعمق لآليات الشيخوخة، وإذا ثبتت فعالية miR-302b وأمانه في التجارب المستقبلية، فقد يكون ذلك نقطة تحول في الطب التجديدي، ما قد يمهد الطريق لعلاجات قد تساعد البشر في العيش لفترة أطول وبصحة أفضل.