وظيفتي تملي عليَّ أن أفعل أمورا ظريفة... كأن أذهب إلى القمر مثلًا!
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
تعمل كرستين كوك في وظيفة يحلم بها الأطفال. ابتداءً من عام 2019، في أول مهمة لها في محطة الفضاء الدولية عاشت رائدة الفضاء العاملة في ناسا 328 يومًا في الفضاء، وهي أطول مدة قضتها امرأة هناك على الإطلاق. وخلال تلك المهمة، طبعت أنسجة بيولوجية ثلاثية الأبعاد، وأنمت البروتين، وعملت على تجربة في المادة المعتمة، وقامت بنصف أول مسيرة فضائية نسائية.
والآن، في سياق مشروع الوكالة الطموح لإرسال البشر إلى القمر مرة أخرى، تتأهب كوك لمغامرتها التالية. لترسخ بها مكانتها في كتب التاريخ. في مهمة أرتيميس 2 المقررة في نوفمبر، سوف تقضي كوك عشرة أيام في رحلة للدوران حول القمر مع ثلاثة رواد فضاء آخرين.
والمرجح أن هذا سيعني أنها لن تطأ سطح القمر في المستقبل، وذلك بسبب حدود الأمان الحياتية المفروضة على المدى الذي يمكن أن يقضيه رائد فضاء في الفضاء. ومع ذلك، فسوف تصبح أول امرأة تدور حول جار الأرض وتلقي نظرة على جانبه الآخر الغامض. ستكون أرتميس2 أول اختبار تجريه ناسا بمشاركة بشرية لنظام الإطلاق الصاروخي الفضائي ومركبة أوريون التي تعلو الصاروخ، بما يهيئ المسرح لمهام مستقبلية بهدف إنزال بشر على القمر للمرة الأولى منذ عام 1972. تحدثت كوك إلى نيوساينتيست عن عملها الحيوي مع محطة الفضاء الدولية، وعن رائحة الفضاء، ورياضيات الجاذبية الدنيا الفريدة التي تمكن ممارستها في المدار.
كيف كان إحساس وجودك عاليا في محطة الفضاء الدولية طوال هذه الفترة الممتدة؟ هل شعرت أنك محبوسة؟
كنت سعيدة الحظ كثيرا بقضائي قرابة أحد عشر شهرا على متن محطة الفضاء الدولية فكانت تلك مهمتي الفضائية الأولى. أحببت تلك المهمة الطويلة إلى أقصى حد، فالمهام النمطية في محطة الفضاء الدولية تستمر لقرابة ستة أشهر، وربما كنت لأهلك لو كنت رجعت إلى الأرض بعد ستة أشهر، مؤكد أنني لم أكن مستعدة للرحيل.
لم تصبني قط «متلازمة الكوخ»، ومضى وقت طويل من مهمتي قبل أن أقول لنفسي: «إنني لم أشعر بالريح على وجهي منذ أمد بعيد، كم أفتقد ذلك». مرت أيام ولا شك كان يمكن أن أذهب فيها إلى دفيئتنا الصغيرة، وهي تقريبا بحجم علبتي أحذية، لأشم رائحة النباتات لا أكثر. فقط أن أشم رائحة شيء طبيعي، كان ذلك يترك أثرًا كبيرًا على نفسي.
لم أفكر قط في مسألة الرائحة، هل رائحة محطة الفضاء شبيهة بأي شيء؟ ربما بعبق الجسم؟
كما تعرفين، لو أن للمحطة رائحة، فإن أنوفنا تعتادها فتغفل عنها بسرعة شديدة. الرائحة الأساسية التي ينتبه إليها أغلب الوافدين الجدد هي رائحة معدنية. نقول في بعض الأحيان إنها رائحة الفضاء. حينما تصل إلينا مركبة شحن زائرة وترسو ونفتح الباب للمرة الأولى، يكون ثمة فراغ بين المحطة ومركبة الشحن التي تعرضت للتو للفراغ المفتوح في الفضاء. تكون لها هذه الرائحة المعدنية الغريبة.
في بعض الأحيان، قبل أن نفتح الباب، ننادي الجميع ليشموا. إذن، من حسن الحظ، أننا لا ننتبه بالضرورة إلى كل تلك الروائح البشرية انتباهًا كبيرًا، ولكن تفرد تلك الرائحة الفضائية هو ما لن أنساه أبدا.
كيف كان إحساسك بكسر الرقم القياسي لأطول رحلة فضائية تقوم بها امرأة؟
يتحدث كثير من الناس عن الإنجاز الفردي في تحقيق رقم قياسي. لا أحب أن أفكر في الأمر على هذا النحو، لكن باعتبار أن الحدث مهم؛ لأنه يحدد أين نحن الآن وأحدث ما وصل إليه الاستكشاف الإنساني للفضاء. وأرجو أن يتم تجاوز رقمي القياسي بأسرع ما يمكن.
جعلت منه أيضا إلهاما. في الأيام التي لم أكن أشعر فيها أنني على قدر المهمة، كنت أعرف أن عليَّ أن أستنفر أقصى ما لدي لأحاول أن أحقق أقصى استفادة ممكنة من كل يوم لأن ما كنت أفعله مختلف عن المهام المعتادة في محطة الفضاء الدولية. لقد كانت بمنزلة سباق المسافات الطويلة، وليس سباق المسافات الطويلة المعهود.
قبل أسبوعين من رجوعي خطر لي أنني «يجب أن أفكر في إحساس المشي».
القيام بمثل هذا مهم للبحث الطبي في كيفية تأثير رحلات الفضاء الطويلة على النساء، أليس كذلك؟
أعتقد أنني قد أقول آثار الرحلات الطويلة على أي إنسان، أما مصادفة كوني امرأة فقد تتبين حيثما يوجد فارق. بصفة عامة، كل ما نرى أنه فارق بين الرجال والنساء، سواء على الأرض أم عند التكيف مع السفر في الفضاء، هو مجال متاح للاستكشاف.
هل هذا من جملة أسباب الأهمية الكبيرة للتنويع في مجموعة رواد الفضاء؟
بالقطع. لقد اتخذنا، بشكل جماعي، قرارًا بأنه من المهم أن نكون ممثلين لجميع من نحمل أحلامهم إذ نقوم بالاستكشاف. اتخذت ناسا هذا القرار قبل سنوات كثيرة للغاية ولذلك لدينا الآن مجموعة رواد فضاء تمثل الجميع. والسبب مهم من أوجه كثيرة. إذ تبين دراسات كثيرة أن المهام تكون أكثر نجاحًا حينما تتوافر لها مجموعة متنوعة من الناس تسهم فيها. فلن يقتصر الأمر على أننا سوف نكتشف أكثر، أو نحقق ذلك بمزيد من الكفاءة، ونزداد تعلمًا ونزداد نجاحًا بسبب تنوعنا، ولكننا سوف نكون مصدر إلهام لفئة أوسع من الشعب حينما ينظر الناس إلى مجموعة الرواد فيجدون فيها أنفسهم.
أعرف أن العمل في محطة الفضاء كثير، لكن هل يتسنى لرواد الفضاء وهم في الأعلى أن يسترخوا ويضحكوا أيضا في بعض الأحيان؟
البولينج البشري شيء نمارسه في أوقات فراغنا. ويتوافر لنا وقت فراغ، وعندنا إجازة أسبوعية، وهذا طبيعي، وعندنا بالطبع وقت بعد العمل. نعمل قرابة اثنتي عشرة ساعة يوميًا، لخمسة أيام في الأسبوع، ثم نعمل لساعات إضافية في الإجازة الأسبوعية. ولكن عندما يتوافر لدينا وقت فراغ حقا، فإننا نستفيد بلا شك من وجودنا في الجاذبية الدنيا. البولينج البشري لعبة يتخذ فيها شخص وضع القذيفة وإما أن يرميه شخص آخر أو يرمي هو بنفسه على مسار من نوع ما، ويكون بقية الفريق واقفين وقوف القوارير، والفكرة كما تعلمين هي ممارسة اللعبة بالجسم. وهناك أيضا الركمجة البشرية.
وفيها يقف شخص مثلا فوق شخص آخر؟
نعم.
بعد قضاء قرابة عام في الفضاء، هل كان الرجوع إلى الأرض غريبا للغاية؟
يمكنني القول إن «الغريب للغاية» وصف كاف تمامًا. الرجوع إلى الأرض، والوقوف مرة أخرى على قدميك، واستشعار الهواء على وجهك، وكل تلك الأشياء الأرضية التي لا يمر بها أحدنا على متن محطة الفضاء. أتذكر قبل أسبوعين من رجوعي، قلت لنفسي «ينبغي أن أفكر حقا كيف سيكون وقع المشي». ذلك لأنني لم أكن مررت بتلك التجربة منذ وقت طويل للغاية وبدت فكرة التوازن على قدميّ غريبة تمام الغرابة.
هناك الجانب المادي: فالجسم يقوم بعمل رائع في التكيف مع الجاذبية الدنيا، بما يعني طبعا، أن على أحدنا أن يتكيف مرة أخرى مع الجاذبية عند الرجوع إلى الأرض. ثمة أيضا جانب سيكولوجي وعقلي ضخم للرجوع إلى الأرض. لن أنسى أبدا عندما برز رأسي من داخل تلك الكبسولة. نظرت حولي ورأيت نحو خمسة أمثال عدد الناس الذي رأيته على مدار عام وكلهم رافع عينيه نحوي وفكرت «ياه، أنا سعيدة جدا برجوعي، لكن هذا عدد كبير جدا من الناس».
الآن بعد رجوعك، هل تتطلعين إلى مهمتك التالية، أي السفر حول القمر ضمن برنامج أرتيميس؟
يثيرني منذ سنين كثيرة أن أكون ضمن فريق هذه المهمة فذلك حلم كبير يتحقق. لقد كان القمر حلمًا لي وإلهامًا على مدار حياتي كلها، فعلا. أحب أن أحدق في القمر، ودائما أفعل هذا، وأظن أن رؤيته من قريب في الأعلى سوف يؤكد هذا المنظور له باعتباره جسما حقيقيا منفصلا في الفضاء الشاسع.
لا أكف عن تخيل كيف سيكون وقع النظر إلى الأرض ورؤيتها كاملة من شباك. ونحن نعلم أن كل شخص أحببناه وكل غابة مشيت فيها باتت بعيدة، شديدة البعد، على ذاك الكوكب.
كيف مضى التدريب حتى الآن؟
كانت فيه أمور كثير مختلفة. مقابلات مع كثير من الناس. أمور كثيرة نتعلمها، أمور في طور التجهيز منذ سنين كثيرة كثيرة كثيرة. وإذن فضمن ما نفعله حاليا أننا نسافر كثيرا لمقابلة فرق بعيدة، وفي كل مرة نلتقي فيها بفرق، نتعلم كلا من الجانب التقني لما يقومون به ونتعلم أيضا ثقافتهم. ونتعلم ما نحتاج إلى معرفته لنحظى بشعور الثقة في المركبة، ويتعلمون هم ما يحتاجون إلى معرفته ليروا كيف سيكون الذين يشغلون مركبتهم.
لكن يبقى بالطبع التدريب التقني الحقيقي الذي نقوم به، الجزء الملموس الذي يجري كالعادة في مركز جونسن الفضائي في تكساس. ثمة عمل داخل الفصل الدراسي على الخلفية المعرفية، فهناك الكثير من المعارف النظرية عن المركبة الفضائية، وعن المهمة، وعن الميكانيكا المدارية، وعن العلم الذي يمكن أن نمارسه خلال الرحلة.
ونحن الآن ننتقل إلى مرحلة نحصل فيها على المزيد من التدريب العملي. نلعب بالشاشات، ونتعلم برمجيات الرحلة، وأخيرا، نجري محاكاة كاملة للمهمة مع فرق التحكم من شتى أرجاء العالم. وهناك، من بعد، التدريب العملي [الكامل]: بارتداء السترات وركوب المركبة وتعلم الكيفية التي سوف نخرج بها من المركبة ومتى سوف نحتاج إلى هذا والعمل على فريق الاستعادة. أعتقد أن الخلاصة هي أن كثيرا جدا من الناس يلزمون لإتمام مهمة كهذه وأن المشاركة فيها أمر له جلاله.
هل تشعرين بإحباط لأنك لن تسيري على القمر؟
يملأني الحماس لمشاركتي في هذه المهمة. حماس بالغ لأنني سأشاهد بعض أصدقائي يسيرون على القمر، وأنني سوف أعرف هؤلاء الناس، وأنني سوف أعرف الفرق التي أوصلتهم إلى هناك، وأنني سوف أعرف العملية الكاملة التي مروا بها في برنامج أرتيميس.
يملأني الحماس لأننا نفعل هذا، وأن يكون لي دور أسهم به هو حلم يتحقق. كل يوم أصحو فيه وأذهب إلى العمل، أشعر أنني ذاهبة للقيام بأشياء لطيفة مع أصدقاء، من قبيل أن نذهب إلى القمر.
خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی محطة الفضاء الدولیة فی الفضاء إلى الأرض من الناس
إقرأ أيضاً:
الطريـق إلـى القمـر مزدحـم هـذا العـام
تستعد حوالي 12 مركبة فضائية للهبوط على سطح القمر خلال العام الحالي، وذلك بهدف تطوير التكنولوجيا اللازمة لخلق وجود بشري دائم على سطح القمر.
وتعد هذه المجموعة من الإطلاقات جزءا من حملة مستمرة لزيادة استكشاف القمر، مدفوعة جزئيا من قبل مبادرة خدمات الحمولة القمرية التجارية (CLPS) التابعة لناسا. حيث تشمل المبادرة تمويل المركبات الفضائية من الشركات الخاصة، التي تحمل مزيجا من الأدوات العلمية التابعة لناسا وحمولات من عملاء آخرين.
تقول جانا سبروس من شركة Firefly Aerospace، وهي شركة إطلاق فضائي مقرها ولاية تكساس الأمريكية: «تلعب مبادرة خدمات الحمولة القمرية التجارية على المدى البعيد دورا كبيرا في التمهيد لتقنيات قمرية تجارية جديدة». وتضيف: «نحن نشهد اهتماما واسع النطاق من الشركات التجارية والجامعات ومعاهد الأبحاث التي تتطلع إلى عرض التقنيات التي يمكن أن تساعد في بناء أساس البنية التحتية للقمر، وإطلاق موارد القمر ودعم الأبحاث من أجل وجود دائم على سطح القمر».
ومن المتوقع إطلاق مركبة الهبوط «بلو غوست» التابعة لـ«فايرفلاي» في منتصف يناير، مما يجعلها أول رحلة من رحلات القمر العديدة لهذا العام. وسيحمل المسبار مجموعة متنوعة من الأدوات، بدءا من كاميرات الأشعة السينية ونظام ملاحة قمري وصولا إلى مثقاب لقياس انتقال الحرارة.
حان وقت إكمال ما بدأ
وفي أعقاب هذه الرحلة مباشرة، تأتي مهمة IM-2، وهي مهمة أخرى من مهام مبادرة خدمات الحمولة القمرية التجارية، والتي تتبع شركة Intuitive Machines. في عام 2024، أصبحت الشركة أول شركة خاصة تحقق هبوطا ناجحا على سطح القمر، ومن المتوقع أن تكون المهمة التالية مثيرة بنفس القدر. ويتمحور الهدف الأساسي من هذه المهمة في الحفر بالقرب من القطب الجنوبي للقمر لجمع وتحليل عينات من الجليد المدفون التي قد تكون مفيدة للبعثات المستقبلية، كما ستحمل أيضا العديد من المركبات الفضائية الصغيرة الأخرى، بما في ذلك مركبة فضائية صغيرة جدا لاستكشاف المناطق التي يصعب الوصول إليها في القمر، ومركبة صغيرة أخرى لجمع العينات لناسا، وقمر صناعي لتسهيل الاتصالات بين جميع المركبات الفضائية والمشغلين على الأرض.
«نريد تواجد دائم على سطح القمر»
تقول بيثاني إيلمان من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وهي قائدة لفريق سيعمل على رسم خرائط للقمر من خلال المركبة المدارية Lunar Trailblazer التي ستكون أيضا جزءا من مهمة (IM-2): «نحن حريصون على جمع البيانات العلمية التي ستوفر خرائط عالية الدقة للمياه والمعادن والخصائص الفيزيائية الحرارية لتوجيه الجيل القادم من البعثات التي ستُرسَل إلى القمر».
وفي وقت لاحق من هذا العام، سترسل شركة Intuitive Machines مسبارا آخر هو IM-3 إلى ميزة مغناطيسية غريبة تسمى «الدوامة القمرية». ومن المقرر أن يتم التخطيط لبضع بعثات أخرى من قبل مبادرة خدمات الحمولة القمرية التجارية لهذا العام أيضا.
كما ستقوم شركة SpaceIL بمحاولة أخرى على سطح القمر لهذا العام من خلال رحلة «بيريشيت 2» والتي تأتي استكمالا لرحلة «بيريشيت 1» التي تحطمت على سطح القمر في عام 2019. حيث ستشمل هذه المحاولة الثانية مركبتين للهبوط على أمل استكشاف منطقتين منفصلتين على سطح القمر، إلى جانب مركبة أخرى مدارية.
ومن المؤسف قوله إن عام 2025 لن يشهد إطلاقا مأهولا إلى القمر، حيث تم تأجيل مهمة «أرتيميس 2» التابعة لناسا، التي تهدف إلى إرسال أربعة أفراد من الطاقم حول القمر والعودة إلى الأرض دون الهبوط، إلى عام 2026. وأدنى ما سنصل إليه هو هبوط غير مأهول لمركبة «ستارشيب» التابعة لشركة SpaceX ، وهي نفس المركبة التي ستنقل رواد الفضاء إلى سطح القمر في 2027 كجزء من مهمة «أرتيميس 3» التابعة لناسا.