وزير الري: توفير 10 مليارات جنيه لتأهيل المنشآت المائية
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
شارك الدكتور هانى سويلم وزير الموارد المائية الرى في الاحتفال بـ"اليوم العربي للاستدامة" والمقام، اليوم الأربعاء، تحت شعار "مستقبل مستدام للمنطقة العربية"، والذي عُقد بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
وخلال مشاركة في الجلسة الحوارية المنعقدة حول مستقبل مستدام للمنطقة العربية، أشار الدكتور سويلم لأهمية مفهوم الاستدامة في المنطقة العربية خاصة مع الزيادة السكانية التي تُعد أحد أهم التحديات بالمنطقة العربية، بالتزامن مع تحدى آخر وهو التغيرات المناخية، مما يستلزم وجود خطة واضحة للتعامل مع هذه التحديات، خاصة مع تقاطع ملف المياه مع العديد من محاور التنمية المستدامة (الاجتماعية - البيئية - الاقتصادية).
واستعرض جهود الوزارة في مواجهة التغيرات المناخية التي تؤثر على مصر سواء من ناحية البحر المتوسط (مثل ارتفاع منسوب سطح البحر والنوات البحرية) أو من خلال إرتفاع درجات الحرارة وتأثير ذلك المباشر على زيادة استهلاك المياه كما حدث في الصيف الماضي وهو ما استلزم مجهودات ضخمة من جانب الوزارة للتعامل معه واستيفاء كافة الاحتياجات المائية لكافة المنتفعين، أو من خلال السيول الومضية التي تؤثر على العديد من المحافظات.
وأشار الدكتور سويلم الى فعاليات ورشة عمل "التغيرات المناخية والهيدرولوجية واستعداد البنية التحتية للمجاري المائية والشواطئ" التي عُقدت مؤخراً، والتي تم خلالها استعراض الدراسات البحثية السابقة التي تتوافر بالمركز القومى لبحوث المياه في مجال التغيرات المناخية، والتوجيه بوضع سيناريوهات مختلفة للظواهر المناخية المتوقعة مستقبلاً يعقبها وضع خطط للطوارئ بناءً على هذه السيناريوهات.
وأشار إلى أهداف التنمية المستدامة وخاصة الهدف السادس منها المعنى بالمياه والمتضمن أهمية رفع كفاءة إستخدام المياه، وهو الأمر الذى حققت فيه الوزارة نجاح كبير سواء من خلال التحول لنظم لرى الحديث أو من خلال التوسع في معالجة وإعادة استخدام المياه، حيث استعرض الدكتور سويلم استراتيجية الوزارة للتحول لنظم الرى الحديث مع إعطاء الأولوية للتحول في الأراضى الرملية طبقاً لمواد قانون الموارد المائية والرى رقم ١٤٧ لسنة ٢٠٢١، وتشجيع المزارعين على التحول للرى الحديث في مزارع قطب السكر والبساتين، مع وجود ترحيب كبير من المزارعين في بعض الأماكن وبعض الزراعات بالرى الحديث نظراً لمردود هذا التحول الإيجابى في زيادة الإنتاجية المحصولية وتوفير السماد والتكاليف .
كما استعرض الدكتور سويلم ما قامت به الدولة المصرية من مشروعات كبرى لمعالجة مياه الصرف الزراعى مثل محطة بحر البقر (بطاقة ٥.٦٠ مليون متر مكعب يومياً)، ومحطة الحمام (بطاقة ٧.٥٠ مليون متر مكعب يومياً)، ومحطة المحسمة (بطاقة ١ مليون متر مكعب يومياً)، وهو ما يضيف للمنظومة المائية في مصر ٤.٨٠ مليار متر مكعب سنوياً، بخلاف ٢١ مليار متر مكعب يتم إعادة استخدامها سنوياً، مشيراً لتضاعف عدد سكان مصر أربع مرات منذ عام ١٩٥٩ وحتى الآن مع ثبات حصة مصر المائية، وهو ما يؤكد إدارة الدولة المصرية للمياه بكفاءة عالية تتواكب مع الزيادة السكانية .
وفى مجال التعامل مع تأثيرات التغيرات المناخية على المناطق الساحلية أشار الدكتور سويلم لمجهودات الدولة المصرية في حماية الشواطئ الشمالية بأطوال تصل إلى أكثر من ٢٠٠ كيلو متر، مشيراً لتنفيذ أعمال حماية بأطوال تصل إلى ٦٩ كيلومترا باستخدام مواد صديقة للبيئة والتي تُعد أحد أبرز النماذج الناجحة التي تحقق مفهوم الاستدامة والتعاون مع المجتمع المحلى تحقيقاً للبعد الاجتماعي الذى يُعد أحد الأبعاد الثلاثة للاستدامة .
وأكد على ضرورة وجود تصور متكامل لأعمال التنمية بالساحل الشمالى الغربى، وخاصة في ظل التغيرات المناخية التي تؤثر على المناطق الساحلية، مشيراً لمتابعة الوزارة المستمرة لكافة الأنشطة الجارية على السواحل المصرية من خلال رئاسة الوزارة للجنة العليا لتراخيص الشواطئ والمعنية بإعطاء التراخيص اللازمة لأى أعمال أو أنشطة تتم على الشواطئ بعد إجراء الدراسات الفنية والبيئية اللازمة والتي يتم دراستها بمعرفة كافة الوزارات والجهات المعنية، مع الحرص على سرعة انتهاء أي طلبات لتشجيع المستثمرين وتوفير فرص العمل للشباب .
وأشار لأهمية إعداد استراتيجية متكاملة للإقتصاد الأزرق، بالشكل الذى يُسهم في تحسين عملية إدارة الموارد الطبيعية وتحقيق التنمية المستدامة، حيث تقوم الوزارة بالتعاون مع البنك الدولى ووزارات البيئة والزراعة بإعداد استراتيجية للاقتصاد الأزرق تتضمن تطوير للمناطق الساحلية والبحيرات .
وفى مجال التعامل مع السيول الومضية أشار الدكتور سويلم لقيام الوزارة بتنفيذ منشآت الحماية من السيول وتوزيعها جغرافياً بناءً على خريطة المخاطر التي يتم تحديدها من خلال معهد بحوث الموارد المائية بالمركز القومي لبحوث المياه، مع التحديث الدورى لأطلس السيول بإضافة منشآت الحماية التي يتم تنفيذها، وتعديل كود تصميم منشآت الحماية بزيادة الزمن التكرارى من ١٠٠ عام إلى ٢٠٠ عام، وإدراج بُعد شحن الخزانات الجوفية في أعمال تصميم منشآت الحماية والبحيرات الصناعية، بالإضافة لما تقوم به غرف السيول ومركز التنبؤ بالفيضان بالوزارة من أدوار مهمة للتعامل مع الأمطار الغزيرة والسيول، حيث كان لهذه المنشآت والإجراءات دور بارز في حماية المواطنين والمنشآت خلال فترات الأمطار الغزيرة والسيول.
وفى مجال تطوير وتحديث المنظومة المائية والحفاظ عليها للتعامل بكفاءة مع تحديات تغير المناخ .. أشار الدكتور سويلم لقيام الوزارة مؤخراً بحصر عدد ٤٧ ألف منشأ مائى بمختلف جهات الجمهورية وتقييم حالتهم الفنية كأحد أدوات التعامل مع التغيرات المناخية ، مشيراً لموافقة الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية على توفير تمويل قدره ١٠ مليارات جنيه لتأهيل المنشآت المائية .
كما أشار لدعم الوزارة لقطاع السياحة من خلال العمل على سرعة نهو التراخيص الخاصة بالأنشطة الواقعة على نهر النيل وفرعيه شريطة الالتزام التام بالضوابط والاشتراطات التي تحمى مجرى نهر النيل وفرعيه، والتعامل الحاسم والفورى من أجهزة الوزارة مع المراكب السياحية النهرية التي تلقى بمخلفاتها في نهر النيل بالتعاون مع وزارات الداخلية والسياحة والنقل والتنمية المحلية وغيرها من الجهات المعنية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: وزير الري اليوم العربي للاستدامة جامعة الدول العربية المنشآت المائية الموارد المائية أشار الدکتور سویلم التغیرات المناخیة منشآت الحمایة متر مکعب من خلال
إقرأ أيضاً:
التغيرات المناخية وتأثيرها على زراعة الطماطم في مأرب.. تحديات وفرص
شمسان بوست / تقرير_علي العقيلي
في وادي حريب بمحافظة مأرب، يواجه المزارعون تحديات جديدة وغير مسبوقة بسبب التأثيرات القاسية للتغيرات المناخية. هذه الظروف أدت إلى تراجع كبير في إنتاج الطماطم، مما ساهم بشكل مباشر في ارتفاع أسعارها في الأسواق المحلية.
صالح أحمد سالم، شاب في الخامسة والعشرين من عمره. ورث الزراعة عن والده، الذي كان يعرف كيف يقاوم حرّ الشمس وقسوة الأرض.
هذا العام، كان المناخ قاسيًا، درجات الحرارة مرتفعة بشكل لم يسبق له مثيل. فقرر أن يشتري غراس طماطم من ذمار، منطقة جبلية باردة، لعلها تساعده في التغلب على الحرارة.
زرعها في أرضه، لكن الفشل كان حاضرًا.
فقد أربعة آلاف غرسة من عشرة آلاف. كانت الحرارة تفوق قدرة النبات على التحمل، وكان الموسم أقصر من المعتاد. كأن الأرض تتنفس بحرارة لا يطيقها أحد.
تأثير التغيرات المناخية على زراعة الطماطم في اليمن
في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، ارتفع سعر الطماطم في أسواق اليمن إلى 4 آلاف ريال للكيلو، ما يعادل 2 دولار أمريكي.
السبب كان تراجع الإنتاج المحلي، ما دفع التجار لاستيراد الطماطم من الأردن. بحلول نوفمبر، انخفض السعر إلى 2000 ريال بفضل هذه الكميات المستوردة.
انخفاض الإنتاج المحلي بسبب ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات التي اجتاحت البلاد هذا العام. تضررت الأراضي الزراعية بشكل كبير، حيث قدرت وكالة التنمية الأمريكية أن 85% من الأراضي الزراعية تضررت.
2024 كان العام الأكثر حرارة خلال العشر سنوات الماضية، وفقاً للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية. الفيضانات في بعض المناطق، والجفاف في مناطق أخرى، أضرَّا بالزراعة بشكل كبير.
على الرغم من ذلك، هناك حلول بديلة تساعد المزارعين في اليمن وعبر العالم في مواجهة هذه التحديات.
لكن قبل أن نتحدث عن الحلول، دعونا نلقي نظرة على أبرز المشكلات التي أضرت بزراعة الطماطم.
ولكن، ماهي المشكلة؟
في صيف 2023، اجتاحت ظاهرة “النينا” المحيط الهادئ. كانت هذه الظاهرة قاسية. زادت حرارة المياه السطحية في المحيط، وتبخرت المياه بشكل أكبر. السحب الركامية ظهرت بكثرة، وزادت الأعاصير والعواصف الرعدية، وكل هذا أدى إلى فيضانات.
ورغم أن اليمن بعيد عن المحيط الهادئ جغرافياً، لكن عندما تحدث الظاهرة، يؤثر ذلك على أنماط الرياح والمطر في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط.
في بعض الحالات، قد يؤدي تأثير “النينيا” إلى انخفاض في كمية الأمطار في اليمن، مما يساهم في تفاقم جفاف مناطق واسعة من البلاد. ما قد يزيد من حدة مشكلة شح المياه في اليمن، خصوصاً في المناطق التي تعتمد على الأمطار كمصدر رئيسي للمياه.
تحتاج زراعة الطماطم إلى كميات كبيرة من المياه. وتحتاج زراعتها إلى حوالي 400 – 600 ملم من المياه الأمطار في الظروف المثلى.
كما أن الطقس الجاف يمكن أن يزيد من تكاثر الآفات والأمراض، ما يضر المحصول. إصافة ألى أن تغييرات الرياح قد ترفع درجات الحرارة، مما يسبب إجهادًا للنبات ويقلل من الإنتاج.
وكذلك، يصبح توقيت الزراعة غير ثابت، ما يضاعف التحديات. وإذا استمر تأثير “النينيا”، سيضطر المزارعون إلى زيادة الري الصناعي، مما يرفع التكاليف.
في يونيو 2024، سجلت درجات الحرارة أعلى رقم على الإطلاق. حطمت الأرقام القياسية. كان أحر من يوليو 2023. كانت حرارة الأرض، كما قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في الحادي عشر من نوفمبر 2024، هي الأعلى منذ بداية القياسات.
تعد اليمن من أفقر الدول في مصادر المياه، وحسب تقرير الجهاز المركزي للاحصاء 2024، لا تتجاوز نسبة الفرد من المياه هم 135 مترمكعب، وهي تمثل 12% من نسبة الاحتياج الانساني للمياه، بينما لا تتجاوز المتوسط السنوي للأمطار عن 400 ملم.
وبلغت مساحة زراعة الطماطم في اليمن في 2021، نحو 8.4 آلاف هكتار، بإنتاجية وصلت إلى قرابة 163 ألف طن، وفق كتاب الإحصاء الزراعي السنوي لوزارة الزراعة والري في صنعاء.
موسم2024 تراجع الإنتاج وزيادة الأسعار
في هذا العام، مع الارتفاع القياسي في درجات الحرارة، اجتاحت الفيضانات العديد من الأماكن حول العالم، وكان اليمن من بين البلدان الأكثر تأثراً. في المناطق الغربية والشمالية من البلاد، تسببت الأمطار الغزيرة والسيول في تدمير مزارع الطماطم، مما انعكس على الأسواق المحلية.
يقول هارون محفوظ الزارعي، الذي يبيع الخضروات في سوق مدينة حريب، إن أسعار الطماطم شهدت ارتفاعًا كبيرًا هذا العام بسبب الأضرار التي لحقت بمزارع الطماطم في محافظة صعدة نتيجة الفيضانات.
منذ سنوات، كان يعتمد على الطماطم القادمة من هناك، لكن هذا العام، كغيره من الأعوام، لم يكن الوضع كما المعتاد. الأمطار والسيول دمرت العديد من المزروعات في صعدة، وألحقت أضرارًا جسيمة بالقطاع الزراعي في هذه المحافظة.
وأشار هارون إلى أنه، على الرغم من الاعتماد الكبير على الطماطم القادمة من صعدة، إلا أن مزارع وادي حريب تعاني من محدودية الإنتاج، حيث يقتصر الموسم عادة على نهاية العام وبداية السنة الجديدة، ما يضطره لاستيراد الطماطم من مناطق أخرى.
أما المزارع صالح، فقد قرر هذا العام أن يزرع الطماطم في أغسطس، قبل الموعد المعتاد في نوفمبر. لكنه واجه صعوبات جمة بسبب حرارة الجو المرتفعة، وكذلك الرياح الشمالية الجافة التي أضرت بالمحصول، إلى جانب تكاثر الحشرات التي كانت تشكل تحديًا كبيرًا في تلك الفترة من العام.
الأسباب الكامنة وراء تراجع الإنتاج المحلي للطماطم
في تصريحات خاصة لهذا التقرير، يقول المهندس علي قاسم بحيبح، مدير عام مكتب الزراعة في محافظة مأرب، إن المساحة المخصصة لزراعة الطماطم في المحافظة تراجعت بنسبة تتراوح بين 20% و30% خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
وأضاف بحيبح أن زراعة الطماطم كانت تستهلك نحو 40% من المساحة الزراعية الكلية، خاصة في مديريتي الوادي والمدينة، خلال الموسم الزراعي الذي يبدأ في سبتمبر ويستمر حتى مارس أو أبريل.
وأشار إلى أن الإنتاج الحالي للطماطم في مأرب لا يتجاوز 10-12 طنًا للهكتار الواحد، بينما كان المعدل في الماضي يصل إلى 15 طنًا في المتوسط. ويُعتبر حوالي 60% من مزارعي مأرب الطماطم مصدرًا رئيسيًا لدخلهم.
تعد الأودية الزراعية في المناطق الصحراوية من أكثر الأماكن تضررًا من التغيرات المناخية، سواء بسبب ارتفاع درجات الحرارة أو الصقيع القارس أو الرياح الشمالية الجافة المحملة بالغبار، التي تعيق هطول الأمطار.
الطماطم، كونها من النباتات الحساسة للحرارة والبرودة والجفاف، تعد من أكثر المحاصيل تضررًا في هذه الظروف القاسية، مما يسبب تراجع الإنتاج.
كما أسهمت هذه التغيرات المناخية في تقليص موسم زراعة الطماطم إلى فترة قصيرة للغاية، ما يهدد بتكدس المحصول وكساده، مما دفع العديد من المزارعين في تلك المناطق إلى التخلي عن زراعة الطماطم تمامًا.
يقول المزارع الكبير محمد بن سالم أحمد، الذي يعمل منذ 25 عامًا في زراعة البرتقال في منطقة “العرقين” بمديرية مأرب الوادي، إنه بدأ في زراعة الطماطم منذ بداية ممارسته لمهنة الزراعة في عام 1970 في وادي حريب.
كان يزرع الطماطم في أي وقت من السنة، وكان المناخ آنذاك مناسبًا لها. الطماطم كانت تنمو بسهولة، ولم تكن تحتاج إلى الكثير من الأسمدة، وكانت ثمارها تُقطف وتُباع في صنعاء، وتظل صالحة لأسابيع دون أن تفقد جودتها.
وأشار محمد إلى أن التلوث وصعوبة الزراعة بدون أسمدة جعلت الطماطم اليوم لا تنمو كما كانت من قبل. الثمار أصبحت فاقدة لجودتها، وتفقد صلاحيتها بسرعة بعد القطف.
ويضيف أنه كان من الممكن في الماضي أن تتمتع الطماطم بغلاف سميك ولون موحد، بينما أصبحت اليوم ذات قشرة رقيقة ومليئة بالمياه السائلة، مما يجعلها أقل فائدة وغير مقاومة للظروف البيئية الصعبة.
في حديثه عن تراجع زراعة الطماطم في أودية صحراء اليمن، يقول صالح أحمد: “تراجعت زراعة الطماطم في حريب بسبب عدم القدرة على زراعتها من البذور في حقول مفتوحة دون وجود بيوت محمية، في ظل التغيرات المناخية.
لجأ المزارعون في حريب إلى الاعتماد على الغرس الجاهز، الذي يتم شراؤه من مشاتل في ذمار أو المناطق الباردة، لكن الأسعار ارتفعت بسبب الإقبال الكبير عليه بعد فشل زراعة الطماطم من البذور في المناطق الحارة، وزيادة تكاليف النقل نتيجة إغلاق الطرقات.”
ويضيف صالح: “إقدام المزارع في حريب، وفي المناطق الصحراوية الحارة، على زراعة الطماطم في ظل غلاء الشتل يعني أن المزارع يدخل في مغامرة قد تكون عواقبها وخيمة، خصوصًا إذا فشلت الزراعة، وعليه تحمل تبعات فشله بمفرده.”
أصبح قرار المزارع اليمني في أودية المحافظات الصحراوية بزراعة الطماطم مغامرة محفوفة بالمخاطر.
ففي حال فشلت الزراعة، قد يتكبد المزارع خسارة مالية كبيرة، ما يثقل كاهله بالديون. فزراعة الطماطم تحتاج إلى بيئة وطقس ملائمين، بمعايير دقيقة يصعب توفرها في الأودية الصحراوية في ظل التغيرات المناخية المتسارعة.
وتحتاج الحقول الزراعية في هذه الأودية إلى كميات كبيرة من المياه بسبب تصحر التربة، ما يجعل زراعة الطماطم عرضة للعطش، وبالتالي تؤثر سلبًا على جودة الثمار وكميتها.
كما أن مناخ الأودية الصحراوية حار وجاف في الصيف وبارد في الشتاء، ما يقلل فرص نجاح زراعة الطماطم في هذه المناطق.
تأثير العواصف
تأثير الرياح على زراعة الطماطم كان واضحًا بالنسبة للمزارع صالح أحمد، الذي زرع 10 آلاف غرسة طماطم في وادي حريب في أغسطس/آب هذا العام. يقول صالح إن الرياح الصحراوية الشمالية الجافة أثرت بشكل كبير على الطماطم.
الرياح الجافة تؤثر سلبًا على زراعة الطماطم، هذا يؤدي إلى خسائر مالية للمزارعين الذين يتحملون تكاليف إضافية للري وشراء غراس جديدة، وقد يصل الأمر إلى القروض أو بيع ممتلكاتهم لتغطية هذه التكاليف.
وأضاف أنه ارتكب بعض الأخطاء في تصميم المسارات التي زرع فيها الطماطم، حيث صمم بعض الأسلاك أو الجداول من الشرق إلى الغرب، مما تسبب في تضرر الطماطم التي كانت في مسارات تتقاطع مع اتجاه الرياح.
في المقابل، لم تتضرر الجداول التي كانت مصممة باتجاه شمال-جنوب لأنها كانت في مسار الرياح، مما سمح للرياح بالتسلل بين غرسات الطماطم دون التأثير الكبير على النباتات.
أما بالنسبة لحشرة “توتا ابسلوتا”، فيحدثنا عبدالغني بن عوض، مزارع في وادي حريب، عن تجربته مع هذه الحشرة التي دفعته للتوقف عن زراعة الطماطم في 2020.
وقال إنه بعد خسارته للمحصول بسبب الحشرة التي انتشرت بكثافة، والتي كانت تهاجم أغصان وثمار الطماطم، اضطر لوقف زراعتها.
حشرة “توتا ابسلوتا” تقوم بحفر ثقوب صغيرة في الثمار، وتتكاثر بداخلها، ما يؤدي إلى تلف وتعفن الثمار. في بعض الأحيان، لا يمكن ملاحظة الثقوب إلا بعد تكاثر الحشرة وانتشارها في الثمرة.
وقد أشار تقرير حكومي نشرته صحيفة “الثورة” في مايو/أيار 2013 إلى أن حشرة “توتا ابسلوتا” تسببت في تدمير 70% من محاصيل الطماطم في اليمن، مما أدى إلى أزمة في قدرة الإنتاج المحلي على تغطية احتياجات السوق المحلي، ما دفع الحكومة إلى استيراد الطماطم من الخارج.
يبدو أن الأمطار كانت تلعب دورًا في انتشار هذه الحشرة، حيث شهدت اليمن في عامي 2013 و2020 أمطارًا غزيرة استمرت طوال أشهر الصيف، ما ساعد على تكاثر حشرة “توتا ابسلوتا”.
في عام 2013 بدأت الأمطار في منتصف فبراير/شباط، قبل نهاية موسم الطماطم في مارس/آذار، واستمرت حتى أغسطس/آب. وفي 2020، استمرت الأمطار من مارس/آذار حتى سبتمبر/أيلول، ما ساهم في انتشار الحشرة بشكل أكبر.
إلا أن البيوت المحمية قد تكون الحل المحتمل لحماية المحاصيل من هذه الحشرة، حيث توفر المزارعين بيئة محمية تقي الطماطم من أضرار “توتا ابسلوتا”، وبالتالي يمكن تحسين الإنتاجية وزيادة الفرص لنجاح المحاصيل.
التأثير على المستهلك
تأثير تراجع زراعة الطماطم في اليمن على المستهلكين أصبح ملموسًا في حياة العديد من الأسر، خاصة في المناطق الريفية مثل وادي حريب. تقول “أم عبدالله”، وهي ربة منزل من هذه المنطقة، إن الارتفاع الجنوني في أسعار الطماطم جعلها نادرة في الوجبات اليومية، وأصبحت شبيهة باللحوم التي لا تدخل موائد العديد من الأسر اليمنية بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد. يشير هذا الوضع إلى تزايد الفقر وانعدام الدخل لدى الأفراد والعائلات، مما يعكس تدهور الوضع الاقتصادي العام في اليمن.
تعتقد أم عبدالله أن دعم زراعة الطماطم في منطقتها من خلال توفير بيئة ملائمة للإنتاج المستمر طوال العام سيخفف من عبء تكلفة الطماطم على الأسر اليمنية، مما يمكنها من شراء حاجتها اليومية من هذه المادة الأساسية بأسعار مناسبة. الطماطم كانت تعد حلاً مثالياً للأسر ذات الدخل المحدود، التي لم تكن قادرة على شراء العديد من الخضروات أو المعلبات الأخرى مثل الفاصوليا والفول والبيض والجبن.
قبل تراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار، كانت الطماطم عنصراً رئيسياً في الوجبات اليومية، خاصة للأسر التي لا تستطيع تحمل تكاليف الخضروات الأخرى. ولكن مع ارتفاع أسعارها، اضطر الكثير من الأسر إلى البحث عن بدائل رخيصة مثل زيوت السمسم أو الشاي مع الأكل. هذا التحول يعكس الواقع الصعب الذي يعيشه المواطن اليمني في ظل تراجع الإنتاج الزراعي وتزايد الأسعار، مما يجعل الطماطم عنصرًا بعيدًا عن متناول الكثيرين.
التحديات
يواجه المزارع “صالح أحمد سالم” تحديات كبيرة في زراعة الطماطم في ظل التغيرات المناخية القاسية، التي تتجلى في تقلبات درجات الحرارة الشديدة وزيادة كثافة الحشرات، مما أثر بشكل مباشر على جودة المحصول. يقول صالح إن المغامرة بزراعة الطماطم في أغسطس كانت بسبب ارتفاع أسعارها في أشهر معينة مثل أكتوبر ونوفمبر، وهي فترة يصعب فيها على المزارعين في المناطق الحارة زراعة الخضروات بسبب حرارة الطقس الشديدة في يونيو ويوليو.
ويوضح صالح أنه رغم محاولاته، إلا أن الظروف المناخية القاسية أضعفت الغرسة، حيث لم تنمو الثمار بالشكل المطلوب. وعلى الرغم من أنه عند زراعة الطماطم باستخدام شتل جاهز، فإن نوعية الغرسة تكون أفضل وتتحمل الإجهاد المناخي، إلا أن هذه المحاصيل تكون بحاجة إلى محميات خاصة لضمان نجاح الزراعة.
ويؤكد أن زراعة الطماطم من البذور أصبحت شبه مستحيلة في منطقة حريب دون وجود محميات، خاصة في الأشهر الحارة التي تسبق أكتوبر ونوفمبر، وذلك نتيجة لتغير المناخ الذي جعل الظروف الزراعية أكثر صعوبة.
لكن ماهي احتياجات المزارعين
في وادي حريب، حيث تلتقي الرمال بحرارة الشمس، كان المزارع صالح أحمد يقف متأملاً أراضيه الجافة. كان يعلم أن الزمان لا يرحم، وأن الرياح التي تعصف بالمكان لن تترك له سوى الرمال وعوامل الطقس القاسية. في قلب هذه الصحراء، كان الطماطم هو الأمل، لكنه كان يعرف تماماً أنه لا يستطيع أن يزرع حلمه دون أن يمتلك الوسائل التي تحميه.
“البيوت المحمية”، قالها بصوت منخفض، وكأنها مفتاح سري. كان يعرف أن تلك البيوت ليست مجرد هياكل بلاستيكية، بل هي الحصن الوحيد الذي يحمي غرساته من لعنة الرياح الصحراوية. كان يعرف أن في داخلها، وبين جدرانها البلاستيكية، ستكون الطماطم في أمان من الحرارة والبرد ومن الحشرات.
ولكن، كما في كل قصة، كانت العوائق أكثر من الفرص. “إنني لا أستطيع تحمل تكاليفها”، قالها بصوت هادئ.
أضاف وهو يراقب الحقل الميت: “إذا كان لدينا شبكة ري بالتنقيط، يمكننا أن نروي الأرض بكفاءة، نحمي الغرسة من الجفاف، ونمنع العفن من التسلل إلى الثمار. لكننا لا نملك شيئاً من هذا. لا الدعم، ولا المال، ولا المساعدة. فقط الأرض، والسماء، والرياح”.
أخوه، سلطان أحمد، كان يعمل بجانبه في الصمت. قال بحزن: “لو كان لدينا تلك البيوت المحمية، لو كانت لدينا تلك الشبكات، لكانت الطماطم تملأ الأسواق طيلة السنة. لكننا نزرعها خارج موسمها. نغامر في الحرارة التي تقتل، في البرد الذي ينهكها. ونواجه السوق المزدحم الذي يبلع المحصول في وقت قصير، لتصبح الطماطم سلعة بلا قيمة.”
كل يوم، كان صالح يقف في تلك الأرض الجافة، يخطط كيف يزرع الطماطم. كان يعرف أن النجاح لن يأتي بسهولة. كان يتخيل الطماطم تنمو في الظل، تحت سقف من البلاستيك، يحميها من العوامل القاسية. لكن الأحلام وحدها لا تكفي. يحتاج إلى الدعم، إلى المساعدة، إلى الأمل.
وفي تلك اللحظة، لم يكن صالح يفكر في زراعة الطماطم فقط، بل في زراعة شيء أعظم: الأمل في مستقبل أفضل.
تجربة ناجحة: مغامرة زراعة الطماطم في وادي حريب
في قلب وادي حريب، حيث الشمس الحارقة والرياح الجافة لا ترحم، قرر “صالح أحمد سالم” أن يخوض مغامرة زراعية غير مألوفة في المنطقة.
على مساحة 4800 متر مربع، زرع صالح 10 آلاف غرسة طماطم، متحدياً التغيرات المناخية القاسية في منطقة تشهد درجات حرارة مرتفعة طوال العام.
لم يكن هذا التحدي سهلاً، لكنه اختار طريقة مبتكرة: الري بالتنقيط. شبكة ري طويلة امتدت لمسافة 2000 متر، مع أنبوب توزيع بلغ تكلفته نحو 3000 ريال سعودي.
كان صالح يعلم أن الأمر يتطلب تخطيطاً دقيقاً لضمان نجاح الزراعة في غير موسمها المعتاد.
فقد ترك مسافات بين الأنابيب بلغت حوالي 170 إلى 200 سم، وزرع 100 غرسة على كل أنبوب ري، مع ترك 40 سم بين كل نقطة وأخرى. بدأ في زراعة الطماطم في 20 أغسطس 2024، بعدما قام بشراء الشتلات الجاهزة من مشاتل في ذمار، بتكلفة 4000 ريال سعودي.
لكن، كما كان يتوقع، كانت الظروف المناخية قاسية بشكل غير عادي هذا العام. الرياح الشديدة وارتفاع درجات الحرارة أثرت بشكل كبير على نمو الغرس.
وقال صالح وهو يصف معاناته: “خسرت حوالي 4000 غرسة بسبب الرياح والحرارة، لكنني تمكنت من الحفاظ على 6000 غرسة، وهي التي نمت وأثمرت”.
لم يكن صالح قادراً على زراعة الطماطم من البذور في أغسطس بسبب الحرارة المرتفعة، فكان الحل هو شراء الغرس الجاهز من مناطق باردة مثل ذمار وزراعته في أراضي حريب الحارة. هذه الطريقة سمحت له بزراعة الطماطم في غير موسمها التقليدي، وهو ما منحه فرصة التميز في السوق.
وفي شهرتشرين الثاني/ نوفمبر، بدأ صالح في جني ثمار المحصول، حيث كان يحصل على ما يتراوح بين 20 إلى 30 سلة من الطماطم يومياً. هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل كان نتيجة لتخطيطه الدقيق وابتكاره في استخدام شبكة الري بالتنقيط التي قللت من المخاطر الناتجة عن الري بالغمر.
ختاماً، يرى صالح أن الحلول المستقبلية تكمن في حماية الحقول من الرياح بواسطة أشجار كثيفة تحمي الزراعة من التعرية والجفاف، بالإضافة إلى أهمية اتجاه زراعة الأنابيب بشكل يتجنب الرياح الشمالية. مع هذه الحلول، يؤمن صالح بأن زراعة الطماطم في وادي حريب يمكن أن تصبح مصدر دخل مستداماً، حتى في ظل الظروف المناخية الصعبة.
ماذا عن حلول الدولة؟
في مأرب، قال المهندس علي قاسم بحيبح، مدير عام مكتب الزراعة، إن الحلول التي يقترحها لدعم زراعة الطماطم تتلخص في خطوات بسيطة ولكنها حاسمة.
أولاً، ضرورة تحسين إدارة المياه عبر استخدام أنظمة الري بالتنقيط، مما يقلل من استهلاك المياه ويزيد من كفاءة الري. ثم، يوفر الدعم المالي والتقني للمزارعين، بتزويدهم بالبذور المقاومة للأمراض، والأسمدة والمبيدات بأسعار مدعومة، وتأسيس برامج تمويل ميسرة لدعم صغار المزارعين وبرامج توعية.
ولا يمكن أن يكتمل هذا إلا بتوفير بنية تحتية تسويقية، من خلال بناء مراكز تخزين وتبريد لتحسين طرق تصدير المحاصيل وفتح أسواق جديدة.
وأخيرًا، يتعين تشجيع الزراعة المحمية، حيث تتيح البيوت المحمية المكيفة حماية الطماطم من تقلبات الطقس والآفات.
في عام 2023 قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن بانشاء مشروع إنشاء حواجز للسيول بطول 800 متر لحماية المَزارع من الفيضانات الجارفة، هذه الحواجز، التي تم إنشاؤها باستخدام أحجار تم رصَّها ولفها بالأسلاك بعناية، تسمح بتخلل المياه عبرها عند مرورها بمحاذاة الأراضي الزراعية – فتنظم عملية ريّ المحاصيل دون الإضرار بالتربة أو النباتات.
استفاد من المشروع 600 مزارع.
على الرغم من التحديات التي يواجهها المزارعون في اليمن بسبب التغيرات المناخية، فإن الحلول المستدامة والابتكار في طرق الزراعة يمكن أن تكون مفتاحًا للتغلب على هذه الأزمات وحماية الأمن الغذائي في المستقبل.
تم إنتاج هذه المادة بالتعاون مع منصة ريف اليمن الصحفية ضمن مشروع غرفة أخبار المُناخ والحقوق البيئية “عُشة”.