لجريدة عمان:
2024-06-27@12:28:15 GMT

هل تفضي قدرات الذكاء الاصطناعي إلى «لا شيء» ؟

تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT

هل تفضي قدرات الذكاء الاصطناعي إلى «لا شيء» ؟

ترجمة: أحمد شافعي -

لو أنكم سألتم روبوت الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعي (تشات جي بي تي) عما قد يعنيه صعود الذكاء الاصطناعي بالنسبة لمستقبل الإنسانية، فإنه يعمد إلى إجابة محسوبة فيقول إن «مستقبل الإنسانية مع الذكاء الاصطناعي ليس محسوما سلفا، فسوف يعتمد أثره على كيفية تطور الذكاء الاصطناعي، والقواعد التي ستوضع له، وطريقة اندماجه في مختلف جوانب الحياة».

ولا بأس بذلك الجواب، ولكنه ـ لو تحرينا الصراحة ـ مراوغ. لكن لو أنكم تريدون حقا أن تعرفوا كيف ستنتهي حقبة الذكاء الاصطناعي بالنسبة لنا، فخير لكم أن تطرحوا السؤال على سكوت آرونسن وبوعاز باراك، عالمي الكمبيوتر في جامعة تكساس وجامعة هارفرد على الترتيب. فقد تكبدا بالفعل عناء تصفية النقاش المطول في هذا الأمر ووصلا إلى حفنة من النتائج، وأطلقا على كل نتيجة منها اسما غريبا. يقول آرونسن «لقد كان هدفنا هو أن نوضح السيناريوهات التي يتكلم عنها الناس في الوقت الراهن».

خلال مناقشة مسهبة للأمر على عشاء، انتهى العالمان إلى الاقتناع بوجود خمسة عوالم تشمل جميع النتاجات المحتملة لتطوير الذكاء الاصطناعي. ثم كتب الاثنان منشورا على مدونة آرونسن بعنوان «عوالم الذكاء الاصطناعي الخمسة» راجين من ذلك أن يساعدا أهل المجال على أن يكون حديثهم مجديا حول الغايات النهائية، وحول وضع القواعد الحاكمة لتطوير الذكاء الاصطناعي. يقول باراك «تحرينا نبرة مازحة، لكننا لم نحد عن الجدية في محاولة وضع أساس للنقاش».

إليكم إذن استكشاف لعوالمهما الخمسة على طريقة (اختر مغامرتك بنفسك). وهي لا تخلو من طرافة في ظل منعطف سببه أن طريقة تعاملنا مع الأمور قد تنتهي بنا إلى عالم طوباوي مدعوم بالذكاء الاصطناعي أو إلى محو الإنسانية.

تبدأ رحلة هذه العوالم الخمسة بسؤال بسيط: هل يمكن أن تنتهي قدرات الذكاء الاصطناعي المحتملة إلى لا شيء؟ لا يبدو الأمر كذلك في اللحظة الراهنة، لكن يحتمل كثيرا أن تتوقف مسيرة الذكاء الاصطناعي بسبب شرهه الشديد إلى الموارد. فمن المحتمل أن تتسبب الكهرباء والمياه اللازمتان لإدارة وتبريد خوادم الذكاء الاصطناعي إلى فرض حظر في نهاية المطاف على المزيد من تطويره. أو ربما نستنفد ما لدينا من بيانات نستعملها في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المستقبلية، بمعنى ألا تتحقق للتكنولوجيا مطلقا قوة تغيير اللعبة التي تعد بها فينشأ العالم الذي يطلق عليه آرونسن وباراك اسم «أرض الفشل المدعومة بالذكاء الاصطناعي». يقول باراك «أعتقد أن هذا السيناريو مستبعد. أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سوف يغير العالم تغييرا كبيرا».

بفرض أننا لا ننتهي في «أرض الفشل»، على حد تعبير أحد المعلقين، يكون علينا أن نواجه سؤالا آخر: هل تستمر الحضارة في التطور وتظل مألوفة لنا؟ لو أن الإجابة هي نعم، يذهب آرونسن وباراك إلى أننا قد ننتهي في أحد سيناريوهين إضافيين، أحدهما جيد ويطلقان عليه اسم مسلسل تلفزيوني كارتوني هو (مستقبل فيوتشراما) تظهر فيه حضارة المستقبل شديدة الإيجابية. والسيناريو الآخر ليس كذلك كثيرا فيسميانه «ديستوبيا الذكاء الاصطناعي».

نعرف الدستوبيا من قصص خيال علمي لا حصر لها، وأشهرها (1984) لجورج أورويل. وفيها تستعمل الحكومة نظام مراقبة عميقا لإرغام المواطنين على الطاعة العمياء. وتترسخ التفاوتات والانحيازات، وتصبح أماكن العمل أماكن شقاء، ويحصل العاملون على أجور متدنية، اللهم إلا نخبة ضئيلة. يقول آرونسن إن «هناك من قالوا إن سيناريو 1984 غير ممكن لأنه لن يتوافر مطلقا العدد الكافي لمتابعة جميع الشاشات. لكن هذا ممكن مع الذكاء الاصطناعي».

في حال وصولنا إلى هذا، لن يكون ذلك ذنب الذكاء الاصطناعي حقا، لأن دور التكنولوجيا القوية لا يعدو أنها تضخم ما يكون قائما بالفعل، حسبما يقول آرونسن. «سيقول بعض الناس إننا لا ينبغي أن نبدع تكنولوجيا لو أننا نعرف أنها سوف تستعمل في أمور سيئة. لكن لو أننا لن نخترع أي شيء يمكن استعماله في شر، فالواقع أننا لن نخترع أي شيء».

يرجو باراك أن يؤدي تطور الذكاء الاصطناعي إلى خاتمة أفضل، على غرار مستقبل فيوتشراما، فهذا في رأيه هو أفضل العوالم المحتملة، إذ يقول إن «هذا بالدرجة الأساسية هو السيناريو الذي يكون كل شيء فيه كما هو الآن، لكنه أفضل». ها هنا يستعمل الذكاء الاصطناعي لتقليل الفقر وضمان توافر الغذاء والرعاية الصحية والتعليم والفرص الاقتصادية لمزيد من البشر. وقد يقع ضرر بين الحين والآخر بسبب الشر أو الإهمال البشريين، ولكن سكان هذا العالم من البشر سيكونون على الأرجح مسرورين كثيرا بنصيبهم، إجمالا.

بل إن الوضع قد يكون أفضل من ذلك. إذ يرجو آرونسن أن يأتي يوم محتمل فتوجد فيه يوتوبيا يقودها الذكاء الاصطناعي ويطلق عليها هو وباراك سنجولاريا. وسوف يحدث هذا إذا ما بلغ أثر الذكاء الاصطناعي من العمق أن يجعل مستقبلنا مغايرا لدرجة ألا نعرفه، لكنه مغاير على نحو إيجابي. وها هنا تعيشون جنبا إلى جنب كائنات الذكاء الاصطناعي التي تكون عمليا سلالة فائقة الذكاء تستولي على إدارة الحضارة. ومن حسن الحظ أنها ستكون قوى خيرة، متسامحة مع فقراء الكوكب، من البشر المساكين. ستحل جميع مشكلاتنا المادية، وتمدنا بوفرة لا حدود لها، وتنوب عنا في كثير من مهامنا المضجرة وتوفر التسلية لعقولنا المفتقرة حديثا إلى الحوافز. يقول آرونسن «إنها عمليا جنة الذكاء الاصطناعي».

جميل. لكن ماذا لو أن كائنات الذكاء الاصطناعي ذات القوة الكلية هذه لم تأت بهذا السخاء؟ إذن مرحبا بكم في (جحيم المشابك). وثمة سبب وجيه لهذه التسمية الغريبة. في عام 2003 وصف عالم الرياضيات والأخلاقيات إليزار يودكووسكي ـ الشريك المؤسس لمعهد بحوث الذكاء الآلي في كاليفورنيا ـ تجربة فكرية تكلف فيها الإنسانية الذكاء الاصطناعي بتحسين إنتاج بعض الأشياء العادية، ولنقل إنها مشابك الورق. في حال عدم التفكير جيدا في الخصائص المطلوبة، قد ينتهي الذكاء الاصطناعي إلى محو الإنسانية لوقوفها في وجه حصد جميع موارد الأرض، وربما موارد كل العوالم الأخرى، وتسخيرها جميعا لصنع مشابك ورق أفضل.

كان طرح يودكووسكي أكثر دقة مما يبدو هنا، ولكن الهدف العام بسيط: من الصعب أن نتخيل سيناريوهات لا يكون فيها خلقنا للذكاء الاصطناعي هو آخر ما نفعله نحن البشر. ومن هنا فنحن بحاجة إلى التفكير كثيرا في ما نسمح للذكاء الاصطناعي بالعمل عليه، وفي ربطه بالموارد المادية من قبيل محطات الطاقة أو الأسلحة النووية، وفي إلزام صانعي الذكاء الاصطناعي بالشفافية وإخضاعهم للمحاسبة. ونحن بحاجة إلى التفكير بسرعة أيضا. تقول جريتا دوليبا مديرة الاتصالات في معهد بحوث الذكاء الآلي إن «تغيير السياسات والقواعد يستغرق وقتا طويلا، لأن تروس الحكم بطيئة الدوران. ونخشى أن ينفد الوقت قبل سن تشريعات ذات مغزى».

أما آرونسن وباراك فليسا خائفين كثيرا من احتمال «جحيم مشابك الورق». ففي حين يرى يودكووسكي أن الاحتمال الأرجح، بل الفرض شبه المؤكد، هو أن ينجم حدث كارثي عن بحوث الذكاء الاصطناعي الرديئة، ويعتقد آرونسن أن هذا مستبعد. أما باراك فهو أكثر حذرا، إذ يقول «أنا لست مؤمنا بالاحتمالات البعيدة من قبيل سنجيولاريا أو جحيم مشابك الورق، لكنني أعتقد أن عقولنا يجب أن تبقى منفتحة».

تبدو هذه فكرة طيبة، لكي نتأكد أننا منتبهون لـ«كيفية تطوير الذكاء الاصطناعي، ووضع قواعده، ودمجه» على حد تعبير (تشات جي بي تي). وإن لم نكن كذلك، فقد نجد أنفسنا بلا أي خيارات في لعبة (اختر مغامرتك بنفسك) التي نلعبها مع تطورات الذكاء الاصطناعي.

الحقيقة أنه حتى في ظل وجود قواعد حسنة النية، من المحتمل تماما أن ننتهي في أحد العوالم المتأثرة بالذكاء الاصطناعي التي نفضّل اجتنابها. وفي هذه الحالة، يجب أن نعمل أيضا على كيفية التنقل بين العوالم. ففي نهاية المطاف، قد نرغب يوما ما في العثور على طريقنا نخرج به من سيناريو دستوبيا الذكاء الاصطناعي لنصل إلى سيناريو فيوتشراما، بل وإلى سنجولاريا. يتساءل آرونسن «هل أرغب في الحياة في عالم تزدهر فيه بلا حدود كائنات حساسة داخل محاكاة لجنة ما؟ نعم، أنا أدعم ذلك كثيرا».

مايكل بروكس مستشار فيزياء في مجلة «New Scientist»، حاصل على درجة الدكتوراه في فيزياء الكم، ويعمل مؤلفاً وصحفياً ومذيعاً

خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی إلى بالذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

تنظيم الدولة يقتحم عالم الذكاء الاصطناعي.. ما علاقة الجزيرة وCNN؟

اقتحمت الحسابات المناصرة لتنظيم الدولة "داعش" عالم الذكاء الاصطناعي بطريقة مثيرة، عبر فبركة صور وأخبار.

وتداولت حسابات مؤيدة للتنظيم، مشاهد وصور تتعلق بعمليات قام بها عناصر "الدولة" وأبرزها الهجوم على قاعة "كروكوس" في موسكو بآذار/ مارس الماضي، وتم نسبة هذه الصور إلى قناتي "الجزيرة" و"سي إن إن".

وتظهر أحد الصور مقاتل من التنظيم وهو يتصفح هاتفه داخل القاعة التي نفذ فيها الهجوم، إلا أن الصورة تبين أنها غير حقيقية، وأنشئت بواسطة برامج الذكاء الاصطناعي.

وقال "معهد الحوار الاستراتيجي" في تحليل له إن تنظيم الدولة اعتمد على إستراتيجية جديدة، تركز على ترويج الأخبار والصور المزيفة لكسب الانتشار.

"تتجاوز الخوارزميات"
واللافت أن استراتيجية "داعش" الجديدة تجاوزت خوارزميات "يوتيوب" و"فيسبوك" التي تحذف أي محتوى يروج للتنظيم بشكل تلقائي.

وبقيت بعض الفيديوهات المصممة بواسطة الذكاء الاصطناعي عدة أسابيع على "يوتيوب" و"فيسبوك" دون حذف.

واعتمدت "سي إن إن" المزيفة على نشر فيديوهات تروج لتنظيم الدولة باللغة الإنجليزية، فيما نشرت "الجزيرة" المزيفة فيديوهات مشابهة باللغة العربية.

وعمل القائمون على الحملة على إظهار أنها حقيقية بشكل أكبر، إذ تم تخصيص شريط إخباري متحرك ينشر أخبار التنظيم.




مجرد اختبار
يحاول أنصار التنظيم من خلال فبركة هذه المشاهد إلى اختبار مدى قدرتهم على تجاوز القيود المفروضة على المحتوى الجهادي من قبل منصات التواصل الاجتماعي.

وقال مصطفى عياد، المختص في تحليل النشاط الإعلامي لتنظيم الدولة "إنها المرة الأولى التي نشهد فيها جهدًا منسقًا من قبل وسيلة إعلامية تابعة لتنظيم الدولة لإنشاء هذا النظام البيئي المزيف للأخبار الذي لا يحمل علامة تشير إلى أنه تابع لتنظيم الدولة".

وتابع لـ""معهد الحوار الاستراتيجي": "كان ذلك إلى حد كبير اختبارًا للنظام، والآن يعرفون أين تكمن نقاط الضعف في استراتيجيتهم".

وبحسب عياد فإن ما فعله أنصار التنظيم "في الأساس هو إنشاء هذا النظام البيئي الصغير المزيف من قنوات التواصل الاجتماعي التي تشبه وسائل الإعلام".


تطور عن السابق
بحسب عياد، فإن أنصار التنظيم كانوا يحاولون تجاوز حجب المنصات سابقا بطرق بدائية، عبر تغطية شعار التنظيم ولصق شعارات مثل "نتفليكس" أو "أمازون" بدلا عنه.

وأضاف أن المختلف اليوم هو أن التنظيم قام بالفعل بإنشاء نشرة إخبارية كاملة، مع شريط إخباري، ووضع شعاري "الجزيرة" و"سي إن إن" عليها، وهو ما جعل خوارزميات مواقع التواصل تعجز عن الوصول إليها.

وتابع عياد ""ليس لدي شك في أننا سنرى المزيد من هذا في المستقبل"، مضيفا أن "الذكاء الاصطناعي يسمح لهم بإنشاء رسومات أكثر واقعية للأخبار التي تحاكي العديد من القنوات الإخبارية. سنرى المزيد من ذلك وسيصبح من الصعب أكثر وأكثر التعرف على هذا المحتوى".


"عام عنيف"
بدأ تنظيم الدولة العام 2024 بشكل عنيف، ونفذ هجومين انتحاريين داميين وسط حشود أتت لإحياء ذكرى مقتل الجنرال قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري، وذلك في محافظة كرمان جنوب شرق إيران، في الثالث من كانون ثاني/ يناير الماضي.

الهجوم الذي أدى إلى مقتل نحو 85 شخصا وإصابة المئات، تبعه إعلان التنظيم عبر المتحدث الرسمي الجديد باسمه "أبي حذيفة الأنصاري"، إطلاق غزوة "واقتلوهم حيث ثقفتموهم"، والتي استمرت 8 أيام في الفترة بين 3 و10 كانون ثاني/ يناير الجاري.

ورصدت "عربي21" تفاصيل العمليات التي أعلن عنها التنظيم، وشملت 12 دولة، هي: إيران، سوريا، العراق، الفلبين، أفغانستان، باكستان، الكاميرون، نيجيريا، النيجر، مالي، الكونغو، موزمبيق.

وأعلن التنظيم خلال الأيام الثمانية هذه عن تنفيذ 110 عمليات، أسفرت عن مقتل وجرح ما لا يقل عن 600 شخص.

ولاحقا، نفذ التنظيم هجوما داميا على مسرح "كروكوس" في روسيا، ما أدى إلى قتل وجرح المئات.


مقالات مشابهة

  • الإمارات .. مركز إقليمي رائد للذكاء الاصطناعي في مجال الرياضة
  • هل اقترب عصر الذكاء الاصطناعي الواعي؟
  • 5 طرق للكشف عن التزييف العميق لمستخدمي تقنيات الذكاء الاصطناعي
  • خبير أميركي: الذكاء الاصطناعي نفط المستقبل
  • جامعة السلطان قابوس والذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي في دائرة الضوء.. تطورات وتقنيات تغير العالم
  • تحليل : الذكاء الاصطناعي نفط المستقبل في العالم
  • تنظيم الدولة يقتحم عالم الذكاء الاصطناعي.. ما علاقة الجزيرة وCNN؟
  • سباق محتدم بين الدول الكبرى لتوظيف الذكاء الاصطناعي عسكريا
  • الخبير الأمريكي أدريان كرانز: الذكاء الاصطناعي نفط المستقبل في العالم