لجريدة عمان:
2025-11-20@06:02:16 GMT

هل تفضي قدرات الذكاء الاصطناعي إلى «لا شيء» ؟

تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT

هل تفضي قدرات الذكاء الاصطناعي إلى «لا شيء» ؟

ترجمة: أحمد شافعي -

لو أنكم سألتم روبوت الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعي (تشات جي بي تي) عما قد يعنيه صعود الذكاء الاصطناعي بالنسبة لمستقبل الإنسانية، فإنه يعمد إلى إجابة محسوبة فيقول إن «مستقبل الإنسانية مع الذكاء الاصطناعي ليس محسوما سلفا، فسوف يعتمد أثره على كيفية تطور الذكاء الاصطناعي، والقواعد التي ستوضع له، وطريقة اندماجه في مختلف جوانب الحياة».

ولا بأس بذلك الجواب، ولكنه ـ لو تحرينا الصراحة ـ مراوغ. لكن لو أنكم تريدون حقا أن تعرفوا كيف ستنتهي حقبة الذكاء الاصطناعي بالنسبة لنا، فخير لكم أن تطرحوا السؤال على سكوت آرونسن وبوعاز باراك، عالمي الكمبيوتر في جامعة تكساس وجامعة هارفرد على الترتيب. فقد تكبدا بالفعل عناء تصفية النقاش المطول في هذا الأمر ووصلا إلى حفنة من النتائج، وأطلقا على كل نتيجة منها اسما غريبا. يقول آرونسن «لقد كان هدفنا هو أن نوضح السيناريوهات التي يتكلم عنها الناس في الوقت الراهن».

خلال مناقشة مسهبة للأمر على عشاء، انتهى العالمان إلى الاقتناع بوجود خمسة عوالم تشمل جميع النتاجات المحتملة لتطوير الذكاء الاصطناعي. ثم كتب الاثنان منشورا على مدونة آرونسن بعنوان «عوالم الذكاء الاصطناعي الخمسة» راجين من ذلك أن يساعدا أهل المجال على أن يكون حديثهم مجديا حول الغايات النهائية، وحول وضع القواعد الحاكمة لتطوير الذكاء الاصطناعي. يقول باراك «تحرينا نبرة مازحة، لكننا لم نحد عن الجدية في محاولة وضع أساس للنقاش».

إليكم إذن استكشاف لعوالمهما الخمسة على طريقة (اختر مغامرتك بنفسك). وهي لا تخلو من طرافة في ظل منعطف سببه أن طريقة تعاملنا مع الأمور قد تنتهي بنا إلى عالم طوباوي مدعوم بالذكاء الاصطناعي أو إلى محو الإنسانية.

تبدأ رحلة هذه العوالم الخمسة بسؤال بسيط: هل يمكن أن تنتهي قدرات الذكاء الاصطناعي المحتملة إلى لا شيء؟ لا يبدو الأمر كذلك في اللحظة الراهنة، لكن يحتمل كثيرا أن تتوقف مسيرة الذكاء الاصطناعي بسبب شرهه الشديد إلى الموارد. فمن المحتمل أن تتسبب الكهرباء والمياه اللازمتان لإدارة وتبريد خوادم الذكاء الاصطناعي إلى فرض حظر في نهاية المطاف على المزيد من تطويره. أو ربما نستنفد ما لدينا من بيانات نستعملها في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المستقبلية، بمعنى ألا تتحقق للتكنولوجيا مطلقا قوة تغيير اللعبة التي تعد بها فينشأ العالم الذي يطلق عليه آرونسن وباراك اسم «أرض الفشل المدعومة بالذكاء الاصطناعي». يقول باراك «أعتقد أن هذا السيناريو مستبعد. أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سوف يغير العالم تغييرا كبيرا».

بفرض أننا لا ننتهي في «أرض الفشل»، على حد تعبير أحد المعلقين، يكون علينا أن نواجه سؤالا آخر: هل تستمر الحضارة في التطور وتظل مألوفة لنا؟ لو أن الإجابة هي نعم، يذهب آرونسن وباراك إلى أننا قد ننتهي في أحد سيناريوهين إضافيين، أحدهما جيد ويطلقان عليه اسم مسلسل تلفزيوني كارتوني هو (مستقبل فيوتشراما) تظهر فيه حضارة المستقبل شديدة الإيجابية. والسيناريو الآخر ليس كذلك كثيرا فيسميانه «ديستوبيا الذكاء الاصطناعي».

نعرف الدستوبيا من قصص خيال علمي لا حصر لها، وأشهرها (1984) لجورج أورويل. وفيها تستعمل الحكومة نظام مراقبة عميقا لإرغام المواطنين على الطاعة العمياء. وتترسخ التفاوتات والانحيازات، وتصبح أماكن العمل أماكن شقاء، ويحصل العاملون على أجور متدنية، اللهم إلا نخبة ضئيلة. يقول آرونسن إن «هناك من قالوا إن سيناريو 1984 غير ممكن لأنه لن يتوافر مطلقا العدد الكافي لمتابعة جميع الشاشات. لكن هذا ممكن مع الذكاء الاصطناعي».

في حال وصولنا إلى هذا، لن يكون ذلك ذنب الذكاء الاصطناعي حقا، لأن دور التكنولوجيا القوية لا يعدو أنها تضخم ما يكون قائما بالفعل، حسبما يقول آرونسن. «سيقول بعض الناس إننا لا ينبغي أن نبدع تكنولوجيا لو أننا نعرف أنها سوف تستعمل في أمور سيئة. لكن لو أننا لن نخترع أي شيء يمكن استعماله في شر، فالواقع أننا لن نخترع أي شيء».

يرجو باراك أن يؤدي تطور الذكاء الاصطناعي إلى خاتمة أفضل، على غرار مستقبل فيوتشراما، فهذا في رأيه هو أفضل العوالم المحتملة، إذ يقول إن «هذا بالدرجة الأساسية هو السيناريو الذي يكون كل شيء فيه كما هو الآن، لكنه أفضل». ها هنا يستعمل الذكاء الاصطناعي لتقليل الفقر وضمان توافر الغذاء والرعاية الصحية والتعليم والفرص الاقتصادية لمزيد من البشر. وقد يقع ضرر بين الحين والآخر بسبب الشر أو الإهمال البشريين، ولكن سكان هذا العالم من البشر سيكونون على الأرجح مسرورين كثيرا بنصيبهم، إجمالا.

بل إن الوضع قد يكون أفضل من ذلك. إذ يرجو آرونسن أن يأتي يوم محتمل فتوجد فيه يوتوبيا يقودها الذكاء الاصطناعي ويطلق عليها هو وباراك سنجولاريا. وسوف يحدث هذا إذا ما بلغ أثر الذكاء الاصطناعي من العمق أن يجعل مستقبلنا مغايرا لدرجة ألا نعرفه، لكنه مغاير على نحو إيجابي. وها هنا تعيشون جنبا إلى جنب كائنات الذكاء الاصطناعي التي تكون عمليا سلالة فائقة الذكاء تستولي على إدارة الحضارة. ومن حسن الحظ أنها ستكون قوى خيرة، متسامحة مع فقراء الكوكب، من البشر المساكين. ستحل جميع مشكلاتنا المادية، وتمدنا بوفرة لا حدود لها، وتنوب عنا في كثير من مهامنا المضجرة وتوفر التسلية لعقولنا المفتقرة حديثا إلى الحوافز. يقول آرونسن «إنها عمليا جنة الذكاء الاصطناعي».

جميل. لكن ماذا لو أن كائنات الذكاء الاصطناعي ذات القوة الكلية هذه لم تأت بهذا السخاء؟ إذن مرحبا بكم في (جحيم المشابك). وثمة سبب وجيه لهذه التسمية الغريبة. في عام 2003 وصف عالم الرياضيات والأخلاقيات إليزار يودكووسكي ـ الشريك المؤسس لمعهد بحوث الذكاء الآلي في كاليفورنيا ـ تجربة فكرية تكلف فيها الإنسانية الذكاء الاصطناعي بتحسين إنتاج بعض الأشياء العادية، ولنقل إنها مشابك الورق. في حال عدم التفكير جيدا في الخصائص المطلوبة، قد ينتهي الذكاء الاصطناعي إلى محو الإنسانية لوقوفها في وجه حصد جميع موارد الأرض، وربما موارد كل العوالم الأخرى، وتسخيرها جميعا لصنع مشابك ورق أفضل.

كان طرح يودكووسكي أكثر دقة مما يبدو هنا، ولكن الهدف العام بسيط: من الصعب أن نتخيل سيناريوهات لا يكون فيها خلقنا للذكاء الاصطناعي هو آخر ما نفعله نحن البشر. ومن هنا فنحن بحاجة إلى التفكير كثيرا في ما نسمح للذكاء الاصطناعي بالعمل عليه، وفي ربطه بالموارد المادية من قبيل محطات الطاقة أو الأسلحة النووية، وفي إلزام صانعي الذكاء الاصطناعي بالشفافية وإخضاعهم للمحاسبة. ونحن بحاجة إلى التفكير بسرعة أيضا. تقول جريتا دوليبا مديرة الاتصالات في معهد بحوث الذكاء الآلي إن «تغيير السياسات والقواعد يستغرق وقتا طويلا، لأن تروس الحكم بطيئة الدوران. ونخشى أن ينفد الوقت قبل سن تشريعات ذات مغزى».

أما آرونسن وباراك فليسا خائفين كثيرا من احتمال «جحيم مشابك الورق». ففي حين يرى يودكووسكي أن الاحتمال الأرجح، بل الفرض شبه المؤكد، هو أن ينجم حدث كارثي عن بحوث الذكاء الاصطناعي الرديئة، ويعتقد آرونسن أن هذا مستبعد. أما باراك فهو أكثر حذرا، إذ يقول «أنا لست مؤمنا بالاحتمالات البعيدة من قبيل سنجيولاريا أو جحيم مشابك الورق، لكنني أعتقد أن عقولنا يجب أن تبقى منفتحة».

تبدو هذه فكرة طيبة، لكي نتأكد أننا منتبهون لـ«كيفية تطوير الذكاء الاصطناعي، ووضع قواعده، ودمجه» على حد تعبير (تشات جي بي تي). وإن لم نكن كذلك، فقد نجد أنفسنا بلا أي خيارات في لعبة (اختر مغامرتك بنفسك) التي نلعبها مع تطورات الذكاء الاصطناعي.

الحقيقة أنه حتى في ظل وجود قواعد حسنة النية، من المحتمل تماما أن ننتهي في أحد العوالم المتأثرة بالذكاء الاصطناعي التي نفضّل اجتنابها. وفي هذه الحالة، يجب أن نعمل أيضا على كيفية التنقل بين العوالم. ففي نهاية المطاف، قد نرغب يوما ما في العثور على طريقنا نخرج به من سيناريو دستوبيا الذكاء الاصطناعي لنصل إلى سيناريو فيوتشراما، بل وإلى سنجولاريا. يتساءل آرونسن «هل أرغب في الحياة في عالم تزدهر فيه بلا حدود كائنات حساسة داخل محاكاة لجنة ما؟ نعم، أنا أدعم ذلك كثيرا».

مايكل بروكس مستشار فيزياء في مجلة «New Scientist»، حاصل على درجة الدكتوراه في فيزياء الكم، ويعمل مؤلفاً وصحفياً ومذيعاً

خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی إلى بالذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

بلومبيرغ: الذكاء الاصطناعي لن ينقذ الاقتصاد الأميركي

أكد الكاتب الأميركي والرئيس الأسبق لبنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك بيل دَدلي -في مقالة رأي نشرها في بلومبيرغ- أن الطفرة الاستثمارية في الذكاء الاصطناعي تعزز سوق الأسهم والاقتصاد الأميركي حاليا، لكنه يرى أن الصورة بعيدة المدى "على الأرجح ستكون أقرب إلى التعادل"، وأن الذكاء الاصطناعي "لن يحل المعضلة المالية الخطيرة التي تواجهها البلاد".

ويقول دَدلي في عموده إن تقييم الأثر المستقبلي للتقنية يحتاج إلى الإجابة عن 3 أسئلة أساسية:

ما مدى تأثيرها على الإنتاجية والنمو؟ ما آثارها على سوق العمل والبطالة؟ ما انعكاسها على أسعار الفائدة؟ إنتاجية مبهمة للذكاء الاصطناعي

وحسب بلومبيرغ، لا يوجد إجماع حتى الآن حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الإنتاجية.

ويذكّر دَدلي بأن التكنولوجيات الكبرى تحتاج إلى وقت طويل قبل أن تعيد تشكيل الاقتصاد، مستشهدا بتحولات الكهرباء التي استغرقت عقودا، واقتباس الاقتصادي روبرت سولو عام 1987 بأن الحوسبة تُرى "في كل مكان باستثناء إحصاءات الإنتاجية".

بطء تحول الشركات نحو اعتماد الذكاء الاصطناعي يعزز احتمالات أثر تدريجي لا فوري (شترستوك)

ويشير المقال إلى تباين تقديرات الخبراء، إذ إن الحائز على نوبل دارون أسموغلو يرى أن الأثر لن يتجاوز "أقل من 1%" خلال عقد، بينما قدر اقتصاديون في "غولدمان ساكس" زيادة بنحو 15% عند "اعتماد التقنية بالكامل ودمجها في الإنتاج القياسي".

ويرجح دَدلي أن الزيادة ستكون "متواضعة في البداية، ثم تتسارع تدريجيا" مع انتشار التطبيق الفعلي في العمليات الداخلية قبل الخارجية.

الذكاء الاصطناعي سيستبدل العمال أم سيساعدهم؟

ويرى دَدلي -في مقاله المنشور على بلومبيرغ- أن السؤال المركزي في سوق العمل يدور حول إذا ما كانت التقنية ستستبدل العمال أم ستساعدهم على أداء مهامهم.

ويطرح مثال البرمجة، إذ "تُسرع الأدوات الذكية عملية كتابة الشيفرة وتقلل عدد العاملين المطلوبين"، لكنها في الوقت نفسه "تزيد الطلب على البرمجيات" مع انخفاض كلفة التطوير.

إعلان

ويحذر من أن البطالة قد ترتفع إذا تسببت التحولات السريعة في فقدان عدد كبير من الوظائف خلال فترة قصيرة، مما يؤدي إلى "فترة انتقالية يقف فيها العمال في منطقة رمادية بحثا عن اختصاصات جديدة"، وهو ما قد يرفع معدل البطالة المتوافق مع استقرار الأسعار.

تأثير الذكاء الاصطناعي على أسعار الفائدة

ويفصل دَدلي أن تأثير الذكاء الاصطناعي على أسعار الفائدة "أكثر مباشرة"، لأن الابتكار يرفع العائد المتوقع على الاستثمار، وفي الوقت نفسه يتطلب "استثمارات ضخمة" في البنى التحتية للطاقة والحوسبة، وهو ما يزيد الطلب على رأس المال ويرفع الفائدة الحقيقية.

أثر الذكاء الاصطناعي على سوق العمل يبقى مرهونا بغلبة الاستبدال أو التعزيز الوظيفي (شترستوك)

ويستحضر الكاتب مثال طفرة الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي حين ارتفعت الفائدة الحقيقية إلى أكثر من 3% بفعل بناء الشبكات الوطنية للألياف الضوئية.

وحسب بلومبيرغ، يتوقع دَدلي أن يكون تأثير الذكاء الاصطناعي "مقدما زمنيا" بسبب سرعة التوسع والحجم الهائل المطلوب للبنية التحتية.

معضلة مالية لا يحلها الذكاء الاصطناعي

ويرى الكاتب في مقاله أن الأثر المركب للتقنية "لن يكون قادرا على إصلاح المسار المالي غير المستدام" للحكومة الأميركية. فارتفاع الإنتاجية والنمو قد يزيد الإيرادات ويخفض نسبة الدين إلى الناتج، لكن "ارتفاع أسعار الفائدة سيزيد تكاليف خدمة الدين، ويدفع في الاتجاه المعاكس".

ويختتم دَدلي مقاله في بلومبيرغ بالتأكيد أن الذكاء الاصطناعي "مهم بلا شك"، لكنه "لن يغير جذريا آفاق الاقتصاد الأميركي طويلة الأجل"، مضيفا: "يمكن للمرء أن يأمل بالأفضل، لكن الأمل ليس إستراتيجية".

مقالات مشابهة

  • أين تقف مصر في مجال الذكاء الاصطناعي
  • فقاعة الذكاء الاصطناعي وحساباتها الواهية
  • من الدفاع إلى الذكاء الاصطناعي .. تفاصيل الاتفاقيات السعودية الأميركية
  • الذكاء الاصطناعي يُعيد تعريف الثروة!
  • الذكاء الاصطناعي وإنتاج «الهراء»: دعم لموجات التضليل التجاري والإعلامي
  • تعرف على قدرات F-35 الأكثر تطوراً وفتكاً في العالم.. المقاتلات التي تثير رعب الحوثيين في اليمن
  •  "حاسبات الطائف" تتصدر.. الجازي آل عمر بطلة هاكاثون الذكاء الاصطناعي
  • بلومبيرغ: الذكاء الاصطناعي لن ينقذ الاقتصاد الأميركي
  • الدعم النفسي في عصر الذكاء الاصطناعي
  • التلغراف: داعش يستخدم الذكاء الاصطناعي في تجنيد عناصره