كيمياء الحب والموت هكذا تسهم المركّبات الحيوية في فهمنا للعالم
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
إن فكرت يومًا في التجول بين الغابات والأشجار الكثيفة، فربما تتفاجئ بروائح غريبة ونتنة ومنفرة بعض الشيء، قد يكون مصدرها حيوان الظربان المميز بلونيه الأبيض والأسود الذي ظن أنك جئت لتفترسه فاستخدم كيمياء جسده لإبعادك عنه، ولعله نجح!. وما هذه الرائحة النتنة إلا خليط كيميائي غازي مكون من مركبات عضوية كالكبريت.
هكذا هي الكيمياء، قد تستخدمها كائنات لجذب غيرها من المخلوقات وأخرى لإبعادها وحتى قتلها. فالخنفس «تالياباني» مثلا يطلق مادة جابنيتيور وهي مركب عضوي وفيرومون لجذب خنافس من الجنس الآخر، أما خنفس «القاصفة» في المقابل تقوم بإطلاق غاز سامّ وحار يصل إلى درجة الغليان لقتل الحشرات المهاجمة لها.
وقد ينفر البعض من مصطلح «الكيمياء» لارتباطه بالمناهج الدراسية التي تتطلب تركيزًا كبيرًا، إلا أن الكيمياء ماهي إلا الروابط التي تكوّن المركبات والعناصر في داخلنا ومن حولنا وطريقة تفاعلها!. وفهمها يعني فهم كيف تعمل المواد في هذا الكون. وتوجد المركبات العضوية بكثرة وبشكل ملموس في جسم الإنسان وفي الدماغ والعين والدم على هيئة هرمونات وفيتامينات وأحماض أمينية. وللمركبات العضوية دور جوهري في وظائف الإنسان الأساسية الحيوية والتلقائية مثل النظر والتفكير.
وعندما نقول كيمياء عضوية، فذلك يعني ببساطة أننا نشير إلى المواد المحتوية على عنصر الكربون، وهو العنصر الكيميائي الرابع الأكثر انتشارًا في هذا الكون، وذلك بسبب قدرة ذرة الكربون على صنع وتكوين روابط ثابتة وقوية مع العناصر الأخرى، إضافة إلى صغر حجمها وخفتها، والكائنات الحية نفسها تحتوي على ما لا يقل عن 20% من الكربون!.
وللمركبات الكيميائية العضوية دور جوهري في الطب والصيدلة حيث إن الأدوية الموجودة في الصيدليات و المستشفيات هي مركبات عضوية في الأساس، كمسكنات الألم ومخفضات الحرارة على غرار مركبات المورفين والأسبيرين وفيناسيتين و اسيتامينوفين (باراسيتامول) و ابيوبرفين (ادفيل).
«هكذا تتواجد المركبات الكيميائية الحيوية فينا ومن حولنا»
في جسم الإنسان
مركب ريتنال لـ«النظر»: شكل من أشكال فيتامين «أ» تستخدمه العين للنظر، لقدرته على امتصاص الضوء وتحويله إلى نبض العصب المستخدم للرؤية.
مركب السيرتونين لـ«التفكير» : مكون من مركب أندول ومجموعات أمين وهيدروكسيل، ويستخدم في عملية التفكير ونقل نبض الأعصاب إلى الدماغ.
مركب الهيم «لربط الأكسجين بالدم»: هو جزيء مبدئي لتكوين الهيموجلوبين، وهو ضروري لربط الأكسجين في مجرى الدم، ويعطي اللون الأحمر لخضاب الدم لاحتوائه على ذرة الحديد.
مركب الجلوتاثايون «مرمم خلايا»: يوجد في الكبد، ويعمل على تقوية المناعة من خلال الإسهام في بناء وعلاج وإصلاح الخلايا.
في درج البهارات
البيبرين «سر الفلفل الأسود»: مركب حلقي غير متجانس يوجد في الفلفل الأسود، وهو ما يعطيه نكهته الحادة، ويعد داعم لوظائف الكبد، ومضاد للأكسدة.
مركب الزنجيبيرين «النكهة اللاذعة»: وهو المركب الذي يعزى إليه الطعم الحار في الزنجبيل، وهو من الراتنجات الزيتية. ويعدّ مضادا لحدوث الجلطة ومضادا للالتهابات بأنواعها.
مادة يوجينول «الرائحة المميزة»: هو مركب كيميائي عطري له رائحة مميزة. وهو عبارة عن زيت عطري يشكل نسبة 82% تقريبا من زيت بذور القرنفل، ويعدّ هذا الزيت مفيدًا لآلام الأسنان.
مركب السينامالديهايد «تأثير القرفة»: هو مركب عضوي ينتمي لمجموعة الألدهيدات، وهو المادة الفعالة التي تعطي القرفة النكهة والرائحة المميزتين ويستخدم ألدهيد القرفة كمُنكّه في عدد من المنتجات الغذائية مثل العلكة والبوظة وغيرها.
على أطباقنا
مادة الكافيين «المنبه الأشهر»: من أشهر المركبات الكيميائية التي يستخدمها البشر يوميًا، من خلال تناول القهوة والشاي والمشروبات الغازية، ويعمل كمنبه ومحفز للعقل. ومن المركبات العضوية المشابهة للكافيين هو مركب «الثيوبرومين»، ويوجد هذا المركب العضوي في الشوكولاتة.
السكروز «المركب المُحلي»: يستخدم السكروز محليًا للأطعمة، ويستخدم أثناء تحضير المربات وفي صناعة العصائر والمواد الغذائية. وهو واسع الانتشار في الفاكهة والبذور والأوراق وحتى في جذور النباتات.
بجانب المغسلة
لوح الصابون «روابط متعددة»: يضم الصابون مركبات عضوية ذات خاصية أيونية، مترابطة كيميائيا، حيث ينتج الصابون عن طريق تفاعل الزيوت الدهنية مع مادة قلوية أو قاعدية مثل هيدروكسيد الصوديوم ويطلق على هذه العملية «تصبن».
في الطبيعة ومن حولنا
مركب الكلوروفيل «الصبغة الخضراء»: يوجد في ورق الشجر ويعطي الأشجار لونها الفريد.
مركب الياسمون «عطر طبيعي»: يستخدم كعطر وفي العديد من الصناعات ويستخرج عن طريق التقطير.
مركب مانثول «التأثير المنعش» : يوجد هذا المركب في نبتة النعناع، وهو ما يمنحه نكهته المميزة، والمسؤول عن التأثير البارد الذي نشعر به عند تناول نكهة النعناع.
مركب الليمونين «غطاء الحمضيات»: هو المكوّن الأساس في زيت قشور الحمضيات، ويعمل كمضاد للالتهابات والأكسدة.
مركب البيتا كاروتين «الصبغة البرتقالية»: هو المكون الأساسي للصبغة البرتقالية في بعض النباتات والفاكهة، وخاصة الجزر وهي ذات لون أحمر أو برتقالي، ويعمل جسم الإنسان على تحويل البيتا كاروتين إلى فيتامين أ (الريتينول)، ويُعدّ هذا الفيتامين مهمًا لصحة الجلد والأغشية المخاطية وجهاز المناعة وصحة العيون والرؤية الجيدة.
مركب الليكوبين «الصبغة الحمراء»: هو كاروتين أحمر اللون موجود في الطماطم والبطيخ والفاكهة والخضروات الحمراء اللون، مثل الجزر الأحمر، والفلفل الأحمر والبابايا. وتسهم هذه المادة في تقليل نسبة الإصابة بأمراض القلب وسرطان البروستاتا، كما يُعد بطلا في مجال تقوية خلايا البشرة وتعزيز دفاعاتها ضد أشعة الشمس فوق البنفسجية.
د. حمد حمدان المعمري قسم الكيمياء، كليه العلوم جامعة السلطان قابوس
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الزراعة العضوية في الإمارات.. تجارب مبتكرة تعزز استدامة البيئة والأمن الغذائي
تولي دولة الإمارات اهتماماً كبيراً بالمشروعات الصديقة للبيئة والتي تنسجم مع مفاهيم الاستدامة، ومنها الزراعة العضوية التي تعد نظاماً متكاملاً لاستدامة الإنتاج الزراعي والموارد البيئية والمحافظة على صحة الإنسان، ولذلك توفر الدولة جميع السبل التي من شأنها المساهمة في تطوير الإنتاج العضوي المحلي؛ انطلاقاً من الدور الريادي الذي يلعبه في تحقيق تنوع واستدامة الغذاء.
وتعد الزراعة العضوية نظاماً زراعياً يشجع على إنتاج الغذاء ضمن إطار بيئي، واجتماعي، واقتصادي، متجنباً استخدام المدخلات الكيميائية المصنعة ومعتمداً على استخدام الدورة الزراعية والسماد العضوي لتحسين خواص التربة، وباستخدام المكافحة البيولوجية والفيزيائية والميكانيكية للحد من أضرار الآفات الزراعية، وكل ذلك يتم عبر تطبيق سلسلة من الأنظمة والمقاييس الدولية لضمان سلامة المنتج العضوي.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجه الزراعة العضوية من حيث نقص الموارد المائية، وارتفاع تكلفة الإنتاج، إلا أن دولة الإمارات تعمل على مواجهة هذه التحديات من خلال الاستثمار في التكنولوجيا، وتوفير الدعم للمزارعين، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، للمساهمة في تحقيق أهداف الزراعة العضوية وتعزيز استدامتها في المستقبل.
كما أطلقت الجهات المعنية في الدولة العديد من المبادرات والاستراتيجيات التي تهدف إلى تعزيز هذا النوع من الزراعة، ونتيجة لهذه الجهود، شهدت الزراعة العضوية في الإمارات على مدى السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً، إضافة إلى زيادة الوعي بين المزارعين والمستهلكين بالفوائد المتنوعة للمنتجات العضوية، مما أدى إلى زيادتها في الأسواق المحلية.
وينسجم التوسع في مشاريع الزراعة العضوية مع مستهدفات البرنامج الوطني "ازرع الإمارات"، الذي أطلقه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حيث يضم البرنامج مبادرات عدة تدعم توجهات دولة الإمارات للتنمية الزراعية وتعزيز معدلات الأمن الغذائي الوطني المستدام، إضافة إلى تطوير وتنفيذ مبادرات لتشجيع الزراعة العضوية ودعم المزارع العضوية في الدولة وتنميتها ورفع إنتاجيتها.
ويستهدف "ازرع الإمارات" تشجيع المجتمع المحلي على الإنتاج الذاتي المنزلي لأهم المنتجات الزراعية، وتوسيع الرقعة الخضراء في الدولة ودعم جهود الحفاظ على البيئة، وترسيخ صورة ذهنية إيجابية عن المنتج المحلّي ذي القيمة الغذائية العالية، كما يدعم البرنامج "عام الاستدامة 2024"، ويُعزز منظومة الاستدامة البيئية عبر المساهمة الفعالة للمنتجات المحلية في خفض البصمة الكربونية كمنتجات طازجة.
وتبذل وزارة التغير المناخي والبيئة جهوداً حثيثة منذ سنوات عدة لنشر مفهوم الزراعة العضوية وشجعت على تطويرها كمفهوم زراعي جديد في الدولة، وطورت منظومة متكاملة من الإجراءات الخاصة بالزراعة العضوية متوائمة مع الممارسات العالمية، وركزت هذه المنظومة على محاور عدة كالتشريعات، والرقابة والتفتيش، والإرشاد وبناء القدرات، والتسويق والأبحاث.
وفي الجانب التشريعي، طورت الوزارة منظومة تشريعية متوافقة مع المعايير والممارسات الدولية، تعنى بالإنتاج العضوي بكافة مراحله، سواء كان مستورداً أو محلياً، وعلى رأس هذه المنظومة التشريعية، القانون الاتحادي رقم (5) لسنة 2009 ولائحته التنفيذية بشأن المدخلات والمنتجات العضوية والذي نظم كافة الممارسات الخاصة بالمنتجات العضوية، بما في ذلك الحصول على شعار الإنتاج العضوي وآلية عرض المنتجات في الأسواق.
ووضع القانون ولائحته التنفيذية المعايير والشروط الخاصة بالمدخلات والمنتجات العضوية وكل ما يتعلق بالإنتاج العضوي، من حيث الإنتاج والتصنيع والتجهيز والتداول والاستيراد والتصدير للمدخلات والمنتجات العضوية، إضافة إلى إجراءات التصديق العضوي والرقابة والعقوبات على المنتجات المخالفة.
وفيما يتعلق بالجانب التسويقي وحمايةً للمنتج والمستهلك، عملت وزارة التغير المناخي والبيئة على إصدار القرار الوزاري رقم (103) لسنة 2012 في شأن اعتماد العلامة التجارية “عضوي” والتي أسهمت في تعزيز الثقة بالمنتجات العضوية وتمكين المستهلكين من تمييزها بسهولة ويسر.
ويسهل تمييز المنتجات العضوية في الأسواق المحلية من خلال العلامة التجارية (عضوي) المرفقة بعبوات التسويق، ويتم منح شهادة المنتج العضوي والعلامة التجارية “عضوي، Organic” من قبل وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة من خلال تطبيق التشريعات المعمول بها في دولة الإمارات.
ويتم وضع العلامة التجارية “عضوي” فقط على المنتجات العضوية المستوفية لشروط الإنتاج العضوي المعمول بها في الدولة طبقاً للقانون الاتحادي رقم (5) لسنة 2009م ولائحته التنفيذية في شأن المدخلات والمنتجات العضوية.
وتهدف العلامة التجارية العضوية إلى خدمة شريحة كبيرة من المزارعين في الدولة ممن يتبعون نمط الإنتاج العضوي وتساهم في مساعدة المستهلكين على تمييز المنتجات العضوية المحلية وتعزيز ثقتهم في هذه المنتجات ذات الجودة العالية وبهدف منع الغش وتضليل المستهلكين.
وفي جانب تعزيز ريادة تجارة المنتجات العضوية، فقد أصدرت وزارة التغير المناخي والبيئة القرار الوزاري رقم (768) لسنة 2014 بشأن تنظيم استيراد وتداول مدخلات ومنتجات الأغذية العضوية بما يخدم نمو السوق العضوي وتنظيمه وإدارته بكفاءة.
وتحرص الوزارة على تقديم الدعم الإرشادي للمزارعين، وتوفير الأسمدة والمبيدات العضوية المدعومة لهم، لتشجيعهم على التحول إلى الزراعة العضوية، وتتويجاً لهذه الجهود المبذولة فقد ارتفع إجمالي المزارع العضوية في دولة الإمارات إلى (78) مزرعة خلال عام 2023.
وتقدم المزارع العضوية في دولة الإمارات مجموعة متنوعة من المنتجات التي تزرع بطرق مستدامة للمحافظة على الموارد الطبيعية من التربة والمياه، كما تستخدم هذه المزارع أفضل الطرق الصديقة للبيئة في عمليات الحصاد والتعبئة، بهدف المساهمة في إنتاج نظام غذائي آمن ومستدام يعزز صحة الناس وينعكس إيجابياً على البيئة ويحقق أعلى مستويات الجودة في مجال المنتجات العضوية.
كما تقدم عدد من المزارع العضوية أنشطة ترفيهية وتثقيفية توفر تجربة تفاعلية ممتعة للعائلات بهدف التنزه والترفيه والتعلم والقيام بأنشطة التجارب الميدانية.
وأطلقت هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية في العام 2017 برنامج التحول إلى الزراعة العضوية محلياً، من خلال تأهيل 100 مزرعة على مدار 4 سنوات، وبداية من عام 2018 تم تأهيل أول 25 مزرعة، متخصصة في مجال الخضراوات وأشجار النخيل وأشجار الفاكهة.
وتهدف الهيئة من خلال هذه الخطوة إلى دعم مفاهيم الزراعة المستدامة والترويج لمزايا الزراعة العضوية وتشجيع المزارعين على استخدام المبيدات العضوية من خلال المستخلصات النباتية واعتماد أنظمة المكافحة الحيوية للآفات والحد من استخدام المواد الكيماوية في الزراعة سواء كانت أسمدة أو مبيدات.