لجريدة عمان:
2025-03-04@04:30:10 GMT

ماذا يحدث في دماغنا عندما نشعر بالخوف؟

تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT

ماذا يحدث في دماغنا عندما نشعر بالخوف؟

ترجمة: حافظ إدوخراز -

بدءًا من الشعور المزعج بالضيق نتيجة المشي وحيدًا في زقاقٍ مظلم إلى القلق الذي قد يشعر به المرء تجاه مستقبل غامض، يتغيّر طعم الخوف ليأتي بنكهات مختلفة. وإذا كان هذا الانفعال يرتبط عندنا بآلية أساسية للبقاء (حماية النفس من المخاطر المميتة)، فإن العديد من الاضطرابات النفسية المتعلقة بالخوف تتجاوز هذه الوظيفة الأوّلية: نوبات الهلع، والرّهاب الاجتماعي، واضطرابات ما بعد الصدمة.

.. إن القاسم المشترك بين جميع هذه الاضطرابات هو الانفعال المتمثل في الخوف وأعراض ردّ الفعل الذي يصدر عنا تجاه خطرٍ يتهدّدنا.

لقد أصبح من الممكن الآن، بفضل التقدم التكنولوجي الذي تم إحرازه في مجال علم الأعصاب، استكشاف الكيفية التي يخلق بها الدماغ حالات الخوف والدفاع. وأتاحت تقنيات التعرّف على مناطق معيّنة من أدمغة الكائنات الحية والتحكّم بها (القدرة على تحفيزها أو تثبيطها) إمكانية اكتشاف مناطق جديدة من الدماغ مسؤولة عن العمليات المعرفية المرتبطة بالخوف، فضلا عن تحديد الآليات التي تتحكّم في «ذاكرة الخوف» لدينا على مستوى الخلايا العصبية، والطريقة التي نتذكّر بها الأحداث التي وقعت في الماضي وارتبطت لدينا بالخوف.

هكذا نعرّف الخوف «علميًّا»

عندما نواجه تهديدا ما، فإن دماغنا يقوم بتعزيز آليات الدفاع محاولةً به التخفيف من عواقب التهديد وتحسين فرص البقاء على قيد الحياة. تكون النتيجة في الوقت نفسه معرفية وسلوكية، وهذا المزيج من الآليات المعرفية والسلوكية هو ما ندركه بشكل واعٍ كشعورٍ بالخوف.

عندما نواجه موقفا خطيرا فإننا مثل بقيّة الحيوانات، نملك ثلاثة خيارات: إما القتال أو الفرار أو البقاء ساكنين في مكاننا (لكيلا يلاحظنا أحد). ومن منظورٍ تطوري، فإن هذه الإجابات الثلاث تترتّب عنها آثار مختلفة. تكتشف العديد من الحيوانات المفترسة فرائسها من خلال رؤيتها وهي تتحرّك، وبالنسبة للأنواع التي تمثّل فريسة لهذه الحيوانات، فإنه من المنطقي أن تتسمّر في مكانها ولا تبدي أي حركة. غالبًا ما نلاحظ رد الفعل هذا عند القوارض على سبيل المثال. إن الكثير من معرفتنا العلمية عن الخوف والدماغ تأتي في الواقع من التجارب السلوكية التي تُجرى على الحيوانات.

لقد تم إجراء الكثير من الأبحاث التي تهدف إلى فهم الآليات الدماغية للخوف من خلال استخدام إجراءٍ يسمّى بـ «الإشراط المرتبط بالخوف»، أو «الإشراط البافلوفي» (نسبة إلى العالم الروسي إيفان بافلوف/المترجم). وكما سنرى لاحقا فإن تجارب الإشراط هذه تسمح لنا باستكشاف بعض الآليات المسؤولة عن الانفعال المتمثل في الخوف. غير أنه من الضروري أن نفهم أن ثمّة فرقا بين المكوّنات المختلفة لهذا الانفعال، وكيف يمكن دراسة كل مكوّن على حدة.

في النموذج البافلوفي، يتم تكرار منبّه محايد (صوت على سبيل المثال) ومنبّه منفّر (مثل الصدمة الكهربائية). وبمرور الوقت، تصبح هذه المنبّهات المحايدة والمنفّرة مترابطة لدرجة أن الصوت البسيط يمكن أن يؤدي إلى استجابة سلوكية متمثلة في الخوف، حتى في حال غياب أي صدمة كهربائية.

كثيرًا ما تم استخدام هذا النوع من الإجراءات الإشراطية على القوارض، والتي كانت تتجمّد في مكانها خلال التجربة استجابة للصوت. يستخدم الباحثون خصائص هذا الجمود، مثل مدّته وتأخّره عن الصوت، من أجل قياس الاستجابة السلوكية المترتّبة عن الصوت.

عندما يصدر الصوت، فإنه ينشّط ترابطًا مكتسبًا في الدماغ بين الصوت والألم، ويؤدي إلى استجابات دفاعية نموذجية عند النوع من أجل مواجهة الخطر. وبالتالي فإن ما يسمح هذا الإشراط بدراسته يختلف عن الشعور الواعي بالخوف. وبتعبيرٍ آخر، فعندما يدرس الباحثون الإشراط المرتبط بالخوف عند الحيوانات، فإنهم في الواقع إنما يقومون بتقييم الاستجابات الدفاعية التي تُستثار من تهديدٍ ما، بدلا من تقييم الشعور نفسه بالخوف. إن هذا العنصر الأخير المكوّن للاستجابة الدفاعية هو عملية معرفية تنتمي إلى مجال الانفعالات. وكما هو الحال مع انفعالاتٍ أخرى، فإن فهم الخوف يتأتّى بشكل رئيسي من خلال الدراسات التي أُجريت على البشر.

يمكن تعريف الخوف في حدّ ذاته على أنه «تجربة عاطفية واعية»، أو بعبارة أخرى، كإدراكٍ للمرء على أنه في خطرٍ ما. وإذا كان الخوف ناشئا عن استجابةٍ لمنبّه خارجي، فإن القلق هو ظاهرة أكثر استدامة تحدث استجابةً لتهديدات أكثر غموضًا وليست وشيكة الوقوع.

الأسس البيو عصبية للخوف

تتدخّل دوائر دماغية مختلفة في الاستجابات التي يثيرها الخوف. تلعب اللوزة الدماغية دورًا رئيسيًا في إدراك التهديد، فهي تتلقى مدخلاتٍ حسّية من المهاد ومن مناطق حسّية أخرى، مما يسمح لها بتحديد التهديدات المحتملة بسرعة. وبمجرد التعرّف على تهديدٍ ما، تقوم اللوزة بتنشيط الجهاز العصبي الودّي، مما يؤدي إلى إطلاق الأدرينالين وهرمونات التوتر الأخرى. ويترتّب عن ذلك سلسلة من الاستجابات الفسيولوجية، مثل: زيادة معدل ضربات القلب والتنفس السريع والتعرّق، التي تساعد على إعداد الجسم لرد فعلٍ فوري.

وتسهم هذه الاستجابات الفسيولوجية أيضا بدورها في مشاعر الخوف الواعية لدينا. يتم تشفير التفاصيل المرتبطة بمواجهتنا لخطرٍ ما يتهدّدنا وتخزينها في الحصين، وهي منطقة في الدماغ تشارك في تكوين الذكريات واسترجاعها. وبالتالي، فعندما نواجه موقفًا مشابهًا في المستقبل، يقوم الحصين باسترداد الذاكرة المخزّنة ويساعدنا في التعرّف على التهديد.

تضطلع قشرة الفصّ الجبهي، التي تتدخّل في عمليات اتّخاذ القرار والتخطيط وحلّ المشكلات، بمسؤولية تنظيم الاستجابات العاطفية والسلوكية والتحكّم فيها. ويمكن لقشرة الفصّ الجبهي، في المواقف التي لا يكون فيها التهديد فوريًا أو خطيرًا، أن تقوم بإبطال الاستجابة التي تبدأها اللوزة الدماغية، مما يسمح لنا بالبقاء هادئين وعقلانيين.

لقد كان الإشراط موضوعًا للدراسة لدى البشر، بما في ذلك الناس الذين تعرّضوا لأضرار عرضية على مستوى الدماغ. وعلى سبيل المثال، فإن المرضى الذين يعانون من تلفِ الحصين لا يتذكرون أنهم قد تعرّضوا للإشراط، لكنهم يستمرون مع ذلك في الاستجابة الدفاعية للمنبّه الذي ارتبط لديهم بتهديدٍ ما. إن الذكرى المرتبطة بالتعرّض للإشراط هي في الواقع شكل من أشكال الذاكرة الصريحة، التي تتطلّب تدخّل الحُصين، لكن تعلم الاستجابة الدفاعية هو شكل من أشكال الذاكرة الضّمنية، التي تعتمد على الفعل المشترك لعدة مناطق في الدماغ. ومن ناحية أخرى، فإن تلف اللوزة الدماغية يربك القدرة على اكتساب استجابةٍ دفاعية، لكنه لا يؤثر على التذكّر الواعي بأن المرء قد خضع لعملية الإشراط.

هل بإمكاننا التلاعب بالخوف؟

لقد عكف العديد من الباحثين قبل حلول القرن الحالي على دراسة أدمغة أشخاصٍ تعرّضت لأضرار من أجل فهم المناطق التي تتدخّل في الاستجابة المرتبطة بشعور الخوف. غير أن تضرّر مناطق كاملة من الدماغ حالت دون تمكّن الباحثين من دراسة وظائف الأنواع المختلفة من الخلايا العصبية الموجودة في هذه المناطق، مما حال دون فهم كيفية ظهور هذا الشعور على مستوى الدوائر الدماغية.

أما في الوقت الحاضر، فإن تقنياتٍ مختلفة تسمح للباحثين باستهداف مجموعات معيّنة من الخلايا العصبية بدقّة وفي وقت قصير بتنشيطها أو تعطيل عملها، وذلك بفضل «علم الوراثة الكيميائي» مثلا. تتمثّل إحدى هذه التقنيات في استعمال بروتينات مصمّمة خصّيصا لهذا الغرض وتقع داخل الخلايا العصبية الموجودة في أدمغة الحيوانات التي تُستخدم للأغراض البحثية.

تمثّل كيفيّة تنظيم ذكريات الخوف لدينا جانبا مهمّا من الاستجابة للخوف التي ركّز عليها الباحثون في دراساتهم، لأن زوال ذكريات الخوف هذه أمر بالغ الأهمّية للتعافي من الاضطرابات المرتبطة بالقلق أو الصدمات النفسية. يُعرف هذا النوع من التعلّم باسم «انطفاء الخوف»، ويعتمد بشكل أساسي على قشرة الفص الجبهي التي تتحكّم في الاستجابات العاطفية والسلوكية.

لقد نجح فريقنا بالمدرسة العليا للأساتذة (باريس) في تحديد منطقة دماغية جديدة تتصّل بقشرة الفصّ الجبهي، وأظهر في دراسة حديثة أن هذا الاتصال مسؤول عن انطفاء الخوف. ويتعلّق الأمر بـ«النواة الأوجيّة»، وهي جزء من المخيخ. وقد سُمّي هذا الأخير بهذا الاسم لأنه يحتوي على عدد كبير من الخلايا العصبية (ويعني «الدماغ الصغير» في اللغة اللاتينية)، وتحظى هذه المنطقة حديثًا باهتمامٍ كبيرٍ في الأبحاث العلمية حول الخوف.

قام الباحثون في فريقنا بإخضاع مجموعة فئران لإشراطٍ على الطريقة البافلوفية. وفي العادة، فبعد مرور بعض الوقت تتوقّف الفئران عن التسمّر في مكانها بعد سماع الصوت في حال إن لم يكن متبوعًا بصدمة كهربائية. وهذا يدل على انطفاء الترابط بين المثير الصوتي والصدمة الكهربائية، أي أن ذاكرة الخوف تتلاشى. ولكن من المثير للاهتمام أنه عندما قام الباحثون بتثبيط الخلايا العصبية في قشرة الفص الجبهي التي تتواصل مع النواة الأوجيّة باستخدام علم الوراثة الكيميائي، استمرت هذه الفئران في التسمّر في مكانها - لفترة أطول مقارنة بالفئران العادية.

يشير هذا إلى أن الفئران التي تم التلاعب بأدمغتها لم تكن قادرة على إطفاء ذكريات الخوف لديها بشكل صحيح، مما يسلّط الضوء على أهميّة هذا التواصل بين قشرة الفص الجبهي والنواة الأوجيّة في تنظيم عملية انطفاء ذاكرة الخوف.

هذه دراسة واحدة فقط من ضمن عددٍ من الدراسات الحديثة التي تستفيد من التقنيات الجديدة المتوفرة في علم الأعصاب من أجل استكشاف الدماغ ودراسة الانفعال المتمثل في الخوف. وفي الواقع، فإن تجميع أجزاء أحجية الدوائر الدماغية التي تكمن وراء اكتساب السلوكيات الدفاعية والتعبير عنها أمر بالغ الأهمّية لكي نحصل على رؤيةٍ شاملةٍ حول تعقيد هذه العمليات. وهذا من شأنه أن يشجّع على إجراء المزيد من الأبحاث حول الأساليب العلاجية الجديدة لعلاج الاضطرابات المرتبطة بالخوف لدى البشر.

آنا مرجريدا بينتو باحثة في العلوم العصبية بالمدرسة العليا للأساتذة بباريس

المصدر: موقع The Conversation

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الخلایا العصبیة فی مکانها فی الواقع فی الخوف من أجل

إقرأ أيضاً:

جمال الغندور عن الضغوط على الحكام: «لازم نكبّر دماغنا»

أكد جمال الغندور الحكم الدولي السابق، أن شخصية الحكم مهمة للغاية في نجاحه خلال مشواره، مؤكداً أن الحكم لابد أن يتحلّى بالإستقلالية والقدرة على إتخاذ القرار الحاسم والسريع وعلينا أن نوّفر عوامل المساندة للحكام من أجل القيام بدورهم على أكمل وجه.

وواصل الغندور في تصريحات لبرنامج "النجوم في رمضان" عبر أثير إذاعة الشباب والرياضة: دخلت مجال التحكيم عام 1981 وطوال السنوات الماضية سواء كمنت ىحكماً أو عضواً في لجنة التحكيم أو مُحللاً لأداء التحكيم، والضغوط لم تنته وهي موجودة في العالم كله، لكن الحل فيمن يعمل ولا يتأثر بهذه الضغوط شريطة توفير كل سبل نجاحه ويأتي في مقدمتها عدم التدخل في عمله.

وتابع الغندور: لابد أن نعلم لماذا فشل الخبراء الأجانب السابقين ونعالج هذه الأخطاء.. فإنتقاد الحكام وارد ويحدث في العالم كله لكن الأهم أن نوفّر الحماية الكاملة للحكام.

وواصل جمال الغندور: لابد أن نوفّر كل عوامل المساندة للحكام وأن "نكبّر دماغنا" عن الضغوط لأنها لن تنتهي، مُشيراً إلى أن الإستعانة بخبير أجنبي لن يكون كافياً لإنجاح منظومة التحكيم فلابد من توفير كل العوامل المساعدة له لكي يقوم بدوره على أكمل وجه.

مقالات مشابهة

  • تسمم غذائي وأضرار طويلة الأمد.. ماذا يحدث لجسمك عند تناول طعام فاسد
  • ماذا يحدث لجسمك عند تناول التمر الهندي في رمضان؟
  • ماذا يحدث لجسمك عند تناول كوب من الزبادي على السحور؟
  • ماذا يحدث في الأوبرا؟!
  • جمال الغندور عن الضغوط على الحكام: «لازم نكبّر دماغنا»
  • ماذا يحدث لجسمك عند تناول المخلل على فطار رمضان
  • مصدر للطاقة.. ماذا يحدث لجسمك عند تناول القراصيا في رمضان؟
  • انخفاض حاد وسط تقلبات السوق.. ماذا يحدث في سوق الذهب محليا وعالميا؟
  • ماذا يحدث للجسم عند تناول ماء الكمون والليمون على الريق؟
  • ماذا يحدث للجسم عند تناول التمر على الإفطار في رمضان؟.. فوائد مذهلة