شارك د. محمود الهواري الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية في فعاليات ملتقى: "نقص الغذاء، مستقبل ينتظر آثارًا سلبية"، والذي عقدته المؤسسة المصرية العربية للاستثمار والابتكار والتنمية الصناعية.

قال د. محمود الهواري في كلمته التي ألقاها نيابة عن الأمين العام د. نظير عياد، إن هذا الملتقى يمثل أهمية كبرى في إطار اهتمام الدولة المصرية بقيادة رئيس الجمهورية بمجال الأمن الغذائي، باعتباره طريقًا رئيسًا للحفاظ على النفس البشرية، التي تعد إحدى الضروريات الخمس التي أمرنا الله بالحفاظ عليها وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، ومدار هذه الخمسة قائم على دفع العادية وجلب العافية .


أشار الأمين المساعد الى أن قضية توفير الأمن الغذائي لها أبعاد متعددة ومتشابكة ، تبدأ من قدرة الفرد على تأمين احتياجاته الغذائية، وتمتد إلى التكافل المجتمعي لدعم الفئات المعوزة المهددة بالجوع والفقر ونقص الموارد، وتتشعب لتصل إلى المسؤولية السياسية والاقتصادية لضمان توفير الغذاء في الظروف الطبيعية والأزمات، مع حماية المواطنين من الاستغلال والاحتكار، وضمان توفر الغذاء بأسعار مناسبة للدخل، وهو ما يسهم في استقرار المجتمع وسلامة أفراده.


أضاف الأمين المساعد أن الإسلام أولى تأمين الغذاء للإنسان اهتماما كبيرا، وشجع على البحث عن سبل إنتاجه والعمل الجاد لتحصيله، والسعي الدؤوب لضمان توفيره حتى قيام الساعة، وفي هذا  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل».

 

مؤكدا على العمل الجاد والاجتهاد في تأمين الغذاء، كما ربطت الشريعة الإسلامية الغراء أمان الفرد بتوفير غذائه، كما جاء في دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام لأهل مكة: ﴿ رب اجعل هٰذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ﴾، ولهذا أباحت الشريعة الإسلامية أنواعا كثيرة من المأكولات والمشروبات، ولم تحرم إلا القليل منها، وما أباحته لا يقارن ألبتة مع ما حرمت.

 

أضاف الهواري أن الإسلام نظر إلى مشكلة نقص الغذاء نظرة متفردة، فلم يجعل مرجع الفاقة والإملاق إلى قلة موارد الطبيعة، أو ضعف خيرات الأرض، وإنما في سلوك الإنسان وتصرفاته؛ حيث سخر الله عز وجل الطبيعة كلها؛ لتغدق بوافر النعم على الإنسان التي حتما تكفي لإشباعه وتوفير حاجاته، إلا أن عدم التوزيع العادل لهذه الخيرات وعدم الاستثمار الأمثل لها هو مكمن الداء، وبتفاديه يحصل الدواء، مشيرًا إلى أن الحفاظ على الإنسان ورعايته وتأمين غذائه واجب ديني تفرضه تعاليم الشريعة الإسلامية، وأمر يجب أن تتكاتف من أجله جهود الجميع.

 

يعيش الأفراد في عوالم معزولة عن بعضها البعض

 

أوضح الأمين المساعد أن أحكام الشريعة احتوت على عدة ركائز وتوجيهات؛ تكشف عن نظرة عميقة تجاه الإنسان، وتدفع للحد من مشكلة نقص الغذاء؛ منها: الدعوة إلى العمل وكسب الرزق بالجد والاجتهاد، حيث أمر الله الإنسان بالسعي في الأرض وطلب الرزق والأكل من عمل يده، والترشيد في الاستهلاك، والاعتدال بين الإسراف والتقتير، والتعاون في مساعدة المحتاجين، وتحقيق التكافل الاجتماعي: وهي من أبرز الأدوار التي تضطلع بها الشريعة الإسلامية في التعامل مع مشكلة نقص الغذاء، فالمجتمع الصالح يتسم بروح التعاطف والتضامن، حيث ينظر كل فرد إلى الآخر بمنظور الإنسانية والتكافل، بينما في المجتمعات المادية، يعيش الأفراد في عوالم معزولة عن بعضها البعض، مما يؤدي إلى فقدان التواصل والتعاون، وتشريع الزكاة بوصفها الركن الثالث من أركان الإسلام يؤدي دورا عظيما في مواجهة مشكلة الفقر ونقص الغذاء؛ إذ إن الأصناف التي تجب فيها الزكاة تعود على حل مشكلة الغذاء، سواء ما يتعلق منها بالغذاء بشكل مباشر كزكاة الزروع والثمار، أو بطريق غير مباشر كالذهب والفضة وعروض التجارة التي من خلالها يتحصل على الأموال، مشيرًا إلى أن تاريخنا الإسلامي يروي لنا كيف كان التعامل مع الأزمة التي عانى منها المجتمع في المدينة المنورة في عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام الرمادة ، بسبب قلة الموارد الغذائية نظرا لإمساك السماء ماءها، مما أثر على كل مناحي الحياة، كما روى لنا القرآن قصة المجاعة التي ضربت مصر أيام يوسف عليه السلام، وما تحتم عليه حتى مرت الأزمة بسلام.
 

 اكد  الهوارى على أن المشكلة الغذائية التي يعاني منها البشر هي في الحقيقة من صنع الإنسان، وبما جنته يداه، وكلنا يرى العالم وهو يعاني مؤخرا من ظواهر جوية غريبة تكاد تعصف ببنيانه وتقضي على أركانه، وتستأصل خيراته وثرواته، ظواهر تهدد الكرة الأرضية بتغيرات تجمع ما بين فيضانات طوفانية، وجفاف حاد، وندرة المياه، وتدني المحاصيل الزراعية، وتلوث الجو …، وقد دق ناقوس الخطر للانتباه إلى هذه الأزمة التي تهدد البشرية، مؤكدًا  أننا بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى الإيمان الذي ينقذ هذه الأرض وينقذ البشرية من الدمار، سيما وقد تأكد لنا جميعا أن الممارسات السيئة بحق البيئة والمناخ حتى وإن كانت بعيدة عنا آلاف الأميال إلا أن آثارها المدمرة لا تقف عند حدود مرتكبيها، الذي حتما تنعكس آثاره السلبية على كم الغذاء وكيفه، داعيا المؤسسات العلمية والدينية والإعلامية والاجتماعية لتبني خطاب عالمي مشترك  يوجه نحو التصدي لهذه الممارسات الخاطئة والجائرة التي يقوم بها الإنسان تجاه أخيه الإنسان وتجاه كوكب الأرض بيتنا المشترك،  ووضع القوانين وسن التشريعات التي من شأنها أن ترضخ المفسدين في الأرض والمعتدين على البيئة والمسيئين للمناخ، مع ربط هذه التشريعات بضرورة العمل على تنمية الوعي الديني الذي يوقظ في الإنسان ضميره فيكون رقيبا على نفسه في كل تصرفاته وجميع شئونه.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الأمين المساعد للبحوث الإسلامية توفير الأمن الغذائي حماية المواطنين الاحتكار الإسلام الشریعة الإسلامیة الأمین المساعد نقص الغذاء

إقرأ أيضاً:

شيخ الأزهر يحاضر علماء ماليزيا وشبابها حول وسطية الإسلام

كتب- محمود مصطفى أبوطالب:

افتتح فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، وداتؤ سري أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا، مجلسًا خاصًّا لعلماء وشباب الباحثين الماليزيين؛ للتناقش والحوار حول وسطية الإسلام وسماحته، والمنهج الإسلامي في تعزيز الأخوَّة والوئام في المجتمعات.

وأكَّد شيخ الأزهر أنَّ أكثر ما يميز المجتمع الماليزي تعدُّدُ الأعراق والأديان، محذرًا من خطورة استغلال بعض التَّيارات المتطرفة والمتشددة للتعددية، وتصويرها جهلًا على أنها خطر على الإسلام والمجتمعات، مفنِّدًا زيف هذه الادِّعاءات؛ حيث استشهد فضيلته بتعاليم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيما يتعلق بالعلاقة بين المسلمين أنفسهم، الَّتي لخصها في قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن صلَّى صلاتنا، واستقبل قبلتَنا، وأكل ذبيحتَنا، فذلك المسلمُ الذي له ذمَّة الله وذمة رسوله، فلا تَخفِرُوا الله في ذمته» أي: لا تخونوا.

وأوضح أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أرسى قواعد العلاقة التي تربط المسلم بغيره من أتباع الديانات الأخرى وحدودها، وهي العلاقة المبنيَّة على الاحترام والتَّعايش المشترك، والتَّحلِّي بأخلاق الإسلام الذي لم يكتف بتحريم الاعتداء على الإنسان أيًّا كان دينه أو جنسه أو لونه، وإنَّما حرَّم الاعتداء على الحيوان والنبات والجماد، إلا فيما بيَّنَتْه الشريعة مما لا يعد اعتداء كذبح الحيوان لغرض الأكل وسد الجوع وبمقدار محدَّد، وأنَّ الإسلام وضع قواعد لحماية البيئة والمناخ، بما لا يسمح له من الاستجابة لشهواته ورغباته المادية، بما يؤثِّر سلبًا على البيئة، وأنَّه إذا كان الإسلام قد عُنِيَ بكل هذه الجوانب فكيف تكون عنايته بالإنسان حتى ولو كان غير مسلم!

وأكَّد أن مسؤولية إقرار وتعزيز التَّعايش السِّلمي بين أتباع الديانات المختلفة، تقع على عاتق كل فردٍ في المجتمع، ولا يمكن تحقيقُها إلا من خلال الفهم الصحيح لرسالة الإسلام بشكل خاص والأديان بشكل عام، التي جاءت لإسعاد الإنسان وانتشاله من مخاطر تأليه المادة والسعي لإشباع الغرائز دون التنبه لما قد ينتج عن ذلك من حروب وصراعات، وأنَّ الدين هو السبيل الأوحد للتحكم في غرائز الإنسان وتوجيهها بما فيه مصلحته ومصلحة المجتمع.

وحذَّر شيخ الأزهر من بعض التيارات التي تحاول تغذية التعصُّب والكراهية بين المسلمين، وتزكية الصِّراعات المذهبية وتوجيه اهتمامات الشباب المسلم لبعض القضايا التي تشغلهم عن النظر والاهتمام بقضايا أهم، وإعادة إحياء لصراعات وقضايا تؤرِّق المجتمع المسلم وتعمل على إضعافه وتشتته، وبث الفرقة والشقاق فيما بين أبنائه، مشددًا على أن الأولى في هذا الوقت الحرج أن تتجه الجهود لما فيه وحدة الأمَّة وتماسكها لتحقيق نهضتها المنشودة.

وحرص شيخ الأزهر على الاستماع لآراء بعض الشباب الماليزي ومناقشتهم فيها، والإجابة على تساؤلاتهم فيما يتعلق بالعلاقة بين مدارس الفكر الإسلامي، وكيفية استثمار التعدديَّة لما فيه صالح الأمة، كما ناقش فضيلته بعض الفتيات عن حقوق المرأة في الإسلام، وكيف كفل الإسلام للمرأة حقَّها في التعليم والمشاركة الإيجابيَّة في الحياة الاجتماعية، وغير ذلك من الموضوعات التي كانت محل نقاش من الشباب الماليزي المشارك.

من جهته، أعرب رئيس الوزراء الماليزي، عن سعادته بمشاركة فضيلة الإمام الأكبر في هذا اللقاء المهم، وتقديره لحرص فضيلته على مناقشة الشباب الماليزي في أفكارهم ومحاورتهم دون قيود، مؤكدًا أن بلاده ممتنة لفضيلة الإمام الأكبر ولفكر الأزهر الوسطي الذي صدَّرَ للعالم -ولا يزال- علوم الدين والدنيا، وأن ماليزيا حريصة على تعزيز علاقاتها مع الأزهر الشريف، والاستفادة من برامج تدريب الأئمة التي تستضيفها أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ، وتمنياته بأن تكون زيارة شيخ الأزهر لماليزيا بداية لعدد غير محدود من المشروعات والمبادرة المشتركة مع الأزهر الشريف.

مقالات مشابهة

  • عطية: محافظة القليوبية تولي اهتمامًا كبيرًا بدعم القطاع الداجني
  • شيخ الأزهر من ماليزيا: وسطية الإسلام هي الحل لمكافحة ظاهرة الجرأة على التكفير والتفسيق والتبديع
  • أهم مشكلة تعاني منها السيارات الكهربائية
  • رئيس الوزراء: بناء الإنسان وحل مشكلة الكهرباء وأسعار السلع على رأس الأولويات
  • اعتماد نتائج شعبة «الشريعة» بكلية الدراسات الإسلامية للبنات بكفر الشيخ
  • بنك أبوظبي الأول مصر يعين لجنة رقابة شرعية لتطوير الخدمات المصرفية الإسلامية
  • «الهجرة إرادة وعمل».. حملة توعية للبحوث الإسلامية في العام الهجري الجديد
  • رئيس الوزراء الماليزي يحاوِر شيخ الأزهر حول وسطيَّة الإسلام
  • شيخ الأزهر يحاضر علماء ماليزيا وشبابها حول وسطية الإسلام
  • كيف للإنسان أن يشعر بالاستحقاق وتقدير الذات؟