سودانايل:
2025-01-31@11:46:08 GMT

الحرب من الانغلاق إلي الفضاء العام

تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT

زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن الأزمة السياسية الاجتماعية التي يعيشها السودان، هي أزمة فكر و مادام العقل السياسي السوداني عاجز على إنتاج الفكر ستظل الأزمة تتعمق أكثر.. أن الأفكار ظلت ثابته طوال النظم السياسية السابقة، و التغيير الذي حدث في مسيرة الإنقاذ كان تغييرا طفيفا طوال الثلاثين سنة عمر الإنقاذ، و يعود ذلك لأن الصراع كما قال الدكتور التجاني عبد القادر لم يخرج من دائرة " القبيلة و السوق و جهاز الأمن" و حتى السوق حكمته البنية الطفيلية ذات الأفق المغلق، الذي لا يستطيع أن يغادر فكرة الأعمال الهامشية ذات العائد السريع.

و هذا الثالوث أيضا كان متعلقا بالسلطة و أدواتها و تسخيرها من أجل فئة محدودة، و الأهم كيفية الحفاظ عليها مما جعلها تدور في نسق واحد لا يساعد على اتساع قاعدة التفكير و الحوار حول المطروح.
أن الأفكار الثابتة غير المتجددة تجعل المواقف السياسية ثابته، و لن يحدث فيها أي نوع من التغيير. و بعض الفاعليات التي تنشط تكون محكومة بهذه الأفكار الثابته، لذلك يصبح نشاطها تكتيكا لا يفضي لتغيير. أما إذا استطاعت فئة أن تخرج من دائرة ثبات الأفكار و تقدم أفكارا جديدة سوف تحدث تغييرا كليا في العمل السياسي، لأن الأفكار سوف تغير طريقة التفكير السائدة و تجعلها تتجاوز النسق القديم إلي نسق جديد يتلاءم مع الأفكار الجديدة. لأنها هي التي تهيئة البيئة التي يجب أن تنمو فيها الديمقراطية، و لكن البيئة السياسية الحالية غير صالحة، حتى الآن القوى السياسةعاجزة أن تخرج من دائرة الفعل و ردة الفعل المضادة، غير قادرة تتجاوز المعادلات الصفرية و دعوات الإقصاء و المصطلح الجديد "لا نريد الإغراق السياسي" الذي طرحته " قحت المركزي" في الساحة السياسية، فكلها تشكل إعاق لأي ألإكار جديدة يمكن أن تساعد على تهيئة البيئة للديمقراطية. و الحرب نفسها تشكل تحديا للمسار الديمقراطي لأنها تفرض شروطا جديدة للعملية الأمنية.
إذا نظرنا إلي واقع التجربة السياسية نجد في محطات الثبات و التضييق على شغل العقل الذي كان يقعد بالأحزاب السياسية نجد أن الأفكار الجديدة هي التي كانت تفتح نفاجات للحل، في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي جاء السيد الصادق بأفكار جديدة تهدف لتحديث الحزب و تطويره لكي يتحول من موروث الاقطاع للقوى الحديث، و استطاع الصادق أن ينافس عمه الهادي عبد الرحمن المهدي، و يسحب منه أغلبية القوى الحديثة بالأفكار التي كان قد طرح ذلك الوقت. و أيضا في عام 1956م دعت وثيقة الحزب الشيوعي في مؤتمره الثالث إلي تحويل الحزب إلي قوة أجتماعية كبرى.. و في عام 1963 نادت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وضع الترتيبا الازمة لتأهيل الحزب لاستقبال التطورات المرتقبة في الحياة السياسية بعد ما تصاعدت معارك الحركة ضد نظام عبود العسكري.. و كانت الدعوة لعملية

توحيد قوى اليسار و تحويل الحزب الشيوعي إلي " حزب اشتراكي" و لكن توقفت الدعوة بعد نصيحة قدمها السوفيت إلي عبد الخالق محجوب أن تحويل الحزب إلي حزب اشتراكي يعني التخلص تماما من إرث الحزب النضالي السابق. و تراجعت القيادة. لكنها كانت فكرة و وجدت تأييدا من قبل القاعدة. و كانت قيادة الحزب سوف تنجز ذلك لولا تدخل قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي. و ايضا فكرة إعلان الاستقلال من داخل البرلمان التي وحدة الحركة الوطنية في فكرة واحدة.. فالأفكار هي التي تحرك الساكن في السياسية و تفتح منافذ للحل و ليس التمسك باراء أحادية لا تخدم إلا مصالحة حزبية و شخصية ضيقة.
هناك بعض أصوات اليسار تقول أن أي تحالف سياسي بين قوى مدنية و عسكرية يعد مشروعا لشمولية جديدة، لآن العسكر هم الذين سوف يتحكمون في مسار العمل السياسي، و يرسمون له طريق السير. و تصبح الأهداف غير واضحة، لآن العملية الشمولية لا تؤسس على مشروع سياسي واضح.. لكن الذين يقولون ذلك لا يقدمون أي رؤية أخرى بديلة، أو حتى تقديم أفكار يمكن أن تتطور عبر الحوار السياسي المفتوح.. الشمولية لا يقيمها العسكر لوحدهم أنما العقل السياسي المغلق ذو البعد الواحد هو أيضا مسار لشمولية، رغم محاولات فئات من اليسار تكثيف و نشر الشعارات الديمقراطية و لكن لا تجد لها أي سند في مرجعياتهم الفكرية.. أن عملية التحنيط للعقل و جعله لا ينظر إلا في مسار واحد غير واضح المعالم مشكلة تعمق الأزمة أكثر و لا تساعد على الانفراج، فالذي يؤمن بالديمقراطية يؤمن بدور الجماهير فيها و لا يحاول أن يسلبها هذا الحق بنشر الفزاعات و أدوات التخوين و غيرها، لأنها هي حجة المفلس فكريا.
كان الإمام الصادق المهدي أكثر القيادات السياسية إنتاجا للأفكار، و كان لا يطيق إغلاق المنافذ التي تحجب دخول الضوء، فكان يبادر بطرح المبادرة تلو الأخرى بهدف تحريك عملية الاشتغال على العقل، و رحل الإمام و وجد الحزب نفسه في دوامة غير قادر على الخروج منها، لآن الكل ينظر للعملية السياسية هي العمل من أجل الاستحواذ على السلطة، و من ثم فرض شروط تأسيسها على الأخرين في نيل أكبر حصة منها. هذا الرهان خاسر لآن اصحابه ينظرون للتاريخ و لا يعطوا أي أهتمام للمتغيرات التي حدثت في 34 سنة الماضية. فالتفكير العقلاني يبدأ بالنظر للمتغيرات التي حدثت في المجتمع، و أثرها على العملية السياسية. فالديمقراطية التي يتطلع لها العقل التقليدي ليس ديمقراطية نخبة محددة يتم أختيارها من بيوتات بعينها أو من أحزاب صفوية أو أحزاب تحاول أن تدثر التقليدية بأثواب جديدة لا تملك لها تاريخا نضاليا، أنما الديمقراطية هي التي يتحكم فيها الوعي الاجتماعي، و أيضا تتطلب الإغراق السياسي لكل الذين يرغبون في التغيير.. و نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com
/////////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: هی التی

إقرأ أيضاً:

الورشة التحضيرية للعملية السياسية بعد الحرب: الفرص والتحديات أمام القوى المدنية

اختتمت ورشة العمل التحضيرية للعملية السياسية بعد الحرب أعمالها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا هذا الأسبوع، بمشاركة واسعة من القوى السياسية السودانية، بما في ذلك شخصيات تنتمي إلى الحركة الإسلامية السودانية، وأحزاب من مختلف الطيف السياسي، إضافة إلى مجموعات مدنية.

أهمية الورشة في السياق السياسي السوداني
تأتي هذه الورشة في وقت بالغ التعقيد، حيث تستمر الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، مما أدى إلى تمزق النسيج السياسي والاجتماعي للبلاد، وتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق. وعليه، فإن أي محاولة لتأسيس عملية سياسية بعد الحرب تتطلب توافقًا واسعًا بين القوى السياسية والمدنية والمجموعات المسلحة، وهو ما تسعى إليه مثل هذه المبادرات.

أهداف القوى المدنية من المشاركة في الورشة
تسعى القوى المدنية، من خلال هذه الورشة، إلى تحقيق عدد من الأهداف التي يمكن أن تؤثر بشكل جوهري على مستقبل السودان السياسي، ومن أبرزها:
وقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية
تعتبر هذه الأولوية القصوى للقوى المدنية التي ترى أن استمرار الحرب يعمق الأزمات السياسية والاجتماعية ويهدد بتمزيق وحدة السودان. لذلك، تحاول هذه القوى الدفع نحو اتفاق لوقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة.

التأسيس لحوار سياسي شامل
القوى المدنية، التي شاركت في هذه الورشة، تدرك أن أي حل سياسي مستدام يجب أن يكون شاملاً، بحيث يشمل كل الفاعلين السودانيين من مختلف الخلفيات السياسية، بما في ذلك القوى الرافضة للحرب وتلك التي شاركت فيها.
استعادة الحكم المدني والتحول الديمقراطي
يمثل إنهاء الحكم العسكري وإعادة السودان إلى مسار الحكم المدني مطلبًا أساسيًا للقوى المدنية، التي تسعى إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية ودستورية تعكس تطلعات الشعب السوداني.

محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات
تحاول بعض القوى المدنية الدفع نحو آلية لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات التي وقعت خلال الحرب، سواء من طرف القوات المسلحة أو قوات الدعم السريع، وذلك لضمان تحقيق العدالة الانتقالية وعدم إفلات الجناة من العقاب.

تفكيك بنية الاستبداد وإصلاح المؤسسات

القوى المدنية تدرك أن أي تسوية سياسية بعد الحرب يجب أن تتضمن إصلاحات هيكلية في المؤسسات الأمنية والقضائية والاقتصادية، لضمان عدم تكرار التجارب السابقة التي أدت إلى إعادة إنتاج الأنظمة السلطوية.

التحديات التي تواجه القوى المدنية
على الرغم من الأهداف الطموحة التي تسعى القوى المدنية لتحقيقها من خلال المشاركة في الورشة، إلا أن هناك عدة تحديات تعترض طريقها، أبرزها:

هيمنة القوى العسكرية على المشهد: لا تزال المؤسسة العسكرية طرفًا فاعلًا في الصراع، مما يجعل من الصعب تنفيذ أي اتفاق سياسي دون موافقتها أو ضغوط دولية فعالة.
التباينات داخل القوى المدنية: عدم وجود موقف موحد بين القوى المدنية يجعل من الصعب تحقيق تقدم ملموس، خصوصًا في ظل تباين وجهات النظر حول التعامل مع الإسلاميين والعناصر المرتبطة بالنظام السابق.
ضعف التأثير في المفاوضات الدولية: القوى المدنية لا تملك النفوذ الكافي لفرض أجندتها على المفاوضات الدولية والإقليمية، خاصة في ظل تدخل قوى إقليمية ودولية ذات مصالح متباينة في السودان.

الآفاق المستقبلية
إذا تمكنت القوى المدنية من تجاوز خلافاتها الداخلية، وتعزيز موقفها التفاوضي، وتوحيد مطالبها، فقد تنجح في التأثير على مخرجات أي عملية سياسية مستقبلية. ومع ذلك، فإن نجاح أي اتفاق سياسي سيعتمد على مدى قدرة جميع الأطراف، بما في ذلك العسكريون، على الالتزام بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، وتحقيق انتقال حقيقي نحو حكم مدني ديمقراطي.

في النهاية، تبقى هذه الورشة خطوة في طريق طويل وشاق، لكن نجاحها أو فشلها سيحدد إلى حد كبير ملامح السودان في المرحلة المقبلة.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • الورشة التحضيرية للعملية السياسية بعد الحرب: الفرص والتحديات أمام القوى المدنية
  • الصحفيين والإعلاميين: خلال لقاء محافظ الدقهلية كلنا خلف الرئيس في جميع القرارات السياسية التي تحافظ على الأمن القومي
  • الأغلبية الحكومية تؤكد تعبئتها لتنزيل ورش تعديل مدونة الأسرة بعيداً عن التوظيف السياسي والإيديولوجي
  • حمدان بن محمد: إنجازات جديدة تتبع مهمة إطلاق "محمد بن زايد سات"
  • اكتشاف أجسام غامضة في الفضاء باستخدام تقنية مسح جديدة
  • الحريري يُطلق مرحلة العودة للعمل السياسي والتحضير لهيئة رئاسة جديدة لـالمستقبل
  • أزمة سيولة تُجمِّد تعويضات المتضررين من الحرب
  • حزب «المؤتمر» يناقش الاستعداد لتخرج الدفعة الأولى من الأكاديمية السياسية للشباب|صور
  • حزب الأمة القومي يجيز “مشروع الخلاص الوطني” لإنهاء الحرب
  • الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي يلتقي الملحق السياسي الياباني