لندن – (د ب أ)-   يكاد يدرك كل سكان الأرض تقريبا المسار المحتمل لظاهرة التغير المناخي في ظل الأداء العالمي الحالي لخفض الانبعاثات الكربونية. لذلك ستصبح الأحداث المناخية العنيفة مثل موجة الحر غير المسبوقة التي تضرب جنوب أوروبا والولايات المتحدة والصين خلال الأسبوع الحالي أكثر تكرارا  وأشد تدميرا نتيجة تخلف دول العالم عن القيام بدورها للحد من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.

في الوقت نفسه فإن التداعيات الاقتصادية والمالية للتغير المناخي واضحة أيضا، خاصة في ظل العجز الهائل في الإنفاق على التكيف مع ما هو قادم من نتائج التغير المناخي على حد قول كريون باتلر مدير برنامج الاقتصاد والتمويل العالمي في المعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” البريطاني في تحليل نشره موقع المعهد.  وسيؤدي تدهور المحاصيل الزراعية إلى ارتفاع أكبر لأسعار الغذاء وانتشار ملايين اللاجئين نتيجة الأحوال الاقتصادية في العالم، كما سيتم إخلاء مناطق سكنية وزراعية واسعة على السواحل بسبب تكرار تعرضها للفيضانات. في الوقت نفسه يمكن أن تواجه الصناعات كثيفة الاعتماد على الوقود الكربوني الغلق المفاجئ بسبب تحولات الرأي العام والقواعد الحكومية، في حين ستواجه قطاعات أخرى الانهيارات الكارثية المحتملة لسلاسل الإمداد. وستُلقي الأمراض الجديدة وأنماط الأمراض بأعباء ثقيلة على الميزانيات العامة. ويقول باتلر المهتم بالعلاقة بين سياسات الاقتصاد الكلي والتغير المناخي إنه لم يعد مقبولا القول إن هذه السيناريوهات مازالت غير مؤكدة أو غير محتملة. ففي حالات كثيرة أصبحت حتمية، حتى لو تسارعت بشدة سياسات تخفيف حدتها أو آثارها. ومع ذلك فهناك أدلة بسيطة على تعديل أسعار الأصول الاقتصادية والمالية اليوم لكي تعكس هذه التطورات.  ووجد بعض الباحثين أن المخاطر بالنسبة للديون السيادية للدول النامية الأشد عرضة لمخاطر التغير المناخي أعلى، في حين توجد بعض الأدلة على انخفاض العائد على سندات  الشركات الأقل عرضة لمخاطر التغير المناخي بما يعكس انخفاض المخاطر التي تواجهها هذه السندات. لكن بشكل عام لا تبدو الأسواق مهتمة بهذه القضية، والحوارات مع كبار المستشارين في المؤسسات المالية الكبرى تفسر هذا الأمر على حد قول باتلر. والحقيقة هي أن هناك وجهة نظر شائعة في الولايات المتحدة وأوروبا تقول إن التقدم التكنولوجي السريع سيحل المشكلة، وأن  عدم اهتمام الأسواق المالية بمخاطر التغير المناخي حتى هذه للحظة يؤكد قيمة هذه الرؤية.  لكن هذه الرؤية تفترض أن الأسواق عقلانية وتراكم المعرفة ثم تعكس كل المعلومات المتاحة. كما أنها تفترض التخلص من التحديات الضخمة الفنية والمالية التي يمكن أن تعرقل الانتشار السريع للتكنولوجيا الجديدة في مختلف أنحاء العالم. وهناك وجهة نظر آخرى تقول إن التغير المناخي بطبيعته معقد وغير مؤكد، وكذلك تأثيراته على الاقتصاد الكلي. وفي حين يمكن أن تصبح هذه المشكلة مهمة على المدى المتوسط أو الطويل، فإن مواجهة التضخم وارتفاع معدلات الدين العام تمثل الأولوية اليوم. لكن من الصعب أن يصمد هذا الرأي أمام  الأحداث المناخية الحالية بالغة الشدة وتأثيراتها الاقتصادية الكبيرة.  ومهما كانت أسباب تجاهل أسواق المال في الوقت الحالي لمخاطر المناخ، تزداد قوة احتمالات حدوث تعديلات جذرية في أسعار الأصول المالية وفقا لمدى تعرضها للمخاطر المناخية . وكلما تأخر هذا التعديل للأسعار زادت حدتها عندما يحين أوانها، مع احتمال ظهور المزيد من المحفزات على تعديل الأسعار. في الوقت نفسه، هناك احتمال أن تبدأ المؤسسات الرقابية المالية أو المحللون المستقلون النظر بشكل مكثف ونقدي إلى مخاطر المناخ بالنسبة لمحافظ استثمارات المؤسسات المالية الكبرى، وإجراء اختبارات  لتحمل الضغوط الاقتصادية والمالية وفقا لسيناريوهات جديدة وقوية لكنها واقعية للأحداث المناخية، مع نماذج للتوقعات الاقتصادية غير المتوازنة. ويمكن أن يترافق ذلك مع تقييمات  مستقلة مفصلة وأكثر تشاؤما بشأن المخاطر التي تواجه القطاع العقاري في المناطق الحضرية الساحلية مثل ميامي في الولايات المتحدة وشنغهاي في الصين وأمستردام في هولندا أو المناطق المعرضة لموجات الحرارة الشديدة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إغلاق عدد متزايد من الأسواق المالية سواء جزئيا أو كليا،  مع اقتناع المؤسسات بشكل منفرد بأنها لن تستطيع قبول المخاطر المناخية على نشاطها الرئيسي. ويعتبر انسحاب شركتي تأمين كبيرتين من سوق الاسكان في كاليفورنيا مثالا على ذلك. كما يمكن أن يصبح خطر المناخ  عاملا رئيسيا يقلص وربما يمنع وصول الدول النامية إلى الأسواق المالية الدولية للحصول على احتياجاتها التمويلية. وكما ظهر في الأزمة المالية العالمية الأخيرة، يمكن أن يكون لهذه التطورات تأثيرات متضاعفة، حيث يمكن أن يجبر إغلاق سوق ما سوقا أخرى ذات صلة بهذا الإغلاق بسرعة. وهناك احتمال آخر يتعلق بتصاعد مطالبات الرأي العام في العديد من الدول الرئيسية باتخاذ إجراءات حكومية أكثر جذرية لمواجهة التغير المناخي، مع تقصير دورة العمليات الفنية والإدارية اللازمة، وبالتالي اتخاذ إجراءات استثنائية  كتلك التي تم اتخاذها أثناء جائحة فيروس كورونا المستجد، كنتيجة للأحداث المناخية العنيفة التي تعرضت لها دول عديدة في العالم خلال الصيف الحالي.  ويمكن أن تصل هذه الإجراءات  إلى حد وقف صناعات كاملة أو فرض قيود طارئة على واردات المنتجات كثيفة الكربون. وهناك أيضا احتمال حدوث تطورات سياسية يمكن أن تؤدي إلى إعادة تقييم أوسع نطاقا وأشد تشاؤما لخطر المناخ. على سبيل المثال فشلت مبادرة بريدج تاون وقمة ميثاق التمويل الجديد  في تغيير المواقف في مجموعة العشرين، وقد تقتنع الأسواق بعدم وجود فرص واقعية  لسد الفجوة التمويلية الكبيرة التي تقدر بنحو 3 تريليونات دولار سنويا للوصول إلى هدف صفر انبعاثات كربونية في العالم. ليس هذا فحسب بل إنه إذا فاز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، وتراجع عن سياسات إدارة الرئيس الحالي جو بادين بشأن المناخ، فقد تتفاعل الأسواق مع سيناريوهات تفترض ارتفاعا أكبر في درجات حرارة الأرض وما يعنيه ذلك من أحداث مناخية بالغة العنف. أخيرا، يجب أن يتزامن التعامل مع خطر التغير المناخي بالتزامن مع مواجهة التحديات الأخرى. لكن إذا أُجبر المرء على الاختيار، بين التعامل مع خطر المناخ  والتحديات الأخرى، فيجب أن تكون مواجهة خطر المناخ هي الأولية للسياسات الاقتصادية.

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: التغیر المناخی فی الوقت یمکن أن

إقرأ أيضاً:

لاعبو كرة القدم: تعبنا من كثرة المباريات.. وبطولة الفيفا الجديدة هي القشة التي قصمت ظهر البعير

أثارت بطولة الفيفا الجديدة ثورة كبيرة، حتى ضاق بعض اللاعبين ذرعا بازدحام جدول المباريات، منذ الموسم الحالي، بعد أن بات لزاما على بعض كبار لاعبي كرة القدم حضور أكثر من 60 مباراة في الموسم الواحد، ما بين الأندية والمنتخبات الوطنية. الأمر الذي زاد من كثرة الإصابات في صفوف اللاعبين.

اعلان

كاد بعض اللاعبين أن يصل إلى نقطة الانهيار، بسبب التغييرات التي أجرتها الفيفا، وذلك بعد أن صارت بطولة كأس العالم للأندية الجديدة أكبر حجما مما كانت عليه في السابق، حين لم تكن البطولة تتجاوز سبعة فرق لا أكثر، بينما صارت النسخة الجديدة تضم 32 فريقا من جميع أنحاء العالم وستقام كل أربع سنوات، بدءا من الصيف المقبل في الولايات المتحدة.

ويعني ذلك أن اللاعبين الكبار سيحظون ببطولة تستمر شهرا كاملا، علاوة على المشاركة في موسم الدوري المحلي، ثلاث مرات كل أربع سنوات. وبمزيد من مباريات دوري أبطال أوروبا هذا الموسم بالإضافة إلى كأس العالم القادمة في 2026، فإن أجندة كرة القدم تمتلئ بسرعة.

ويُعد لاعب خط وسط مانشستر سيتي ومنتخب إسبانيا، رودري، أحد أكثر المنتقدين لازدحام جدول مباريات كرة القدم المتزايد، محذرا من أن قلة فترات الراحة تؤثر على أداء اللاعبين وصحتهم.

وكان من أكثر اللحظات اللافتة في كرة القدم عام 2024، صعوده إلى المنصة في باريس على عكازين لتسلم جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم. فقبل شهر من حفل توزيع الجوائز في 28 أكتوبر، أصيب بتمزق في الرباط الصليبي الأمامي، خلال مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز ضد أرسنال.

لاعب منتخب إسبانيا رودري يحمل كأس أفضل لاعب في البطولة بعد المباراة النهائية بين إسبانيا وإنجلترا في بطولة يورو 2024 لكرة القدم في برلين، ألمانيا، 14 يوليو 2024.Dave Thompson/AP

وعلى الرغم من أن مثل هذه الإصابات حدثت مرارا، على مدار تاريخ الرياضة ولا ترتبط بالضرورة بالإفراط في اللعب، فإن إصابة رودري التي أنهت موسمه أصبحت تجسيدا مرئيا للخسائر البدنية لكرة القدم الحديثة في وقت يواجه فيه جدول المباريات المزدحم تحديات قانونية واحتمالية الإضراب.

Relatedنادي مانشستر سيتي الإنجليزي يعلن إصابة لاعبيه الدوليين رياض محرز وأيميريك لابورت بكوفيد-19نادي ولفرهامبتون يعلن عن إصابة لاعبه خيمينيس بكسر في الجمجمةجدة السعودية ستستضيف كأس العالم للأندية 2023

وكان رودري في سبتمبر/أيلول الماضي، قبل أيام فقط من إصابته، قد صرح قائلا: "إنه لأمر يقلقنا فنحن الذين نعاني". مؤكدا أن اللاعبين قد لا يكون لديهم خيار سوى رفض اللعب إذا استمرت الأمور على هذا النحو.

وليس رودي هو الوحيد الذي يشعر بالإحباط. ففي منشور على موقع X العام الماضي، قال رافائيل فاران، الفائز بكأس العالم 2018 مع المنتخب الفرنسي: "إن الجدول الزمني يُعرّض سلامة اللاعبين البدنية والذهنية للخطر.

وردت الفيفا "بأن الأندية الأوروبية غالبا ما تملأ عطلتها الصيفية بمباريات استعراضية حول العالم. واتهمت بعض الدوريات الأوروبية "بالنفاق"، وعدم مراعاة الآخرين".

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية من الملاعب إلى السياسة.. نجم كرة القدم السابق ميخائيل كافيلاشفيلي رئيسًا لجورجيا ذكريات دامية في الملاعب: 15 حادثة مأساوية عاشها عشاق كرة القدم خلال أكثر من 40 عامًا .. تعرف عليها المنتخب الألماني يعيد ضبط البوصلة ويركز على كرة القدم عوضا عن السياسة الفيفاالرياضيينكأس العالم لأندية الفيفاكرة القدماعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. استمرار القصف على قطاع غزة المحاصر واعتقالات في الخليل وبؤر استيطانية جديدة في الضفة الغربية يعرض الآن Next دمشق باتت قبلة للدبلوماسيين.. لقاءات مكثفة لرسم ملامح المرحلة المقبلة فماذا بعد اجتماعات الجولاني؟ يعرض الآن Next ماغديبورغ تودع ضحايا الهجوم المأساوي في أجواء يملؤها الحزن يعرض الآن Next الموساد وتفجيرات البيجر.. عميلان سابقان يكشفان تفاصيل جديدة عن العملية التي هزت حزب الله يعرض الآن Next فلتذهبوا إلى الجحيم! اللعنة كلهم يشبه بعضه! هكذا تعاملت ممرضة روسية مع جندي جريح من كوريا الشمالية اعلانالاكثر قراءة بحضور الوزير فيدان.. الشرع يعد بنزع سلاح كل الفصائل بما فيها قسد وإسرائيل قلقة من تحرك عسكري تركي الشرطة النيجيرية: ارتفاع عدد قتلى حادثي تدافع بمناسبتين خيريتين لعيد الميلاد إلى 32 شخصا آيتان على سقف قصر السيسي ومُلْك فرعون الذي لا يفنى.. صورة الرئيس المصري تشعل مواقع التواصل مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز حادثة بـ"نيران صديقة" تسقط طائرتين أمريكيتين فوق البحر الأحمر اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومعيد الميلادإسرائيلضحاياروسياأبو محمد الجولاني حزب اللهبنيامين نتنياهوجنوب السودانسوريافيضانات - سيولالحرب في أوكرانيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • لاعبو كرة القدم: تعبنا من كثرة المباريات.. وبطولة الفيفا الجديدة هي القشة التي قصمت ظهر البعير
  • الإمارات تنضم إلى معاهدة القارة القطبية الجنوبية لتسريع العمل المناخي
  • من التضخم إلى البيتكوين.. هذه أبرز القوى الاقتصادية التي شكلت 2024
  • نزوح أعداد كبيرة من المواطنين بالأحياء السكنية التي غمرتها المياه بالجزيرة أبا
  • من التضخم إلى البتكوين.. هذه أبرز القوى الاقتصادية التي شكلت 2024
  • حماس: نشكر القوات المسلحة اليمنية وأنصار الله على دعمهم المستمر رغم العدوان الأمريكي البريطاني الصهيوني
  • الحروب وتغير المناخ خلال 2024| الأوزون تتضرر من حرب الإبادة في غزة.. الولايات المتحدة الأمريكية الملوث الأكبر على مدى التاريخ.. أمريكا الشمالية سبب الإشعاع الحرارى المؤخر على الكوكب
  • تعرف على الدول التي تضم أطول الرجال والنساء في العالم
  • الرئيس السيسي: نركز على الصناعة لتحقيق قفزة اقتصادية كبيرة
  • «الباولونيا».. الشجرة الأسرع نمو وأداة فعالة لمكافحة آثار تغير المناخ