بسبب الحرب على غزة.. عمدة ديربورن الأمريكية: الحياة محجوبة ونشعر بالذنب
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
استعرض مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز، لعمدة مدينة ديربورن بولاية ميشيغان، من الحزب الديمقراطي، عبد الله حمود، تأثيرات وانعكاسات العدوان على غزة على سكان المدينة وخصوصا الجالية المسلمة فيها".
وقال حمود، "إنه قال لزائر من خارج الولاية إن مدينة ديربورن لا تنام، إن تلك كانت إشارة إلى وقت الاحتفال بشهر رمضان، عندما تفطر مدينتنا عند غروب الشمس ثم السحور، قبل الفجر، كل يوم.
وأضاف، "أنه قال هذه الكلمات دائما بدفء وفخر بمجتمعي، ولكن بعد 130 يوما من الإبادة الجماعية في غزة، اكتسبت هذه العبارة معنى جديدا".
وتابع، "فديربورن لا تنام نحن لا ننام مدينتنا بأكملها تطاردها الصور ومقاطع الفيديو والقصص المتدفقة من غزة، تبدو الحياة محجوبة بشدة في ضباب من الحزن والخوف والعجز وحتى الشعور بالذنب".
وبين حمود، "نحن نحاول أن نفهم كيف يمكن أن يستخدم أولئك الذين انتخبناهم أموال الضرائب التي ندفعها لذبح أقاربنا في الخارج".
وأكد، "ليس علينا أن نتخيل العنف والظلم الذي يمارس ضد الشعب الفلسطيني، لقد عاشها الكثيرون منا، وما زالوا يحملون ندوب الحياة في ظل الاحتلال والفصل العنصري".
وأردف، "منذ نكبة عام 1948، قامت دولة إسرائيل بتهجير العديد من الفلسطينيين قسرا و لا يزال لدى جيراني الوثائق التي كان عليهم حملها بين نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية، لإثبات قدرتهم على السير في شوارع قراهم الأصلية".
وقال حمود، "إن هناك عمات وأعمام وشيوخ يتذكرون الحياة في ظل الاحتلال الإسرائيلي ويتصارعون مع قرار الفرار من الوطن الوحيد الذي عرفوه على الإطلاق، لقد رأيت حزنا يجتاح أحد الناخبين الذي قامت عائلته بسحب جدتيه من تحت أنقاض المبنى السكني المشترك الذي كانتا تعيشان فيه بعد أن دمرته الصواريخ الإسرائيلية".
وحتى قبل الأحداث المروعة التي وقعت يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، كان العام الماضي هو العام الأكثر دموية منذ ما يقرب من عقدين بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية".
واستدرك، "الآن يدعوا الأصدقاء من أجل العودة الآمنة لأفراد عائلاتهم الذين ما زالوا في الضفة الغربية، ويتساءل صاحب متجر من حي الشيخ جراح، وهو حي فلسطيني في القدس يتعرض لتهديد المستوطنين الصهاينة المتطرفين، عما سيحدث للمسجد الأقصى، لقد اهتمت عائلته به منذ أجيال".
ونقل حمود في مقاله، "في اجتماع لمجلس مدينة ديربورن في تشرين الثاني/ نوفمبر، شهد أحد السكان أن عائلته دفنت ما لا يقل عن 80 من أقاربه في غزة منذ أن بدأت إسرائيل حملة القصف في أكتوبر/تشرين الأول.. ثمانين من الأقارب.. ثمانين حياة بريئة".
ووفقا للعمدة، "فإن ما يضاعف الخوف والحداد المستمر هو الشعور العميق بالخيانة، ففي الانتخابات الفيدرالية الثلاثة الماضية، أصبح الناخبون الأمريكيون العرب في ميشيغان كتلة تصويتية حاسمة ويمكن الاعتماد عليها بالنسبة للحزب الديمقراطي، وكنا جزءا من الموجة التي صوتت لجو بايدن قبل أربع سنوات".
وتابع؟ "لكن يبدو أن مرشحنا قد نسي هذه الحقيقة منذ فترة طويلة لأنه يدعو إلى أصواتنا مرة أخرى بينما يبيع في الوقت نفسه نفس القنابل التي يسقطها جيش بنيامين نتنياهو على عائلاتنا وأصدقائنا".
وبحسب حمود، "فحتى قبل بضعة أشهر فقط، كنت أعتقد اعتقادا راسخا أن جو بايدن كان واحدا من أكثر الرؤساء تأثيرا وتحويلا الذين شهدتهم أمتنا منذ فرانكلين ديلانو روزفلت، فقد تمكنت إدارته من وضع سياسات محلية رائدة في السنوات الثلاث الماضية لم يتمكن أسلافه من تنفيذها حتى خلال فترتين".
واستدرك، "لكن لا يمكن لأي قدر من التشريعات التاريخية أن يفوق ما يزيد عن 100 ألف شخص قتلوا أو جرحوا أو فقدوا في غزة. موازين العدل لن تسمح بذلك".
"ويثبت الرئيس بايدن صحّة العديد من أسوأ مخاوفنا بشأن حكومتنا، بغض النظر عن مدى ارتفاع صوتك، وعدد المكالمات التي قد تجريها للمسؤولين الحكوميين، وعدد الاحتجاجات السلمية التي تنظمها وتحضرها، فلن يتغير شيء"، بحسب العمدة عبد الله حمود.
وأشار، "إلى أن خوفي الأكبر هو ألا يُذكر بايدن باعتباره الرئيس الذي أنقذ الديمقراطية الأمريكية في عام 2020، بل باعتباره الرئيس الذي ضحى بها من أجل بنيامين نتنياهو في عام 2024".
وأكد، "أن ديربورن ليست الوحيدة التي تدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة فقد أظهر استطلاع للرأي أجري في الخريف الماضي أن 66 بالمئة من الأميركيين و80 بالمئة من الديمقراطيين يريدون وقف إطلاق النار. ومع ذلك، يبدو أن الرئيس وممثلينا المنتخبين في الكونغرس راضون بتجاهل إرادة الشعب الأمريكي".
"وتبدو هذه الخيانة غير أمريكية بشكل فريد، عندما طردهم الصراع من منازلهم، فر العديد من آباء ديربورن إلى ميشيغان سعيا لتحقيق الحلم الأمريكي والوعد بأن أصواتهم ستُسمع وتُقدر، واليوم، نحن نغرس في أطفالنا التطلع الأمريكي للوقوف إلى جانب العدالة لجميع الناس، في كل مكان"، وفقا للكاتب.
وذكر حمود، "قبل عامين، عندما احتشد الأمريكيون في جميع أنحاء البلاد لتقديم الدعم والمساعدة لأوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي، فعلنا نحن أيضا، ولا تزال هناك أعلام زرقاء وصفراء تتلاشى على واجهات المنازل والشركات في جميع أنحاء مدينتي".
ولكن عندما رفع سكان ديربورن العلم الفلسطيني في الخريف الماضي، قوبلوا بالتهديدات، وفي كثير من الأحيان، يبدو الأمر كما لو أن رئيسنا وأعضاء الكونغرس قد أداروا ظهورهم لنا. ومن نواحٍ عديدة، أدار الحزب الديمقراطي ظهره لنا أيضا.
وأوضح، "وافقت هذا الشهر على الاجتماع بكبار المسؤولين السياسيين في إدارة بايدن بشرط أن يكونوا منفتحين على سحب دعمهم للحكومة الإسرائيلية اليمينية التي تقصف غزة الآن، لقد زارني وفد في ديربورن يوم 8 شباط/ فبراير، وهو على علم تام بهذه الشروط".
"وأعتقد اعتقادا راسخا أن هناك دائما الوقت لفعل الشيء الصحيح، ولكن كما قلت للمسؤولين الذين التقيت بهم، فإن الكلمات ليست كافية، إن الطريقة الوحيدة لضمان العودة الآمنة لجميع الرهائن والسجناء هي من خلال وقف فوري لإطلاق النار"، بحسب حمود.
وأشار إلى أن الطريقة الوحيدة لضمان دخول المساعدات الإنسانية غير المقيدة إلى غزة هي من خلال وقف فوري لإطلاق النار. إن الطريقة الوحيدة لإقامة دولة فلسطينية عادلة ومشروعة هي من خلال وقف فوري لإطلاق النار.
وتابع، ومع كل يوم يمر، وكل دقيقة يفشل فيها الرئيس في القيام بالشيء الصحيح، يتضاءل الاعتقاد بأنني وكثيرين آخرين استثمرنا فيه، ومع كل قنبلة أمريكية الصنع تلقيها الحكومة اليمينية الإسرائيلية على غزة، يغلف الخدر الصارخ كل شيء، مما يحد من أي مساحة لنمو الثقة.
وبيّن، "بعد أربعة أيام من اجتماعنا في ديربورن، شاهدت حكومة الولايات المتحدة إسرائيل، التي حاصرت المدنيين الفلسطينيين الأبرياء في رفح، أحد آخر الملاذات الآمنة في غزة، وهي تحاصر المدينة بين عشية وضحاها، مما أسفر عن مقتل العشرات في ما يعتقد الخبراء أنه يمكن أن يصل إلى حد جريمة حرب فظيعة".
وقال، "أنا، مثل العديد من زملائي الأمريكيين، لا أستطيع بضمير حي أن أؤيد استمرار الإبادة الجماعية، وقد ألقى هذا الأمر بثقله على قلبي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات التمهيدية الرئاسية في ميشيغان".
وأردف، "لهذا السبب سأضع علامة في مربع "غير ملتزم" في الاقتراع التمهيدي الرئاسي يوم الثلاثاء المقبل. ومن خلال القيام بذلك، فإنني أختار الأمل".
وأكد، "أن الأمل في أن يستمع بايدن. الأمل في أن يختار هو ومن هم في القيادة الديمقراطية إنقاذ ديمقراطيتنا بدلا من المساعدة والتحريض على جرائم الحرب التي يرتكبها نتنياهو، والأمل في أن تحظى عائلاتنا في غزة بالطعام، والمياه النظيفة للشرب، والحصول على الرعاية الصحية والإنترنت، وقبل كل شيء، دولة عادلة يكون لهم فيها الحق في تقرير مستقبلهم، والأمل في أن تتمكن ديربورن في يوم من الأيام من النوم مرة أخرى".
وأردف، "في ليالي الأرق، كنت أتساءل في كثير من الأحيان عن نوع أمريكا التي ستنشأ فيها بناتي: أمريكا التي تختلق الأعذار لقتل الرجال والنساء والأطفال الأبرياء، أو أمريكا التي تختار استعادة الأمل".
وأضاف، "ما زال بين الخيانة والأمل هو قوة المساءلة، إن دعائي – كأب، وابن مهاجرين، وكموظف حكومي في أعظم مدينة في أعظم دولة في العالم – أن يقوم زملائي في ميتشيغان بتسخير هذه القوة وإيصال صوتهم إلى هذا الأمل من خلال تحميل الرئيس المسؤولية".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية ديربورن العدوان غزة بايدن الولايات المتحدة الولايات المتحدة غزة بايدن العدوان ديربورن صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لإطلاق النار الأمل فی أن العدید من من خلال فی غزة
إقرأ أيضاً:
الإسلاميون والجيش واستراتيجية المليشيات: أدوات السيطرة التي تهدد مستقبل السودان
في الأسابيع الأخيرة، ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي أخبار عن تأسيس مليشيات جديدة للقتال بجانب الجيش مثل الأورطة الشرقية، حركة تحرير الجزيرة، تيار شباب البجا، وغيرها. قبل الحرب أيضاً وبذرائع مختلفة كالمطالبة بالحقوق والتمثيل في السلطة، وعدم حصول مناطق على إمتيازات أو تجاهلها في إتفاق جوبا وغيرها، تم تأسيس مليشيات مثل قوات درع البطانة، درع الوطن، وقوات كيان الوطن، تحت بصر وسمع الأجهزة العسكرية والأمنية، وفي الغالب هذه الأجهزة هي من أسست هذه المليشيات، مما يدل على أن استراتيجية الجيش والإسلاميين الرئيسية هي تأسيس واستخدام المليشيات، سواء التي أسسها الجيش أو التي تحالفت معه، بما في ذلك تلك المرتبطة بالإسلاميين كالبراء بن مالك. هذه المليشيات استخدمت قبل الحرب لإشاعة الفوضى ولتهديد قوى الثورة المدنية بالحرب، ولإشاعة حالة من الضعف الأمني. بعد إندلاع الحرب تستخدم هذه التشكيلات للقتال ضد مليشيا الدعم السريع. وللمفارقة العجيبة، فإن قوات درع الوطن بقيادة كيكل كانت قد إنضمت للدعم السريع وتسببت في إجتياح مدني وسنجة وغيرها وسقوطها في قبضة مليشيا الدعم السريع، ثم قبل أسابيع عاد كيكل بعدد قليل من هذه القوات وإنضم للجيش كمليشيا شبه مستقلة تحت اسم درع البطانة وليست تحت سيطرة الجيش بالكامل وإن تم الإدعاء بغير ذلك.
في بعض الأحيان، تُستخدم هذه المليشيات كأداة ضغط سياسي، وربما لاحقاً عسكري، كما يحدث حالياً في مطالبة ما يسمى تيار شباب البجا بإخراج مليشيات العدل والمساواة وتحرير السودان من ولايات الشرق. تُستخدم هذه المليشيات الآن لإنهاء الحرب والإنتصار على مليشيا الدعم السريع، على حساب استقرار الدولة ومستقبلها.
يناقش هذا المقال لماذا يرفض الجيش والإسلاميون دمج أو ضم، ولو مؤقتاً، كل التشكيلات والأفراد الراغبين في القتال ضد مليشيا الدعم السريع في الجيش، وماهي أسباب استخدامهم لاستراتيجية المليشيات وتأثيرها على مستقبل السودان.
أسباب استخدام المليشيات
إحدى الأسباب الرئيسية وراء الاعتماد على هذه المليشيات، وربما السبب الرئيسي، هو الخشية من صعود تيار داخل الجيش بعد إنضمام فئات مختلفة من الشعب للقتال معه، قد ينحاز إلى مطالب الشعب السوداني التي عبرت عنها ثورة ديسمبر. هذه الخشية تُفسر رفض الجيش والإسلاميين لانضمام الكثير من العسكريين المفصولين أو المعاشيين إلى صفوف الجيش في الحرب الحالية، حيث يرون أن هؤلاء قد يشكلون تياراً مناهضاً لهم وقد يصبح لهم صوت ووزن داخل الجيش، وربما أصبحوا أداة للتغيير السياسي خارج سيطرتهم. كذلك قتال هذه التشكيلات هذه بجانب الجيش بشكل شبه مستقل بعيداً عن سيطرة الجيش الكاملة عليها، يطرح تساؤلاً بشأن دور هذه المليشيات بعد الحرب وقابلية استخدامها للتمكن من السلطة، أو للحصول على إمتيازات سياسية، أو لقمع الشعب والقوى السياسية.
وفي الوضع الإقتصادي الحالي، فإن تشكيل المليشيات يُعتبر أقل تعقيداً وأقل تكلفة من تدريب الجنود وفق المعايير النظامية. هذه التشكيلات المسلحة تعتمد غالباً على دعم مالي ولوجستي من قنوات غير رسمية كالدعم الشعبي، ولكن مثلاً يتحدث العديد من المواطنين عن كثرة الإرتكازات الأمنية والمطالبة بالرسوم من المركبات العابرة وغيرها من الظواهر. هذا الشكل من التمويل يقلل من الأعباء المباشرة والإلتزامات المالية على القيادة العسكرية والسياسية. كما أن الإرث التاريخي للمليشيات، الذي يعود إلى نزاعات السودان الطويلة، جعلها أداة مفضلة لتحقيق السيطرة وتقسيم القوى داخل الدولة.
التحديات الناجمة عن المليشيات
هذا النهج يمثل خطراً كبيراً على مستقبل السودان. وجود المليشيات يضعف المؤسسات الوطنية ويؤدي إلى ازدواجية السلطة، ويعيق الإلتزام بالقوانين وتطبيقها. كما أن الغالب في تكوين هذه المليشيات أنه على أسس قبلية وإثنية أو مناطقية مما يزيد من التوترات الاجتماعية ويخلق صراعات محلية طويلة الأمد، تهدد الوحدة الوطنية. تزايد هذه التوترات يؤدي إلى إضعاف التماسك المجتمعي ويعيق إنتصار الجيش نفسه، ويزيد من تعقيد أي جهود للوصول إلى تسوية سياسية.
الاعتماد على المليشيات يؤدي إلى إضعاف الجيش النظامي، حيث تصبح هذه التشكيلات بديلاً غير منضبط للقوة الرسمية، مما يقوض فعالية الجيش ويهدد تماسكه. بالإضافة إلى ذلك، التمويل المالي لهذه المليشيات لاحقاً سيعتمد غالباً على السيطرة على الموارد وربما النهب، مما يؤدي إلى استنزاف الاقتصاد وتعطيل التنمية كما حدث في حالة مليشيا الدعم السريع. كما أن انعدام الأمن الناتج عن نشاطها يفتح الباب لممارسات كالتهريب والأنشطة غير المشروعة، ويعوق الاقتصاد ويزيد من الأزمات المعيشية.
الدور الخارجي والتدخلات الإقليمية
تدخل القوى الخارجية لدعم هذه المليشيات يضيف حلقة أخرى من التعقيد، ويحول السودان إلى ساحة صراعات إقليمية ودولية. وفي تناقض غريب، ورد أن الأورطة الشرقية ومليشيات أخرى قد تم تدريبها في إريتريا، حيث بدأت مليشيا الدعم السريع كقوة محلية ثم طورت علاقات خارجية لتصبح مستقلة عن الدولة، ما يعكس إمكانية تحول هذه المليشيات إلى كيانات ذات علاقات خارجية معقدة وربما تصبح تحت سيطرة خارجية. هذه العلاقات تُعقد أي محاولة لفرض السيادة الوطنية وقد تؤدي إلى فقدان القدرة على التحكم في الأراضي والموارد الوطنية.
على المدى الطويل، تُعرف المليشيات باستخدامها للعنف المفرط وغير المنضبط، مما يؤدي إلى تصاعد الانتهاكات وزيادة الفوضى. هذا الوضع يجعل الإنتصار الشامل أو تحقيق السلام أمراً صعباً، حيث تصبح هذه التشكيلات المسلحة عقبة رئيسية أمام أي حل. حتى في حال الإنتصار الكامل للجيش، فقد تتغير أهداف المليشيات مع مرور الزمن وقد تستخدمها أطراف خارحية كما حدث مع الدعم السريع، مما يهدد استقرار الوضع حتى بعد انتهاء الصراع العسكري.
التحديات في المستقبل: تفكيك المليشيات ودمجها في الجيش
حتى إذا تحقق إنتصار كامل للجيش على مليشيا الدعم السريع وهو أمر مستبعد في الظرف الحالي، أو تم التوصل إلى اتفاق سلام، فإن تفكيك المليشيات أو دمجها في الجيش يمثل تحدياً كبيراً، كما أظهرت تجارب دول أخرى في المنطقة مثل الصومال وليبيا. منذ بداية التسعينات، واجهت الصومال صراعاً طويل الأمد بسبب وجود المليشيات المسلحة التي دعمتها قوى خارجية مختلفة، مما أدى إلى انهيار الدولة وتفككها إلى مناطق سيطرة متعددة. وبعد أكثر من ٣٥ عام على إندلاع الحرب في الصومال لا تزال المليشيات تستخدَم في صراعات محلية ودولية، مما أدى إلى حالة من عدم الاستقرار المستمر والتدخلات العسكرية الإقليمية والدولية. في ليبيا، تسببت المليشيات المدعومة خارجياً في تمزيق الدولة إلى كيانات متناحرة على السلطة. فإن كان قرار الجيش والإسلاميين أنهم لن يذهبوا لإتفاق مطلقاً، فالأفضل لمستقبل السودان أن يكون كل المقاتلين تحت القوات المسلحة فعلياً والإبتعاد عن استراتيجية المليشيات هذه.
في النهاية، الاعتماد على استراتيجية المليشيات يعكس ضعف الفكر وعدم قدرة قادة النظام السياسي والعسكري الحالي في السودان على التعلم من التجارب الذاتية والخارجية، وعدم الاكتراث لأرواح السودانيين. إن تحقيق السيطرة الآنية باستخدام المليشيات، وإن حدثت وهي مستبعدة في الظرف الحالي، على حساب الاستقرار الوطني لن يحقق الأمن المستدام، بل يقود السودان نحو التفتت والانقسام، مع تداعيات كارثية على الشعب السوداني لعقود قادمة. الحلول الحقيقية تكمن في بناء مؤسسات قوية، والبدء بإصلاح الجيش إلى مؤسسة مهنية ذات عقيدة وطنية تمثل كل السودانيين الآن وأثناء هذه الحرب.
mkaawadalla@yahoo.com
محمد خالد