عربي21:
2024-11-27@04:14:34 GMT

الأكاديميا العربية هل تعدل مقرراتها على غزة؟

تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT

لا أزعم الاطلاع على كل المقررات الدراسية في الجامعات العربية الرسمية/ العمومية أو الخاصة لأجزم بقول فصل فيما تقدمه لطلبتها وخاصة في مجال العلوم الإنسانية والفلسفة من مقررات، لكن باعتماد ما نراه في الجامعة التونسية وما يصلنا من ترجمات في هذا المجال، وهي عادة دروس مقدمة في الجامعات تم نشرها في مقالات وكتب وأعمال ندوات علمية متنوعة من المغرب إلى بغداد مرورا بتونس والقاهرة ودمشق، فإننا نجد زاوية نظر معتمدة تستنسخ في أغلبها رؤية غربية للمعارف الإنسانية والفلسفية، حتى تصير في بعض الأعمال مجرد مسودات معادة النشر بالعربية موجهة لمتلق عربي مهمته أن يحفظ ويرد البضاعة مزجاة لصاحبها.



وقد توفرت فرص كثيرة لإعادة النظر في هذه المناظير منذ النكبة مرورا بحروب العراق ووصولا إلى حرب الطوفان، لكن لم يتم تعديل النظر إلى علوم الغرب في مجال الإنسانيات والفلسفة خاصة، بل إن علوم التاريخ ظلت لفترة طويلة تتحدث عن احتلال الجزائر من مراجع فرنسية فتسمي الغزو فتح الجزائر.

نطرح السؤال مرة أخرى على ضوء التدمير المنهجي الذي يمارس في غزة، بدعم مباشر من بلدان علمتنا حقوق الإنسان وأقنعت نخبنا بأن قوانين الغرب مقدسة.

نطرح السؤال مرة أخرى على ضوء التدمير المنهجي الذي يمارس في غزة، بدعم مباشر من بلدان علمتنا حقوق الإنسان وأقنعت نخبنا بأن قوانين الغرب مقدسة
رهاب الانغلاق على الذات

تأسست الجامعات العربية الحديثة في كل قُطر بحماس شعوب تتحرر من الاحتلال المباشر وتشرع في بناء نخبها الوطنية، ورغم ذلك الحماس الوطني القائم على روح تحررية فقد ارتعبت النخبة المؤسسة من مسألة أن تنغلق الجامعات على تراثها المحدود (الجامد) وترفض معارف الغرب التي كانت سببا في نموه وازدهاره، ولم يقل أحد في هيمنته على العالم ومنه العالم العربي. لذلك وُضعت المقررات على مبدأ الانفتاح على الآخر والشرب من معينه العلمي، ولم تنسِّب الانفتاح فتحولت مع الوقت إلى مؤسسات إعادة إنتاج الفكر الغربي بحذافيره.

وقد كان طموح أي جامعي عربي (ربما أقيس على تونس ومستعمرات فرنسا بشكل خاص) يحصل على شهادة جامعية غربية يعود بها مسلحا ظافرا لنقل دروسه هناك إلى طلبته هنا دون نقد أو تمحيص. الخوف من الانغلاق أدى إلى انفتاح مطلق وهروب تام من إعادة النظر النقدي في رؤية العالم كما صنعتها الأكاديميات الغربية ووجهت بها نظر العالم.

لقد صار الأمر عجزا عن التفكير والإبداع واتخذت منتجات الغرب العلمية والفنية مقاييس يحكم بها حتى في مجالات الإبداع الفني، بما في ذلك التخلي عن عامود الشعر فلا شعر إلا ما كان مبنيا على نموذج زهور الشر لبودلير الفرنسي والويل لمن يعود لتنظيم قصيد عامودي. وعندما نوسع النظر في قوائم المنتج الفكري المورد ونطل على درس حقوق الإنسان سنجد أن الإعلان الفرنسي العالمي لحقوق الإنسان تحول إلى نص مقدس؛ يوضع قبل قرآن المسلمين وتراثهم القانوني في مجال الحقوق التي ضمنت حتى حقوق الحيوان.

عندما نوسع النظر في قوائم المنتج الفكري المورد ونطل على درس حقوق الإنسان سنجد أن الإعلان الفرنسي العالمي لحقوق الإنسان تحول إلى نص مقدس؛ يوضع قبل قرآن المسلمين وتراثهم القانوني في مجال الحقوق التي ضمنت حتى حقوق الحيوان
لقد ولدت الجامعات العربية بعقدة نقص فلم ترتق إلى نقد دروسها، وصنعت أجيالا من التبع لا تجرؤ على سؤال نقدي. وهذه الأجيال وصلت إلى حكم بلدانها فزادتها غرقا وتبعية.

ابن خلدون "خوانجي"

يتحدث مالك بن نبي عن الثقب الأسود في الفكر الغربي، وهو الثقب المبني من نظرة غير علمية لتاريخ العلوم، فالعلوم في تاريخها الغربي ولدت في أثينا والقانون ولد في روما ثم ماتا بموتهما حتى انبعثا مع الفلسفة في عصر النهضة، لذلك يقولون الولادة الثانية أو إعادة الولادة، فلفظ النهضة هو ترجمة عربية لما يراه الغرب مرورا من أثينا إلى باريس وأخواتها من منابع المعرفة الغربية. الثقب الأسود هو القفز في فوق قرون المعرفة العربية والإسلامية التي تُرجمت وطورت ونشرت من جامعات المغرب إلى الهند الإسلامية.

القفزة الغربية في الظلام تتجاهل على سبيل المثال الإضافة الخلدونية في علوم الإنسان والتاريخ والاقتصاد، حتى أننا عندما نقدم درس نشأة تاريخ علم الاجتماع نبدأ من أوجست كونت ونقول عن ابن خلدون فرصة جميلة انتهت ونختبر طلبتنا في ذلك، وكل من تعرض إلى نقد هذا المنظور يُتهم بالانغلاق، بل يلحق بـ"الإخوانجية" حتى تصير وضعية كونت دينا جديدا.

هذه الأكاديميا الكونتية مرعوبة مما يحصل في غزة الآن، وتطرح أسئلة من قبيل كيف عدنا إلى الحروب الدينية؟ وتتجاهل أن الحروب الدينية لم تنقطع أبدا وأن الغرب الوضعي هو من يثيرها تحت عنوان التنوير الغربي، فكذبة التنوير الغربي مستمرة وتتوالد في الجامعات الغربية، حتى أن علماء مراجعين من الأكاديميا الغربية لا يحظون بالترجمة والنشر الا بمجهودات فردية خارج الجامعات. فجاك غودي، صاحب كتاب سرقة التاريخ، لم يرتق إلى مقرر في مادة تاريخ الأفكار. أما روجيه غارودي وأشابهه القلائل ممن تحملوا وزر مراجعة تاريخ الهولوكوست؛ فدرس محرم في الجامعات العربية.

هل آن أوان المراجعة؟

حرب الطوفان دعت إلى مراجعات عميقة في مستوى إعادة بناء صورة للعالم لا يكون الغرب مصدرها ولا تكون دروسه قاعدة لها، خاصة في مجال الفلسفة والعلوم الإنسانية. إن دروس حقوق الإنسان كما رتبها الغرب قد سقطت في غزة (سقطت قبل ذلك في العراق وفي أفغانستان وفي أمريكا اللاتينية ولم ننتبه)، وصار لزاما البحث عن مرجع مختلف للنظر إلى الإنسان وإعادة تعريف حقوقه والتي لا يقر الغرب من ضمنها حق التحرر من الاحتلال.

المراجعة تقتضي إعداد الرد المناسب على كل مستنقص نفسه يعيد علينا تهمة الانغلاق والتقوقع. إن الغرب الذي يحارب في غزة ويستدعي كل مراجع الحروب الصليبية ويتهم أنصار غزة بالرجعية الدينية؛ ليس مرجعا أخلاقيا ولن يقبل كمرجع علمي، وهذه دروس من غزة ربما لم يفكر من أطلق حرب الطوفان في مداها الكامل والشامل
مراجعة المنظور القانوني/الحقوقي تسير وجوبا مع مراجعة كل مناظير الغرب للإنسان وللمختلف، بناء على جملة واضحة وشجاعة. الغرب ليس مثالا يقتدى به، وعلى هذه الجملة الصريحة تؤسس أكاديميا مختلفة واثقة من نفسها ولا تعيش من عقدة نقصها التاريخي أمام الفكر المحتل للعقول. وهذا ليس عملا فرديا ولا عملا سهلا، ولكنه عمل يحتاج وقتا طويلا يؤسس بالقوة على روح استقلالية، وتتحمل كلفة إعادة التأسيس. سيكون أمرا مماثلا لحركة الترجمة العربية الأولى التي لم تشعر بنقص أمام الفكر اليوناني ولم تُعد إنتاجه، بل طورته وتحررت منه وقد استغرق منها ذلك وقتا وجهدا عظيمين.

لقد قال بهذا الأمر مفكرو النهضة الأول لكن الهجوم الاستعماري الغربي منع المشروع من التبلور، حتى انتهينا في غزة نتساءل عن طبيعة هذا الغرب وعن مصداقيته وسلامة نظرته للعالم. هذه المراجعة تقتضي إعداد الرد المناسب على كل مستنقص نفسه يعيد علينا تهمة الانغلاق والتقوقع. إن الغرب الذي يحارب في غزة ويستدعي كل مراجع الحروب الصليبية ويتهم أنصار غزة بالرجعية الدينية؛ ليس مرجعا أخلاقيا ولن يقبل كمرجع علمي، وهذه دروس من غزة ربما لم يفكر من أطلق حرب الطوفان في مداها الكامل والشامل.

من عليه أن يقوم بهذا؟ كل الأكاديميا العربية التي رأت في غزة معركة تحرر فكري، وليس فقط مجرد فوضى محلية معاكسة لتقدم التاريخ هي المعنية بتحرير الجامعات العربية خاصة في درس التاريخ والاجتماع والفلسفة من هيمنة الغرب المنافق.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الجامعات العلوم ترجمة علوم جامعات ترجمة التقدم صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجامعات العربیة حقوق الإنسان فی الجامعات فی مجال فی غزة

إقرأ أيضاً:

«مصر أكتوبر»: رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرهاب يعكس التزام مصر بتعزيز حقوق الإنسان

أكدت الدكتورة جيهان مديح رئيس حزب مصر أكتوبر، أنّ قرار محكمة الجنايات برفع أسماء 716 شخصا من قوائم الكيانات الإرهابية، يعكس التزام مصر بتعزيز حقوق الإنسان والحريات، مثمنة القرار الذي يأتي تزامنا مع تطبيق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ما يعزز الثقة بين الدولة ومؤسساتها الوطنية والمواطن، خاصة أنّها تعمل بكل احترافية لتحقيق التوازن بين مكافحة الإرهاب من جهة، وضمان الحقوق والحريات من جهة أخرى.

احترافية المؤسسات الأمنية والقضائية في مصر

وثمنت مديح في بيان لها اليوم، قرار محكمة الجنايات برفع أسماء 716 شخصا من قوائم الكيانات الإرهابية، بعد مراجعة موقف كل شخص مدرج على القوائم بناء على تحريات دقيقة وتقييم موضوعي لمدى استمرار نشاطه غير المشروع، ما يعكس احترافية المؤسسات الأمنية والقضائية في مصر.

وأوضحت مديح أنّ قرار المحكمة الجنائية يسهم بشكل جلي وفعلي في تعزيز الأمن والسلم الاجتماعي، عبر فتح الباب أمام من الأفراد الذين توقفوا عن الأنشطة الإرهابية للاندماج مجددا في المجتمع، ويؤكد حرص القيادة السياسية ومؤسسات الدولة على إرساء نهج متوازن يهدف إلى تقليل الاحتقان.

وأشارت إلى أنّ القرارات مبنية على أسس قانونية سليمة تراعي المصلحة الوطنية، ما يثبت قدرات مؤسساتها على الجمع بين الحزم في مواجهة التحديات الأمنية وبين المرونة في إعادة تقييم المواقف بما يخدم مصالح الوطن والمواطنين.

ولفتت إلى أنّ القرار يؤكد التزام مصر بالمعايير القانونية والحقوقية في التعامل مع قضايا الإرهاب، مع إدراكها لضرورة دمج من يثبت توقفه عن ممارسة تلك الأنشطة في الحياة العامة، ومن جهة أخرى استمرارها في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، وهو رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأنّ مصر التي تخوض حربا ضروس ضد الإرهاب منذ سنوات، تظل دولة قانون تحرص على المراجعة والتقييم المستمرين لسياساتها، بما يحقق أمنها القومي ويعزز مسارها نحو التنمية والاستقرار.

مقالات مشابهة

  • جمعية الصداقة العربية النمساوية تندد بمواقف الغرب تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة
  • برلمانيون: رفع 716 شخصًا من قوائم الإرهاب خطوة هامة تعكس نهج الدولة
  • مجلس الشورى يقر تقرير لجنة حقوق الإنسان والحريات حول الأشخاص ذوي الإعاقة
  • محام: الدولة اتخذت إجراءات غير مسبوقة لتحسين حالة حقوق الإنسان
  • «حقوق الإنسان بالنواب»: رفع 716 اسما من قوائم الإرهاب بمثابة فتح صفحة جديدة
  • مشيرة خطاب عن رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرهاب: مصر دولة عدل وأمان
  • رئيس "حقوق الإنسان" يستقبل رئيس لجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان
  • «مصر أكتوبر»: رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرهاب يعكس التزام مصر بتعزيز حقوق الإنسان
  • رئيس حزب الاتحاد: رفع 716 من القوائم الإرهابية تأكيد على أسس ومبادئ حقوق الإنسان
  • حزب الاتحاد: رفع 716 من القوائم الإرهابية تأكيد على أسس ومبادئ حقوق الإنسان