قالت وكالة رويترز للأنباء، إن الولايات المتحدة اقترحت مشروع قرار لمجلس الأمن يدعو إلى وقف مؤقت لإطلاق النار فى الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ويعارض مشروع القرار شن أى هجوم برى إسرائيلى كبير فى رفح جنوب قطاع غزة.
ويضيف الخبر أن واشنطن تعارض استخدام كلمة وقف إطلاق النار فى أى تحرك للأمم المتحدة بشأن الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، لكن مشروع القرار الأمريكى يعبر عن لغة قال الرئيس الأمريكى جو بايدن إنه استخدمها الأسبوع الماضى فى محادثاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.
وينص مشروع القرار على أنه، «فى ظل الظروف الحالية، فإن أى هجوم برى كبير على رفح سيلحق المزيد من الأذى بالمدنيين وقد يؤدى نزوحهم إلى دول مجاورة».
إذا كان هذا الخبر دقيقًا، فسوف نعتبره تطورًا إيجابيًا محدودًا فى مواقف الولايات المتحدة المُنحازة منذ بداية الحرب إلى جانب إسرائيل، التى مارست جرائم الحرب بكل صلف فى مواجهة المدنيين الفلسطينيين.
ولكن السؤال الذى يجب طرحه هو: ما هو موقف الولايات المتحدة السياسى من اعتزام إسرائيل اجتياح رفح الفلسطينية لدكها فوق رؤوس سكانها مثلما فعلت فى غزة التى تم محو معالمها البنائية ولم يتبق منها سوى الركام؟
هل ستقوم الولايات المتحدة بردعها قبل تنفيذ عملياتها؟ وإذا لم تستجيب إسرائيل للردع هل سترسل الولايات المتحدة أساطيلها إلى شواطئ المتوسط لتمنع بالقوة تكرار مأساة غزة؟ وهل ستلتزم أمريكا الصمت إذا دافعت دول المنطقة عن أمنها المباشر أم أنها ستنحاز لإسرائيل المعتدية على أرض غيرها والتى قامت باحتلال فلسطين منذ 76 عامًا؟
هل سيكون للولايات المتحدة «عين» للحديث مع الدول العربية باعتبارها دولة صديقة حريصة على أمن واستقرار المنطقة؟ أم أنها ستقول لاتصدقوا بياناتى الدبلوماسية لأننى أم إسرائيل وراعيها ولكنها إبنة طائشة ترفض سماع كلام أمها؟
الحقيقة أن الموقف الآن يحتاج لإظهار العين الحمراء لإسرائيل التى لاتريد أن ترتدع.. فمسألة غزة لم تعد قابلة للتكرار، لأن الاعتداء على غزة، بالإضافة إلى كونه مخالفًا للقانون الدولى وعملًا إجرامياُ وتهديدًا للأمن القومى المصرى والعربى، فإن الإعتداء على رفح يعنى تهديدًا مباشرًا على كل العواصم العربية قبل حدودها!
هذه المخاطر التى تهدد الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط هو جزء من الصورة الأكثر قتامة، فى ظل دعوات أطلقها وزراء إسرائيليون طالبين من المستوطنين الانتقال إلى غزة وإقامة منازل بها على أكوام المنازل المُهدمة على رؤوس أصحابها الفلسطينيين، بما يؤدى إلى إحداث تغيير ديموغرافى فى قطاع غزة.
هذه الدعوات التى أطلقها كما قلت وزراء إسرائيليون، أى أعضاء فى حكومة نتنياهو، الهدف الرئيسى منها تحقيق واقع جديد من خلال تقليص مساحة أراضى غزة بصورة مؤقتة أو دائمة، وإنشاء مناطق عازلة بشكل رسمى أو غير رسمى، فضلا عن التدمير المنهجى والواسع النطاق للبنية التحتية المدنية.
الوزير الإسرائيلى، بينى غانتس، قال يوم الأحد الماضى، إنه إذا لم تُفرج حماس بحلول شهر رمضان عن كلّ الأسرى المحتجزين لديها فإن الجيش الإسرائيلى سيشنّ هجومًا برّيًا على رفح، المدينة الواقعة فى أقصى جنوب قطاع غزة، والتى يتكدّس فيها 1,4 مليون فلسطينى غالبيتهم نازحون.
وقال غانتس، العضو فى حكومة نتنياهو، إنه ينبغى على العالم أن يعرف، وينبغى على قادة حماس أن يعرفوا، أنه إذا لم يعد المحتجزون إلى منازلهم بحلول شهر رمضان، فإن القتال سيتواصل فى كلّ مكان ليشمل منطقة رفح.
إذن هذا تهديد صريح بقتل أصحاب الأرض مجددًا وإشعال نيران الحرب فى كل الأماكن خلال شهر مُقدس لدى السكان المسلمين، وهو ما قد يؤدى إلى إثارة المشاعر الدينية فى كل المنطقة وقد يؤدى إلى خروج الأمر برمته عن السيطرة!
مايحدث هو إجرام لن يستمر طويلًا.. لأن حبال الصبر الممتدة يتم قطعها عمدًا من ناحية إسرائيل.. وعلى الولايات المتحدة أن تواجه هذا الإنفلات من حليفتها لأن هذه هى مسئوليتها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الولايات المتحدة حكومة نتنياهو قطاع غزة نور حركة المقاومة الإسلامية حماس الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
نهاية الديمقراطية في الولايات المتحدة كانت متوقعة تماما
مثلي كمثل آخرين، منذ أواخر ليلة الثلاثاء، كان هاتفي يعج بالرسائل النصية التي تتساءل كيف من الممكن أن يحدث هذا (كما يعلم بعض أصدقائي وزملائي ومعارفي، كنت مقتنعا تماما بأن دونالد ترامب سيفوز في هذه الانتخابات بسهولة). وبدلا من الرد بالتفصيل على كل رسالة، أقدم لكم تفسيري هنا. على مدى 2300 عام، منذ جمهورية أفلاطون على الأقل، عرف الفلاسفة كيف يفوز زعماء الدهماء والطغاة الطامحون بالانتخابات الديمقراطية. العملية واضحة ومباشرة، وقد شاهدنا فصولها تتوالى أمام أعيننا للتو. في نظام ديمقراطي، يتمتع أي شخص بحرية الترشح لأي منصب عام، بما في ذلك الأشخاص غير اللائقين على الإطلاق لقيادة أو رئاسة مؤسسات الحكومة. إحدى العلامات الواضحة على عدم اللياقة الاستعداد للكذب بكل حماسة وجموح، وتحديدا من خلال تقديم الذات كمدافع ضد أعداء الشعب المتصورين، سواء الخارجيين أو الداخليين. رأى أفلاطون أن الناس العاديين يسهل التحكم فيهم باللعب على عواطفهم، وهُـم بالتالي عُـرضة لمثل هذا النوع من مخاطبة المشاعر ــ وهي الحجة التي تشكل الأساس الحقيقي للفلسفة السياسية الديمقراطية (كما زعمت في عمل سابق). أدرك الفلاسفة دوما أيضا أن هذا النوع من السياسات ليس بالضرورة مقدرا له أن ينجح. فكما زعم جان جاك روسو، تُـصـبِـح الديمقراطية في أشد حالاتها ضعفا عندما يصبح التفاوت في المجتمع راسخا وسافرا بدرجة مفرطة. تعمل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية العميقة على خلق الظروف التي تسمح لزعماء الدهماء باستغلال استياء الناس وسخطهم، فتسقط الديمقراطية في نهاية المطاف على النحو الذي وصفه أفلاطون. وعلى هذا فقد خلص روسو إلى أن الديمقراطية تستلزم المساواة الواسعة الانتشار؛ فآنذاك فقط يصبح من غير الممكن استغلال استياء الناس بهذه السهولة. في عملي، حاولت أن أصف بالتفصيل الدقيق لماذا وكيف يتقبل الناس الذين يشعرون بأنهم مُـسـتَـخَف بهم أو مهانون (ماديا أو اجتماعيا) الأمراض ــ مثل العنصرية، ورهاب المثلية الجنسية، وكراهية النساء، والقومية العرقية، والتعصب الديني ــ التي يرفضونها في ظل ظروف يغلب عليها قدر أعظم من المساواة. هذه على وجه التحديد الظروف المادية اللازمة لديمقراطية موفورة الصحة ومستقرة والتي تفتقر إليها الولايات المتحدة اليوم. في الأغلب الأعم، أصبحت أميركا تُعرَّف على نحو فريد من خلال التفاوت الهائل في الثروة، وهي الظاهرة التي لا بد وأن تقوض التماسك الاجتماعي وتعمل على توليد الاستياء والسخط. استنادا إلى 2300 عام من الفلسفة السياسية الديمقراطية التي تشير إلى أن الديمقراطية من غير الممكن أن تدوم في ظل مثل هذه الظروف، فلا ينبغي لأحد أن يفاجأ بنتيجة انتخابات عام 2024. قد يتساءل المرء، ولكن لماذا لم يحدث هذا بالفعل في الولايات المتحدة؟ يتلخص السبب الرئيسي في وجود اتفاق ضمني بين الساسة على عدم الانخراط في مثل هذا الشكل غير العادي من أشكال السياسة العنيفة الـمُـحـدِثة للـفُرقة والانقسام. هل تذكرون انتخابات عام 2008. كان بوسع جون ماكين، المرشح الجمهوري، أن يلجأ إلى الصور النمطية العنصرية أو نظريات المؤامرة حول مولد باراك أوباما، لكنه رفض سلوك هذا المسار، وصحح في مناسبة شهيرة واحدة من أنصاره عندما اقترحت أن المرشح الديمقراطي كان «عربيا» مولودا في الخارج. خسر ماكين، لكنه يُذكَر باعتباره رجل دولة أمريكيا يتمتع بنزاهة لا تشوبها شائبة. بطبيعة الحال، يلجأ الساسة الأمريكيون على نحو منتظم ولكن بقدر أعظم من الدهاء إلى مخاطبة مشاعر العنصرية ورهاب المثلية الجنسية للفوز بالانتخابات؛ فهي في نهاية المطاف استراتيجية ناجحة. لكن الاتفاق الضمني على الامتناع عن ممارسة مثل هذه السياسة صراحة ــ ما تسميه الـمُـنَـظِّـرة السياسية تالي مندلبرج معيار المساواة ــ استبعد اللجوء إلى مخاطبة الميول العنصرية بشكل أكثر صراحة مما ينبغي. بدلا من هذا، كان من اللازم أن يحدث ذلك من خلال رسائل مستترة، والاستدعاء بالإشارة، والصور النمطية (مثل الحديث عن «الكسل والجريمة في المناطق الداخلية من المدينة»). ولكن في ظل ظروف من التفاوت العميق، يصبح هذا الضرب المشفر من السياسة في نهاية المطاف أقل فعالية من النوع الصريح. ما فعله ترامب منذ عام 2016 هو أنه نَـبَـذَ ذلك الاتفاق الضمني القديم، ووصف المهاجرين بأنهم حشرات طفيلية ومعارضيه السياسيين بأنهم «الأعداء في الداخل». وكما عرف الفلاسفة دائما، فإن مثل هذه السياسة الصريحة التي ترفع شعار «نحن ضدهم»، قد تكون شديدة الفعالية. وعلى هذا فإن الفلسفة السياسية الديمقراطية كانت محقة في تحليلها لظاهرة ترامب. ومن المؤسف أنها تقدم أيضا نبوءة واضحة بما سيأتي لاحقا. وفقا لأفلاطون، فإن الشخص الذي يخوض حملته على هذا النحو سيحكم كطاغية. من كل ما قاله ترامب وفعله أثناء هذه الحملة وفي ولايته الأولى، بوسعنا أن نتوقع صِـدق نبوءة أفلاطون مرة أخرى. إن هيمنة الحزب الجمهوري على جميع سلطات الحكومة من شأنها أن تجعل الولايات المتحدة دولة الحزب الواحد. ربما يقدم المستقبل فرصا عَـرَضية لآخرين للتنافس على السلطة، ولكن أيا كانت المنافسات السياسية التي تنتظرنا، فمن غير المرجح في الأغلب الأعم أن تكون مؤهلة كانتخابات حرة نزيهة. ـ جيسون ستانلي أستاذ الفلسفة في جامعة ييل، ومؤلف كتاب «محو التاريخ: كيف يعيد الفاشيون كتابة الماضي للسيطرة على المستقبل». ـ ـ خدمة بروجيكت سنديكيت |