لهذا لن تحقق صفقة سعودية إسرائيلية السلام في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
تواصل إدارة بايدن إعطاء أولوية كبرى للوساطة في اتفاقية تطبيع دبلوماسي سعودية إسرائيلية. والدوافع السياسية الكامنة وراء سعي بايدن إلى هذه الصفقة في وقت سابق من رئاسته لم تكن مدهشة. فقد روّجت الإدارة السابقة ترويجًا صاخبًا لما عُرف بـ«الاتفاقيات الإبراهيمية» التي طبعت العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وأربعة بلدان عربية.
فضلا عن أن الميل الغريزي إلى الإذعان لكل ما تريد إسرائيل، وذلك ما أبداه بايدن في أعقاب هجمة حماس في أكتوبر الماضي، قد اتسق مع جهد لضمان مغنم دبلوماسي طالما أرادته حكومة إسرائيل.
وقد تسبب الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في تعليق هذه الجهود؛ لأن التسبب في إحدى الكوارث الإنسانية الأسوأ التي تسبب فيها البشر قد جعل الدول العربية تعزف عن اتخاذ خطوات إيجابية تجاه إسرائيل.
ولأن الأحداث المأساوية التي جرت على مدار الأشهر الأربعة التالية قد أظهرت للإدارة أنها لم تعد قادرة على تهميش الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي لم يجر حله، فإنها أعادت تشكيل هدف صفقة التطبيع مع المملكة العربية السعودية وجعلته جزءًا من استراتيجية جديدة أكبر للشرق الأوسط. والفكرة الأساسية في هذا الصدد هي أن من شأن هذا التطبيع أن يكون حافزا للزعماء الإسرائيليين على الحركة، بطرق لم يلجأوا إليها من قبل، باتجاه تحقيق السلام مع الفلسطينيين.
تدفع الإدارة بهذه الفكرة محاولة الدفاع عن سياساتها التي تحترم إسرائيل وترد على ما قد يعده الكثيرون بلادة تجاه معاناة الفلسطينيين. فقد ذهب نائب مستشار الأمن الوطني جون فاينر ـ عند لقائه أخيرا بالأمريكيين العرب المستائين في ميشيجن ـ إلى أن اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية ستكون خطوة حاسمة نحو إقامة دولة فلسطينية.
ولا تخلو الفكرة من منطق. فقوة الرغبة الإسرائيلية في الفوز بعلاقات دبلوماسية كاملة مع المزيد من جيرانها العرب تعطي التطبيع قيمة بوصفه حافزًا. والرغبة قوية مثلما كانت على الدوام لدى رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الذي يحتاج إلى انتصارات توازن مصاعبه السياسية والقانونية.
فضلا عن أن وزارة الخارجية السعودية أصدرت في وقت سابق من الشهر الحالي بيانا واضحا وضوحا مثيرا للإعجاب جاء فيه: إنه «لن تقام علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يجرِ الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ويتوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتنسحب جميع قوات الاحتلال الإسرائيلية من قطاع غزة».
لكن فهم العيوب الجسيمة في استراتيجية الإدارة يبدأ بالاعتراف بأن ترقية العلاقات الإسرائيلية السعودية لتبلغ مستوى العلاقات الدبلوماسية الكاملة لن تكون اتفاقية «سلام» شأنها شأن «الاتفاقيات الإبراهيمية» من قبل. فلم يكن من البلدان العربية المشاركة في هذه الاتفاقيات من خاض حربا من قبل مع إسرائيل. وكان لدى العديد منها، ومنها المملكة العربية السعودية، تعاون كبير بالفعل مع إسرائيل حتى في الشؤون الأمنية. فاتخاذ هذه البلاد الخطوة الرسمية بتبادل السفارات لا يخدم سلامًا إقليميا حقيقيا أو أي مصالح أمريكية واضحة.
من المهم أيضا أن نفهم أهداف إسرائيل الرامية إلى علاقات كاملة رسمية مع الدول العربية وبخاصة المملكة العربية السعودية. من هذه الأهداف استعمال هذه العلاقات كقاعدة إضافية لتحالف عسكري قوي ضد إيران، ومن ثم توسيع السياسة التي تنتهجها إسرائيل وهي تعزيز العداء الأقصى لإيران وعزلها. وبدلا من جعل الشرق الأوسط أكثر سلاما، من شأن هذا التطور أن يزيد من احتدام وحدّة خطوط الصراع في الخليج العربي.
الهدف الإسرائيلي الآخر بل والأقوى هو أن تنعم بعلاقات ودية مع دول أخرى في المنطقة وأن تظهر لبقية العالم أنها قادرة على الحظوة بهذه العلاقات برغم مواصلتها احتلال أراضٍ فلسطينية وإنكارها على الفلسطينيين حق تقرير المصير. أي أن ترقية العلاقات مع الدول العربية بالنسبة لإسرائيل باختصار يتعلق بألا تكون مضطرة إلى إقامة السلام، وبخاصة مع الفلسطينيين.
وحتى لو استطاعت إدارة بايدن التوصل إلى هذه الصفقة الثلاثية التتابعية التي يبدو أنها في ذهنها، فثمة مصدران مراوغان أساسيان يجعلان من المستبعد، برغم تأكيدات الإدارة، أن يقرب ذلك إقامة دولة فلسطينية.
يكمن أحد هذين المصدرين في المملكة العربية السعودية والأمير محمد بن سلمان وما يتمتع به من نفوذ قوي. فقد كان عليه، شأن زعماء عرب آخرين، أن يجتنب الابتعاد كثيرا عن تعاطف شعبه مع الفلسطينيين وغضبه على تدمير غزة، بغض النظر عن مشاعره الخاصة تجاه القضية الفلسطينية. لكن أكثر ما يريده محمد بن سلمان هو خدمات من الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية وخاصة المساعدات في برنامج نووي وبعض الضمانات الأمنية الرسمية.
سوف يحدد محمد بن سلمان في النهاية ـ رغم أنه ليس وزير الخارجية ـ السياسة السعودية في هذه الأمور. فلو أن بوسع ولي العهد الحصول من واشنطن على أغلب أو جميع بنود قائمة طلباته، فقد يعني إمكانية القبول بصيغة يمكن تصويرها التزاما من إسرائيل بالتحرك قدما في هذا الشأن، لكنها تقصر كثيرا عن كونها ضمانا بالتنفيذ.
مصدر المراوغة الثاني هو إسرائيل التي لديها تاريخ طويل في الصخب التعاوني بشأن حق تقرير المصير الفلسطيني لدرء الضغوط الخارجية مع مقاومة أي متابعة لأقوالها الصاخبة. يرجع هذا التاريخ إلى خطة التقسيم الخاصة بالأمم المتحدة سنة 1947 والتي تمثل الوثيقة الدولية لتأسيس إسرائيل، ولكن بعد استيلاء القوات الإسرائيلية على جزء كبير من الأرض التي كان من المفترض أن تكون دولة عربية فلسطينية، لم تظهر الدولة الفلسطينية قط إلى حيز الوجود. يتضمن التاريخ اتفاقيات كامب ديفيد سنة 1978 التي تضمنت اتفاقية سلام مصرية إسرائيلية مع خريطة طريقة مبهمة يفترض أن تفضي إلى حق تقرير مصير فلسطيني. فقد نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن في الاستيلاء بكل سرور على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية اللاحقة، ثم تجاهل جوهريا الجزء الآخر من الاتفاقيات. وبعد أن أسست اتفاقية أوسلو 1993 آلية انتقال كان يفترض أن تفضي إلى دولة فلسطينية، أنهت إسرائيل المفاوضات الثنائية التالية ولم تستأنفها وكانت الأقرب إلى تحقيق هذا الهدف.
ونتانياهو بارع براعة أسلافه في الجمع بين الصخب التعاوني الموجه للاستهلاك الخارجي والمقاومة الفعالة لأي تقدم حقيقي صوب دولة فلسطينية. خلال ولايته الأولى رئيسا للوزراء، قدم بعض الوعود في مذكرة واي ريفر التي أعدت بوساطة أمريكية سنة 1998، ثم علق تنفيذ الاتفاقية (التي كانت تتضمن انسحاب القوات الإسرائيلية من أجزاء في الضفة الغربية) بعد أشهر قليلة.
وأخيرا أصدر نتانياهو بعض التصريحات القوية الرافضة لدولة فلسطينية وذلك جزء مما يريد أن يسمعه جمهوره المحلي لكي يلوح له أي أمل في إنقاذ مسيرته السياسية. وعلى الرغم من معارضته المعلنة، فليس من الصعب على نتانياهو أن يصدر مرة أخرى ما يكفي من الضجيج الإيجابي حول هذا الموضوع لإرضاء محمد بن سلمان ـ وبالتالي إرضاء إدارة بايدن، المتعطشة للتوصل إلى اتفاق تطبيع سعودي إسرائيلي ـ مع استمراره في إعاقة التقدم نحو الدولة الفلسطينية بشكل فعلي.
وهكذا، حتى لو قدِّر للإدارة الظفر بالصفقة السعودية الإسرائيلية التي طال انتظارها، فسوف يكون للاتفاق عواقب سلبية متعددة. فما سيتبع ذلك من البطء الإسرائيلي أو الإلغاء الصريح للبنود الفلسطينية في مثل هذه الصفقة من شأنه أن يترك الدولة الفلسطينية بعيدة المنال شأن أي وقت مضى. وأي عنف فلسطيني ضد الإسرائيليين من شأنه أن يعطي نتانياهو ذريعة، كما حدث مع مذكرة واي ريفر، لإنهاء التنفيذ. وينال الفلسطينيون مصدرا آخر للإحباط والغضب، حين لا تتطابق الأقوال مع الأفعال في منحهم السلطة على شؤونهم الخاصة.
في الوقت نفسه، قد لا يتم التراجع عن تطبيع العلاقات الدبلوماسية السعودية الإسرائيلية، في ضوء رغبة محمد بن سلمان في الحفاظ على الخدمات التي سيحصل عليها من الولايات المتحدة وإسرائيل، بعد ضمانها لهذه الجائزة الدبلوماسية ـ التي يحتاج نتانياهو إليها على أمل إنقاذ مسيرته المهنية ـ سيكون حافزها أقل من ذي قبل لتقديم تنازلات للفلسطينيين في المستقبل. ومساعدة برنامج نووي سعودي من شأنها أن تزيد من حالة الاضطراب في الخليج العربي وتزيد من خطر حدوث سباق تسلح نووي بين المملكة العربية السعودية وإيران.
لقد أصابت إدارة بايدن في إدراكها أخيرا ـ بعد السابع من أكتوبر ـ أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يحتاج إلى معالجة جدية. وصحيح أن للسعودية دور تلعبه في ما يتعلق بذلك الصراع. ولقد كان ولي العهد السعودي السابق ـ الأمير عبدالله آنذاك ـ هو الذي تقدم بمبادرة السلام العربية، التي لا تزال مطروحة على الطاولة وتعرض اعتراف الدول العربية الكامل بإسرائيل في حال إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية.
وبدلا من محاولة القيام بعملية معقدة تتابعية تعتمد على طموحات ولي العهد السعودي الحالي، تحتاج الولايات المتحدة إلى النظر في علاقتها الثنائية مع إسرائيل. فالتقدم لن يوقف فقط المعاناة في قطاع غزة، ولكنه سوف يحقق أيضا السلام الدائم، ويتطلب ذلك من الولايات المتحدة، على حد تعبير مفاوض السلام الإسرائيلي السابق دانييل ليفي، أن تمارس «النفوذ الدبلوماسي والعسكري الحقيقي الموجود تحت تصرفها لتحريك إسرائيل في اتجاه المصالح الأمريكية، وليس العكس».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المملکة العربیة السعودیة الولایات المتحدة الدول العربیة دولة فلسطینیة محمد بن سلمان إدارة بایدن مع إسرائیل قطاع غزة من شأن
إقرأ أيضاً:
مخاوف فلسطينية من مخططات إسرائيلية جديدة لعزل القدس وتهويدها
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعربت محافظة القدس الفلسطينية عن مخاوفها الشديدة من مخططات إسرائيلية جديدة تستهدف التصديق على بناء أكثر من 1000 وحدة استعمارية في القدس الشرقية المحتلة، ضمن سياسة استيطانة ممنهجة تهدف إلى ابتلاع ما تبقّى من الأراضي الفلسطينية، وتغيير الواقع الديموغرافي والهوية الوطنية للقدس، وفرض واقع احتلالي عبر مشروع ما يسمى "القدس الكبرى" التهويدي، الذي يُعد جريمة حرب بموجب القانون الدولي.
وذكرت المحافظة - في بيان اليوم الأربعاء - أن سلطات الاحتلال تهدف إلى توسعة مستوطنتي "نوف تسيون" و"هار حوما"، المقامتين على أراضي الفلسطينيين في صور باهر وجبل المكبر، عبر بناء وحدات استيطانية جديدة، إلى جانب منشآت تعليمية وتجارية وكنس، في إطار مساعٍ حثيثة إلى تهويد المشهد الجغرافي والديموغرافي للمدينة.
وحذرت من مخطط إسرائيلي أكثر خطورة، يهدف إلى ضم ثلاث كتل استعمارية ضخمة وهي: "غوش عتصيون" التي تضم 14 مستوطنة في الجنوب الغربي من القدس، و"معالي أدوميم" التي تضم 8 مستعمرات تمتد من شرقي القدس وحتى غور الأردن، بالإضافة إلى "جفعات زئيف" التي تضم 5 مستعمرات وتقع في الجزء الشمالي الغربي من القدس، إلى ما تُسمى "حدود بلدية القدس"، ما يعني فرض مشروع "القدس الكبرى" على مساحة تُقدر بـ 600 كم مربع، أي ما يعادل 10% من الضفة الغربية، وإذا ما تم تنفيذ هذا المشروع، فسيؤدي إلى تقطيع أوصال الجغرافيا الفلسطينية، وعزل شمال الضفة عن جنوبها، وبالتالي إلغاء أي أمل في تطبيق حل الدولتين، والقضاء على أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي السياق، أكدت محافظة القدس أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية تُواصل تسريع وتيرة الاستيلاء على الأراضي وتعميق الاستعمار، وممارسة أبشع أشكال التطهير العرقي ضد المواطنين الفلسطينيين في القدس، في تحدٍ واضح لقرارات الأمم المتحدة، خاصة القرار 2334، الذي يدين الاستعمار ويعتبره غير شرعي، وذلك في إطار سياسة إسرائيلية رسمية تهدف إلى إحداث تغييرات جوهرية في الواقع التاريخي والسياسي والقانوني والديموغرافي في القدس الشرقية، لمنع أي إمكانية لتجسيد الدولة الفلسطينية، وفرض واقع جديد يخدم الأجندة التوسعية للاحتلال.
وقدم نائب رئيس بلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس أرييه كينغ، مقترحا للحكومة لتوسيع نفوذ البلدية شمالا على حساب بلدات وقرى بيت إكسا والنبي صموئيل والجيب وجبع والرام، وفق مخطط يستهدف الاستيلاء على أراضٍ من تلك البلدات والقرى وضمها، لتوسيع حدود البلدية شمالا وضمان "أغلبية يهودية" فيها، على حساب الوجود الفلسطيني الأصلي.
ويتضمن المخطط، نقل 7،300 دونم من مجلس مستوطنة "جفعات زئيف" إلى نفوذ البلدية، بما في ذلك "حديقة النبي صموئيل"، بالإضافة إلى 1،600 دونم من التجمع الاستيطاني "بنيامين"، تشمل محجرًا مهجورًا شمال مستعمرة "النبي يعقوب" وغابة تابعة لما يسمى "الصندوق القومي اليهودي (الكيرين كاييمت)" تقع بين مستعمرتي "النبي يعقوب" و"آدم".
وفي سياق متصل، تتجه "لجنة التخطيط والبناء" في الحكومة الإسرائيلية، إلى إقرار بناء أكثر من 1000 وحدة استعمارية في جنوب القدس المحتلة، على أراضي صور باهر وجبل المكبر وشرفات وبيت صفافا، لمحاصرة القدس وفصلها تماما عن محافظة بيت لحم، وتحويل البلدات والأحياء الفلسطينية هناك إلى معازل في بحر من المستعمرات الإسرائيلية.
وبحسب المخطط، سيتم بناء 380 وحدة استيطانية قرب جبل المكبر، ومدرسة، وكنيسين يهوديين، ومساحات تجارية، كما سيتم بناء 650 وحدة إضافية بالقرب من صور باهر، بين مستعمرتي "رامات راحيل" و"هار حوما (جبل أبو غنيم)"، إلى جانب مساحات تجارية، ومدرسة، ومركز مجتمعي، ورياض أطفال.