حضرموت ... تُذكر اليمنيين بمأساة عسير !
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
26 سبتمبر نت: علي الشراعي |
حينما كان العالم العربي والإسلامي ينددون بالاحتلال الفرنسي لمصر, أعلنت صنعاء عن استعدادها لأرسال مقاتلين يمنيين إلى مصر , ورفضت طلبا بريطاني بأنزال قوات لها على شواطئ اليمن مما دفعها لاحتلال جزيرة ميون , ومحاولة ابن سعود التوغل نحو أراضي يمنية بعد عشرين عام من قيام الدولة السعودية الأولى , تلقى السعوديين هزيمة قاسية قرب الرياض بل كادت تلك المعركة تجتثهم وتنهي وجودهم السياسي والديني والعسكري نهائيا على يد اليمنيين في ايلول عام 1764م .
-معركة ايلول
( سر له بهذا الجيش ونازلة ولا تحاربه حتي يقع بيننا الصلح , فإني لا أتوسم خيرا من وراء قتال هؤلاء القوم , ما تقول في أناس مسكنهم اليمن ويدخلون في قلب نجد في هذا العدد القليل مع أنهم عرفوا شوكتنا فلم يبالوا بها , فإياك والحرب معهم , وإنما أمرتك بالخروج إليهم حتي لا يخالف علينا فيقال ضعف أمر هذه الدعوة ) .
كانت تلك اوامر مؤسس الجناح الديني للوهابيين محمد ابن عبدالوهاب إلى قائد ابن سعود الذي خرج لقتال اليمنيين .
وان تلك الهزيمة قد أثرت عليه وتجرع مرارتها إلى أن فارق الحياة في 22 يونيو 1792م .
وسبب تلك المعركة حينما تعدى بدو يتبعون ابن سعود لاحد القبائل اليمنية في عسير وقتل واسر افراد منها . فجمع والي نجران اليمني ألف ومائتين مقاتل وسار حتى نزل في منطقة ( حائر سبيع بين الخرج والرياض فجهز آل سعود جيشا قوامة أربعة آلاف مقاتل .
وأسفرت المعركة عن هزيمة منكرة لآل سعود حيث قتل منهم خمسمائة وأسر مائتان وعشرين بينما فر الباقون , بعدها ارتحل القائد اليمني وعسكر بالقرب من الدرعية عاصمة آل سعود استعدادا لاحتلالها عندئذ طلبوا الصلح فأهدوه أموالا كثيرة واطلقوا أسرى قبيلة العجمان اليمنية فأطلق أسراهم وقفل عائدا إلى اليمن , وندرك أن تحرك الوالي اليمني إلى نجد كان لهدف محدد هو إنقاذ الأسرى اليمنيين وإعادة ممتلكاتهم المسلوبة , ولم يكن بغرض توسيع النفوذ أو حبا في القتال .
وقد أدت تلك المعركة إلى نزع هيبة الدرعية مما ترتب عليه توقف التوسع السعودي لمدة طويلة حتى أن الرياض لم تحتل إلا في عام 1774م أي بعد عشر سنوات من وقوع تلك المعركة .
ولهذا أذكت تلك المعركة روح الانتقام لدي قادة الدرعية فجعلتهم يتحينون الفرص للتنكيل باليمنيين واحتلال اراضيهم وما زالت هزيمة تلك المعركة تؤجج انتقامهم ومطامعهم إلى اليوم مستغلين اي ظروف داخلية وخارجية تضعف الدولة المركزية اليمنية للسيطرة والتوسع والاحتلال لأراضي يمنية .
فمع نهاية القرن الثامن عشر الميلادي وتحديدا 1798م احتلت فرنسا مصر وانشغل العالم العربي والإسلامي بالتنديد بذلك الاحتلال حيث اعلن نابليون انه سيمنح فلسطين وطنا لليهود بعد ان تحرك نحو فلسطين وبدا بحصار عكا .
اعلنت صنعاء انها على استعداد لأرسال مقاتلين يمنيين إلى مصر للمشاركة المصريين بالدفاع عن مصر وبنفس الوقت رفضت طلبا من بريطانيا بأنزال قوات بريطانية على سواحل ومواني اليمن على البحر الأحمر خشية من تقدم السفن الحربية الفرنسية صوب البحر الاحمر والمحيط الهندي وقطع مواصلاتها البحرية مع مستعمراتها في الهند لتقوم بعد رفض صنعاء باحتلال جزيرة ميون على مدخل مضيق باب المندب عام 1799م ,
فيما استغل الوهابيين تلك الاحداث فقاموا بمحاولات لتوغل في اراضي يمنية سواء في عسير حضرموت .
-العدوان البريطاني
عمل الإنجليز بعد الحرب العالمية الأولى على إعادة تشكيل خريطة الجزيرة العربية على النحو الذي يكفل مصالحهم ويضمن بقاء نفوذهم , ولم يكن الإنجليز راضين عن حكومة صنعاء آنذاك بسبب رفضهم للعروض والمحاولات البريطانية إبان الحرب للوقوف إلى جانبهم لمحاربة العثمانيين , ومطالبة صنعاء لبريطانيا بتسليم المناطق اليمنية التي تحتلها , ولم تكتفي صنعاء بالمطالبة السلمية , بل دخلت ميدان القتال فقد اخترقت قوات صنعاء ما كان يسمى بالمحميات خلال الأعوام 1919 م, 1924م , 1926م, 1928م .
وقد استخدم الانجليز لمواجهة صنعاء والضغط عليها عدة أساليب منها الترغيب والمساومة بقيامهم احتلال الحديدة بعد الحرب مباشرة ومن ثم تسليمها للإدريسي عام 1921م .
ولم يكتف الإنجليز بذلك بل إن طائراتهم قصفت العديد من المدن اليمنية مرات متعددة خصوصا في الأعوام 1927م , 1929م , 1934م , حينما كانت حكومة صنعاء تقاتل ضد ابن سعود في الشمال وقد احدث ذلك القصف أضرار بالغة وأصاب المواطنين بذعر شديد وتدمير للمنازل ولقد بلغ عدد الشهداء والجرحى في مدينة تعز وحدها حوالي 300 معظمهم من النساء والأطفال وتوقفت حركة التجارة .
وقد أدت تلك الأحداث إلى أن توقع صنعاء مع الإنجليز معاهدة صنعاء في فبراير 1934م والتي عرفت باتفاقية الوضع الراهن حيث نصت على تأجيل البت في مسألة الحدود اليمنية إلى أن تجري مفاوضات بين الطرفين قبل انتهاء مدة المعاهدة والتي حددت بأربعين سنة .
-المسألة الإدريسية
حينما اوشكت صنعاء على انهاء مشكلة الادارسة بعد تحرير الحديدة عام 1925م , لم يرق للبريطانيين ذلك لسببين ,
الأول : إن انتهائها سيؤدي إلى استقرار الوضع الداخلي وسيمكن الدول اليمنية من تشكيل تهديد حقيقي لقواتهم في عدن خصوصا وأن وفدهم الذي أرسلوه إلى صنعاء في 1926م لم يتمكن من إقناع حكومة صنعاء بالاعتراف بشرعية وجودهم في عدن والمحميات .
والسبب الثاني : قلق بريطانيا من محاولة صنعاء السيطرة على جزر كمران وفرسان , التي كانت البحرية البريطانية تعتبرها ذات أهمية قصوى كقواعد بحرية , فضلا عن صلاحيتها كقواعد جوية , وفي هذا الصدد أكد مسؤول بريطاني في 26 سبتمبر 1926م ( أن بلاده لن تسمح بتبعية جزر فرسان وكمران لحاكم عربي معاد لها أو لسياستها في المنطقة ) وصرح أخر ( بأن بريطانيا قد تجد نفسها ملزمة باتخاذ إجراءات نشطة ضد الإمام يحي إذا ما حاول القيام بالمزيد من الاعتداءات على محمية عدن أو احتلال جزر كمران وفرسان ) .
ولإطالة أمد المشكلة الإدريسية تحركوا في اتجاهين
الاول : وجهوا مؤسساتهم التجارية في جزر فرسان بتزويد الإدريسي بالأسلحة والذخيرة .
والثاني : استفادوا من طموحات ابن سعود فأوعزوا إليه بالتدخل في النزاع بين الإمام والإدريسي .
وبالفعل أعلن ابن سعود في 1926م حمايته للإدريسي بصورة مفاجئة .
وكل ما حدث كان ضمن وسائل الضغط التي مارسها الإنجليز ضد حكومة صنعاء كي تتخلي عن جنوب اليمن . فقد أكد أحد المسؤولين البريطانيين عقب إعلان ابن سعود حمايته للإدريسي أن علاقة بلاده مع الملك ابن سعود ودية جدا ... وأن الحكومة البريطانية لا تستطيع التنبؤ بمسلك ابن سعود في السياسة العربية وأنها لا تملك التأثير عليه ).
- ضم عسير
واجهت اليمن اطماع ابن سعود خلال الفترة (1921- 1934م ) حول عسير ونجران وجيزان وهي مناطق يمنية شاسعة من الأرض تشمل العديد من المدن والقرى والأودية وتضم ساحلا ممتدا يحوي عددا من الجزر أهمها جزر فرسان في البحر الأحمر .
فتاريخيا إن الأسرة التي ينتمي إليها الشريف حسين بن علي بن عون والتي تولت شرافة مكة المكرمة عدة قرون سبق لها أعطت ولاءها لصنعاء مدة غير يسيرة , وأكد هذا كتاب تاريخ المملكة العربية السعودية الذي كان يدرس لتلاميذ المرحلة الثانوية بالسعودية في طبعته عام ( 1414هجرية الموافق 1993م ) جاء فيه ( أن ولاء الأشراف في مكة كان يتأرجح بين بغداد وصنعاء والقاهرة ).
وحينما هيمنت بريطانيا على شؤون الجزيرة العربية بعد انتصارها بالحرب العالمية الأولي (1914- 1918م ) جعلت ابن سعود ركيزتها الأساسية بدلا من الشريف حسين بن علي .
وأضحى ابن سعود سيفها المسلط على الأخرين والمعارضين للتواجد البريطاني في الجزيرة العربية . وحينما بدأ التنازع بين حكومة صنعاء وابن سعود عام 1926م بسبب إعلان ابن سعود حمايته للإدريسي أوضحت إيطاليا خلال مباحثاتها مع ابن سعود للاعتراف به أن إعلان الحماية لم يغير من الوضع القانوني لعسير وأنها ستعترف به ملكا على الحجاز ونجد فقط , فأرسل ابن سعود في 6 ديسمبر 1927م إلى اللورد لويد خطاب جاء فيه :
( إن هذا المسلك يعد تعديا على حقوق بلده في شبة الجزيرة العربية وسلطتها القومية , وأن هذا الإجراء من جانب إيطاليا يقصد منه تقوية حليفها الإمام ضد الحكومة البريطانية في اتجاه حدوده المجاورة لأراضي الحكومة البريطانية – يقصد بها جنوب اليمن - , وضد الملك ابن سعود صديق الحكومة البريطانية ) .
-احتلال ومعاهدة
فقد ظل ابن سعود يراقب التطورات على الساحة اليمنية سواء فيما يتعلق بالمشاكل الداخلية أو فيما يتعلق بالمواجهة مع بريطانيا فكان يستفيد من كل ذلك لتوسيع نفوذه على حساب المناطق اليمنية , ففي الوقت الذي كانت الطائرات البريطانية تقصف عددا من المناطق اليمنية في الجنوب كان ابن سعود يشن هجماته على عدد من المناطق اليمنية في الشمال , وفي الوقت الذي يقتل فيه البريطانيون عددا محددا من اليمنيين كانت قوات ابن سعود تقتل منهم عددا غير محدود .
ولما ادركت حكومة صنعاء أن ابن سعود لم يتوقف عن تلك الأفعال أراد أن يعيد ترتيب أوراقه السياسة فوافق على عقد اتفاقية ( الوضع الراهن مع بريطانيا في فبراير 1934م , ولكن في ذلك الوقت كان ابن سعود وبدعم من بريطانيا قد أكمل تجهيزاته العسكرية فقام بشن عدوانه على اليمن قبل ان تلتقط صنعاء انفاسها مما مكنه من شن عدوان على اليمن في مارس 1934م ومن ثم فرض معاهدة الطائف في مايو 1934م والتي كان من نتائجها احتلال عسير ونجران وجيزان اليمنية .
-تجدد الاطماع
بينما كانت بريطانيا من أهم العوامل في بناء الدولة السعودية , فإنها كانت من أهم العوامل في إجهاض الدولة اليمنية وتفكيكها .
وأن تزامن النزاع بين الدولة اليمنية وكل من بريطانيا والسعودية قد مكن الأخيرتين من تحقيق أهدافها , وكان عام 1934م , موعد الحصاد لكل منهما ففيه وقعت معاهدة صنعاء مع بريطانيا في شهر فبراير 1934م , وفيه ايضا أعلنت معاهدة الطائف بشهر مايو1934م بين صنعاء والرياض .
وان الصراع بين القوى اليمنية أفاد كلا من بريطانيا والسعودية فقد تدخلت كل منهما في ذلك الصراع بما يخدم مصالحها ويحقق أهدافها على حساب ابتلاع اراضي يمنية وتثبيت وشرعنه للمستعمر البريطاني في جنوب اليمن وخلال الفترة التي كان اليمنيون مشغولة فيها بمقاومة الاستعمار البريطاني تمكنت السعودية من مد حدودها إلى صحراء الربع الخالي والتي كانت موطن قوم عاد اليمنيين وكانت تعرف بصحراء الأحقاف .
وعقب خروج المستعمر البريطاني من جنوب اليمن احتلت السعودية منطقتي ( شرورة والوديعة ) في عام 1969م , وكانت هناك محاولة للاستيلاء على حضرموت وإقامة منطقة عازلة فيها .
ومازالت تلك الاطماع قائمة اليوم من قبل الرياض بحضرموت بابتلاعها كما ابتلعت قبل تسعين عام عسير مستغلة نفس الاوضاع والظروف التي عانت منها اليمن بالماضي والتي تتمثل اليوم بعدوان خارجي انجلو – امريكي بدأ بعدوان 2015م وانشغال اليمنيين بمقاومته وتفكك البلاد سياسيا وعسكريا وخضوع جنوب اليمن للاحتلال سعودي - اماراتي ومنها حضرموت والتي تجتهد الرياض بكل وسائلها المتعددة من سلخ حضرموت عن الوطن الأم كما سلخت واحتلت عسير بالماضي فحضرموت اليوم تُذكر اليمنيين بمأساة عسير وتدق ناقوس الخطر لتلك المطامع السعودية فيها عسى أن لا يكرروا اخطاء الماضي ومأساته .
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: الحکومة البریطانیة الجزیرة العربیة المناطق الیمنیة تلک المعرکة من بریطانیا حکومة صنعاء جنوب الیمن التی کان ما کان
إقرأ أيضاً:
دراسة تكشف عن المحافظة اليمنية التي ستكون منطلقا لإقتلاع المليشيات الحوثية من اليمن
كشفت دراسة حديثة صادرة عن مركز المخا للدراسات أن مدينة الحديدة قد تكون نقطة انطلاق لأي تصعيد عسكري محتمل ضد جماعة الحوثي، وذلك في سياق تزايد الهجمات على الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن.
الدراسة التي اطلع عليها موقع مأرب برس جاءت بعنوان "احتمالات التصعيد ضد الحوثيين في ظل الرغبة الأمريكية والاشتراط السعودي"، أوضحت أن الحكومة الشرعية اليمنية دعت إلى اعتماد استراتيجية أمريكية جديدة تتمحور حول تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، ودعم القوات الحكومية لاستعادة ميناء الحديدة الاستراتيجي، بالإضافة إلى استهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلها القيادي.
وأفادت الدراسة بأن هناك تحركات دبلوماسية أمريكية نشطة في الرياض، حيث عقد ممثلو مكافحة الإرهاب الأمريكيون لقاءات مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي.
تناولت هذه اللقاءات سبل مواجهة تهديدات الحوثيين على الصعيدين الداخلي والخارجي. ومع ذلك، أبدت السعودية تحفظًا على الانخراط في أي عملية عسكرية مباشرة دون توقيع اتفاقية شراكة أمنية مع واشنطن، تضمن لها مظلة دفاعية استراتيجية وحماية لمصالحها الإقليمية.
تعتبر مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة، ميناء الحديدة، ميناء الصليف، وميناء رأس عيسى، ذات أهمية استراتيجية كبيرة، إذ تتحكم بخطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر. منذ أن سيطر الحوثيون على المدينة في عام 2015، تمكنوا من تنفيذ هجمات على السفن التجارية والقطع البحرية، الأمر الذي دفع الدول الغربية إلى إعادة النظر في ضرورة تحرير المدينة.
وقد لاحظت الدراسة أن الفشل في إيقاف هجمات الحوثيين من خلال الضربات الجوية الغربية قد زاد من الرغبة الأمريكية في دعم عملية عسكرية برية تقودها القوات الحكومية لاستعادة السيطرة على الحديدة.
تطرقت الدراسة أيضًا إلى التحولات الإقليمية، مثل انحسار النفوذ الإيراني بعد التطورات في سوريا ولبنان. هذا الانحسار يعزز الضغط الدولي على الحوثيين باعتبارهم ذراعًا إيرانية في اليمن.
وفي الوقت نفسه، تشترط السعودية توقيع اتفاقية أمنية مع واشنطن قبل الانخراط في أي عملية عسكرية، لضمان دعم أمريكي طويل الأمد لأمنها الإقليمي.
خلصت الدراسة إلى أن أي تحول عسكري حاسم في اليمن يتطلب توافقًا دوليًا وإقليميًا، ودعمًا مكثفًا للحكومة الشرعية، من أجل كسر حالة الجمود العسكري والسياسي. كما أوصت باستغلال الإرادة الدولية الحالية لكسر سيطرة الحوثيين على الحديدة، لتحقيق تحول مماثل للحالة السورية، مما يسهم في الوصول إلى سلام شامل ومستدام في اليمن.